نابلس - تقرير خاص
لم تكن كالآخرين اختارت أن تترك بصمتها في الحياة حبا يغمر كل من عرفت، عطفا لا يميز بين صغير أو كبير، قلبا شفوقا يحيط بمن ازدحمت الآلام في صدورهم لتترك بعضا من فرح على وجههم، ماجدة فضة جابرة عثرات الكرام، حكاية أخرى من سلسلة التمرد على الاحتلال وظلمه...
فقد اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني الناشطة الإسلامية ماجدة فضة على جسر الملك حسين خلال عودتها من السفر، وتم تحويلها فورا للتحقيق حيث قضت هناك أيام عصبية، لكنها أذهلت المحققين الصهاينة بثباتها كالجبال وتحديها الواضح لكافة استفزازاتهم ورفضها الخنوع والاستسلام ليتم تمديد اعتقالها في بادئ الأمر 18 يوما، وعندما أيقن الاحتلال بفضله الذريع أصدر أمرا بتحويلها للاعتقال الإداري ستة أشهر.
بداية القصة: ماجدة الطفلة
ما تزال والدة الأسيرة ماجدة فضة تنتظر عودة ابنتها كل صباح، لعل الفرحة تباغتها، بعد أن فقدت الابتسامة الصباحية التي كانت تنثرها كل صباح قبل أن يفقدها التعب بريق النشاط الذي تستيقظ عليه، فتقول الوالدة: "هي واحدة من خمس بنات، عاهدت الله أنا ووالدهن أن نربيهن ونحسن في ذلك، وبفضله قد تمكنا من ذلك، كل بناتي قد تزوجن بعيدا عني، ولم تبقى إلا هي في المنزل لتؤنس وحدتنا".
وتكمل "أوضاعنا الصعبة حولتها إلى كتلة متوهجة من المشاعر التي تحاول من خلالها مساعدة أكبر عدد ممكن من الناس بأقصى ما تستطيع، لم أذكر أنها كانت ذا نشاط سياسي مميز في صغرها، إلا أنها كانت عالية الإحساس، فحاولت أن أبرزه لديها لتكون ما عليه الآن، خير رفيقة لكل من عرفت وصادقت، أنا لا أبالغ لكنها الحقيقة، لكل منا مميزاته التي يبرز من خلالها، واختارت هي طريقها، طفلة عادية في ظروف غير اعتيادية".
مهنتها
لم تكن المهنة التي اختارتها الدكتورة الصيدلانية بعيدا عن شغفها بالعمل الإنساني، فتقول والدتها: "ساعدها تخصصها في الصيدلة، أن تساعد الناس أكثر، من ناحية الاهتمام بتقديم الدواء المجاني لهم على حسابهم الخاص، بالإضافة إلى كونها عضوة في الجمعية الطبية العلمية، وذلك مكنها من الدخول إلى البلدة القديمة والاطلاع على أحوال الناس الصعبة، مما جعلها تعيش قضية المعاناة بحذافيرها".
وتتابع "كانت تعود من العمل كل يوم مرهقة من الأحوال الصعبة التي يعاني منها من تساعدهم وتخبرنا بما حصل معها خاصة أيام الاجتياحات، ثم تذهب إلى غرفتها وتبكي".
وتضيف الوالدة "كانت تبكيني وهي تخبرني عن مآسي سكان البلدة القديمة بشكل خاص... لم يكن بإمكاني مساعدتها في العمل الميداني، فأرشدتها إلى مؤسسات يمكن أن تقدم لها المعونة مثل الغرفة التجارية والمحافظة، وغيرها من المؤسسات والمراكز التي ستساهم بشكل كبير في عملها التطوعي، وحينما سافرنا إلى الإمارات كانت ترفض الخروج في أغلب الأحيان، وتقول لنا: "نحن نخرج ونستمتع وفلسطين الله وحده يعلم ما يحصل بها"، لأجد زوج ابنتي يقول لي "ماجدة أخجلتنا من أنفسنا، إنسانة تعمل لآخرتها، ونحن لا ندري عما يحصل في وطننا، نخرج ونستمتع".
اعتقالها
تقول أمها بصوت متهدل "هي غائبة عن المنزل منذ أربعة أشهر، شهر ونصف في الإمارات والباقي في السجن، أنا ووالدها نفتقدها كثيرا، وندعو الله كل صلاة أن يخفف عنها، ويفرج كربها، هي وباقي المعتقلين، ونحن نتوقع أن يفرج عنها قريبا فلا يوجد تهم، إلا أن ذنبها الوحيد مساعدة الآخرين الذي يعتبر في ظل الاحتلال جريمة لا تغتفر".
