إعـــــــلان

تقليص

قوانين منتديات أحلى قلب

قوانين خاصة بالتسجيل
  • [ يمنع ] التسجيل بأسماء مخلة للآداب أو مخالفة للدين الإسلامي أو مكررة أو لشخصيات معروفة.
  • [ يمنع ] وضع صور النساء والصور الشخصية وإن كانت في تصاميم أو عروض فلاش.
  • [ يمنع ] وضع روابط لايميلات الأعضاء.
  • [ يمنع ] وضع أرقام الهواتف والجوالات.
  • [ يمنع ] وضع روابط الأغاني أو الموسيقى في المنتدى .
  • [ يمنع ] التجريح في المواضيع أو الردود لأي عضو ولو كان لغرض المزح.
  • [ يمنع ] كتابة إي كلمات غير لائقة ومخلة للآداب.
  • [ يمنع ] نشر عناوين أو وصلات وروابط لمواقع فاضحة أو صور أو رسائل خاصة لا تتناسب مــع الآداب العامة.
  • [ يمنع ] الإعــلان في المنتدى عن أي منتج أو موقع دون الرجوع للإدارة.

شروط المشاركة
  • [ تنويه ]الإلتزام بتعاليم الشريعة الاسلامية ومنهج "اهل السنة والجماعة" في جميع مواضيع المنتدى وعلى جميع الإخوة أن يتقوا الله فيما يكتبون متذكرين قول المولى عز وجل ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
    وأن يكون هدف الجميع هو قول الله سبحانه وتعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).
  • [ يمنع ] الكتابة عما حرم الله عز وجل وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم .
  • [ يمنع ] التعرض لكل ما يسىء للديانات السماوية أي كانت أو ما يسيء لسياسات الدول .
  • [ يمنع ] عرض الإيميلات في المواضيع والردود .
  • [ يمنع ] التدخل في شؤون إدارة الموقع سواء في قراراتها أو صلاحيتها أو طريقة سياستها .
  • [ يمنع ] الإستهزاء بالمشرفين أو الإدارة بمجملها .
  • [ يمنع ] التعرض لأي شخص بالإهانة أو الإيذاء أو التشهير أو كتابة ما يتعارض مع القوانين المتعارف عليها .
  • [ يمنع ] التسجيل في المنتديات لهدف طرح إعلانات لمواقع أو منتديات أخرى .
  • [ يمنع ] طرح أي شكوى ضد أي مشرف أو عضو علناً ، و في حال كان لا بد من الشكوى .. راسل المدير العام من خلال رسالة خاصة .
  • [ يمنع ] استخدام الرسائل الخاصة لتبادل الكلام المخل للآداب مثل طلب التعارف بين الشباب و الفتيات أو الغزل وإن إكتشفت الإدارة مثل هذه الرسائل سوف يتم إيقاف عضوية كل من المُرسِل والمُرسَل إليه ما لم يتم إبلاغ المدير العام من قبل المُرسَل إليه والرسائل الخاصة وضعت للفائدة فقط .
  • [ يجب ] احترام الرأي الآخر وعدم التهجم على الأعضاء بأسلوب غير لائق.
  • عند كتابة موضوع جديد يرجى الابتعاد عن الرموز والمد الغير ضروري مثل اأآإزيــــآء هنـــديـــه كـــيـــوووت ~ يجب أن تكون أزياء هندية كيوت
  • يرجى عند نقل موضوع من منتدى آخر تغيير صيغة العنوان وتغيير محتوى الأسطر الأولى من الموضوع

ضوابط استخدام التواقيع
  • [ يمنع ] وضع الموسيقى والأغاني أو أي ملفات صوتية مثل ملفات الفلاش أو أي صور لا تتناسب مع الذوق العام.
  • [ يجب ] أن تراعي حجم التوقيع , العرض لا يتجاوز 550 بكسل والارتفاع لا يتجاوز 500 بكسل .
  • [ يمنع ] أن لا يحتوي التوقيع على صورة شخصية أو رقم جوال أو تلفون أو عناوين بريدية أو عناوين مواقع ومنتديات.
  • [ يمنع ] منعاً باتاً إستخدام الصور السياسية بالتواقيع , ومن يقوم بإضافة توقيع لشخصية سياسية سيتم حذف التوقيع من قبل الإدارة للمرة الأولى وإذا تمت إعادته مرة أخرى سيتم طرد العضو من المنتدى .

الصورة الرمزية للأعضاء
  • [ يمنع ] صور النساء المخلة بالأدب .
  • [ يمنع ] الصور الشخصية .

مراقبة المشاركات
  • [ يحق ] للمشرف التعديل على أي موضوع مخالف .
  • [ يحق ] للمشرف نقل أي موضوع إلى قسم أخر يُعنى به الموضوع .
  • [ يحق ] للإداريين نقل أي موضوع من منتدى ليس من إشرافه لأي منتدى أخر إن كان المشرف المختص متغيب .
  • [ يحق ] للمشرف حذف أي موضوع ( بنقلة للأرشيف ) دون الرجوع لصاحب الموضوع إن كان الموضوع مخالف كلياً لقوانين المنتدى .
  • [ يحق ] للمشرف إنـذار أي عضو مخالف وإن تكررت الإنذارات يخاطب المدير العام لعمل اللازم .

ملاحظات عامة
  • [ يمنع ] كتابة مواضيع تختص بالوداع أو ترك المنتدى وعلى من يرغب في ذلك مخاطبة الإدارة وإبداء الأسباب.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام التعديل على كل القوانين في أي وقت.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام إستثناء بعض الحالات الواجب طردها من المنتدى .

تم التحديث بتاريخ 19\09\2010
شاهد أكثر
شاهد أقل

أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

    يسلموو مروركم

    ومتابعة القصة

    ان شاء الله تكون نالت اعجابكم

    اليوم راح أنزل جزء من القصة " الحلقة الثانية والثلاثون "

    وان شاء الله تنال اعجابكم

    بس حبيت أحكيلكم انو هلأ راح أتوقف عن سرد القصة لغاية انتهاء الشهر الفضيل

    وكل عام وأنتم بألف خير وصحة

    وان شاء الله ينعاد عليكم رمضان بالصحة والبركة

    تعليق


    • #92
      رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

      الحلقة الثانية و الثلاثون



      ********


      ~ كيد النون ~






      لأن الظروف لم تسمح لنا قبل الآن بشراء خاتمي الخطوبة، و أقصد بذلك ظروف وليد ، فإنني فتحت الموضوع معه مؤخرا، بعدما مضت فترة على وفاة والديه، رحمهما الله.

      قررنا أن نذهب لشراء الخاتمين و الشبْكة غدا.. لن نقيم أي احتفال، إنما عشاء خاص بي معه...

      وليد، هو رجل رائع بكل المقاييس.. ربما كان التعويض الذي أرسله الله لي عوضا عما فقدت.

      في مظهره، وسم، جذاب ! طويل القامة، عريض المنكبين، ممتلىء الجسم و الوجه!
      في أخلاقه، كريم.. لطيف..نبيل.. متفان، مقدام !
      في عمله، مخلص، صادق.. أمين.. مجتهد، نشيط جدا!

      في أول مرة التقينا، كان ذلك قبل عدة أشهر، حين دخل رجل غريب إلى المنزل و هو يستنجد!

      عندما أتذكر ذلك اليوم ، و رغم المرارة التي كانت فيه، أضحك !

      لقد خرجت من المنزل راكضة .. بملابسي المجردة !

      حينما عرض علي الزواج ، فرحت كثيرا.. أمي و خالي كانا يمدحانه أمامي باستمرار، و أنا كنت ألحظ إعجابهما بخلقه و طبعه، و أعجبت به مثلهما ...

      علاقتي بوليد كانت بالكاد قد بدأت تتطور، ألا أن تطوّرها أخذ منحى آخر حين حضرت رغد للعيش معنا...

      و هذه الرغد فتاة غريبة الأطوار !

      أول الأمر كانت غارقة في الحزن، ثم بدأت تتفتح للحياة، و الآن بفرض وجودها في ساحة وليد !

      إنه يهتم بها كثيرا جدا، و يعاملها و كأنها ملكة ! تصدر الأوامر و هو ينفّذ .. حتى أنه يفكر جديا في شراء طقم غرفة النوم الباهظ الذي أشارت إليه اليوم .. !

      و يريد تحويل إحدى غرف المنزل إلى غرفة خاصة بها، بعدما طلبت هي مؤخرا أن تنام في غرفة مستقلة !

      أنها فتاة مدللة جدا، و وجودها أبعد وليد عني ، و جعله يصرف جل الاهتمام لها هي .. و يهملني ...

      اليوم ذهبنا إلى الأسواق تنفيذا لرغبتها، حيث اختارت طقم غرفة النوم ذاك، و اشترت العديد من الأشياء .. بمبالغ كبيرة !

      أنا أخشى أن أتحدّث معها أو مع وليد حول هذه النقطة، حتى لا أسبب مشكلة و يتهمني أحد بشيء، لكن...

      نحن في وضع مالي متواضع ! و هي، كانت من عائلة ثرية معتادة على نيل ما تريد بسهولة...و لا أعلم، متى سيمكنها أن تدرك تماما أن والديها قد توفيا... و أنها لم تعد تتربى في عزّهما و دلالهما!

      و رغم ما أنفقته رغد هذا اليوم، فأنا لم أتنازل عن رغبتي في شراء خاتمي الخطوبة و طقم الشبكة، فهي من حقّي، و قد وعدني وليد بالذهاب لأسواق المجوهرات و شرائها...





      ~ ~ ~ ~ ~ ~




      العلاقة بين رغد و أروى تزداد اضطرابا مرة بعد أخرى، و هذا يقلقني كثيرا...

      رغد، في أحيان ليست بالقليلة تتصرف بغرابة، لا أعرف وصفا دقيقا أذكره لكم، لكن.. إنها .. تتدلل كثيرا !

      و لأنها معتادة على الدلال، و تنفيذ جميع رغباتها دون استثناء، و لأنني الشخص الوحيد المتبقي أمامها من العائلة، فإنها .. باختصار تتدلل علي !

      نعم حينما كانت صغيرة كنت أعشق تدليلها و أقبل على ذلك بشغف، ألا أن الأمر تغيّر الآن..إنها لم تعد طفلة كما أنني... إنني...
      ماذا أقول ؟؟
      لست أباها، أو أخاها، أو زوجها أو حتى ابنها لأستطيع مجاراتها ببساطة في كل تصرفاتها... أنا حائر.. حائر جدا!

      البارحة، و بعدما عدنا من السوق، و قد اشترت هي العديد من الأشياء، فوجئت بها قادمة نحوي، و قد تغيّر لون عينيها إلى الأزرق ! و إذا بها تسألني :

      " كيف أبدو ؟ "

      كنت أجلس و أروى في الصالة، نتحدّث عن الخاتمين اللذين تصر أروى على شرائهما، و أظن هذا من حقّها فهي تود وضع خاتم للخطوبة مثل أي فتاة !
      اعتقد أن الفتيات يهتممن بأمور تبدو في نظر الرجال، أو لنقل في نظري أنا كواحد من معشر الرجال ... لا تغضبن ! سخيفة أحيانا !

      نظرت ُ إلى أروى ثم إلى رغد مندهشا.. و كانت لا تزال تنتظر رأيي في لون عينيها الجديد ! شعرت بالحرج الشديد .. فقلت :

      " هل صبغتيهما بالفرشاة ؟! "

      قاصدا أن تبدو دعابة خفيفة تلطّف الجو، ألا أن رغد نظرت إلى أروى و قالت :

      " و هل أنت ِ صبغتِ عينيك بالفرشاة ؟ "

      قالت أروى :

      " لا ، صبغهما الله لي هكذا ، لذا فهما تناسباني تماما "

      الجملة أزعجت رغد ، فقالت بغيظ :

      " تعنين أن لون عيني الآن لا يناسبني ؟ "

      صمتت أروى، و نظرت إلي، تقصد تحويل السؤال إلي .. ، و لذا نظرت رغد نحوي و أنا أرى الغضب يتطاير من عينيها هاتين.. و لم أجد جوابا مناسبا ألا أنني لم أشأ إحراجها فقلت :

      " و إن ناسباك ، فالأصل هو الأنسب دائما "

      و إجابتي الغبية هذه لم تزد الطين إلا بللا !

      قالت غاضبة :

      " نعم الأصل هو الأنسب دائما، هذا ما يجب أن تدركه أنت ! "

      و لم أفهم ما ترمي إليه ! ثم أضافت :

      " لو كان سامر هنا، لصفّر إعجابا "

      ثم استدارت و غادرت الصالة...

      تضايقت أنا من هذا الموقف.. و التزمت الصمت مدّة ، ألا أن أروى قطعت الحديث قائلة :

      " ألم أقل لك !؟ إنها تغار مني "

      التفت إليها و قلت :

      " لا ، ليس الأمر كذلك ! لكنك لا تعرفين كم كانت مدللة تفعل ما تشاء في بيت أبي... كان رحمه الله يدللها كثيرا "

      قالت أروى :

      " و ها أنت ورثته ! "

      التفت إلى أروى، فأشاحت بوجهها عني.. و كأنها غاضبة مني ..

      قلت :

      " ما بك أروى ؟ ماذا يزعجك ؟ "

      التفتت إلي و أجابت :

      " ألست تدللها أنت أيضا ؟ "

      قلت :

      " أ لأنني سمحت لها بشراء كل ما أرادت ؟ تعلمين أن أغراضنا احترقت في بيتنا و هي بحاجة لأشياء عدّة ! "

      " أشياء عدّة كالملابس الباهظة التي اشترتها و الحلي أيضا ؟؟ بربّك ما هي فاعلة بها و هي باقية في هذا البيت بالحجاب و العباءة ! "

      سكتت قليلا و قالت :

      " لم لا ترسلها إلى خطيبها لبعض الوقت ؟ أظنها في حنين إليه "

      وقفت منزعجا و رميت أروى بنظرة ثاقبة ، جعلتها تعتذر

      " لم أقصد شيئا يا وليد إنما ..."

      قلت مقاطعا :

      " يجب أن تعرفي يا أروى.. أن رغد هي جزء من مسؤولياتي أنا، الجزء الأكبر.. و متى ما شعرت بالضيق من وجودها فأعلميني، و في الحال سآخذها و نرحل "

      ظهر الذهول على ملامح أروى ، فوقفت و قالت :

      " وليد ! "

      قلت :

      " نعم ، نرحل سوية.. لأنه لا يوجد سبب في هذا العالم يجعلني أتخلى عن ابنة عمي ساعة واحدة، مهما كان "

      و كان هذا بمثابة التحذير ...

      قالت أروى :

      " و .. حين نتزوّج ؟ "

      صمت فترة ، ثم قلت :

      " لن يكون زواجنا قبل زواجها هي ، بحال من الأحوال "

      " و .. متى ستتزوج هي و أخوك ؟ "

      قلت بسرعة و بغضب :

      " ليس الآن، لا أعرف ، ربما بعد عام أو عشرة .. أو حتى مئة ، لكن ما أعرفه هو أنني لن أتزّوج قبلها مطلقا "

      و تركت أورى، و انصرفت قاصدا رغد...
      نعم رغد، فهي من يشغل تفكيري هذه الساعة، و كل ساعة..


      كنت أعرف أنني سأراها باكية.. و هكذا رأيتها بالفعل.. و قد نزعت العدستين الزرقاوين، و تحول بياض عينيها إلى احمرار شديد...

      " صغيرتي.. يكفي ! "

      طالعتني بنظرة غاضبة ، و قالت :

      " كنتما تسخران مني ، أليس كذلك ؟ "

      " لا أبدا ! لا يا رغد ! "

      قالت بانفعال :

      " لو كان سامر هنا ، لقال قولا لطيفا و لو من باب المجاملة.. "

      و ذكر اسم سامر يجعلني أتكهرب !

      قلت بدون تفكير :

      " أنت ِ رائعة إن بهما أو بدونهما يا رغد "

      و ابتلعت لساني بسرعة !

      رغد تأملت عيني، و ربّما سرّها ما قلت.. فمسحت الدمعتين الجاريتين على خديها ، و قالت :

      " حقا ؟ هل بدوت رائعة ؟ "

      اضطربت، حرت في أمري.. بم أجيب ..؟؟

      يا رغد أنت تثيرين جنوني.. ماذا تتوقعين مني ؟ أنا.. و للأسف، و بكل أسف.. لست زوجك حتى يحل لي أعجب بك و أبدي إعجابي لك.. كيف لي أن أصرّح أمامك : أنت رائعة، و أنت لست ِ ملكي..؟ أنى لي أن أتأملك و أنت لست ِ زوجتي أنا ؟؟
      يا رغد.. أنت لستِ امرأتي و أنا لا أستطيع تخطي الحدود التي يجب أن تبقى بيننا..
      و إن لم أر روعتك، و لم أتأملها و لم أعلّق عليها، فلتعلمي بأنك في قلبي أروع مخلوقة أوجدها الله في حياتي.. مهما كان مظهرك ..

