إعـــــــلان

تقليص

قوانين منتديات أحلى قلب

قوانين خاصة بالتسجيل
  • [ يمنع ] التسجيل بأسماء مخلة للآداب أو مخالفة للدين الإسلامي أو مكررة أو لشخصيات معروفة.
  • [ يمنع ] وضع صور النساء والصور الشخصية وإن كانت في تصاميم أو عروض فلاش.
  • [ يمنع ] وضع روابط لايميلات الأعضاء.
  • [ يمنع ] وضع أرقام الهواتف والجوالات.
  • [ يمنع ] وضع روابط الأغاني أو الموسيقى في المنتدى .
  • [ يمنع ] التجريح في المواضيع أو الردود لأي عضو ولو كان لغرض المزح.
  • [ يمنع ] كتابة إي كلمات غير لائقة ومخلة للآداب.
  • [ يمنع ] نشر عناوين أو وصلات وروابط لمواقع فاضحة أو صور أو رسائل خاصة لا تتناسب مــع الآداب العامة.
  • [ يمنع ] الإعــلان في المنتدى عن أي منتج أو موقع دون الرجوع للإدارة.

شروط المشاركة
  • [ تنويه ]الإلتزام بتعاليم الشريعة الاسلامية ومنهج "اهل السنة والجماعة" في جميع مواضيع المنتدى وعلى جميع الإخوة أن يتقوا الله فيما يكتبون متذكرين قول المولى عز وجل ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
    وأن يكون هدف الجميع هو قول الله سبحانه وتعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).
  • [ يمنع ] الكتابة عما حرم الله عز وجل وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم .
  • [ يمنع ] التعرض لكل ما يسىء للديانات السماوية أي كانت أو ما يسيء لسياسات الدول .
  • [ يمنع ] عرض الإيميلات في المواضيع والردود .
  • [ يمنع ] التدخل في شؤون إدارة الموقع سواء في قراراتها أو صلاحيتها أو طريقة سياستها .
  • [ يمنع ] الإستهزاء بالمشرفين أو الإدارة بمجملها .
  • [ يمنع ] التعرض لأي شخص بالإهانة أو الإيذاء أو التشهير أو كتابة ما يتعارض مع القوانين المتعارف عليها .
  • [ يمنع ] التسجيل في المنتديات لهدف طرح إعلانات لمواقع أو منتديات أخرى .
  • [ يمنع ] طرح أي شكوى ضد أي مشرف أو عضو علناً ، و في حال كان لا بد من الشكوى .. راسل المدير العام من خلال رسالة خاصة .
  • [ يمنع ] استخدام الرسائل الخاصة لتبادل الكلام المخل للآداب مثل طلب التعارف بين الشباب و الفتيات أو الغزل وإن إكتشفت الإدارة مثل هذه الرسائل سوف يتم إيقاف عضوية كل من المُرسِل والمُرسَل إليه ما لم يتم إبلاغ المدير العام من قبل المُرسَل إليه والرسائل الخاصة وضعت للفائدة فقط .
  • [ يجب ] احترام الرأي الآخر وعدم التهجم على الأعضاء بأسلوب غير لائق.
  • عند كتابة موضوع جديد يرجى الابتعاد عن الرموز والمد الغير ضروري مثل اأآإزيــــآء هنـــديـــه كـــيـــوووت ~ يجب أن تكون أزياء هندية كيوت
  • يرجى عند نقل موضوع من منتدى آخر تغيير صيغة العنوان وتغيير محتوى الأسطر الأولى من الموضوع

ضوابط استخدام التواقيع
  • [ يمنع ] وضع الموسيقى والأغاني أو أي ملفات صوتية مثل ملفات الفلاش أو أي صور لا تتناسب مع الذوق العام.
  • [ يجب ] أن تراعي حجم التوقيع , العرض لا يتجاوز 550 بكسل والارتفاع لا يتجاوز 500 بكسل .
  • [ يمنع ] أن لا يحتوي التوقيع على صورة شخصية أو رقم جوال أو تلفون أو عناوين بريدية أو عناوين مواقع ومنتديات.
  • [ يمنع ] منعاً باتاً إستخدام الصور السياسية بالتواقيع , ومن يقوم بإضافة توقيع لشخصية سياسية سيتم حذف التوقيع من قبل الإدارة للمرة الأولى وإذا تمت إعادته مرة أخرى سيتم طرد العضو من المنتدى .