وتكمل "أخبرت أختها أنه حين تم اعتقالها لم تشعر بالخوف، وهذا الإحساس قد استمر حتى عندما وضعت في الزنزانة الانفرادية 27 يوما، فقد شعرت بأن الله معها وقد أنزل عليها سكينته، وحين حقق معها الضابط لم تكن مضطربة أو خائفة من شيء، فالمحقق نفسه أصبح هادئا معها حينما وجدها غير مهتمة، واثقة من نفسها، تعلم كيف تجيب ومتى، حتى أن السجينات استغربن من قوة احتمالها، خاصة المدة التي قضتها في الزنزانة بمفردها".
والد الأسيرة
أما والدها فعجوز قد أدى أمانته في بناته، رغم السنين الطوال التي مرت عليه إلا أن روحه القوية ما تزال كما هي، تدعمه ابنته وهي سجينة في أحد معتقلات العدو فيقول "تأتينا الأنباء عنها مطمئنة، أنا لا أنكر أني أخاف عليها، إلا أنني أعرف قوة شكيمتها، وقدرتها على الاحتمال".
ويمضي العجوز يسرد قصته مع أبنته "ربيتها على أن تكون شخصيتها مستقلة، فأعلم أنها لو كانت بحالة سيئة ستخبرنا، إلا أن وجودها في السجن لم يضعف من عزيمتها".
وكشف الأب أنها أبنته الأسيرة الدكتورة الصيدلانية ماجدة فضة رفعت قضيتين على المعسكر الذي تقيمه فيه، لأنهم عذبوها بأساليب ممنوعة دولية، كالكرسي الهزاز وجهاز كشف الكذب، كما أن احتمالها في الزنزانة الانفرادية مدة 27 يوما في غرفة لتتعدى المتر في متر، مع المرحاض بجدران غير مقصورة حتى".
وأضاف "بعد أن نقلوها إلى سجن عادي وضعوا عندها "عصفورة" –جاسوسة لصالح الاحتلال- وأفضل أن أقول عن هؤلاء الناس "صراصير"، إلا أنها قد ملت منها لصبرها، فتركت أغراضها ولم تعد وكل ذلك بفضل الله".
وقبل أن نودع هذه الأسرة الصابرة المحتسبة عدنا للأم لنجدها تردد بصوت خفيض دعاءً لابنتها وغيرها من المعتقلين، وتضيف مبتسمة بحزن "لا أدري ماذا أقول، لكنني أدعو الله أن أستيقظ على جرس المنزل، لأجدها أمامي، حينها لا أدري ماذا سأفعل، لكنني موقنة بأني سأضمها، وأخبرها بأنها الغالية وأنني اشتقت إليها أكثر مما تتوقع".
لم تكن كالآخرين اختارت أن تترك بصمتها في الحياة حبا يغمر كل من عرفت، عطفا لا يميز بين صغير أو كبير، قلبا شفوقا يحيط بمن ازدحمت الآلام في صدورهم لتترك بعضا من فرح على وجههم، ماجدة فضة جابرة عثرات الكرام، حكاية أخرى من سلسلة التمرد على الاحتلال وظلمه...
فقد اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني الناشطة الإسلامية ماجدة فضة على جسر الملك حسين خلال عودتها من السفر، وتم تحويلها فورا للتحقيق حيث قضت هناك أيام عصبية، لكنها أذهلت المحققين الصهاينة بثباتها كالجبال وتحديها الواضح لكافة استفزازاتهم ورفضها الخنوع والاستسلام ليتم تمديد اعتقالها في بادئ الأمر 18 يوما، وعندما أيقن الاحتلال بفضله الذريع أصدر أمرا بتحويلها للاعتقال الإداري ستة أشهر.
بداية القصة: ماجدة الطفلة
ما تزال والدة الأسيرة ماجدة فضة تنتظر عودة ابنتها كل صباح، لعل الفرحة تباغتها، بعد أن فقدت الابتسامة الصباحية التي كانت تنثرها كل صباح قبل أن يفقدها التعب بريق النشاط الذي تستيقظ عليه، فتقول الوالدة: "هي واحدة من خمس بنات، عاهدت الله أنا ووالدهن أن نربيهن ونحسن في ذلك، وبفضله قد تمكنا من ذلك، كل بناتي قد تزوجن بعيدا عني، ولم تبقى إلا هي في المنزل لتؤنس وحدتنا".
وتكمل "أوضاعنا الصعبة حولتها إلى كتلة متوهجة من المشاعر التي تحاول من خلالها مساعدة أكبر عدد ممكن من الناس بأقصى ما تستطيع، لم أذكر أنها كانت ذا نشاط سياسي مميز في صغرها، إلا أنها كانت عالية الإحساس، فحاولت أن أبرزه لديها لتكون ما عليه الآن، خير رفيقة لكل من عرفت وصادقت، أنا لا أبالغ لكنها الحقيقة، لكل منا مميزاته التي يبرز من خلالها، واختارت هي طريقها، طفلة عادية في ظروف غير اعتيادية".