      لا تزال تنظر إلي منتظرة الإجابة.. كطفلة صغيرة بحاجة إلى كلمة طيبة من أحد.. قلت :

      " بالطبع ! أنت دائما رائعة منذ صغرك ! "

      رغد ابتسمت، أظن بفرح.. ثم قامت و اتجهت إلى أحد الأكياس التي تحوي ما اشترته من السوق، و أخرجت بعض الأشياء لتريني إياها !

      أرتني أحد الفساتين، و هي تقول :

      " هذا سيدهشك ! انظر .. ما رأيك ؟؟ "

      الفستان كان أنيقا، و في الواقع أنا لست خبيرا بمثل هذه الأمور ، لكني أظن أنه من النوع الذي يعجب النساء !

      قالت :

      " سيغدو أجمل حين أرتديه ! "

      و قربته من جسمها و ذهبت لتشاهد ذلك أمام المرآة..

      كانت تبدو سعيدة ..

      قالت تخاطب المرآة :

      " متأكدة سيبهر دانة حين تراه ! و ستشعر بالغيظ ! "

      ثم اكفهر وجهها فجأة .. و شردت برهة ، و استدارت إلي .. و رمت بالفستان على السرير..

      قلت :

      " ما الأمر ؟ "

      قالت :

      " أريد أن أرتديه "

      قلت :

      " إذن افعلي ! "

      قالت و بريق من الدموع لمع في عينيها :

      " أرتديه لأبقى حبيسة في هذه الغرفة ؟ "

      و صمتت قليلا ثم قالت :

      " لو كان والداي حيين.. لكنا الآن هناك، في بيتنا.. أريهما أشيائي هذه، و أسمع تعليقاتهما.. "

      " رغد .. "

      " و لكنت ارتديت ما أشاء.. و تزيّنت كيفما أريد .. بكل حرية.. "

      " رغد صغيرتي ... "

      " و لكنت اشتريت ما يحلو لي دون حساب.. و لطلبت من والدي تجديد طقم غرفة نومي .. لم يكن ليتضايق من طلباتي.. فقد كان يحبني كثيرا.. و يدللني كثيرا.. و يحرص على مشاعري كثيرا.. أكثر من أي أب آخر في الدنيا .. "

      و ارتمت فوق الفستان المرمي على السرير، و أخذت تبكي بحرقة...

      تمزّق قلبي أنا .. خلية خلية..لهذا الموقف الأليم المرير.. و رغما عنّي تمخّضت مقلتي عن دمعة كبيرة...

      اقتربت منها محاولا المواساة :

      " أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي .. "

      رغد استمرت في البكاء ، و لم تنظر إلي ، لكنها قالت وسط الآهات :

      " لن يشعر أحد بما أشعر به.. حبيسة و مقيّدة في هذا المكان..
      ليتهما يعودان للحياة.. و يعيداني معهما إلى البيت.. و أنا سأتخلى عن كل شيء فقط لأعيش معهما ! "

      مسحت دمعتي ، و قلت بصوت ألطف و أحن :

      " بالله عليك يا رغد.. يكفي فقد تفطّر قلبي "

      رغد استدارت نحوي، و أخذت تنظر إلي مطولا..

      ثم قالت :

      " هل تحس بما أحسّه يا وليد ؟؟ أتعرف معنى أن تفقد والديك، و مرتين، و بيتك و عائلتك، و مدينتك و جامعتك، و تبقى مشردا عالة متطفلا على غرباء ؟ في مكان لا يوفر لك أبسط حقوقك ؟ أن ترتدي ما تشاء ! "

      " رغد ! ماذا بيدي ؟ أخبريني ؟ ماذا أستطيع أن أفعل ؟ و حتى لو خرجنا من هذا المنزل و سكنا منزلا آخر... لا حل للمشلكة ! "

      " بلى ! "

      قالت رغد ذلك بسرعة ، فقلت أنا مسرعا :

      " ما هو ؟ "

      رغد الآن.. عقدت لسانها و هي تنظر إلي نظرات عميقة، كأنها تفكّر فيما تود قوله ثم قالت للقهر :

      " أرسلني إلى بيت خالتي "

      ذهلت لسماع هذه الجملة ، و ترنحت قليلا ، ثم سألت :

      " إلى بيت خالتك ؟؟ كيف ؟ و زوج خالتك ؟ و حسام ؟؟ "

      قالت :

      " أتزوّجه "

      هنا .. توقّف قلبي عن النبض، و توقفت عيناي عن الرؤية، و أذناي عن السمع، و كل حواسي عن العمل ، بل و الساعة عن الدوران...

      لم أسترد شيئا من حواسي المفقدوة إلا بعد فترة، و أنا في المزرعة ..
      و كان أول شيء استعدته هو الشم، إذ غزت رائحة السيجارة أنفي و أيقظت إحساسه عنوة ...

      قلبتني جملتها هذه رأسا على عقب... و بعد أن كنت شديد الحزن و التعاطف معها، أصبحت أرغب في خنقها..

      حسام ؟ نعم حسام.. إنه الحبيب السري الذي يعيش في قلب رغد منذ الطفولة.. ليس في قلبها فقط، بل و في صندوق أمانيها الذي لم أنسه يوما...

      أهذا ما تريدين يا رغد ؟؟




      لم تمض تلك الليلة بسلام.. ظل قلبي ينزف ..من الطعنة العميقة التي سددتها رغد إلى صدري...

      لذا فإنني عاملتها بشيء من الجفاء في اليوم التالي، و حين هممنا أنا و أروى بالذهاب إلى السوق لشراء الخاتمين و العقد، و سألتني إذا كنا نسمح بذهابها ، أجبت :

      " أروى تريد أن نشتريهما بمفردينا "

      " و تتركاني وحدي ؟؟ "

      " لا ، بل مع الخالة ليندا "

      و لم أسمح لها بإطالة الحديث، بل انصرفت مباشرة...




      ~ ~ ~ ~ ~





      و ليته أحضرها عوضا عن كل هذا !

      فبدلا من تأمل المجوهرات، يتأمل الساعة بين الفينة و الأخرى.. و اتصل مرتين لسؤال أمي عنها !

      بصراحة، وليد يبالغ في اهتمامه بها و أنا منزعجة من هذا الأمر.. و أتمنى لو يأتي خطيبها و يعتني بها لبعض الوقت، حتى نتنفّس !

      تجوّلنا كثيرا، بحثا عن طقم يناسبنا.. و وليد لم يكن مركزا معي جيدا، بل كان يقول عن أي كل عقد أسأله عن رأيه به :

      " جميل، دعينا نشتريه ! "

      اخترنا في النهاية طقما جميلا مناسبا، بالإضافة إلى خاتمي الخطوبة .. و أراد وليد أن نعود للمزرعة لكنني ألححت علي بالذهاب إلى مطعم و تناول العشاء هناك..
      إنها فرصة ذهبية بالنسبة لي، لا وجود لرغد معنا!

      " فيم تفكّر ؟ "

      سألته و أنا أراه شاردا، قال :

      " أأ .. في المزرعة ، تعرفين أننا تركنا عمل اليوم غير منجز .. حالما أعود فسأنجزه "

      قلت :

      " أوه وليد ! أتفكّر بالعمل حتى و أنت معي هنا ؟ دع عنك المزرعة و شؤونها و لنتحدّث في أمور تخصّنا "

      لم تظهر عليه أمارة مشجعة ، تضايقت من شروده عني ، قلت :

      " وليد ! أنا معك ! هل تراني ؟ "

      الآن ابتسم و قال :

      " طبعا أروى ! أنا آسف..، فيم تودّين الحديث ؟ "

      قلت ببعض الخجل :

      " في أمور بيتننا و خطط مستقبلنا ! "

      قال وليد :

      " أخبرتك بأننا لن نتزوّج قبل رغد "

      رميت بالملعقة التي كانت بين أصابعي ، أتناول بها طبق المهلبية الباردة .. و قلت بانفعال :

      " رغد ثانية ! أوه .. رغد ، رغد ، رغد ! وليد ! هللا توقفت عن ذكرها أمامي كل ساعة ؟؟ "

      قال وليد و هو مرتبك :

      " أروى ! ما حلّ بك ؟؟ "

      قلت :

      " ما حلّ بك أنت ؟؟ ألا تشعر بأنك تهملني من أجلها ؟ إنني خطيبتك ! "

      قال :

      " أنا آسف يا أروى، لكنك .. لا تعلمين ما تعنيه رغد بالنسبة لي .. "

      قلت :

      " ماذا تعني ؟؟ "

      وليد غيّر الجملة و قلب السؤال ، إلى ما يعنيه هو بالنسبة لها ، إذ قال :

      " إنها فتاة يتيمة، و بلا بيت و لا عائلة و لا ولي غيري، إن أهملتك أنت، فباستطاعتك اللجوء إلى أمك أو خالك، أما إن قصّرت مع ابنة عمي اليتيمة الوحيدة ، فإلى من ستلجأ ؟؟ "

      أنا قلت مباشرة :

      " إلى خطيبها "

      و لا أدري لم انزعج وليد فجأة و قال :

      " لنغيّر الحديث، ماذا كنت تودين قوله بشأن المزرعة ؟؟ "

      قلت :

      " أي مزرعة ؟؟ "

      " المزرعة ! ألم تتحدثي عن المزرعة و مستقبلنا فيها ؟ "

      اشتططت غضبا و قلت :

      " بل عن عش الزوجية و خططنا المستقبلية فيه "

      احمرّ وجه وليد ، و تمتم بجمل الاعتذار...

      لكن ، أي اعتذار يا وليد؟ إنني أشعر بأنك لا تشعر بوجودي ... و كأنني لست خطيبتك.. و كأننا لن نتزوّج ذات يوم !

      عندما عدنا إلى المزرعة ، و لم أكن أنا سعيدة بالقدر الذي تمنيت، دخلت إلى المنزل مباشرة ، أما وليد فذهب لينجز أعمال اليوم التي اضطر لتركها من أجل مرافقتي...

      في الصالة، وجدت رغد جالسة تقرأ أحد الكتب..

      " تأخرتما "

      " نعم، فقد ذهبنا إلى المطعم.. و تنزهنا لبعض الوقت "

      و ظهر الاستياء على وجهها، و قالت :

      " و هل اشتريتما الخاتمين ؟ "

      " أجل "

      " هل أستطيع رؤيتهما ؟ "

      قلت بحنق :

      " نعم طبعا ، لكن غدا ، بعدما نلبسهما أنا و وليد لبعضنا البعض "

      قالت :

      " و أين وليد ؟ "

      " في المزرعة ، سيعمل لبعض الوقت "

      و استأذنت و ذهبت إلى غرفتي...





      ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




      تركتني في غيظي ، اشتعل نارا كجهنم.. أكاد أحرق أوراق المجلة التي بين يدي
      و لكن لا
      لن أفوّت هذا بسهولة ! و لسوف أفسد عليهما سهرة الغد و أحرمهما من الهناء بخاتميهما !

      نزعت الخاتم الذي ظل بنصري الأيمن محبوسا به لأربع سنين...
      لم أكن قد نزعته قبل الليلة، كما لم أكن قد أبلغت وليد عن انفصالي الشرعي عن سامر.. رغم أن فترة قد مضت على ذلك..

      لم أكن أريده أن يشعرني بأنه مهتم بي فقط و فقط لأنه ليس لدي من يهتم بي غيره.. كنت أود أن أشعر.. بأنه يهتم بي و يحبني و يريد بقائي معه حتى لو كان والداي على قيد الحياة ، ليس فقط حتى مع وجود خطيب لي..


      عندما سألني :

      " ماذا بيدي ؟ ما حل المشكلة "

      كدت أقول :

      " تزوّجني ! "

      و كم كنت سأبدو بلهاء غبية و أنا أعرض على ابن عمّي ، و المرتبط، و الذي نعيش في بيت خطيبته أن يتزوّجني !

      أردت أن ألفت نظره إلى وجود حل اسمه الزواج ، فقلت :

      " أتزوج حسام "

      و انتظرت ردة فعله، انتظرت أن أرى مقدار اهتمامه بي .. و رغبته في بقائي معه..كم تمنيت لو يهتف :

      " مستحيل ! "

      إلا أنه التزم الصمت، ثم غادر...

      أحيانا.. أشعر بأنه يهتم بي و يحبني كثيرا.. لكن.. مثل حبه لدانة.. و أنا أريده أن يحبّني مثلما أحبه أنا.. و أن يعجب بي أنا.. و ألا ينظر إلى عيني امرأة غيري أنا !
      و إن كان يريد رؤية عيون زرقاء، أو خضراء، أو حتى صفراء.. فأنا سأغير لون عيني و شعري و وجهي و كل شيء لإرضاء ذوقه !

      لقد قال إنني رائعة منذ الطفولة ! كم أشعر بالسعادة كلما تذكرت هذه الجملة ! إنها كنزي الثمين الذي أفتحه و أنعش مشاعري به كلما أصابني اليأس ..

      وليد و أروى يخططان لقضاء سهرة خاصة بهما ليلة الغد، للبس الخاتمين.. و أنا .. أخطط لأن أمرض غدا، و أقلق وليد بشأني، و أصرف تفكيره عن السهرة الخاصة، و أحرم أروى مما تصبو نفسها إليه !

      سترين يا أروى !






      ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





      لأنني لا أحب تأجيل عمل اليوم إلى الغد، و لأنني سأضطر لاختصار ساعات العمل غدا أيضا، من أجل السهرة التي تريدها أروى احتفالا بوضع الخاتمين ، فإنني قررت أن أقضي ساعات في العمل بالمزرعة الآن...

      كنت متعبا، فقد قمت بعدة أشياء منذ الصباح، و كان يوما حافلا بالمهام التي كان علي إنجازها.. عدا عن هذا ، فهناك فتاة صغيرة تلعب في دماغي منذ الأمس، و تسبب لي صداعا رهيبا !

      انتصف الليل، و أنا لا أزال في المزرعة أبذل مجهودا بدنيا لا يتناسب و الظلام و التوقيت، ألا أنني لم أشأ المغادرة قبل إتمامه...

      كنت سأنقل بعض الأشياء إلى السيارة الحوض، إلا أنني حين وجدتها على مبعدة ، تقاعست عن تحريكها، فآخر شيء أفكر به هو قيادة سيارة الآن، اذا قمت بحمل بعض تلك الأشياء بجهد إلى الحوض، و تركت البقية لأنقلها في اليوم التالي، فقد أرهقت كثيرا جدا...

      كنت أتصبب عرقا، و أشعر بإعياء شديد، و بحاجة ماسة و فورية للاستحمام ، و النوم مباشرة...

      عدت إلى المنزل منهك القوى شديد التعب، متوقعا أن يكون الجميع نيام في مثل هذا الوقت ، لذا دهشت حين رأيت رغد جالسة في الصالة تقرأ كتابا !

      " ألم تنامي بعد ؟ "

      رفعت رغد عينيها عن الكتاب ، و قالت :

      " ليس بعد "

      و كانت نظراتها حادة توحي برغبة منها في الشجار !

      و هو شيء أفضل الغرق في المحيط عليه، خصوصا و أنا بهذا الحال و التعب !

      " تصبحين على خير "

      قلت ذلك، و توجهت نحو غرفة نومي، لأنفذ بجلدي، و لكنني ما كدت أخطو بضع خطوات حتى سمعتها تناديني :

      " وليــــد "

      يا رب !

      لست بمزاج جيّد لتلقي أي لوم و عتاب على تركك وحدك كل هذه الساعات ! أجّلي كل هذا للغد يا رغد ! و أعدك بأنني سأتلقى هجومك بأوسع صدر !

      التفت إلى الوراء ، و لم أجب ... لكن لسان حالي أجاب : نعم ؟

      أغلقت الكتاب الذي بين يديها، و وقفت ..

      إنه التأهّب للهجوم ! رغد أرجوك الرحمة ! هذه الليلة فقط !

      " أنا جائعة "

      هل سمعتم شيئا كالذي سمعت ؟؟ تقول جائعة !

      " ماذا ؟ "

      " أنا جائعة ! "

      تلفت يمينا و شمالا.. أبحث عن شخص يؤكد لي ما سمعت !

      " ألم تتناولي عشاءا ؟ "

      " كلا "

      " حسنا ، لم لا تذهبين للمطبخ و تحضّرين وجبة لك ؟؟ "

      قالت :

      " أشتهي البيتزا "

      " البيتزا ؟ "

      " نعم ! البيتزا "

      قلت :

      " و لكن تحضيرها سيستغرق وقتا ! لم َ لم تعدّيها قبل الآن ؟ "

      " لا أعرف طريقة لتحضيرها، و لا أريد أن أعرف، كما و أنني شعرت بالجوع الآن فقط "

      و بالتالي ماذا ؟؟

      قلت :

      " حسنا ، حضّري شيئا آخر .. "

      " أريد بيتزا "

      " رغد ! و هل تعتقدين أنني أستطيع تحضير بيتزا ؟؟ "

      " تستطيع شراءها من المطعم "

      نظرت إلى الساعة ، كانت الواحدة ليلا !