الصورة الرمزية للأعضاء
  • [ يمنع ] صور النساء المخلة بالأدب .
  • [ يمنع ] الصور الشخصية .

مراقبة المشاركات
  • [ يحق ] للمشرف التعديل على أي موضوع مخالف .
  • [ يحق ] للمشرف نقل أي موضوع إلى قسم أخر يُعنى به الموضوع .
  • [ يحق ] للإداريين نقل أي موضوع من منتدى ليس من إشرافه لأي منتدى أخر إن كان المشرف المختص متغيب .
  • [ يحق ] للمشرف حذف أي موضوع ( بنقلة للأرشيف ) دون الرجوع لصاحب الموضوع إن كان الموضوع مخالف كلياً لقوانين المنتدى .
  • [ يحق ] للمشرف إنـذار أي عضو مخالف وإن تكررت الإنذارات يخاطب المدير العام لعمل اللازم .

ملاحظات عامة
  • [ يمنع ] كتابة مواضيع تختص بالوداع أو ترك المنتدى وعلى من يرغب في ذلك مخاطبة الإدارة وإبداء الأسباب.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام التعديل على كل القوانين في أي وقت.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام إستثناء بعض الحالات الواجب طردها من المنتدى .

تم التحديث بتاريخ 19\09\2010
شاهد أكثر
شاهد أقل

أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

    عنجد بتشوقينا اختى

    لا تتاخرى فى البقيه


    احترامي
    لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
    سيستوطنني بِ فراقكَ !
    كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
    كبرت أكثر مماتتصور =) !

    تعليق


    • #77
      رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

      قصة رااائعة جدا

      لا تتاخري علينا بالبقيه

      شكرالك




      لا اله الا الله محمد رسول الله

      ..)( حاصله علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

      تعليق


      • #78
        رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

        يسلمو للقصة الرائعة

        بانتظار التكملة

        يعطيك العافية

        سعادة العالم لا تكون ولن تكون بدونك .. انت تسري بعروقك

        تعليق


        • #79
          رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

          مشكورين لمروركم وتفاعلكم

          هاي بقية القصة

          يا رب تعجبكم

          ****

          الحلقة التاسعة و العشرون

          ********

          ~ زلزلة القلوب ~




          أعد الدقائق واحدة تلو الأخرى ، في انتظار وصول وليد...

          رغم أنها مجرد أيام، تلك التي فصلت بيننا مذ لقائنا الأخير ، إلا أنني أشعر بها كالشهور ...لا بل كالسنين ... نعم كالسنين التي قضيتها محرومة من رؤيته ، و معتقدة بأنه سافر يدرس.. بينما كان ...

          كلما جالت هذه الخاطرة برأسي طردتها مسرعة ، و أجبرت نفسي على الفرح .. فهو سيصل اليوم في أية لحظة...

          سامر تحاشى الحديث معي منذ الصباح، إنه فقط مهتم بالإعدادات للحفلة البسيطة ، و قد قام هو و دانة بترتيب مائدة في الصالة ، لاستقبال الرجال ، و أخرى في غرفة المجلس ، لاستقبال السيدات .

          حاولت مساعدتهم إلا أنني كنت متعبة من آثار الصدمة التي تلقيتها مؤخرا و لم تسعفني قواي البدنية على فعل شيء أكثر من المراقبة عن كثب..

          بعد تأدية صلاة العشاء ، أتتني دانة لتتحدث معي الحديث الأخير... قبل فراقنا..