مهنتها
لم تكن المهنة التي اختارتها الدكتورة الصيدلانية بعيدا عن شغفها بالعمل الإنساني، فتقول والدتها: "ساعدها تخصصها في الصيدلة، أن تساعد الناس أكثر، من ناحية الاهتمام بتقديم الدواء المجاني لهم على حسابهم الخاص، بالإضافة إلى كونها عضوة في الجمعية الطبية العلمية، وذلك مكنها من الدخول إلى البلدة القديمة والاطلاع على أحوال الناس الصعبة، مما جعلها تعيش قضية المعاناة بحذافيرها".
وتتابع "كانت تعود من العمل كل يوم مرهقة من الأحوال الصعبة التي يعاني منها من تساعدهم وتخبرنا بما حصل معها خاصة أيام الاجتياحات، ثم تذهب إلى غرفتها وتبكي".
وتضيف الوالدة "كانت تبكيني وهي تخبرني عن مآسي سكان البلدة القديمة بشكل خاص... لم يكن بإمكاني مساعدتها في العمل الميداني، فأرشدتها إلى مؤسسات يمكن أن تقدم لها المعونة مثل الغرفة التجارية والمحافظة، وغيرها من المؤسسات والمراكز التي ستساهم بشكل كبير في عملها التطوعي، وحينما سافرنا إلى الإمارات كانت ترفض الخروج في أغلب الأحيان، وتقول لنا: "نحن نخرج ونستمتع وفلسطين الله وحده يعلم ما يحصل بها"، لأجد زوج ابنتي يقول لي "ماجدة أخجلتنا من أنفسنا، إنسانة تعمل لآخرتها، ونحن لا ندري عما يحصل في وطننا، نخرج ونستمتع".
اعتقالها
تقول أمها بصوت متهدل "هي غائبة عن المنزل منذ أربعة أشهر، شهر ونصف في الإمارات والباقي في السجن، أنا ووالدها نفتقدها كثيرا، وندعو الله كل صلاة أن يخفف عنها، ويفرج كربها، هي وباقي المعتقلين، ونحن نتوقع أن يفرج عنها قريبا فلا يوجد تهم، إلا أن ذنبها الوحيد مساعدة الآخرين الذي يعتبر في ظل الاحتلال جريمة لا تغتفر".
وتكمل "أخبرت أختها أنه حين تم اعتقالها لم تشعر بالخوف، وهذا الإحساس قد استمر حتى عندما وضعت في الزنزانة الانفرادية 27 يوما، فقد شعرت بأن الله معها وقد أنزل عليها سكينته، وحين حقق معها الضابط لم تكن مضطربة أو خائفة من شيء، فالمحقق نفسه أصبح هادئا معها حينما وجدها غير مهتمة، واثقة من نفسها، تعلم كيف تجيب ومتى، حتى أن السجينات استغربن من قوة احتمالها، خاصة المدة التي قضتها في الزنزانة بمفردها".
والد الأسيرة
أما والدها فعجوز قد أدى أمانته في بناته، رغم السنين الطوال التي مرت عليه إلا أن روحه القوية ما تزال كما هي، تدعمه ابنته وهي سجينة في أحد معتقلات العدو فيقول "تأتينا الأنباء عنها مطمئنة، أنا لا أنكر أني أخاف عليها، إلا أنني أعرف قوة شكيمتها، وقدرتها على الاحتمال".
ويمضي العجوز يسرد قصته مع أبنته "ربيتها على أن تكون شخصيتها مستقلة، فأعلم أنها لو كانت بحالة سيئة ستخبرنا، إلا أن وجودها في السجن لم يضعف من عزيمتها".
وكشف الأب أنها أبنته الأسيرة الدكتورة الصيدلانية ماجدة فضة رفعت قضيتين على المعسكر الذي تقيمه فيه، لأنهم عذبوها بأساليب ممنوعة دولية، كالكرسي الهزاز وجهاز كشف الكذب، كما أن احتمالها في الزنزانة الانفرادية مدة 27 يوما في غرفة لتتعدى المتر في متر، مع المرحاض بجدران غير مقصورة حتى".
وأضاف "بعد أن نقلوها إلى سجن عادي وضعوا عندها "عصفورة" –جاسوسة لصالح الاحتلال- وأفضل أن أقول عن هؤلاء الناس "صراصير"، إلا أنها قد ملت منها لصبرها، فتركت أغراضها ولم تعد وكل ذلك بفضل الله".
وقبل أن نودع هذه الأسرة الصابرة المحتسبة عدنا للأم لنجدها تردد بصوت خفيض دعاءً لابنتها وغيرها من المعتقلين، وتضيف مبتسمة بحزن "لا أدري ماذا أقول، لكنني أدعو الله أن أستيقظ على جرس المنزل، لأجدها أمامي، حينها لا أدري ماذا سأفعل، لكنني موقنة بأني سأضمها، وأخبرها بأنها الغالية وأنني اشتقت إليها أكثر مما تتوقع".
تعليق