      " مطعم ؟ الآن ؟؟ "

      " نعم ، لابد أنه يوجد مطعم واحد على الأقل مفتوح الآن "

      و هذا يعني أن علي ّ أنا الذهاب للبحث عن مطعم و جلب البيتزا ! آخر عمل أفكّر في القيام به على الإطلاق !

      " حضّري لك أي وجبة من الطبخ ، الوقت متأخر و أنا متعب .. "

      " لا أشتهي غير البيتزا ! "

      " كلي أي شيء الآن ، و غدا آخذك إلى المطعم "

      قالت :

      " معكما أنت و أروى ؟ "

      و رمقتني بنظرة حادة .. ثم أضافت :

      " هل تقبل العروس ؟ "

      تنهّدت ، و قلت خاتما الموضوع :

      " أمامك المطبخ بما حوى ... تصبحين على خير "

      و استدرت و تابعت طريقي، و لما بلغت الباب و فتحته سمعتها تقول :

      " لو كان سامر هنا ، لما سمح بأن أنام و أنا جائعة ! و لكان لفّ العالم ليحضر لي ما أريد "

      أفلتت أعصابي، صفعت الباب بقوّة و أنا أستدير إليها ، و أراها تجلس على المقعد و تحني رأسها إلى الأرض، و تبدأ بالبكاء...

      سرت إليها و وقفت قربها و قلت بعصبية :

      " حسنا.. أنا ذاهب لإحضار ما تريدين "

      و سكت لأتنفس، ثم تابعت :

      " لا تستفزّيني هكذا ثانية ! "

      رفعت رأسها و نظرت إلي، ربما نظرة استغراب أو اعتذار ، لم أكد أميّزها لأنني سرعان ما استدرت و ذهبت نحو الباب، و ما أن فتحت الباب حتى وصلني صوتها و هي تقول:

      " مع عيدان البطاطا المقلية... ! "

      التفت إليها فوجدتها تبتسم ! نعم تبتسم !

      أتعرفون أي نوع من الابتسامات ؟؟ تلك التي تنسي المرء أنه يتصبب عرقا و أن عضلاته مرهقة حد الشلل ، و مشاعره متهيجة حد الغليان !

      يا لهذه الفتاة !


      لم يكن العثور على مطعم مفتوح أمرا سهلا، لكنني اشتريت لصغيرتي المدللة هذه ما تريد، و خلال 40 دقيقة ، عدت إلى المنزل ...

      كانت لا تزال جالسة على نفس المقعد ، و الكتاب في حضنها و يداها موضوعتين على صفحتيه ...

      لم تنهض لدى دخولي...

      قلت :

      " وصل عشاؤك ! "

      لم ترد... اقتربت منها ، فوجدت عينيها مغمضتين... و ببساطة كانت نائمة !

      " رغد .. "

      لم تجب، اقترب أكثر و همست :

      " رغد هل نمت ِ ؟ "

      و لم تستفق.

      ماذا أفعل بهذه الفتاة ؟؟

      في منتصف الكتاب المفتوح، لمحت شيئا يلمع.. اقتربت أكثر، إنه ليس إلا خاتم خطوبة رغد.. ! مددت يدي و أخذت الخاتم...و دققت النظر فيه.. محفور بباطنه الحرفان الأولان من اسمي رغد و سامر، مع تاريخ الخطوبة...

      بقيت واقفا في مكاني أعبث بذلك الخاتم، و أتمنى أن امحيه من الوجود، و أمحي معه كل علاقة ربطت بين سامر و رغد.. حتى رابطة الدم !

      في آخر مرّة زارنا فيها سامر.. في آخر لحظة قضاها معنا.. في المزرعة ، و آخر صورة التقطتها عيناي لهما هو و رغد، كانا في عناق حميم.. حلل كل خلايا الدم الجارية في عروقي.. و أصابني بأنيميا حادة فتّاكة...

      لكني حتى هذه اللحظة، أجهل مصير هذه العلاقة و لا أجسر على التحدّث مع رغد بشأنها...

      التفت الآن إلى رغد، نائمة بعمق و هدوء... و تعرفون كم تطيب لي مشاهدتها هكذا.. و تعرفون كم أعاني و أجاهد نفسي أقف عند الحدود فيما بيننا..

      اقتربت منها أكثر، و همست :

      " رغد.. قومي إلى غرفتك "

      لكنها لم تتحرك، ناديت :

      " رغد انهضي يا صغيرتي.. هل ستنامين هنا ؟؟ "

      و مددت يدي و ربت بخفة على يدها ، رغد تحركت، و مالت بجدعها على المقعد حتى أسندت رأسها عليه و هي تقول :

      " أوه أروى حلّي عني ، أكرهك ! "

      و صمتت !

      دهشت ! بم تحلم صغيرتي هذه اللحظة ؟؟ و لم تقول شيئا كهذا ؟ و ماذا يعني ذلك؟؟

      " هذا أنا وليد، أنت تنامين في الصالة رغد، قومي إلى غرفتك "

      ابتسمت رغد، و هي نائمة ، ثم قالت :

      " بابا .. أحبك .. "

      و غطت في سكون عميق !

      ليتني أدخل حلمك و أرى... بما و من تحلمين !

      نوما هنيئا...صغيرتي..





      ~ ~ ~ ~ ~





      عندما نهضت، و على صوت منبه مزعج ، رأيت نفسي نائمة على المقعد في وضع غير مريح ! و على المنضدة الموضوعة أمام المقعد ، وجدت كيسا يبدو أنه لأحد المطاعم !
      نهضت و نظرت من حولي فلم أر أحدا، لكنني كنت أسمع صوت المنبه القوي قادما من ناحية غرفة وليد !

      مددت يدي نحو الكيس أولا و تفقّدت ما به

      " إنها البيتزا ! "

      و صوّبت نظري ناحية غرفة وليد، فوجدت الباب مفتوحا على مصراعيه ... و كان المنبه يرن باستمرار ... دون أن ينهض وليد...

      قمت أنا و تسللت إلى الغرفة، و أوقفته، و ألقيت نظرة على وليد...

      كان مستلق ٍ على السرير و أطرافه الأربعة موزعة على جميع الزوايا ! كان يبدو غارقا في النوم جدا !

      و مع ذلك ما أن نطقت باسمه :

      " وليد "

      حتى فتح عينيه بسرعة، ثم نهض جالسا باندفاع !

      هل صوتي مفزع لهذا الحد ؟؟ لقد كان المنبه يرن حد البحة!

      وليد تلفت يمينا و شمالا ثم نظر إلي

      " رغد ؟ ما بك ؟ "

      إنه بالفعل فزع !

      قلت :

      " لا شيء ! إنه وقت الصلاة ! "


      خرجت من غرفته، و ذهبت إلى غرفة أروى،التي لا أزال أشاركها فيها، حاملة معي كيس المطعم !

      وجدت الباب موصدا من الداخل !

      " أروى! تبا لك ! سأعتبره طردا ! "

      بعد قليل، و قد خرج وليد مع العجوز كالعادة للصلاة للمسجد، حملت كيسي و البطانية ، و ذهبت إلى غرفة وليد و تابعت نومي على المقعد !

      وجدتها فرصة ذهبية لتوسيع دائرة الخلاف بيننا، أنا و أروى.. قلت مخاطبة وليد بعد عدة ساعات :

      " إنها لا تريدني في غرفتها، و لا في بيتها و لا مزرعتها، أخرجني من هذا المكان "

      وليد كان متضايقا جدا، قال :

      " لا يمكن أن تتعمّد أروى إيصاد الباب دونك! ربما أقفلته خطأ ً "

      " طبعا ستقول هي أنه خطأ، لكني متأكدّة من أنه مقصود ، وليد لا أريد العيش في هذا المكان.. "

      امتقع وجه وليد و كأبت ملامحه بشدّة... و فرك جبينه براحة يده ثم قال :

      " إلى أين نذهب إذن ؟ "

      قلت :

      " دعنا نعود إلى شقة سامر "

      لم ترق الفكرة لوليد، و قال :

      " و عملي ؟ "

      " فتّش عن عمل آخر، إنه عمل متعب و لا يستحق اهتمامك و مجهودك على أية حال "

      وليد حزن من قولي هذا، كما ظهر جليا على وجهه، ألا أنه قال :

      " سأحاول إيجاد حل آخر..."

      و صمت قليلا ، ثم تابع و هو يضيق فتحة عينيه :

      " ألا أنني لن أسمح لك بالزواج قبل الخامسة و العشرين ! "

      ذهلت من كلامه، و من نظرته فحملقت به بفضول ، و سألت :

      " و لم الخامسة و العشرين بالذات ؟ "

      " هذا على الأقل، فأنت لا تزالين صغيرة ، و ستظلين صغيرة لبضع سنين ! "

      بشكل تلقائي، رفعت يدك اليمنى مبرزة إصبعي البنصر، لأثبت بأنني مخطوبة يعني كبرة ! و للدهشة ، لم أجد الخاتم !

      تبدّلت ملامحي ، و أخذت أقلب كفي ظهرا و بطنا و أفتش عن الخاتم في أصابعي العشرة ! لا ، بل العشرين !

      وليد كان يراقبني، و رآني و أنا أضطرب، ثم أذهب نحو المقعد و أفتّش ما حوله..

      أقبل وليد يسير ببطء ، حتى وقف خلفي مباشرة، و كنت أنا جالسة على الأرض محنية رأسي للأسفل ، أتحسس بيدي الأرضية تحت المقعد ...

      يا إلهي أين اختفى !؟

      " عمّ تبحثين ؟ "

      رفعت نظري إلى الجبل الطويل الواقف خلف، فرأيت ميلا بسيطا لإحدى زاويتي فمه للأعلى، يعني ، شبه ابتسامة ماكرة !

      قلت و أنا لا أزال في وضعي أنظر إليه كمن ينظر للسقف !

      " هل رأيته ؟ "

      " ما هو ؟؟ "

      " محبسي ! "

      " أي محبس ؟؟ "

      " خاتم خطوبتي يا وليد ، تركته على الكتاب البارحة ! "
      تغيّرت تعبيرات وليد و قال :

      " هل يعني لك فقده شيئا مهما ؟؟ "

      قلت مستغربة :

      " طبعا ! إنه ليس مجرّد خاتم ! "

      وليد عبس بعض الشيء، ثم مد يده في أحد جيوبه، و أخرج الخاتم... و وضعه على المنضدة ...

      نهضت أنا و نظرت إلى الخاتم، ثم إلى وليد... و حرت في أمره...

      ولى وليد مدبرا خارجا من المنزل ألا أنه حين بلغ الباب استدار و قال :

      " لن تضعي شيئا كهذا في يدك اليسرى قبل مضي سنين ! مهما كان الطرف الآخر ! لن أسمح بذلك ..."


      و انصرف !





      ~ ~ ~ ~ ~ ~





      أخيرا حلّ الليل! كم أنا مسرورة و في قمة السعادة.. فالليلة سنرتدي أنا و وليد خاتمي الخطوبة أخيرا !

      قضيت فترة طويلة على غير العادة أمام المرآة أتزيّن !
      أعددت لسهرة جميلة و رومانسية مع خطيبي، في الغرفة الخارجية...
      و الإعداد يشمل العشاء، و طبق التحية، و الشموع الحمراء، و فستاني الأزرق الداكن، و تسريحتي الجميلة، و خاتمي الخطوبة، و طقم الشبكة، و أيضا الكلام اللطيف الذي حضّرته لأقوله لوليد!

      و هو أهم ما في السهرة، فإن في قلبي مشاعر أود التعبير عنها...
      بصراحة حتى الآن لا أشعر بأنني كبقية الفتيات المخطوبات، لأن ظروف وليد لم تسمح لنا بالاستمتاع بأيام خطوبتنا كما ينبغي... كيف نهنأ و والداه توفيا قبل فترة تعتبر وجيزة...؟؟
      و الآن بعدما استرد كيانه، و اجتاز الصدمة، حلّت رغد.. كعائق دون انفرادي بخطيبي!

      و اليوم هي مستاءة منّي لأنني نسيت باب غرفتي مغلقا، بعد استبدال ملابسي، و أويت للنوم !

      على كل ٍ استياؤها هذا جاء بفائدة ألا وهي بقاؤها بعيدة بعض الشيء !

      فتح الباب أخيرا و دخل وليد.. خطيبي العزيز..

      و انبهر بكل ما حوله، فقد صنعت جوا رومانسيا رائعا !

      " جميل ! ذوقك جميل ! "

      " شكرا وليد! تفضّل بالجلوس ! "

      اتخذنا مجلسينا متقابلين تفصلنا مائدة العشاء المميز... و إلى جانبنا منضدة صغيرة وضعت عليها علبة الخاتمين و العقد...

      تبادلنا أطراف الحديث، الهادىء اللطيف، و الابتسامات الناعمة ! و بمجرّد أن نلبس الخاتمين، سأقول له : ( أحبك يا وليد ! )

      كم تتخيلون كان مقدار سعادتي؟؟

      و ماذا تتصوّرون لون وجهي ؟؟

      و هل لديكم فكرة عن سرعة دقّات قلبي ؟؟

      ليتكم كنتم معنا...

      تناول وليد علبة الخاتمين، و أمسك بخاتمي الذهبي، و هم ّ بإلباسي إياه...

      إنها اللحظة الحاسمة التي كنت انتظرها ...

      حينها، سمعنا طرقا سريعا على الباب جعلنا نفزع و ننهض واقفين بسرعة...

      " وليد.. "

      و انفتح الباب ، فإذا بها أمي تقبل مسرعة ...

      " أمي .. ماذا حدث ؟؟ "

      أمي كانت تنظر إلى وليد و هي مقبلة نحوه و مخاطبة له بقول :

      " وليد.. أسرع .. رغد متعبة جدا ! "

      وليد ، لم ينتظر حتى إلى أن تنهي أمي جملتها، رمى بالخاتم بسرعة فوقع في كأس العصير... و قفز خارجا من الغرفة يركض بقوة... كمتسابق في الماراثون...

      لم تكن غير ثانية ، أو ربما عشر الثانية أو حتى جزء من مئة جزء منها ، إلا و اختفى وليد.. و تلاشى كل شيء...!

      و خيّم سكون على الغرفة.. لا يعكّره إلا رنين الخاتم المصطدم بالكأس..
      و ظلام لا يوتّره إلا لهيب الشمع المنصهر أمام عيني ...
      و بقايا أمسية..انتهت قبل أن تبدأ..
      و سعادة اختفت قبل أن تظهر..
      و لسان خرس قبل أن ينطق...
      ( أحبك يا وليد ) ....








      ]]]يتبع]]]

      تعليق


      • #93
        رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

        يسلموووووووووووووووووووووو



        ومنتظرين التكمله
        لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
        سيستوطنني بِ فراقكَ !
        كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
        كبرت أكثر مماتتصور =) !

        تعليق


        • #94
          رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

          يسلموووووووووو

          روووووووووعة هالقصة

          بس كتير شهر كمان

          على العموم

          يعطيكي الف عافية
          *" أرسمـ من أحرفي المتعثرة..صورة تحاكي وفاءكمـ..
          أعتذر عن تقصيري لكمـ"*

          ..)( حاصلة علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

          تعليق


          • #95
            رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

            هالقصة بتجنن الله يعطيك العافية
            [flash=http://dc06.arabsh.com/i/01003/86wuuxo99u9b.swf]width=400 height=154[/flash]

            :smiles (172):

            تعليق


            • #96
              رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

              قصه حلوه بس انا ما عندي وقت كافي
              للقراءة
              على العموم مشكوره اختي على الطرح

              تعليق


              • #97
                رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                يسلمووو مروركم

                كل عام وأنتم بألف خير

                مثل ما قلتكم قبل انا توقفت عن سرد القصه برمضان

                بس خلص الشهر الفضيل

                وان شاء الله راح أكمل باقي أجزاء القصة الموجوده عندي

                وان شاء الله تعجبكم وترجعوا تابعوها

                وهيني اليوم بدي أنزل الحلقه 33

                ان شاء الله تعجبكم

                تعليق


                • #98
                  رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                  الحلقة الثالثة و الثلاثون



                  **********



                  ~ أرجوحة الزمن ~








                  بعد الانتصار الذي حقّقته، ليلة أن أفسدت ُ على أروى سعادتها، شعرت بنشوة كبيرة!

                  كيف لا، و ليلتها.. بقى وليد قلبي معي في المستشفى ، يحيطني بالرعاية و العطف !

                  لقد زالت جميع الآلام المفتعلة التي أرغمت معدتي على التظاهر و الإحساس بها ، بمجرد أن رأيت وليد مقبلا نحوي بقلق !