          ابتداء من هذه الليلة ، سوف لن يكون لدي أخت ٌ أتشاجر معها ! من سيعلّق على مظهري كلما ارتديت شيئا جديدا، من سيوبّخني كلما أخطأت ! من سيغار مني و أغار منه؟؟

          من سيعلمني أشياء أجهلها و يفتح عيني على الحياة... دانة كانت بالنسبة لي .. الباب إلى الحياة ، فأنا لم أعرف من هذه الدنيا شيئا إلا عن طريقها...

          و رغم أن الفرق بين عمرينا هو سنتان و نصف ، إلا أنني أشعر بنفسي صغيرة جدا أمامها .. و أحسها أختي الكبرى و معلّمتي الحبيبة ...

          لذا ، عندما دخلت الغرفة و أنا لا أزال مرتدية حجاب الصلاة و قالت :

          " سأتخلص منك أخيرا ! "

          انفجرنا ضحكا ، ثم بكاء ... شديدا جدا .. جعل سامر يقف عند الباب مذهولا حائرا !

          " لمن ستتركينني دانة ؟ سأبقى وحيدة منعزلة عن العالم من بعدك ! "

          " هنيئا لك ! ستنفردين برعاية أبي و تدليله ! أنت مثل القطة رغد ! مهما كبرت تظلين تعشقين الدلال ! كان الله في عون الرجل الذي ستتزوجينه ! "

          الآن صارت تشير إليه بالمجهول ! لم تذكر اسم سامر .. فهي إذن اقتنعت أخيرا بأن سامر لم يعد لي ...

          نظرت أنا نحو سامر فوجدت وجهه المشوه غارقا في الحزن ... و كرهت نفسي...
          كرهت قدري.. و ظروفي التي انتهت بي و به إلى هذه الحال...

          أعدت نظري إلى دانة .. نظرة استغاثة.. استنجاد.. أريد من ينقذني من هذا كله.. فوجدت على وجهها ابتسامة خفيفة ، و سمعتها تهمس :

          " على كل ٍ ، هو يحب تدليلك كثيرا ! "

          ابتسمت ُ ، و ضممتها إلي ، و أنا أشعر بأنها المرة الأولى التي تفهمني فيها...

          رباه ! كيف تغيّرت بهذا الشكل بين ليلة و ضحاها ؟؟

          هل يعني أنها موافقة على و راضية عن انفصالي عن سامر ، و ارتباطي بوليد؟؟ هل تدرك هي أنني أحب وليد و وليد فقط؟؟

          وليد قلبي ...

          آه كم أنا متلهفة لرؤيتك ...

          عد بسرعة .. اظهر فورا .. فقد أضناني الشوق و الحرمان ...

          قمت بعد ذلك و لبست فستانا أهداني إياه سامر من أجل الحفلة ، و ووضعت بعض الحلي ، و التي أيضا أهداني إياها سامر... و ارتديت حذاء عالي الكعب جدا ، كالعادة ، و بصراحة .. أهداني إياه سامر أيضا !

          إلا أنني لم أضع أيا من المساحيق على وجهي ، فأنا أريد مقابلة وليد قلبي وجها لوجه ...
          بدوت مسرورة ، أحوم حولهما كالفراشة ... و عندما حضر الضيوف أحسنت استقبالهم و قدت النساء إلى المجلس ... كانت أم نوار و أخواته، في غاية الأناقة و الجمال.. يرتدين ملابس مبهرة و حلي كثيرة .. و قد تلوّنت وجوههن بالماكياج المتقن جدا !

          شعرت ببعض الخجل من نفسي لكوني بلا ألوان ! مع ذلك ، أبدو جميلة فلا تلتفتوا لهذا الأمر !

          حضرت العروس بعد ذلك ، في قمة الأناقة و الروعة .. و أخذنا نلتقط العديد من الصور التذكارية ، و سأظهر جميلة رغم كل شيء !

          مر الوقت .. و مع انقضاء كل ساعة ينقضي خيط أمل في حضور وليد.. لماذا لم يحضر بعد ؟؟ أحقا سيأتي أم أنه ...

          ذهبت إلى المطبخ لجلب المزيد من العصائر فإذا بي أصادف سامر هناك ، يحمل أطباق الجلي ...