                  و تحوّلت إلى رقص عندما رأيه أصابع يده خالية من أي محابس !

                  سألته بعد ذلك، و نحن في المستشفى، و أنا أنظر إلى يده اليمنى :

                  " أين خاتمك ؟ "

                  وليد فكّر قليلا ثم قال :

                  " في علبته ! "

                  شعرت بسعادة كدت معها أضحك بقوة ! لكنني منعت نفسي بصعوبة لئلا يكتشف وليد بأنني لا أشكو من أي شيء !
                  إلا من غيرتي من الدخيلة، و رغبتي في إبعادها عني نهائيا

                  أخفضت نظري لئلا يقرأ وليد ما بعيني من فرح و مكر .. و بقيت كذلك بضع ثوان، ، إلى أن سمعته يقول :

                  " و أنت ؟؟ "

                  رفعت نظري إليه ، في بلاهة ! ماذا يعني ؟؟

                  قال :

                  " أين خاتمك ؟ "

                  و من عينيه إلى يدي اليمنى مباشرة ! لم أرتده مذ خلعته تلك الليلة !

                  قال :

                  " لا تقولي أنك أضعته مجددا ! "

                  قلت مداعبة :

                  " هل وجدته ؟؟ "

                  وليد اندهش و قال مستغربا :

                  " أحقا أضعته ثانية ؟؟ أي فتاة أنت ِ ! "

                  قلت مباشرة :

                  " أنا رغد ! "

                  ابتسم و قال :

                  " حقا !؟ كدت ُ أنسى ! كنت ِ تضعين ألعابك و تأتين إلي طالبة مني البحث عنها ! "

                  ابتسمت ُ بخجل...

                  قال :

                  " لكنها كانت ألعاب .. أما هذا .. "

                  و بتر جملته...

                  و ظل ينظر إلي بصمت برهة.. ثم وجه عينيه نحو الجدار...

                  قلت :

                  " وليد .. "

                  بصوت خافت هامس، التفت إلي و أجاب :

                  " نعم ؟ "

                  " هل.. ستظل تعتني بي .. فيما لو بقيت ُ دون زواج عشر سنين أخرى ؟ "

                  استغرب وليد من سؤالي، ثم قال :

                  " و عشرين، و خمسين ، و مئة ! "

                  قلت بخجل :

                  " حقا وليد ؟ "

                  " طبعا صغيرتي ! إنك جزء مني ! "

                  كدت ُ أقول بسرعة :

                  " و أنت كلّي ! "

                  و لكنني خدّرت الجملة في لساني لئلا تصحو !

                  قلت و أنا أعبث بأصابعي :

                  " وليد ... "

                  و أتممت :

                  " تخلّصت ُ من الخاتم "

                  و نظرت إليه لأرى تعبيرات وجهه

                  بدا مستغربا حائرا

                  قلت موضّحة أكثر :

                  " سامر حل ّ رباطنا و لذلك .. خلعته "

                  هي تعبيرات غاية في الغموض ، تلك التي ارتسمت على وجه وليد لحظتها... ذهول مفاجأة ، صدمة، استياء... عدم تصديق، أو .. لا أدري.. لا أدري ما كان معناها...

                  بعد صمت الاستيعاب و التفكير ، قال :

                  " إذن .. إذن ... أنت و سامر ... "

                  أتممت ُ جملته :

                  " لم نعد مرتبطين ! "

                  وليد وقف فجأة ، و أخذ يحوم...في الغرفة ، يفكّر .. ثم استدار إلى فجأة و سألني :

                  " لماذا يا رغد ؟ "

                  تبادلنا نظرة عميقة، ثم أحنيت رأسي و أخفضت عيني نحو الأسفل.. خشية أن تصرخ الجملة من عيني : ( لأني أحبك أنت ! )

                  التزمت الصمت، و لم أرفع بصري إليه مجددا... فما كان منه إلا أن أقبل نحو الستارة ليغلقها

                  بعدما أغلقها حول سريري، قال جملة أخيرة :

                  " مهما كان السبب، و لأنك ِ تحت رعايتي الآن، فاحذفي فكرة الزواج من رأسك ِ نهائيا.. طوال السنين المقبلة "






                  ~ ~ ~ ~ ~ ~


                  الآن، و أخيرا..أصبحت رغد حرّة !

                  اتصلت بسامر و علمت منه بالتفاصيل، و الجملتان اللتان ظلتا معلقتين في رأسي كانت أولاهما :

                  " لا داعي لأن تأتيا لزيارتي ، لا أريد أن أراها "

                  أما الثانية، فهي :

                  " تستطيع أن تتزوّج الآن ممن أرادت "

                  " من تعني ؟ "

                  " اسألها ! "


                  كل هذا أكد لي ، أن رغد بالفعل انفصلت عن سامر من أجل رجل آخر... و هذا الآخر لن يكون غير حسام، و أنا لن أكون وليد إن سمحت لها بالزواج من أي مخلوق على وجه الأرض.. فرغد من هذه اللحظة أصبحت لي ! نعم لي !
                  و مهما كانت العقبات، و مهما عاندت الظروف، فسوف لن أسمح لأي رجل بدخول حياتها و سرقتها مني مجددا.. و لن تكون في النهاية إلا لي أنا..

                  توالت الأيام، و رفع الحظر أخيرا عن المدينة الصناعية و صار بإمكان الناس التحرك منها و إليها دون خطورة .. و ما أن حدث ذلك ، حتى طالبتي رغد بأخذها إلى بيت خالتها و ألحّت علي بالطلب ، الأمر الذي جعل الشكوك في رأسي تكبر و تتفاقم و أصبحت مهووسا باسم حسام حتى صرت أراه في الكوابيس...
                  و بعد إلحاح شديد منها وافقت على اصطحابها لزيارة عائلة خالتها بمجرد انتهاء موسم الحصاد .





                  ~ ~ ~ ~ ~

                  بعد أيام، سيأخذني وليد أخيرا لرؤية خالتي و نهلة و الجميع ... كم اشتقت إليهم ! كم من الشهور مضت مذ افترقنا في تلك الليلة الحمراء ...

                  كنت رغم ذلك على اتصال شبه يومي بنهلة أخبرها عن كل شيء يدور من حولي و داخلي ...

                  في أحد الأيام، كان وليد يعمل في المزرعة كالعادة، و كنت أراقبه و أرسم منظرا جميلا على مقربة منه، الشقراء كانت داخل المنزل مشغولة ببعض الأمور مع والدتها

                  فجأة ، إذا بي أرى أناس غرباء يدخلون المزرعة، و يعبرون الممر و يقتربون منّي !

                  كانوا أربعة رجال... تقدّم أحدهم نحوي أكثر و سأل :

                  " أأنت الآنسة أروى نديم ؟؟ "

                  قال آخر مقاطعا :

                  " أرأيت ؟ كما توقّعت ! إنها فتاة قاصر ! "

                  قال الرجل الأول و هو يقترب أكثر :

                  " أنت هي ؟ "

                  تراجعت أنا للوراء، و ألقيت بالفرشاة و علبة الألوان جانبا و هتفت :

                  " وليـــــد "

                  وليد كان يعمل بالجوار.. ، و حين سمع ندائي أقبل مسرعا .. فلما ظهر أمام عيني ركضت إليه في ذعر ...

                  " رغد .. ماذا هناك ؟ "

                  و نظر إلى الرجال الغرباء ...

                  ثم سألهم :

                  " من أنتم ؟؟ "

                  قال الرجل الذي تحدّث إلي :

                  " أنا المحامي يونس المنذر، و هؤلاء رجال قانون أتباعي ، أتينا بحثا عن الآنسة أروى نديم "

                  و نظر باتجاهي أنا

                  اختبأت أنا خلف وليد، و أطللت برأسي لأراهم !

                  قال المتحدّث :

                  " أهي هذه ؟ "

                  قال وليد :

                  " لا ، لكن هل لي أن أعرف ماذا تريدون منها ؟ "

                  قال المتحدّث :

                  " أهي هنا ؟ أ هذه مزرعة المرحوم نديم وجيه ؟ "

                  " نعم . فماذا تريدون منها ؟ "

                  " عفوا من تكون يا سيد ؟ "

                  " وليد شاكر، زوج أروى نديم "

                  تبادل الرجال جميعهم النظرات ، ثم قال المتحدّث :

                  " هل يمكننا التحدث إلى السيدة أروى ؟ فالأمر مهم "

                  قال وليد :

                  " هل لي أن أعرف .. الموضوع ؟؟ "

                  قال الرجل :

                  " الموضوع يتعلق بإرثها، و لكن لا أريد مناقشته دون حضورها شخصيا و مع البطاقة المدنية ، بعد إذنك "

                  وليد استدار ليتحدّث معي ...

                  " رغد، من فضلك، استدعي أروى، و اطلبي منها إحضار بطاقتها ، و احضري بطاقتي من محفظتي ، تجدينها في أول أدراج الخزانة في غرفتي "

                  أذعنت للأمر و ذهبت مسرعة نحو أروى ، و أخبرتها بالأمر، ثم أسرعت إلى غرفة وليد أفتّش عن محفظته

                  استخرجت المحفظة من أحد أدراج الخزانة، و أخرجت البطاقة منها و أثناء ذلك ، لمحت شيئا داخل المحفظة أثار فضولي !

                  مجموعة من قصاصات الورق مرصوصة خلف بعضها البعض و مدسوسة خلف البطاقة !

                  بفضول سحبت واحدة منها فاكتشفت أنها جزء ممزق من صورة فوتوغرافية ما !

                  استخرجت القصاصة الثانية ، و الثالثة ، و الجميع، حتى وجدت قطعة حاوية على وجه شخص !

                  رتبت القصاصات .. حتى اكتملت الصورة ، و صارت جليّة أمامي ...

                  صورة لفتاة صغيرة، تجلس على الأرض، و أمامها علبة ألوان و دفتر تلوين تلّون رسومه ... صورة لا يقل عمرها عن 13 عاما كما لا يزيد عمر الطفلة الظاهرة فيها عن 5 سنين !
                  إنها صورتي أنا !!


                  " رغد "

                  سمعت صوت أروى مقبل نحوي فأعدت القصاصات بسرعة كيفما اتفق، و أخذت البطاقة و خرجت مسرعة من الغرفة ...

                  " ها أنا "

                  خرجنا سوية من المنزل إلى المزرعة، فوجدنا وليد و الرجال الأربعة و قد جلسوا على المقاعد الموجودة حول طاولة موضوعة على مقربة من المنزل ...

                  حينما أقبلنا.. وقف الجميع .. و قال وليد مشيرا إلى أروى :

                  " هذه هي أروى نديم وجيه "

                  و بعد أن استوثق الرجال من البطاقة ، قال ذلك الرجل نفسه :

                  " إذن فأنت لست فتاة قاصر كما اعتقدنا "

                  قالت أروى :

                  " أنا في الرابعة و العشرين من العمر ! "

                  قال الرجل :

                  " هذا سيسهّل مهمّة استلامك للإرث "

                  أورى و وليد تبادلا نظرة التعجب ، ثم قالت :

                  " الإرث ؟ أي إرث ؟ والدي رحمه الله لم يترك لنا غير هذه المزرعة ! "

                  و أشارت بيدها إلى ما حولها ...

                  الرجل تحدّث قائلا :

                  " لا أتحدّث عن إرث والدك رحمه الله "

                  تعجبت أروى ، و سألت :

                  " من إذن ؟؟ "

                  قال الرجل :

                  " عمّك المرحوم عاطف وجيه "

                  حملقنا نحن الثلاثة في وجوه بعضنا البعض، في منتهى الدهشة و الاستغراب ، و إن كنت أنا أقلهم استغرابا !

                  قال وليد :

                  " عاطف وجيه ؟؟ أبو عمّار ! "

                  أجاب الرجل :

                  " نعم أبو عمّار ، رحمهما الله "

                  وليد و أروى نظرا إلى بعضهما .. ثم إلى الرجل الغريب ...

                  سألت أروى :

                  " عمّي عاطف ! عجبا ! لقد مات قبل عام ! هل ذكرني في وصيته !؟ "

                  الرجل قال :

                  " لم يترك المرحوم وصية، كما لم يترك وريثا ، لكنه ترك ثروة ! "

                  ازداد تحديق وليد و أروى في بعضهما البعض ، ثم سألت أروى :

                  " ثروة ؟ "

                  قال الرجل :

                  " نعم ، و لك منها نصيب كبير "

                  حلّ الصمت برهة ، ثم قالت أروى :

                  " ما يصل إلى كم تقريبا ؟ "

                  قال الرجل بصوت تعمّد أن يكون واضحا رنانا :

                  " ما يصل إلى الملايين يا سيدتي ! "

                  فغرت أروى ، و كذلك وليد و أنا.. كلنا فغرنا أفواهنا من الذهول ... و قالت أروى غير مصدّقة :

                  " ملا...يين ؟؟ تركها لي ..!! "

                  قال الرجل :

                  " نعم ملايين ! "

                  هزّت أروى رأسها غير مصدّقة... و هي تضع يدها على صدرها من الذهول ...

                  قال الرجل :

                  " يبدو أنك لم تكوني على علم ٍ يا سيّدتي.. بأن عمّك المرحوم عاطف وجيه كان مليونيرا فاحش الثراء ! "





                  ~ ~ ~ ~ ~







                  لقد كانت مفاجأة هزّت كياننا جميعا ...

                  عاطف وجيه، هو والد عمّار القذر، الذي قتلته بيدي قبل تسع سنين ..

                  و عاطف هذا ، كان رجلا شديد الثراء و يملك العديد من الأملاك ... و من بينها مصنع كبير كان يضاهي معظم مصانع المدينة الساحلية، و هو مصنع لم تلمسه يد الحرب، كما فعلت بمصانع أخرى ، منها مصنع والدي السابق ...

                  حقيقة، كان حدثا مزلزلا شل ّ حركتنا و أفكارنا طوال عدّة أيام...

                  و الفتاة الفقيرة التي ارتبطت بها ، و التي قبلت بي على حالي و عللي ، و فتحت قلبها و بيتها و كل ما لديها من أجلي، و التي كنت أفكر بالانسحاب من حياتها من أجل رغد... أصبحت الآن..مالكة لثروة كبيرة !

                  يا للأيام ...

                  يا للزمن .. الذي يؤرجحنا و مصائرنا إيابا و ذهابا... علوا و هبوطا... مستقبلا و ماض ٍ !

                  كان يفترض عليها السفر إلى المدينة الساحلية من أجل إتمام الإجراءات اللازمة شخصيا.. و استلام نصيبها العظيم من تلك الثروة...

                  و كان علي أنا ترتيب الأمور من أجل هذه الرحلة، إلى المدينة الساحلية، مدينتي الأصلية، و التي لم أزرها منذ زمن..

                  " هل تصدّق يا وليد ؟؟ إنني لا أكاد أصدّق ! كأنه حلم ! آخر شيء كنت أتوقعه في الوجود على الإطلاق..هو أن أرث شيئا و من ثروة عمّي الذي لم أره في حياتي غير بضع مرّات عابرة ! "

                  قالت ذلك ، و هي بين التصديق و التكذيب.. تشع عيناها فرحا و ابتهاجا..

                  قلت :

                  " سبحان الله ! "

                  أروى، مدت يديها و أمسكت بيدي و قالت :

                  " شدّ على يدي ّ بقوّة يا وليد ! دعني أحس بالألم لأتأكّد من أنها حقيقة "

                  ابتسمت لها و قلت :

                  " إنها حقيقة مذهلة ! صدّقي يا أروى ! أصبحت ِ ثرية ! "

                  أروى نظرت إلي بسعادة، و اغرورقت عيناها بالدمع، ثم ارتمت في حضني ...

                  " ضمّني بقوّة يا وليد.. فأنا أريد أن أشعر بأنها الحقيقة..بأنني لا أحلم..بأنني في الواقع..وبأنك معي ! "

                  أحطتها بذراعي مشجعا ..و مؤكدا لها ما أعجز أنا نفسي عن تصديقه... و مكررا :

                  " سبحان الله...سبحان الله "

                  أغمضت عيني، و نحن متعانقان، و سبحت في بحر الذكرى البعيدة... استعرض شريط حياتي و المفاجآت التي اختزنها القدر لي ، و صدمني بها مرة تلو أخرى ...

                  قالت أروى :

                  " ماذا سنفعل الآن؟؟ "

                  " لا أعرف ! لازلنا في أول الطريق ! "

                  ابتعدت أروى عن صدري قليلا، و نظرت إلي مطولا، و ابتسمت و قالت :

                  " لا حاجة للقلق..ما دمت معي "

                  ابتسمت لها، فعادت و غمرت رأسها في صدري بارتياح...

                  أما أنا فأغمضت عيني في ألم...و مرارة ..في حيرة و ضياع.. ماذا سأفعل الآن؟؟ ماذا ينتظرني بعد ؟؟ ماذا تخبئين لي أيتها الأقدار ؟؟

                  و عندما فتحتهما..لمحت عينين حمراوين..ملأتهما الدموع..تنظران إلي بألم، مطلتين من فتحة الباب.. و ما أن رأيتهما ..حتى انسحبت صاحبتهما مبتعدة .. تاركة إياي في بحر من الضياع..

                  لم استطع البقاء مكاني لحظة بعد.. أبعدت أروى عني قليلا و قلت :

                  " دعيني أذهب لترتيب بعض الأمور.. من أجل السفر "

                  أروى ابتسمت و قالت :

                  " و أنا أيضا سأرتب بعض أموري... لا أدري كم سنغيب هناك ! "


                  و تركتها و تسللت نحو غرفة رغد..

                  طرقت الباب مرارا لكنها لم تجبني، و حين هممت بالانصراف رأيت مقبض الباب يتحرك أخيرا...

                  في الداخل، وجدت رغد غارقة في الدموع المريرة..فتصدّع فؤادي و طار عقلي خوفا عليها...

                  " ما بك صغيرتي؟؟ ماذا حصل ؟"

                  رمتني رغد بنظرة ثاقبة .. لم يكفها تمزيق أحشائي بل و صهرت الجدار الذي خلفي من حدّتها...

                  " رغد !؟ "

                  قالت :

                  " متى ستسافران ؟ "

                  قلت :

                  " خلال أيام معدودة "

                  قالت :

                  " هل يجب أن تذهب أنت ؟ "

                  استغربت سؤالها و أجبت :

                  " طبعا ! فأروى ستكون بحاجة إلي بالتأكيد ! "

                  قالت بنبرة حزينة :

                  " و أنا ؟ "

                  نظرت إليها بتعجّب ، و قلت :

                  " بالطبع ستكونين معنا ! "

                  رغد لم تعقّب، بل أحنت رأسها للأسفل بحزن...

                  اقتربت منها أكثر ، ثم قلت :

                  " رغد ! و هل تظنين أنني سأترك هنا و أذهب ؟؟ "

                  رغد رفعت رأسها و نظرت إلي نظرة جعلت قواي تخور فجأة ...

                  قلت بصوت ضعيف واهن :

                  " أرجوك يا رغد.. ماذا تقصدين ؟ أخبريني بلسانك فلغة العيون هذه ..ترسلني إلى الجنون "

                  قالت رغد :

                  " ستصبحان ثريين ! "

                  ثم أضافت :

                  " هنيئا لكما ! "

                  و غطت وجهها بيديها كلتيهما و بكت بكاء ً مؤلما...

                  " أرجوك يا رغد، لم كل هذا ؟؟ ماذا يجول برأسك الآن ؟؟ "

                  رغد قالت و هي على وضعها هذا :

                  " دعني وحدي "

                  لم أقبل، قلت مصرا :

                  " ما بك الآن ؟ أخبريني أرجوك ؟؟ "

                  أزاحت رغد يديها و رمقتني بنفس الناظرة ، و قالت :

                  " أريد الذهاب إلى خالتي ! هلا ّ أخذتني إلى هناك ؟ "



                  رتبنا الأمور للسفر برا ، أنا و رغد و أروى و الخالة ليندا ، فيما ظل العم إلياس في المزرعة، يهتم بأمورها بمساعدة الأشخاص الذين عيّنتهم أنا للعمل عندنا قبل مدّة.

                  خطة سفرنا كانت تقتضي منا التعريج على المدينة الصناعية أولا ، من أجل زيارة عائلة أم حسام، كما ترغب رغد و تلح، و من ثم الذهاب إلى المدينة الساحلية.

                  في السيارة، كانت أروى تجلس على المقعد المجاور لي، و كنا نتبادل الأحاديث معظم الوقت، بينما يخيم صمت غريب على المقعدين الخلفيين، رغد و الخالة !

                  الخالة سرعان ما غلبها النعاس فنامت، أما الصغيرة الحبيبة، فكلما ألقيت نظرة عبر المرآة إليها وجدتها تحدّق بي بحدّة ! و كلما حاولت إشراكها في الحديث معنا ردت ردا مقتضبا سريعا ، باترا !

                  المشوار إلى المدينة الصناعية المنكوبة لم يكن طويلا، لكن الشارع كان خاليا من أية سيارات، الأمر الذي يثير الوجل في قلوب عابريه !

                  عبرنا على نفس محطة الوقود التي بتنا عندها تلك الليلة.. و نحن مشردون في العراء !

                  المحطة كانت مهجورة، و البقالة مقفلة... المكان ساكن و هادىء ، لا يحركه شيء غير الريح الخفيفة تعبث بأشياء مرمية على الأرض ...

                  كم كان يومنا مأساويا...

                  خففت السرعة، و جعلت أراقب ما حولي و أستعرض شريط الذكريات... لقد نجونا بأعجوبة ! سبحان الله ...

                  " وليد .. "

                  كان هذا صوت رغد، تناديني بوجل.. و كأن الذكرى أثارت في قلبها الفزع... التفت إليها فوجدتها تكاد تلتصق بمقعدي ! و علامات التوتر و الخوف مستعمرة تقاسيم وجهها الدائري...

                  قلت مشجعا :

                  " نجونا.. بفضل الله .."

                  و سبحنا في بحر عميق من الهدوء الموحش ...

                  تابعنا طريقنا ، و الذكرى تجول في رأسينا... هنا مشينا حفاة.. هنا ركضنا... هنا وقفنا... هنا حملت رغد... هنا وقعت رغد ... هنا أصيبت رغد ! آه ..ما كان أفظع ذلك الجرح ! ...
                  و هنا ...
                  هنا ...
                  ماذا تتوقعون هنا ؟؟
                  إنها سيارتي !

                  " وليد ! "

                  نادتني رغد و هي ترى سيارتي القديمة واقفة إلى جانب الطريق ، مع سيارات أخرى في نفس المكان !

                  أوقفت السيارة ، و أخذت أتفرج على سيارتي القديمة هناك !

                  التفت إلى رغد فوجدتها تنظر إلي ...

                  يا للأيام ! بل يا للشهور ! أما زالت سيارتي القديمة واقفة في انتظار عودتي في مكانها !

                  فتحت الباب و هممت بالنزول ، ناو الذهاب و تفحصها عن كثب !

                  " إلى أين وليد ؟؟ "

                  سألني رغد ، قلت :

                  " سألقي نظرة ! "

                  و قبل أن أخرج كانت رغد قد فتحت بابها و سبقتني !

                  وقفت إلى جانبها ، و قلت :

                  " سأتفحصها عن قرب ! "

                  " سآتي معك "

                  و طبعا لا داعي لأن اعترض !

                  ذهبنا إلى السيارة و فتحت الأبواب الغير موصدة، و تفحصت ما بالداخل ...و رغد إلى جانبي..

                  " كما هي ! لم يتغير شيء ! أ رأيت يا رغد ؟؟ "

                  لم تعقّب ، بل ظلت تتفحصها بعينيها ، و ربما تستعيد الذكرى المرعبة ..

                  ركبت مقعدي الأمامي ، فأسرعت هي لركوب المقعد المجاور...و أغلقت الباب.



                  " كما هي ! رغد .. أتصدّقين ذلك ! سبحان الله ! "

                  رغد قالت :

                  " هيا بنا..ننطلق للخلف، و نعود من حيث أتينا تلك الليلة، و نعود بالزمان للوراء، و ننسى ما حصل انطلاقا من هذه النقطة ! "

                  ابتسمت و قلت :

                  " يا ليت ... "

                  و تنهّدت و أضفت :

                  " يا ليتنا بعدما وصلنا إلى هذه النقطة، رجعنا للوراء ، و رجع كل شيء كما كان... "

                  و أسندت رأسي إلى مسند المقعد.. و أغمضت عيني ...

                  لست أريد العودة للوراء بضعة أشهر، بل تسع سنين ، بل عشر... بل 15 ...
                  إلى ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه مخلوقة صغيرة حياتي فجأة ! و ملأتها صراخا ، و بكاء ، و دموعا.. و ألما...

                  فتحت عيني و التفت إلى رغد، فوجدتها تنظر إلي بقلق..

                  إنها هي ذاتها... المخلوقة التي غزت عالمي منذ سنين .. ذاتها التي تجلس قربي الآن ، لا يفصلني عنها سوى بضع بوصات...

                  تنظر إلي نظرتها للعالم بأسره، و أمثّل بالنسبة لها كل الناس...

                  " رغد .. "

                  " نعم ؟ "

                  " كيف تشعرين الآن ؟؟ "

                  قالت :

                  " الآن الآن ؟"

                  " نعم الآن ! ؟ "

                  ابتسمت و قالت :

                  " بالسرور ! "

                  عجبا ! أمر هذه الصغيرة كله محيّر !


                  بعد ذلك، أغلقت أبواب السيارة، و ودعناها على أمل العودة لها ذات يوم، و تابعنا مشوارنا نحو المدينة...

                  ما إن أطللنا على مشارفها، حتى رأينا الدمار و الخراب يعشش على شوارعها و أجوائها...

                  اضطررت لسلك طرق ملتوية و معقّدة لأصل إلى قلبها...

                  المباني المتهدّمة ، الأشجار المحترقة، الشوارع المدمّرة، و الأشياء المبعثرة هنا و هناك ...

                  كلها ، مناظر تثير الرعب في قلب الصخر...

                  عبرنا أخيرا على الشارع المؤدي إلى منزلنا... و آه من ألم المنظر .. آه بعد ألف آه و آه...

                  بيتنا.. كتلة من الفحم الأسود... محاطة بطبقة من الرماد و الغبار...

                  تحوّل ذلك المنزل الصغير الهادئ، الحبيب .. إلى شبح ميت.. لا أثر فيه و لا معلم من معالم الحياة و الروح...

                  " يا إلهي ! "

                  قالت رغد ذلك ، و وضعت يدها على وجهها لتحاشي رؤية المنظر المؤلم...
                  و تخفي الدموع التي ساحت على الجانبين.. رثاء و عزاء ...

                  لم أستطع أن أمر من هنا مرور الكرام ، أوقفت سيارتي عند الباب ، المكان الذي اعتدت أن أوقف سيارتي فيه.. و نظرت من حولي ...

                  شعرت باختناق شديد في صدري، و كأن الغبار و الرماد قد سدّت حويصلاته ، و منعت جزيئات الهواء من الدخول...

                  مع ذلك، لم أتمالك منع نفسي من المضي قدما...

                  فتحت الباب، وقلت :

                  " سألقي نظرة"

                  و التفت إلى رغد.. كانت لا تزال تخفي وجهها خلف يديها...

                  قلت :

                  " رغد.. أتأتين ؟؟ "

                  أردتها أن تأتي معي.. شيء حي يتحرك معي في سكون ذلك الشبح الميت، أردت أن أشعر ببعض الحياة.. ببعض الأمان..بأن هناك من لا زال حيا معي .. رغم موت من مات.. و فناء من فني...

                  أروى قالت :

                  " سآتي معك ! "

                  رغد بسرعة أبعدت يديها عن وجهها و فتحت الباب !

                  خالتي الأخرى أيضا تبعتنا... و سرنا نحن الأربعة نحو الداخل...

                  الأبواب كانت مفتوحة، كما تركناها أنا و دانة ليلة هروبنا ...

                  سرنا ندوس على الرماد، و نتنفس الغبار.. و رائحة الخراب و الوحشة... تقرصنا الذكريات و تصفعنا المناظر المؤسفة، و تحني ظهورنا الحسرة على ما كان و ما لم يعد...

                  رغد أمسكت بيدي، و كلما سرنا خطوة شدت ضغطها علي.. و كلما رأت شيئا أغمضت عينيها بقوّة و عصرت الدموع المتجمعة في محجريها...

                  حتى إذا ما بلغنا الردهة المؤدية إلى غرفة والدي ّ ، حررت يدي من بين أصابعها، و هرولت نحو الباب و فتحته باندفاع...

                  " أمي... أبي ... "

                  حينها فقط، أدركت كم كنت مجنونا حين سمحت للفضول بالتغلب علي ... و وقفت عند المنزل...

                  اقتحمت رغد الغرفة و هي تهتف

                  " أمي .. أبي .. "

                  و انهارت على السرير ، تحضن الوسائد و تبكي بحرارة و مرارة .. بكاء عاليا صدّع الحجر ... و أدمع الجدران.. و زلزل الأرض...

                  " أنا أنتظركما ! لماذا لا تعودان ؟ أي حج هذا الذي لا يعود الحجيج فيه من بيت الله ! .. الله ! يا الله .. أنت ترى بيتي الآن ! أنت رب البيت و أنا لا بيت لي... و أنت رب الناس و أنا لا ناس لي ! أتاك جميع الآباء و الأمهات.. و أنا لا أب لي و لا أم ! يا رب.. لا أب لي و لا أم ! يتّمتني مرتين يا رب .. مرتين يا رب .. مرتين أفقد فيهما أعظم ما أعطيتني إياه .. بل أربع مرّات ! أمان و أبان ! أربع أيتام في بيت خرب محروق ! "

                  كيف احتمل أنا ..وليد .. كلاما كهذا من رغد ؟؟

                  انهرت باكيا معها بلا شعور... و أي شعور يبقى للمرء و هو يرى ما نراه...؟
                  حسبنا الله و نعم الوكيل ...

                  من وسادة إلى وسادة، و من زاوية إلى زاوية، و من شيء إلى شيء، أخذت صغيرتي تتنقل و هي تهتف

                  " أمي .. أبي "

                  تفتش حطام الخزائن، و تستخرج الخرق المحروقة المتبقية من ملابسهما و تحضنها و تقبّلها و تصرخ .. و قلبي يصرخ معها .. و تتمزق، و قلبي يتمزّق معها .. و تنهار و قلبي ينهار معها أيما انهيار...

                  " يكفي رغد.. بالله عليك، دعينا نرحل "

                  أبت رغد الحراك، بل زاد تشبثها حتى ببقايا الستائر.. و شباك النوافذ..

                  أروى و الخالة بكتا لبكاء رغد، و وقفتا في الخارج في حزن و أسف على ما حلّ ببيتنا.. و بوالدينا..

                  رغد ، أقبلت فجأة نحو الأدراج الموجودة أسفل المرآة.. و أخذت تفتح الواحدا تلو الآخر... و تستخرج أشياء أمي ، ما تبقى منها و تضم ما تضم، و تقبّل ما تقبّل ، و تضع في حقيبتها ما تضع..

                  " هنا كانت أمي تجلس كل يوم تسرّح شعرها ! "
                  " وليد انظر ! هذا سوار أمي المفضل ! "
                  " وليد هل تعتقد أنها قد تغضب إن احتفظت به !؟"
                  " أريد أن آخذ هذا معي !، و هذا .. و هذا و هذا و هذا ! "
                  " وليد ..لا أريد أن أخرج من هنا ! ليتني كنت هنا و احترقت قبل رحيلهما "

                  و مرة أخرى أسمعها تدعو على نفسها بالموت.. هتفت متوسلا :

                  " يكفي يا رغد ، هيا نغادر المكان أرجوك فلم أعد أحتمل المزيد "

                  اقتربت منها و أمسكت بذراعها و أرغمتها على الخروج من الغرفة، رغم مقاومتها..

                  كانت رغد تبكي بكاءا شديدا ، و استمرّت في نوبتها هذه و نحن واقفان عند الباب، لا توافق على التزحزح عنه خطوة بعد...

                  " رغد .. صغيرتي ... "

                  ناديتها بأتعس صوت صدر من حنجرتي الكئيبة...على الإطلاق..

                  نظرت إلي و قالت بأسى :

                  " من بقي لي بعدهما؟ من بقي لي ؟ "

                  قلت :

                  " أنا يا رغد .. لك و معك دائما..أنا يا رغد.. أنا ... "

                  رغد نظرت إلي نظرة حزينة قاتلة، و فكها الأسفل يرتجف من البكاء.. و الدموع تقطر منه ...

                  " رغد ... "

                  " وليد ... ضمّني "

                  وقفت كالأبله ، لا أفهم و لا أفكر و لا أتصرف !

                  قالت و فكها لا يزال ترتجف :

                  " ضمّني .. ألست أبي و أمي الآن ؟ ألست من بقي لي ؟ "

                  لحظتها.. تمنيت لو أتحوّل إلى جدار ، يكون أكثر نفعا مني .. كأي جدار عانقته و تشبثت به.. كأي جدار ربما، و مع كونه جمادا لا روح فيه و لا حياة، أشعرها بالدفء و العطف و الأمان... أما أنا.. و أنا واقف أمامها كالشبح الميت، الغير مجدي .. فلم يكن مني إلا أن أحنيت رأسي للأمام في عجز عن فعل شيء أكثر أهمية و حرارة و نفعا من الجدران ...

                  لن أسامح نفسي ما حييت، على خذلاني لصغيرتي في لحظة كهذه...