          قلت :

          " ألم يحضر وليد ؟؟ "

          سامر تظاهر بالابتسام و قال :

          " ليس بعد "

          قلت :

          " هل أنت واثق من حضوره ؟ هل قال أنه آت ٍ بالفعل ؟؟ "

          " قال إن لديه ارتباطات و مشاغل أخرى ، لكنه سيحاول الحضور ... "

          نظرت إلى الساعة المعلقة على جدار المطبخ بيأس...

          قال سامر :

          " لا يزال الوقت مبكرا ... لا تقلقي... "

          ثم غادر المطبخ ...



          ~ ~ ~ ~ ~ ~




          اعتقد إن من حقّي أن آخذ هذه المساحة بين السطور .. لأصف لكم مشاعري المجروحة ...

          إذا كان هناك رجل تعيس في الدنيا فهو أنا.. كيف لا و أنا أرى مخطوبتي.. محبوبتي رغد.. تعد الدقائق بلهفة في انتظار عودة وليد.. حبيب قلبها الغالي..

          أصبت بجنون ما بعده جنون ، حين اعترفت لي و بلسانها أنها تحبه هو.. و أنه السبب في قرارها الانفصال عني ، بعد خطوبة استمرت أربع سنوات أو يزيد...

          أربع سنوات من الشوق و اللهفة.. و الحب و الهيام.. في انتظار الليلة التي تجمعنا أنا و هي.. عريسين في عش الزوجية.. ثم يأتي وليد.. و في غضون شهور أو ربما أيام .. يسرق قلبها مني !

          رغد لم تقل لي في السابق : ( أنا أحبك ) ، و لكنها لم تقل : ( أنا لا أحبك ) ..
          بل كانت الأمور فيما بيننا تجري على خير ما يرام .. حتى أخبرني وليد نفسه ذات ليلة بأنها ترغب في تأجيل زواجنا...

          الشيء الذي لا أعرفه حتى هذه اللحظة ، ما إذا كان وليد يعرف بحبها له أو يبادلها الشعور ذاته ، أم لا ...

          أنا أعرف أنه يحبها و يهتم بها كأخت.. أو ابنة عم .. أما كحبيبة.. كزوجة .. فهذا ما لا أعرفه و لن أحتمل صدمة معرفته ، إن كان يحبها بالطريقة التي أحبها أنا بها..

          أتذكر أنها في اليوم الذي عرض عليها ارتباطنا قبل سنين قالت : ( لننتظر وليد أولا )

          و لأنه كان من المفترض ألا يعود إلا بعد أكثر من عشر سنين من ذلك الوقت، فإننا عقدنا قراننا بموافقة الجميع...

          و أنا أنظر إليها هذه اللحظة و هي تراقب الساعة ، أشعر بأن خلايا قلبي تتمزّق خلية خلية ، بل ... و أنويتها تنشطر .. و ذراتها تتبعثر حول المجرّة بأكملها ...

          لماذا فعلت ِ هذا بي يا رغد ؟؟

          إن كنت تجهلين ، فأنا أحبك حبا لا يمكن لأي رجل في الدنيا أن يحمل في قلبه حبا مثله..

          حبا يجعلني أدوس على مشاعري و أحرق أحاسيسي رغما عنها ، لأجعلك تحيين الحياة التي تريدينها مع الشخص الذي تختارينه..

          و ليته كان أنا...

          و إن اكتشفت أن وليد لا يكترث لك ، فإنني لن أقف صامتا ، و أدعك تبعثرين مشاعرَ أنا الأولى بها من أي رجل على وجه المعمورة ، بل سآخذك معي.. و أحيطك بكل ما أودع الله قلوب البشر من حب و مودة ، و أحملك إلى السحاب .. و إن شئت ِ .. أتحوّل إلى وليد .. أو إلى أي رجل آخر تريدين أن تصبي مشاعرك في قلبه ... فقط.. اقبلي بي...

          غادرت المطبخ على عجل ، لئلا أدع الفرصة لرغد لرؤية العبرة المتلألئة في محجري...

          نعم ، سأبكي لتضحكي أنت ... و سأحزن لتفرحي أنت .. و سأنكسر لتنجبري أنت .. و سأموت ... لتحيي أنت... يا حبيبة لم يعرف الفؤاد قبلها حبيبة .. و لا بعدها حبيبة .. و لا مثلها حبيبة... و سيفنى الفؤاد ، و تبقى هي الحبيبة .. و هي الحبيبة .. و هي الحبيبة ...

          عندما وصل وليد، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشر و خمس و أربعين دقيقة، أي قبل ربع ساعة من ولادة يوم جديد.. خال من رغد ...

          قرع الجرس ، فأقبلت نحو الباب و سألت عن الطارق ، فأجاب :

          " أنا وليد "

          جمّدت مشاعري تحت طبقة من الجليد ، لا تقل سماكة عن الطبقات التي تغطي المحيط المتجمّد الجنوبي... و فتحت الباب ..

          تلك الطبقة انصهرت شيئا فشيئا ، لا بل دفعة واحدة حين وقعت عيناي على الشخصين الواقفين خلفه ، وليد ، و الفتاة الشقراء !

          " مرحبا ، سامر ... "

          بصعوبة استطعت رد التحية و دعوتهما للدخول ...

          وليد كان يرى الدهشة الجلية على وجهي مجردة من أي مداراة مفتعلة !

          قال ، و هو يشير إلى الفتاة الواقفة إلى جانبه تبتسم بهدوء :

          " أروى نديم ، تعرفها "

          قلت :

          " أأ .. أجل ... "

          قال :

          " خطيبتي "

          و من القطب الجنوبي ، إلى أفريقيا الاستوائية !

          اعتقد أنكم تستطيعون تصوّر الموقف خيرا من أي وصف أنقله لكم !

          " خـ ... ــطيبتك !! "

          " نعم ، ارتبطنا البارحة "

          نظرت إلى الفتاة غير مصدّق ، أطلب منها تأكيدا على الكلام ، ابتسمت هي و نظرت نحو وليد ..

          وليد قال :

          " أ لن تبارك لنا ؟؟ "

          " أأ ... نعم ...طبعا ... لكنني تفاجأت ، تفضلا على العموم ، مبروك لكما .. "

          و قدتهما أولا إلى المجلس ، حيث النسوة...

          طرقت الباب و أنا أنادي أختي دانة... ، فتحت هذه الأخيرة لي الباب و خرجت من فتحته الضيقة ، و حالما أغلقته انتبهت لوليد ...

          " وليد ! "

          أشرق وجهها و تفجرت الأسارير عليه .. ثم فتحت ذراعيها و أطبقت عليه معانقة إياه عناقا حميما...

          " نعم .. كنت أعلم بأنك ستأتي و لن تخذلني ، فأنت لم تخذلني ليلة خطوبتي.. أنا سعيدة جدا.. "

          وليد قال :

          " مبروك عزيزتي... أتم الله سعادتك و بارك لك زواجك .. "

          بعد ذلك ، رفعت رأسها لتنظر إليه ، ثم دفنته في صدره و هي تقول :

          " سامحني... لم أكن أعلم .. سامحني يا أخي الحبيب .. أنا فخورة بك.. و أتباهى أمام جميع المخلوقات .. بأن لي أخا مثلك.. سامحني .. "

          وليد ربت على ظهر دانة بحنان ، و إن كانت الدهشة و الحيرة تعلوان وجهه ، و قال مواسيا :

          " لا بأس عزيزتي .. لا تبكي و إلا أفسدت ِ زينتك ، و غير المغرور رأيه بك ! "

          رفعت دانة رأسها و انفجرت ضحكا ، و وكزته بمرفقها و هي تقول :

          " لم تتغير ! سوف أطلب من نوّار أن يضربك قبل خروجنا ! "

          قلت أنا :

          " احذري ! و إلا خرج عريسك بعاهة مستديمة ! "

          و ضحكنا بانفعال نحن الثلاثة...