                  بعد ذلك ، و رغم أنني كنت مصرا على المغادرة فورا، إلا أن رغد كانت مصرّة على دخول غرفتها و تفقّد أشيائها...

                  السرير كان محروقا، و لا زلت أشكر الله ألف مرة لأن رغد ليلتها كانت نائمة في بيت خالتها..
                  ألف حمد لك يا رب..

                  الأثاث، في موضعه السابق، لكنه مكتس باللون الأسود المتفحم.. و مغطى بذرات الرماد و فتات المحروقات...

                  لم أشأ دخول الغرفة، وقفت عن الباب أراقب رغد و هي تتحسس أشياءها المحروقة... حتى إذا ما انتهت إلى مجموعة لوحاتها الكبيرة ، جعلت تتفقدها بسرعة و وله ، و تهتف بألم :

                  " لا ، لا .. لا ... "

                  ثم نظرت إلي و قالت بين دموعها :

                  " وليد .. لقد احترقت َ ! "

                  و أخذت تحضن الرماد... و البقايا... أخيرا قررت الدخول، و حين صرت قربها مباشرة قالت و هي تنثر الرماد من حولها :

                  " أنظر.. لقد احترقت حتى الصورة ! لماذا ؟ يا إلهي ماذا تبقى لي ؟ ماذا تبقى لي ؟؟ "


                  " دعونا نغادر المكان و نختصر الألم أرجوكما "

                  كان ذلك صوت أروى التي كانت واقفة عند الباب.. قالت رغد

                  " ارحلوا و اتركوني.. أريد الموت هنا.. آه يا رب.. لماذا عشت أنا و ماتا هما ؟ حتى الصورة احترقت ! ماذا تبقى لي ؟؟ "

                  أروى تقدمت نحونا و أمسكت بيد رغد محاولة مواساتها و تشجيعها، إلا أن رغد نهرتها بقوة، و رمتها ببعض الكلمات الجارحة، ربما من شدة حزنها ...

                  و لم تسمح لنا رغد بمغادرة المنزل حتى تفقدته غرفة غرفة و ممرا ممرا و زاوية زاوية...
                  حتى المطبخ جلست فيه فترة طويلة تستعيد الذكرى و تقلّب المواجع ، و تكرر

                  " هنا كانت أمي تطهو الطعام ، و هنا كان أبي يدوّن ملاحظاته في المفكرة ! ، و هناك كانت دانة تزين كعكاتها بالشيكولا ! ... و سامر يقف هناك، يتحدّث عبر الهاتف، و عند هذه الطاولة كنت أنا أجلس لأقشر البطاطا !
                  ليت ذلك يعود...
                  و لو يوما واحدا فقط..
                  أعيش فيه وسط عائلتي .. بين أمي و أبي، و أختي و أخي.. يوما واحدا فقط.. عسى أن يكون آخر أيام حياتي... "

                  بل إن هذا سيكون آخر أيام حياتي أنا، ما لم تتوقفي عن ذلك يا رغد ... ارحميني...

                  حملت رغد معها تذكارا من كل مكان و عن كل شخص.. حتى سامر...كما أخذت حليها و حلي دانة، بل و ما بقي من فستان زفافها المحروق أيضا !

                  " سأعطيه لأختي حين تعود ! كانت مهووسة به .. و تعتبره كنزها الثمين ! مسكينة يا دانة ! "


                  خرجنا من ذلك الحطام الكئيب بعدما أغرقناه بالدموع و ملأناه بالألم... إن كنت، الشخص الذي لم يعش في هذا المنزل فترة طويلة، و لم يحمل معه سوى القليل من الذكريات، و أنا أكاد أنصهر من حرارة ما بداخلي، فكيف برغد ...؟؟

                  ابتعدنا عنه و قلوبنا معلقة عنده، و أنظارنا متشبثة به حتى اللحظة الأخيرة...و أخذنا معنا ما غلا مما نجا، و ما نجا مما غلا

                  لم تتوقف سيل الدموع حتى بعدما وصلنا إلى منزل أبي حسام، و كان الآخر محترقا ، إلا انه أحسن حالا من بيتنا المدمّر...

                  حين قرعنا الباب، فُتح و ظهر من خلفه أفراد العائلة أجمعون، و الذين كانوا في انتظارنا منذ ساعات...

                  ما إن رأت رغد خالتها حتى صرخت.. و انهارت في حضنها بحرارة ...

                  اللقاء كان من أقسى اللقاءات التي مررت بها في حياتي.. لا يضاهيه أي لقاء، عدا لقائي بأهلي بعد خروجي من السجن، مع فارق ضخم، هو أنه لا أهل أمامي لأعود إليهم و أعانقهم و أبكي فوق صدورهم...

                  استهلكنا كمية كبيرة من الدموع حتى أوشكنا على الجفاف، صعدت رغد بعد ذلك مع ابنة خالتها إلى الطابق العلوي، و ذهبت النساء إلى غرفة أخرى، و بقينا نحن الرجال في غرفة المعيشة نقلّب الأحزان و نتجرّع الآهات و نتبادل التعازي...

                  حينما حل الظلام، أردت أخذ عائلتي إلى فندق لقضاء الليلة قبل متابعة السير غدا، مع أنني لست واثقا من العثور على مكان مناسب، و طلبت من حسام استدعاء الثلاث...

                  ذهب حسام و عاد بعد قليل مع أمه و أروى و أمها ، فسألت عن رغد ، فأخبرتني أم حسام أنها أرسلت ابنتها الصغرى لاستدعائها...

                  لحظات و إذا بالفتاة الصغيرة ( سارة ) تأتي نحونا و تقول :

                  " تقول رغد إنها ستبقى معنا و لن ترحل مع وليد و خطيبته الشقراء الدخيلة و أمها ! "

                  تبادلنا جميعا النظرات المتعجبة، و حملقنا في الفتاة الصغيرة ... ثم سألتها أمها :

                  " سارة ! هل هذا ما قالته ؟؟ و هل طلبت منك نقل هذا إلينا ؟؟ "

                  و هنا أقبلت الآنسة نهلة، و نظرت إلى أختها بغضب، ثم إلينا أنا و أروى و قالت :

                  " رغد ستبات معي الليلة "

                  شعرت بالضيق الشديد من ذلك، فقلت :

                  " أين هي ؟ أود ا لتحدّث معها فهلا ّ استدعيتها ؟ "

                  قالت :

                  " إنها لا تريد الخروج الآن... "

                  ضقت أكثر و قلت :

                  " أرجوك آنستي، هلا استدعيتها "

                  و ما كدت أنهي الجملة حتى طارت الصغيرة سارة لاستدعائها !

                  ثوان و إذا بها تعود قائلة :

                  " لن تذهب معك ! ارحل و اتركها و شأنها "

                  هتفت الآنسة نهلة :

                  " سارة ! تبا لك ! لا تتدخلي أنت و ابقي في مكانك "

                  قلت :

                  " هل أخبرتها بأنني أريد التحدّث معها ؟؟ "

                  موجها الخطاب إلى الفتاة الصغيرة، فابتسمت الأخيرة و قالت :

                  " نعم ! و قالت إنها لا تريد التحدث معك، و إن علي إخبارك بأنها لن تذهب معكم فارحلوا ! "

                  أم حسام ذهبت الآن إلى غرفة ابنتها و عادت بعد قليل قائلة :

                  " دعها تنام هنا الليلة ، إنها في حالة سيئة "

                  و عبارة ( حالة سيئة ) أزعجتني و أقلقتني أكثر...

                  " أرجوك يا سيدتي ، استدعيها لأتحدّث معها الآن "


                  و ما إن أنهيت جملتي هذه حتى رأيت رغد تظهر أمامي، ثم تقول :

                  " سأبقى هنا في بيت خالتي ! لن أرحل معكم "

                  اجتاحني الهلع، فقلت :

                  " تعنين الليلة ؟ "

                  قالت :

                  " بل كل ليلة ، سوف أعيش هنا بقية عمري "

                  نظرت إليها، و إلى جميع من حولي في عدم تصديق .. ثم سألتها :

                  " ماذا تعنين يا رغد ؟ لا يمكنك ذلك ! "

                  قالت بصوت متحد ٍ :

                  " بلى ، يمكنني "

                  " رغد ! مستحيل ! "

                  قالت بتحد أكبر :

                  " بلى يا وليد، سأبقى أنا مع عائلتي الحقيقية، و ارحل أنت مع عائلتك الجديدة.. و في أمان الله "







                  ]]]يتبع]]]

                  تعليق


                  • #99
                    رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                    اشتقت كتير لمتابعه القصه


                    ومنتظرين البقيه
                    لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
                    سيستوطنني بِ فراقكَ !
                    كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
                    كبرت أكثر مماتتصور =) !

                    تعليق


                    • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                      بجد كنت منتظرة البقيه بفارغ الصبر

                      قصة جميلة ومشوقة جدا

                      شكرا لك اختي

                      يعطيك العافية

                      وكل عام وانتي بالف خير




                      لا اله الا الله محمد رسول الله

                      ..)( حاصله علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

                      تعليق


                      • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                        يعطيكى العافية فتاة الاسلام

                        تعليق


                        • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                          يسلمو مروركم

                          اليوم ان شاء الله راح أنزل الحلقه 34

                          وان شاء الله تعجبكم

                          تعليق


                          • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                            حلقة الرابعة و الثلاثون


                            *********


                            ~ لن تفترقي عنّي ~





                            لأنني كنت أريد أن أبتعد عنه، و عن أروى التي تقترب منه أكثر يوما بعد يوم، و لأنني أصبحت بإحباط شديد بعد نزول الثروة المفاجئة على أروى، و تعلّقها أكثر و أكثر بوليد، رفضت متابعة سفري معه...

                            لم أعد أحتمل المزيد، إن الذي ينبض بداخلي هو قلب و ليس محرك سيارات! لا أحتمل رؤية أروى معه، أختنق كلما أبصرتها عيني، أريدها أن تتحول إلى خربشة مرسومة بقلم الرصاص، حتى أمحوها من الوجود تماما بممحاة فتّاكة!

                            وليد ، و أروى و أمها، و أفراد عائلة خالتي ، كانوا جميعا يقفون ناظرين إلي، و أنا أكرر :

                            " سأبقى هنا بقية عمري "

                            وليد وقف أولا صامتا، ذلك الصمت الذي يستلزمه استيعاب الأمور، ثم قال :

                            " مستحيل ! "

                            نشبت مشادة فيما بيننا، وتدخلت خالتي، و حسام و نهلة، واقفين إلى صفي، يطلبون من وليد تركي معهم..إلا أن وليد قال بغضب :

                            " هيا يا رغد فأنا متعب ما يكفي و أريد أن أرتاح "

                            بدأت العبرات تتناثر من مقلتي على مرأى من الجميع، و رقت قلوب أقاربي لي، و ساورتهم الشكوك بأنني غير مرتاحة مع ، أو لا ألقى معاملة حسنة من قبل وليد !

                            قالت خالتي :

                            " دعها تبات عندنا الليلة على الأقل، و غدا نناقش الأمر "

                            قال وليد :

                            " رجاء ً يا خالتي أم حسام، إنه أمر مفروغ منه "

                            قالت خالتي :

                            " و لكنها تريد البقاء هنا ! هل ستأخذها قهرا ؟ "

                            قال وليد :

                            " نعم إذا لزم الأمر "

                            و هي جملة رنت في الأجواء و أخرست الجميع، و أقلقتهم !

                            حتى أنا، ( ابتلعت ) دموعي و حملقت فيه بدهشة منها !

                            يأخذني معه رغما عني ؟ يمسك بي قهرا و يشدني بالقوة، أو يحملني على ذراعيه عنوة، و يحبسني في السيارة !

                            تبدو فكرة مضحكة ! و مثيرة أيضا !
                            و لكن يا لسخافتي ! كيف تتسلل فكرة غبية كهذه إلى رأسي في لحظة كهذه !

                            حسام قال منفعلا :

                            " ماذا تعني ؟؟كيف تجرؤ !؟ "

                            رمقه وليد بنظرة غاضبة و قال بحدة :

                            " لا تتدخّل أنت "

                            قال حسام مستاء :

                            " كيف لا ؟ أ نسيت أنها ابنة خالتي ؟ نحن أولى برعايتها منك فأمي لا تزال حية أطال الله في عمرها "

                            تدخّل أبو حسام قائلا :

                            " ليس هذا وقت التحدّث بهذا الشأن "

                            التفت إليه حسام و قال :

                            " بلى يا والدي، كان يجب أن تحضر إلى هنا منذ شهور ، لولا الحظر الذي أعاق تحركنا "

                            وليد تحدّث بنفاذ صبر قائلا :

                            " هل تعتقد أنني سأقبل بهذا ؟ "

                            حسام قال حانقا :

                            " ليست مسألة تقبل أم لا تقبل ! هذا ما يجب أن يحدث شئت أم أبيت، كما و أنها رغبة رغد "

                            و التفت إلي، طالبا التأييد، كما التفت إلي وليد و الجميع !
                            قلت بتحد:

                            " نعم، أريد العيش هنا مع خالتي "

                            وجه وليد تحوّل إلى كتلة من النار... الأوداج التي تجانب عنقه و جبينه انتفخت لحد يخيل للمرء إنها على وشك الانفجار !
                            عيناه تقذفان حمما بركانية حامية !
                            رباه !
                            كم هو مرعب ! يكاد شعر رأسي يخترق حجابي و يشع من رأسي كالشمس السوداء !

                            قال :

                            " و أنا، لن أبتعد عن هذا المكان خطوة واحدة إلا و أنت معي "

                            في لحظة حاسمة مرعبة هذه، يتسلل تعليق غبي من ابنة خالتي الصغرى، حين تقول :

                            " إذن .. نم معنا ! "

                            جميعنا نظرنا إلى سارة نظرة مستهجنة، تلتها نظرة تفكير، تلتها نظرة استحسان !
                            قال خالتي :

                            " تبدو فكرة جيّدة ! لم لا تقضون هذه الليلة معنا ؟ "

                            وليد اعترض مباشرة، و كذلك أروى ... و بعد نقاش قصير، نظر إلي وليد و قال :

                            " لهذه الليلة فقط "

                            معلنا بذلك موافقته على المبيت في بيت خالتي، و إصراره على عدم الخروج من الباب إلا و أنا معه !

                            يا لهذا الوليد ! من يظن نفسه ؟؟ أبي ؟ أمي ؟ خطيبي ؟؟
                            لو كان كذلك، ما تركني تائهة وسط دموعي في بيتنا المحروق، بحاجة لحضن يضمني و يد تربّت على كتفي، و وقف كالجبل الجليدي، يتفرّج علي ...

                            أخرجت لنهلة كل ما كبته في صدري طوال تلك الشهور...حتى أثقلت صدرها و رأسها، و نامت و تركتني أخاطب نفسي!

                            كذلك نام الجميع، و مضى الوقت... و أنا في عجز كلي عن النوم، و وليد يلعب فوق جفني ّ ، لذا نهضت عن السرير، و ذهبت إلى الطابق السفلي، بحثا عن وليد !
                            كنت أدرك أنني لن أتمكن من النوم و لن يهدأ لي بال حتى أراه...

                            لمحته جالسا في نفس المكان الذي كان يجلس فيه أثناء ( شجارنا ) و كان يبدو غارقا في التفكير العميق...

                            انسحبت بحذر، إذ إنني لم أكن أريد الظهور أمامه.. فظهوري سيفتح باب للمشادة !
                            لكني، بعدما رأيته، أستطيع أن أنام قريرة العين !
                            ( نوما هنيئا..يا وليد قلبي ! )
                            جملة أكررها كل ليلة قبيل نومي , مخاطبة بها صورة وليد المحفورة في جفنيّ...
                            و التي أعجز عن محوها و لو اقتلعت جفني من جذورهما...





                            ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~






                            وافقت كارها على قضاء الليلة في بيت أبي حسام، و لم أنم غير ساعتين، لأن أفكاري كانت تعبث بدماغي طوال الوقت.

                            ماذا إن قررت صغيرتي البقاء هنا ؟
                            أتعتقد هي أنني سأسمح بهذا ؟؟
                            مطلقا يا رغد مطلقا .. و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أدعك تبتعدين عني...
                            ما كدت أصدّق، أنك ِ تحررت ِ من أخي... الطيور.. يجب أن تعود إلى أعشاشها...
                            مهما ابتعدت، و مهما حلّقت...
                            مهما حدث و مهما يحدث يا رغد.. أنت ِ فتاتي أنا...

                            تناولنا فطورنا في وقت متأخر، الرجال في مكان و النساء في مكان آخر... و حين فرغنا منه، طلبت أم حسام أن تتحدّث معي حديثا مطوّلا، فجلسنا أنا و هي، و ابنتها الصغيرة في غرفة المجلس... و كنت أعلم مسبقا عن أي شيء سيدور الحديث !