          التفت وليد للوراء حتى ظهرت خطيبته الجديدة ، و التي كانت تقف على بعد خطوات ...

          قال :

          " اقتربي أروى "

          اقتربت الفتاة و هي تنظر نحو العروس ، و تحييها ..

          " مبروك دانة ! كم أنت جميلة ! "

          دانة حملقت في الفتاة قليلا ثم قالت محدثة وليد :

          " هل حضرت عائلة المزارع ؟؟ "

          وليد قال :

          " أروى فقط.. "

          فتعجبت دانة ، فوضّح :

          " خطيبتي "

          طغى الذهول على وجهها ربما أكثر مني ، قالت باستغراب شديد :

          " خطيبتك !! "

          قال وليد :

          " نعم ، عقدنا قراننا البارحة... باركي لنا "

          الاضطراب تملّك دانة ، و حارت في أمرها و لزمت الصمت لوهلة ، إلا أنها أخيرا تحدّثت :

          " فاجأتماني ...بشدّة ! ... مبروك على كل حال "

          و كان واضحا لنا، أو على الأقل واضحا لي استياؤها من المفاجأة...

          قلت :

          " فلتتفضل الآنسة ... "

          دانة التفتت إلى أروى و قالت :

          " تفضلي "

          و فتحت الباب لتسمح لها بالدخول ... و قالت مخاطبة إيّاي :

          " رغد في غرفتها .. ذهبت لاستبدال فيلم الكاميرا ... "

          و كان القلق جليا على ملامحها ...

          قال وليد :

          " جيد ! أ أستطيع رؤيتها ؟؟ "

          تبادلنا أنا و دانة النظرات ذات المعنى .. و قالت هي :

          " نعم ، سأدخل لأقدّم أروى للجميع "

          و دخلت الغرفة و أغلقت الباب تاركة إياي في المأزق بمفردي !

          وليد التفت إلي و قال :

          " أريد إلقاء التحية عليها.. إن أمكن "

          أنا يا من كنت أدرك أنها تنتظره بلهفة منذ ساعات... و أنها ستطير فرحا متى ما رأته .. لم أملك من الأمر شيئا ..

          قلت باستسلام :

          " أجل ، تفضل ... "

          و قدت ُ بنفسي ، حبيب خطيبتي إلى غرفتها لكي تقابله ...

          طرقت ُ الباب و قلت :

          " رغد .. وليد معي "

          قاصدا أن أنبهها لحضوره ، لكي ترتدي حجابها..

          إلا أنني ما كدت ُ أتم الجملة ، حتى انفتح الباب باندفاع سريع ، و ظهرت من خلفه رغد على حالها .. و هتفت بقوة :

          " وليد ! "

          أي رجل في هذا العالم ، يحمل ذرة حب واحدة لخطيبته ، أو حتى ذرة شعور بالملكية و الغيرة ، فإنه في لحظة كهذه سيرفع كفيه و يصفع وجهي الشخصين الماثلين أمامه في مشهد حميم كهذا ... إلا أنني أنا ... سامر العاشق المسلوب الحبيبة .. المغطّي لمشاعره بطبقة من الجليد .. وقفت ساكنا بلا حراك و بلا أي ردّة فعل .. أراقب خطيبتي و هي ترتمي في حضن أخي بقوة .. و تهتف بانفعال :

          " وليد .. لماذا لم تخبرني .. لماذا .. لماذا .. "



          ~ ~ ~ ~ ~



          و إن كنت أتظاهر بالبرود و الصمود ، إلا أن ما بداخلي كان يشتعل كالحمم...

          و إن كنت أتظاهر بأنني فقط أود إلقاء التحية ، فإن حقيقة ما بداخلي هي أنني متلهف لرؤية صغيرتي الحبيبة و الإحساس بوجودها قريبة مني ...

          لقد كنت أسير خطوة خطوة.. و مع كل خطوة أفقد مقدارا من قوتي كما يفقد قلبي السيطرة على خفقاته ، فتأتي هذه الأخيرة عشوائية غير منظمة .. تسبق الواحدة منها الأخرى...