                            " وليد يا بني.. إن ما مرّت به رغد لهي تجربة عنيفة، احترق بيتها، و تشردت ، ثم مات والداها، ثم انفصلت عن خطيبها، و عاشت في مكان غريب مع أناس غرباء ! هذا كثير على فتاة صغيرة يا بني ! "

                            التزمت الصمت في انتظار التتمة

                            " إنه لمن الخطأ جعلها تستمر في العيش هناك، إنها بحاجة إلى رعاية (أمومية و أبوية).. لذلك يجب أن تبقى معنا "

                            هزت رأسي اعتراضا مباشرة... فقالت أم حسام :

                            " لم لا ؟ "

                            " لا يمكنني تركها هنا "

                            " و لكن لماذا ؟ إنه المكان الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه بعدما فقدت والديك، مع خالتها و عائلة خالتها، التي تربت بينهم منذ طفولتها"

                            قلت مستنكرا :

                            " لا يمكن ذلك يا أم حسام، الموضوع منته "

                            استاءت أم حسام و قالت :

                            " لماذا ؟ أترى تصرّفك حكيما ؟؟ تعيش معك أنت، ابن عمّها الغريب، و زوجته و أمها الأجنبيتين، و تترك خالتها و ابنتي خالتها !؟ "

                            وقفت من شدة الانزعاج من كلامها ... كيف تصفني بالغريب ؟؟

                            " أنا ابن عمّها و لست بالرجل الغريب "

                            " و ابن عمّها ماذا يعني ؟ لو كان سامر لكان الأمر مختلفا .. بل إنه حتى مع سامر لا يمكنها العيش بعدما انفصلا . أنت لست محرما لها يا وليد "

                            استفزّتني الجملة، فقلت بغضب:

                            " و لا حسام و لا أباه ! "

                            أم حسام ابتسمت ابتسامة خفيفة و هي تقول :

                            " لكنني هنا ! "

                            " و إن ْ ؟ ... أروى و أمها أيضا هناك "

                            " لا مجال للمقارنة ! إنهما شخصان غريبان ، و أنا خالة رغد ، يعني أمها "

                            قلت بنفاذ صبر :

                            " لكنك لست ( المحرم ) هنا ! لن يغيّر وجودك و ابنتيك شيئا ! "

                            أم حسا صمتت برهة ثم قالت :

                            " إن كانت المشكلة في ذلك، فحلّها موجود، و إن كان سابقا لأوانه "

                            الجملة دقّت نواقيس الخطر في رأسي، فقلت بحذر و بطء :

                            " ماذا ... تقصدين ؟ "

                            أم حسام قالت :

                            " كان يحلم بالزواج منها منذ سنين، فإن هي وافقت على ذلك، أصبح حسام و رغد زوجين يعيشان معا في بيت واحد ! "

                            كنت أتوقع أن تقول ذلك ، و أخشاه.. اضطربت و تبدّلت تعبيرات وجهي ، و استدرت فورا مغادرا الغرفة

                            حين بلغت الباب سمعتها تناديني :

                            " وليد ! إلى أين ! ؟ "

                            استدرت إليها و النار مشتعلة من عيني و صدري، لم أكن أريد أن أفقد أعصابي لحظتها و أمام أم حسام.. لكنني صرخت :

                            " سآخذها و نغادر فورا "

                            و تابعت طريقي دون الاستجابة إلى نداءاتها من خلفي

                            و من أمامي، رأيت حسام، واقفا على مقربة، ينتظر نتاج اللقاء الودي بيني و بين أمه

                            لما رآني في حال يوحي للناظر بشدة انفعالي، و رأى أمه مقبلة من بعدي تناديني ، سأل بقلق :

                            " ماذا حصل ؟ "

                            لم يجب أينا، الجواب الذي كان بحوزتي لحظتها هي لكمة عنيفة توشك على الانطلاق من يدي رغما عني، كبتها عنوة حتى لا أزيد الموقف سوء ً

                            التفت ّ الآن إلى الصغيرة سارة و طلبت منها استدعاء رغد و أروى و الخالة ليندا

                            " اخبريهن بأننا سنغادر الآن "

                            و ركضت الفتاة إلى حيث كن ّ يجلسن .. في إحدى الغرف .

                            أم حسام قالت :

                            " وليد ! يهديك الله يا بني ، ما أنت فاعل ؟ "

                            أجبت بحنق :

                            " راحل مع عائلتي ، و شكرا لكم على استضافتنا و جزيتم خيرا "

                            حسام خاطب أمّه :

                            " هل أخبرتِه ؟ "

                            أجابت :

                            " نعم ، و لكن ... "

                            و نظرت إلي، فحذا هو حذوها ، و قال :

                            " هل أخبرتك أمي عني و عن رغد ؟ "

                            اكتفيت هذه المرّة بنظرة حادة فقأت بها عينيه...

                            بدا مترددا، لكنه قال :

                            " منذ زمن كنت أفكّر في ... "

                            و هذه المرّة صرخت في وجهه بشدّة :

                            " لا تفكّر في شيء و ابق حيث أنت "

                            الاثنان تبادلا النظرات المتعجّبة ... و المستنكرة

                            ثم نطق حسام :

                            " و لتبق رغد معي أيضا، فأنا أرغب في الزواج منها بأسرع ما يمكن، و بما أنك هنا.. يمكننا أن ... "

                            و في هذه المرة، و بأسرع ما يمكن ، و بعد انفلات أعصابي تماما، تفجرت اللكمة الدفينة في يدي، نحو وجه حسام ، بعنف و قسوة...

                            ربما الصدمة مما فعلتـُه فاجأت حسام أكثر من الضربة نفسها، فوقف متسمرا محملقا في ّ في دهشة و ذهول !

                            كنت لا أزال أشعر بشحنة في يدي بحاجة إلى التفريغ ! و ليتني أفرغتها فورا في أي شي.. حسام، الجدار، الأرض ، الشجر، الحجر ، الحديد ... أي شيء.. و لا أن أكبتها لذلك الوقت... ...

                            عادت سارة، و معها أروى و أمها
                            نقلت نظري بين الثلاث و لم أكد أسأل ، إذ أن الصغيرة قالت :

                            " رغد تقول : ارحلوا ، فهي لن تأتي معكم أبدا ! "

                            تحدّثت أروى الآن قائلة :

                            " إنها مصرّة على البقاء هنا و اعتقد، أنها تشعر بالراحة و السعادة مع خالتها و ابنتيها ! "

                            و استدارت إلى أمها متممة :

                            " أليس كذلك أمي ؟ "

                            قالت خالتي ليندا :

                            " بلى، مسكينة ، لقد مرّت بظروف صعبة جدا، لم لا تتركها هنا لبعض الوقت يا وليد ؟ "

                            عند هذا الحد، و ثار البركان...
                            الجميع من حولي يقفون إلى صفها ضدّي، الكل يطلب مني ترك رغد هنا.. و يرى أنه التصرف السليم، و قد يكون كذلك، و قد يصدر من إنسان عاقل ، أما أنا..في هذه اللحظة فمجنون، و حين يتعلّق الأمر برغد فأنا أجن المجانين...

                            سألت الصغيرة سارة :

                            " أين هي ؟ "

                            أشارت إلى الغرفة التي كانت النساء يجلسن فيها

                            قلت :

                            " أ أستطيع الدخول ؟ "

                            فنظرت إلي الصغيرة سارة ببلاهة ، أشحت بأنظاري عنها و نظرت إلى أروى محوّلا السؤال إليها ، و كررت :

                            " أ أستطيع الدخول ؟ "

                            قالت أروى :

                            " أجل ... "

                            و سرت ُ نحو الغرفة ، و أنا أنادى بصوت عال مسموع :

                            " رغد ... رغد "

                            حتى أنبهها و ابنة خالتها إلى قدومي..
                            طرقت الباب، ثم فتحته بنفسي، و أنا مستمر في النداء...
                            الجميع تبعني، و رموني بنظرات مختلفة المعاني، لا تهمني، كما لا يهمكم سردها هنا
                            وجدت صغيرتي واقفة و إلى جانبها ابنة خالتها، و على وجهيهما بدا التوتر و القلق...

                            قلت :

                            " رغد، هيا بنا ... "

                            هزّت رأسها اعتراضا و ممانعة ، فقلت بصوت جعلته أكثر حدّة و خشونة :

                            " رغد ، هيا بنا، سنرحل فورا "

                            رغد تكلّمت قائلة :

                            " لن أرحل معكم ، اذهبوا و اتركوني و شأني "

                            رفعت صوتي أكثر و قلت بلهجة الإنذار الأخير :

                            " رغد، أقول هيا بنا ، لأنه حان وقت الرحيل، و أنا لن أخرج من هنا إلا و أنت معي "

                            قالت رغد بتحد ٍ :

                            " لن أذهب ! "

                            في هذه اللحظة، استخدمت بقايا الشحنة المكبوتة في يدي ..التي حدّثتكم عنها.. على حبيبة قلبي ، رغد
                            أسرعت نحوها، و أمسكت بذراعها بعنف، و شددتها رغما عنها و أجبرتها على السير معي نحو الباب ...
                            من حولي كان الجميع يهتف و يستنكر و يعترض ، و لكنني أبعدت ُ كل من حاول اعتراض طريقي بعنف، و دفعت حسام دفعة قوية صفعته بالجدار
                            أم حسام حاولت استيقافي و صرخت في وجهي ، و مدّت رغد ذراعها الأخرى و تشبثت بخالتها، و بابنة خالتها ، و بكل شيء...إلا أنني سحبتها من بين أيديهم بقسوة
                            أروى و أمها حاولتا ثنيي عما أقدمت عليه فكان نصيبها زجرة قوية مرعبة فجّرتها في وجهيهما كالقنبلة...
                            نحو المخرج سرت و لحق بي حسام و البقية من بعده فأنذرته :

                            " عن طريقي ابتعد لأنني لا أريد أن تصيبك كسور أنت في غنى عنها "

                            " من تظن نفسك !؟ اترك ابنة خالتي و إلا .. "

                            استخرجت المفتاح من جيبي و فتحت باب السيارة المجاور لمقعد السائق، و دفعت رغد عنوة إلى الداخل ، و أقفلته من بعدها .

                            و الآن.. علي ّ أن ألقّن حسام درسا ، ليعرف جزاء من يتجرّأ على خطبة حبيبتي منّي ...

                            كنت أنوي إيساعه ضربا، إلا أن تدخّل من حولي جعلني أكتفي ببعض اللكمات التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و لا تخمد بركانا جنونيا ثار في داخلي بلا هوادة .
                            وسط المعمة و البلبلة و الصراخ و الهتاف، و استغاثة رغد و ضرباتها المتتالية لنافذة السيارة ، و الفوضى التي عمّت الأجواء، التفت أنا إلى أروى و الخالة ليندا و هتفت بقوة :

                            " ماذا تنتظران ؟ هيا إلى السيارة "

                            و توجّهت إليها باندفاع، فركبتها و فتحت الأقفال لتركب الاثنتان، و أوصدها مجددا، و أنطلقت بسرعة ...

                            قطعنا مسافة طويلة، و نحن في صمت يشوبه صوت محرّك السيارة، و صوت الهواء المتدفق من فتحة نافذتي الضيقة، و صوت بكاء رغد المتواصل...

                            لم يتجرّأ أحد على النطق بكلمة واحدة... فقد كنا جميعا في ذهول مما حصل..

                            لم أتخيّل نفسي... أقسو على صغيرتي بهذا الشكل..ولكن .. جن جنوني لفكرة أنها باقية مع حسام، أو صائرة إليه...

                            و إن كان آخر عمل في حياتي، فأنا لن أسمح لأحد بأخذ رغد منّي مهما كان..و مهما كانت الظروف.. و مصيرك يا رغد لي أنا...


                            " أما اكتفيت ِ بكاء ً ؟ هيا توقّفي فلا جدوى من هذر الدموع ... "

                            قلت ذلك بأسلوب جاف ، جعل أروى تمد يدها من خلفي، و تلامس كتفي قاصدة أن أصمت و أدع رغد و شأنها...
                            صمت ّ فترة لا بأس بها، بعدها فقدت أي قدرة لي على التركيز في القيادة، و أنا أرى رغد مستمرة في البكاء إلى جانبي...
                            أوقفت السيارة على جانب الطريق، و التفت إليها ...
                            كانت تسند رأسها إلى النافذة، في وضع تخشع له قلوب الجبابرة..فكيف بقلب وليد ؟؟

                            " صغيرتي ... "

                            ألقت علي نظرة إحباط و خيبة أمل أوشكت معها أن أستدير و أعود أدراجي و أوصلها إلى بيت خالتها ... إلا أنني تمالكت نفسي ...

                            " رغد ... أنا آسف ... "

                            لم تعر جملتي أية أهمية، و ظلت على ما كانت عليه...

                            " أرجوك يا رغد.. قدّري موقفي، لا أستطيع تركك في مدينة و أسافر أنا إلى أخرى ! إنك تحت مسؤوليتي و لا يمكنني الابتعاد عنك ليلة واحدة "

                            لم أر منها أي تجاوب، مددت يدي بعد تردد و أمسكت ُ بيدها ، فسحبت يدها بقوة و غضب :

                            " اتركني ... "

                            قلت :

                            " لا أستطيع أن أتركك في أي مكان ... "

                            رغد أجابت بانفعال :

                            " و أنا لا أريد الذهاب معك ! أهو جبر ؟ أهو تسلّط ؟ لا أريد السفر معك ... أعدني إلى خالتي .. أعدني إلى خالتي .. "

                            و أجهشت بكاء قويا ...

                            قلت أنا :

                            " سنعود لزيارتها حين ننهي مهمتنا ، و سنبقى هناك القدر الذي تريدين "

                            صرخت رغد :

                            " أريد العيش معهم مدى الحياة ! ألا تفهم ذلك ؟ "

                            اشتط غضبي من هذه الجملة، فأمسكت بيدها مجددا و شددت قبضتي عليها و قلت بحدة و أنا أضغط على أسناني كأني أمزّق حقيقة أكرهها بين نابي ّ :

                            " لن أدع لك الفرصة لتحقيق ما يدور برأسك.. و أقسم يا رغد.. أقسم بأنه ستمضي سنون خمس على الأقل، قبل أن أسمح لأي رجل بالزواج منك .. و إن كان ابن خالتك يطمع بك، فلينتظر هو بالذات عشر سنوات حتى أسمح له بطرح الفكرة ، و إن تجرأ على إعادة عرضه ثانية قبل ذلك .. فوالذي لم يخلق في داخلي قلبين اثنين، لأقننه درسا يُنسيه حروف اسمه ... و دون ذلك، لن يبعدك شيء عني ّ غير الموت.. الموت و الموت فقط "

                            لم أدرك تماما خطورة ما تفوّهت به ، إلا بعد أن رأيت رغد تحملق بي بذهول شديد، و قد تبخّرت الدموع التي كانت تجري على وجنتيها.. و ألجم حديثي لسانها و منعها حتى عن التأوّه من شدة قبضي على يدها...
                            ربما أكون قد كسرت أحد عظامها أو حرّكت أحد مفاصلها .. لقد كنت أضغط بقوة شديدة... أصابت عضلات يدي أنا بالإعياء...
                            سكون تام خيّم علينا، ما عاد هناك صوت للمحرك، و لا للهواء ، و لا لرغد، و لا لأي شيء آخر..
                            حررت يد رغد من قبضتي، فرأيتها محمرّة.. و بالتأكيد مؤلمة...
                            إلا أن رغد لم يظهر عليها الألم، و لم تسحب يدها بعيدا عني ، كما لم ترفع عينيها المذهولتين عن عيني ...




                            ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~




                            طوال الأشهر الماضية، كنت أنظر إلى خطيبي وليد نظرة إعجاب شديد، أكاد معها أجزم بأنه أفضل رجل على وجه الأرض، و لا أرى منه أو فيه أي عيب أو نقص...
                            و كانت جميع خصاله و طباعه تعجبني، و سلوكه و تصرفاته كلها مثار إنبهاري ..
                            و في هذا اليوم، رأيت شيئا أذهلني و فاجأني...
                            لم أتصوّر أن يكون وليد بهذا التسلّط أو هذه القسوة ! لم أتوقع أن يصدر منه أي تصرّف وحشي.. كنت أراه إنسانا هادئ الطباع و مسالما... و عظيم الخلق...

                            الطريقة التي سحب بها رغد رغما عنها، و الطريقة التي زجرنا بها حين حاولنا ثنيه عما كان مقبلا عليه، و الطريقة التي لكم بها حسام بوحشية، و الطريقة التي خاطب بها رغد و نحن في طريقنا الطويل إلى المدينة الساحلية، كلها أثارت في قلبي الخوف و الحذر...
                            و ذكّرتني، بأن خطيبي هذا قد قتل شخصا ما ذات يوم ... !

                            كان الطريق إلى المدينة الساحلية طويلا جدا، و مملا جدا ... و قد سيطر الصمت الموحش علينا نحن الأربعة ...
                            والدتي سرعان ما نامت، و بقيت أنا أراقب الطريق، و أحاول النظر إلى وليد ، إلا أنه كان مركزا على الطريق تركيزا تاما، و كان يسير بسرعة مخيفة !

                            " هللا خففت السرعة يا وليد ! "

                            طلبت منه ذلك، فقد شعرت بالخوف من انفعاله ... لكنه لم يخففها بل قال :

                            " طريقنا طويل جدا ... أجدر بي زيادتها "

                            ثم التفت إلى رغد، و التي كانت مشيحة بوجهها نحو النافذة و مسندة رأسها إليها ، و خاطبها قائلا :

                            " اربطي حزام الأمان "

                            لم أر من رغد أي حركة ، أهي نائمة ؟ أم لم تسمع ؟ أم ماذا ؟؟

                            عاد وليد يقول :

                            " رغد .. اربطي حزام الأمان "

                            رأيتها تتحرك، ثم سمعتها تقول :

                            " لماذا ؟ هل تنوي أن تصدمنا بشاحنة أو جبل ؟ "

                            بدا على وليد ، من نبرة صوته ، نفاذ الصبر و الاستياء، إذ قال :

                            " لا قدّر الله ، فقط اربطيه للسلامة "

                            قالت رغد :

                            " لا تخش على سلامتي ! مرحبا بالموت في أي وقت .. أنا انتظره بشوق "

                            الجملة هذه أربكت وليد فانحرف في مسيره قليلا و أفزعنا ! ثم خفف السرعة تدريجيا، حتى أوقف السيارة... و التفت إلى رغد قائلا :

                            " توقّفي عن ذكر الموت يا رغد.. تجرّعت منه ما يكفي.. إياك و تكرار ذلك ثانية "

                            لم تعقّب رغد، بل أسندت رأسها إلى النافذة من جديد...

                            قال وليد :

                            " اربطي الحزام "

                            قالت :

                            " لن أفعل ! "

                            " رغد ! هيا ! "

                            " لن أربطه ! "

                            " إذن، أنا سأربطه ! "

                            و رأيت وليد يمد يده باتجاه الحزام، ثم رأيتها ترتد بسرعة إليه! أظن أن رغد دفعتها بعيدا ، ثم سمعت صوت اصطكاك لسان الحزام بفكّه !
                            لقد ربطته بنفسها !
                            ثم سمعت وليد يقول :

                            " فتاة مطيعة "

                            و يعاود الانطلاق بالسيارة بأقصى سرعة !

                            بعد فترة، توقّف وليد عند إحدى محطّات الوقود، من أجل الوقود، و الطعام، و الصلاة...

                            خاطبنا مشيرا إلى مبنى على جانبنا :

                            " يوجد هنا مصلى للسيدات، حينما تفرغن عدن إلى السيارة ، ثم نذهب إلى المطعم "

                            أنا و والدتي فتحنا البابين الخلفيين، و نزلنا...
                            وليد فتح بابه.. ثم التفت إلى رغد... و التي كانت لا تزال جالسة مكانها لا تصدر منها أي حركة تشير إلى عزمها على النهوض ! ..

                            " ألن تنزلي ؟ "

                            سألها ، فسمعتها ترد بسؤال :

                            " إلى أين ستذهب أنت ؟ "

                            قال وليد :

                            " إلى المسجد "

                            و أشار بيده إلى نفس البناية، و التي تحوي مصلى صغيرا خاصا بالرجال، و آخر بالنساء ، يفصلهما جدار، و يقع باباهما في الطرفين المتضادين ..
                            يظهر أن الفكرة لم ترق لرغد ( هذه المدللة المدلّعة ) و أبت إلا أن يقف وليد عند مدخل المصلى النسائي، حارسا على الباب !

                            بعد ذلك، اقترح وليد أن ندخل إلى المطعم المجاور لتناول الطعام، فلم يعجبها الاقتراح، فاقترح أن يذهب هو لإحضاره و نبقى نحن في السيارة، و أيضا لم يعجبها الاقتراح ! يا لهذه الفتاة ... لقد بدأت أشعر بالضيق من تصرفاتها ! إنها بالفعل مجرد طفلة كبيرة !

                            أتدرون ما فعلت في النهاية ؟
                            أصرّت على الذهاب معه، و تركتنا أنا و أمي نعود للسيارة !
                            ركبت أنا المقعد الأمامي، و أمي خلفي مباشرة، و قلت مستاءة :

                            " إنه يدللها بشكل يثير سخطي يا أمي .. أستغرب.. لم َ لم ْ يتركها في بيت خالتها كما أرادت و أصرّت ! إنه ينفذ جميع رغباتها بلا استثناء! فلم عارض هذه الرغبة ؟؟ "

                            قالت والدتي :

                            " هذا لأنه يشعر بالمسؤولية الكاملة تجاهها، لا تنسي يا ابنتي أنها يتيمة و وحيدة "

                            قلت :

                            " هل سمعت ِ ما قاله ؟ يبدو أن ابن خالتها يخطط للزواج منها، بعدما انفصلت عن خطيبها السابق ! أظنه حلا ممتازا لمثل وضعها ! لم يعارضه وليد ؟ "

                            قالت :

                            " هو الأدرى بالمصلحة يا أروى، لا تتدخلي في الموضوع بنيّتي "

                            و في الواقع، الموضوع كان يشغل تفكيري طوال الساعات الماضية...

                            لقد قال وليد و هو في قمّة الثورة و العصبية ، مخاطبا رغد أنه لن يسمح لها بالزواج من أي رجل قبل مرور سنين ! ... هذه الجملة تثير في داخلي شكوكا و أفكارا خطيرة ...

                            بعد قليل، أقبل وليد يحمل كيسا حاويا للطعام، و إلى جانبه تسير مدللته الصغيرة ..
                            من خلال النافذة، ألقت رغد علي نظرة غيظ حادة لم أفهم لها سببا، ثم ركبت السيارة إلى جوار والدتي...
                            وليد بعدما جلس، أخذ يوزّع علينا حصصنا من الطعام، و الذي كان عبارة عن ( هامبرجر ) و بعض العصير...

                            و حين جاء دور (المدللة) ، التفت إليها مادا يده، مقدّما علبة البطاطا المقلية ...

                            " تفضلي رغد.. طبقك "

                            الفتاة التي تجلس خلف وليد مباشرة قالت ببساطة :

                            " لا أريد ! كله أنت ! "

                            وليد بدا مستغربا ! و قال :

                            " ألم تطلبي بطاطا مقلية !؟ "

                            قالت :

                            " بلى، غيّرت رأيي، احتفظ به "

                            وليد مدّ إليها بعلبة ( الهامبرجر ) الخاصة به...

                            " خذي هذه إذن "

                            قالت :

                            " لا أريد ! شكرا "

                            " و لكن هل ستبقين دون طعام ؟ ماذا تريدين أن أحضر لك ؟؟ "

                            " لا شيء ! لا أشتهي شيئا و لا أريد شيئا ! "

                            " و هذه البطاطا ؟؟ "

                            " كلها ! أو ... أطعمها مخطوبتك ! "

                            و أسندت رأسها إلى النافذة، معلنة نهاية الحوار !

                            وليد أعاد علبتي البطاطا و الهامبرجر إلى داخل الكيس، و انطلق بالسيارة ...
                            باختصار، أنا و أمي كنا الشخصين اللذين تناولا وجبتيهما !

                            عدّة مواقف حصلت أثناء الرحلة الطويلة الشاقة، و رغد إذا خاطبتني ، تخاطبني بطريقة جافة و خشنة، كأنها تصب جم غضبها علي أنا !
                            بعد مرور ساعات أخرى، و وسط الظلام، استسلمت أنا للنوم..
                            حينما أفقت بعد مدة لم أحسبها، وجدت السيارة موقفة، و وجدت وليد و رغد يجلسان في الخارج، على الرمال، و أمي نائمة خلفي، و يتحدّثان فيما لا يعلم به إلا الله ...





                            ~ ~ ~ ~ ~ ~






                            لأن النعاس غلبني، كما غلب جميع من معي، أوقفت السيارة و في نيتي الخروج و الاسترخاء قليلا ، و تجديد نشاطي...

                            استدرت للخلف، فرأيت رغد تنظر إلي مباشرة !

                            " لماذا توقّفت ! ؟ "

                            " ألم تنامي ؟ أشعر بالتعب، سأمشي قليلا ... "

                            و ما إن سرت بضع خطوات، حتى تبعتني صغيرتي ...
                            لم نتحدّث، و أخذت أسير ببطء... على الرمال مبتعدا عن السيارة عدّة أمتار... و أشعر بها تسير خلفي، دون أن ألتفت إليها...
                            بعد مسافة قصيرة، استدرت قاصدا العودة، فوقعت عيناي على عينيها مباشرة...

                            أعتقد أن الزمن توقّف عن السير تلك اللحظة... لو تعرفون ما الذي تفعله، نظرة واحدة إلى عيني رغد بي ... لربما بررتم التصرفات الغريبة التي تصدر مني !
                            إنها ترسلني إلى الجنون... فهل يلام مجنون على ما يفعل ؟؟

                            بعد أن تابع الزمن سيره، تقدّمت نحوها... عائدا إلى حيث السيارة... رغد بقيت واقفة مكانها، إلى أن تجاوزتها ببضع خطوات، ثم أحسست بها تسير خلفي...

                            مشاعر كثيرة شعرت بها و أنا أغرس حذائي في الرمال..خطوة بعد خطوة...
                            الشعور بالقلق..لما يخبئه القدر لي، الشعور بالغيظ من رغبة رغد في البقاء مع خالتها.. و ابن خالتها، و بالندم من قسوتي معها.. بالرغبة في الاعتذار.. و بالشوق لأن أواسيها و أعيد إلى نفسها الطمأنينة و الأمان و الثقة بي.. و بالحزن مما قد يكون الآن دائرا في رأسها حولي.. و برغبة جنونية ، في أن أستدير إليها الآن و أهتف في وجهها :
                            ( أنا أحبك ! ) ...
                            ماذا سيحدث حينها ؟؟
                            و أخيرا.. بشعور ٍ مسيطر...إن تمكّنت من السيطرة على جميع مشاعري و كبتها ، لا يمكنني الصمود في وجه هذا الشعور بالذات !
                            إنه قارس و قارص !
                            أنا جائع !

                            صدر نداء استغاثة من معدتي، سألت الله عشر مرات ألا يكون قد وصل إلى مسامع رغد !

                            حينما وصلت إلى السيارة، أسرعت الخطى إلى ( نافذتي ) المفتوحة فمددت يدي و استخرجت كيس الطعام، قبل أن تصل رغد ...

                            عدت ُ إلى الرمال، و جلست عليها.. و فتحت الكيس و استخرجت العلب الثلاث المتبقية فيه، علبة البطاطا المقلية، و الهامبرجر، و العصير !
                            رغد وقفت على مقربة تنظر إلي ! لابد أنها متعجبة مني ! رفعت رأسي إليها و قلت :

                            " تعالي و شاركيني ! "

                            و قمت بتقسيم الشطيرة ( الهامبرجر) إلى نصفين... و مددت ُ يدي بأحدهما إليها..

                            كانت لا تزال تنظر إلي باستغراب... قلت :

                            " صحيح باردة ، و لكنها تبقى طيبة المذاق "

                            ترددت رغد، ثم جاءت، و جلست إلى جانبي... و تناولت ( نصف الشطيرة ) من يدي...
                            قرّبت منها علبة البطاطا، و كذلك العصير، فرفضتهما...
                            بدأت أقضم حصتي من الشطيرة، و أبتلع أصابع البطاطا الباردة، و أشرب العصير، و أتلذذ بوجبتي هذه !
                            إنه الجوع ، يصيّر الرديء لذيذا !

                            قلت و أنا أمضغ إصبع بطاطا :

                            " لذيذ ! جرّبيه ! "

                            و أمسكت أحدها و قرّبته منها... كنت أنتظر أن تمد يدها لتمسكه بأصابعها، إلا أنها مدّت رأسها و أمسكته بأسنانها ! و بدأت تمضغه، و يبدو أنه أعجبها لذلك ابتسمت !
                            أن أراها تبتسم، و إن كانت ابتسامة خفيفة باهتة سطحية، بعد كل الذي حصل، لهو أمر يكفي لأن يجعلني أنسى عمري الماضي...
                            الماضي... آه ... الماضي...
                            في الماضي، كنت أطعمها أصابع البطاطا بهذه اليد... نفس اليد كانت تمد إليها بإصبع البطاطا قبل ثوان...
                            نفس اليد، التي تتوق لأن تمسح على رأسها و تطبطب على كتفيها و تضمها إلى صدري...
                            نفس اليد، التي شدّتها بعنف وقسوة، و أجبرتها على ركوب السيارة رغم مقاومتها...
                            إنها نفس اليد التي قتلت بها عمّار... و ضربت بها سامر ... و لكمت بها حسام... و سأذبح بها أي رجل يحاول الاقتراب منك يا رغد...
                            و بهذه اليد ذاتها، سأبقى ممسكا و متمسكا بك لآخر نسمة هواء تدخل إلى صدري، أو تخرج منه...
                            يا رغد... ليتك تعلمين...

                            " رغد ... "

                            نظرت إلي، فبقيت صامتا برهة، بينما عيناي تتحدثان بإسهاب... ألا ليتك تفهمين...

                            " نعم ؟؟! "

                            " سامحيني..."

                            جاء دورها الآن لتنظر إلي نظرة مليئة بالكلام... إلا أنني عجزت ُ عن ترجمته...

                            قلت :

                            " سامحيني.. أرجوك "

                            لم ترد إيجابا و لا سلبا، لكنها مدّت يدها إلى علبة البطاطا، و تابعت أكلها... على الأقل، هي إشارة حسنة و مطمئنة...

                            انهينا وجبتنا الباردة ، و في داخلي شعور غريب بالسعادة و الرضا، و الاسترخاء ، و الشبع أيضا !

                            و عوضا عن تجديد نشاطي، تملّكتني رغبة عارمة في النوم !

                            ( فرشت ) الكيس على الرمال، و تمددت واضعا رأسي فوقه.. و أغمضت عيني..

                            أنا متأكد من أنني لو بقيت على هذا الوضع دقيقتين اثنتين، لدخلت في سبات عميق و فوري...

                            الذي حصل هو أن صغيرتي و بمجرد أن أغمضت عيني نادتني بقلق :

                            " هل ستنام وليد ؟؟ "

                            قلت و أنا أتثاءب :

                            " أنا نعسان بالفعل ! سوف أسترخي لدقائق "

                            " وليـــد ! اجلس ! "

                            صدر هذا الأمر من صاحبة الدلال و السيادة ، جعلني انهض فورا ، و أصحو تماما !
                            التفت إليها فوجدتها تنظر إلي بقلق...

                            " دعنا نعود إلى السيارة و نم هناك "

                            " حسنا... إذن هيا بنا "

                            و نهضنا و عدنا إلى مقعدينا...

                            " هل يضايقك أن أزيح مسند مقعدي للوراء يا رغد ؟ "

                            " كلا .. خذ راحتك "

                            " شكرا "

                            صمت برهة ثم عدت أقول :

                            " أنا متعب بالفعل، قد أنام طويلا ! إذا نهضت ِ و وجدت ِ الشمس توشك على الشروق، فلتوقظيني "

                            " حسنا "

                            " نوما هنيئا، صغيرتي "

                            " لك أيضا "





                            ~ ~ ~ ~ ~





                            لم ينته الأمر هنا...

                            صحيح أن وليد قد نام بسرعة، إلا أن رغد ظلت تتحرك، و أشعر بحركتها لفترة...

                            كنت أتظاهر بالنوم.. و من حين لآخر أفتح عيني ّ قليلا ، خصوصا إذا أحسست بحركة ما...
                            هذه المرّة فتحتها فتحة صغيرة، فرأيت يد رغد تمتد إلى مقعد وليد، و رأسها يستند عليه...
                            هذا لا شيء...!
                            فالشيء.. الذي أيقظ كل الخلايا الحسية و العصبية و الوجدانية في جسدي، في ساعة كنت فيها في غاية التعب و النعاس، و أرسل أفكاري إلى الجحيم ...هو جملتها الهامسة التالية :

                            " ( نوما هنيئا... يا وليد قلبي ...) "





                            ]]]يـتـبـع]]

                            تعليق


                            • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                              هذة القصة جميلة جدا فهى من اجمل القصص التى قراتها شكرااا وبارك اللة فيكى ونتمنى المزيد من مثل هذة القصص الجميلة ولكن نرجو اكمال القصة باسرع وقت

                              تعليق


                              • رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                                حلقه مشوقه اختى


                                ووقفتى عند جزء مشوق


                                منتظرين بس ياريت ما تتاخرى


                                احترامي
                                لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
                                سيستوطنني بِ فراقكَ !
                                كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
                                كبرت أكثر مماتتصور =) !

                                تعليق

                                يعمل...
                                X