          و حين فتح الباب.. كنت ُ قد أحرقت آخر عصب من جسدي من شدة التوتر.. لدرجة أنني لم أعد أحس بشيء..

          أي شيء ..

          لم أع ِ إلا و قذيفة ملتهبة قوية تضرب صدري .. تكاد تكسر ضلوعي و تخترق قلبي...

          بل إنها اخترقته ..

          فرغد لم تكن تقف أمامي بل .. كانت تجلس في قلبي متربعة على عرش الحكم.. تزيد و تنقص ضرباته قدر ما تشاء .. تعبث بأعصابه كيفما تشاء.. تسيّر أحاسيسه حسبما تريد...

          و لأنني كنت مذهولا و فاقدا للسيطرة على حركاتي تماما ، فقد بقيت ُ ساكنا.. دون أي ردّة فعل ...

          كان صدري مثل البحر .. غاصت صغيرتي في أعماقه و قطعته طولا و عرضا .. و خرجت منه مبللة بالدموع و هي تنظر إلي و تهتف :

          " لماذا لم تخبرني ؟؟ لماذا يا وليد ؟ لم أخفيت عنّي كل هذه السنين ؟؟ "

          شيء ما بدأ يتحرّك في دماغي المغلق .. و يفتح أبواب الوعي و الإدراك لما يدور من حولي ...

          بدأت أنتبه لما تقوله صغيرتي .. و بدأت أحس بأظافرها المغروسة في لوحي كتفي ّ كالمسامير ... و بدأت أرى اللآليء المتناثرة من محجريها ... أغلى ما في كوني ...

          لا شعوريا رفعت يدي إلى وجهها أردم سيل العبر ...

          " لا تبكي صغيرتي أرجوك .. "

          فأنا أتحمّل أي شيء في هذه الدنيا ، إلا أن أرى دموع غاليتي تتبعثر سدى...

          إنني أشعر بحرارة شديدة أجهل مصدرها الحقيقي ...

          أهو داخلي ؟ أم حضن صغيرتي ؟ أم الشرر المتطاير من عيني ّ أخي، اللتين تحملقان بنا بحدّة..

          رغد أزاحت يديها عني ، و ابتعدت خطوة.. و ذلك أثار توترا في المسافة التي بيننا.. تماما كالتوتر الذي يولّده ابتعاد قطعة حديد صغيرة عن مغناطيس !

          قالت :

          " لقد اكتشفت ذلك الآن فقط .. لماذا لم تخبرني بأنك .. بأنك .. كنت في السجن ؟؟ "

          و إن كانت مشاعري قبل قليل مخدّرة من تأثير قرب رغد ، فإنها استيقظت كلها دفعة واحدة فجأة.. و تهيّجت .. فصرت أشعر بكل شيء ، حتى بحرارة البراكين الخامدة في اليابان !

          نقلت نظري من رغد ، إلى سامر ، إلى رغد ، إلى سامر ... و حين استقرّت عيناي عليه، رأيت قنبلة متوهجة ، على وشك الانفجار...

          لطفك يا رب ... !

          قلت ُ أخيرا :

          " أنت من أخبرها ؟؟ "

          سامر لم يجب بكلمة ، بل بإيماءة و تنهيدة قوية نفثها صدره .. و شعرت أيضا بحرارتها...

          أعدت ُ النظر إلى رغد.. فاسترسلت في سؤالي :

          " لماذا لم تخبرني؟؟ "

          أخبرك ؟؟ بأي شيء يا رغد ؟؟ أ لم تري الطريقة التي عاملتني بها دانة ، بل و الناس أجمعون؟

          أتراك تنظرين إلي ّ الآن مثلهم ؟؟

          لا يا رغد .. أرجوك لا ..

          قلت بلا حول و لا قوة :

          " ما حصل..، لكن... أرجو ألا يغيّر ذلك أي شيء ؟؟ "

          و انتظرت إجابتها بقلق...

          قالت :

          " بل يغيّر كل شيء ... "

          و أذهلتني هذه الإجابة بوضوحها و غموضها المقترنين في آن واحد...

          قالت:

          " وليد ... وليد أنا ... "

          و لم تتم ، إذ أن دانة ظهرت في الصورة الآن مقبلة نحو غرفة رغد.. و تكسوها علامات القلق...

          جالت بمقلتيها بيننا نحن الثلاثة و استقرت على سامر...
          شعرت أنا بأن هناك شيء يدور في الخفاء أجهله ...

          سألت :

          " ما الأمر ؟؟ "

          لم يجب أي منهم بادىء ذي بدء إلا أن دانة قالت أخيرا، مديرة دفة الحديث لمنعطف آخر:

          " رغد ! الكاميرا ! سنستدعي نوّار الآن ! "

          ثم التفتت نحو سامر :

          " إنه منتصف الليل ! هيا استدعه ! "

          و يبدو أن ترتيباتهم كانت على هذا النحو ، أن يدخل العريس إلى تلك الغرفة لالتقاط بعض الصور مع العروس و مع قريباته قبل المغادرة .

          سامر نطق أخيرا :

          " سأستدعيه... أخبريهن "

          و رغد تحرّكت الآن من أمامي متجهة نحو المنضدة و من فوقها تناولت الكاميرا و أقبلت نحو دانة و مدّت الكاميرا إليها ، فقالت دانة:

          " أعطها لسامر الآن .. "

          التفتت رغد نحو سامر .. و قدّمتها إليه...

          سامر نظر إلى رغد نظرة عميقة.. جعلتها تطأطىء رأسها أرضا ...

          أخذ سامر الكاميرا منها.. و قال ..

          " سنلتقط له معنا بعض الصور ثم نعيدها إليكن .. "

          قال ذلك و وجه خطاه نحو الصالة...

          هممت ُ أنا باللحاق به... إلا أنني توقفت ، و التفت إلى رغد ... و قلت :

          " كيف قدمك الآن ؟ "

          رغد و التي كانت لا تزال مطأطئة برأسها رفعته أخيرا و نظرت إلي مبتسمة و قالت :

          " طاب الجرح... "

          قلت :

          " الحمد لله "

          ثم أوليتها ظهري منصرفا إلى حيث انصرف أخي ...


          ~ ~ ~ ~ ~ ~


          كنت ُ مجنونة، لكنني لم أتمالك نفسي بعدما رأيت وليد يقف أمامي... بطوله و عرضه و شحمه.. جسده و أطرافه... و عينيه و أنفه المعقوف أيضا ...

          كأن سنينا قد انقضت مذ رأيته آخر مرة ، ينصرف من هذه الشقة جريحا مكسور الخاطر ...

          اندفعت إليه بجنون... و أي جنون !

          ظللت أراقبه و هو يولّي .. حتى اختفى عن ناظري.. و بقيت محدّقة في الموضع الذي كان كتفاه العريضان يظهران عنده قبل اختفائه، و كأنني لازلت أبصر الكتفين أمامي !

          " رغد ! "

          نادتني دانة ، فحررت أنظاري من ذلك الموضع و التفت إليها... و رأيتها تحدّق بي و علامات غريبة على وجهها...

          أنا ابتسمت .. لقد قرّت عيني برؤية وليد قلبي.. و لأنه هنا ...، فقط لأنه هنا ، فإن هذا يعطيني أكبر سبب في الحياة لأبتسم !

          لا أعرف لم كانت نظرة دانة غريبة.. ممزوجة بالأسى و القلق.. قلت :

          " ما بك ؟ "

          " لا ... لا شيء "

          " سأغسل وجهي و أوافيكن... "

          و أسرعت قاصدة الحمّام ... طائرة كالحمامة !

          بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة المجلس...مرتدية حجابي ، إذ أنني سأبقى لأتفرج على العريسين و لمياء - شقيقة نوار - تلتقط الصور لهما..

          جميعهن كن يجلسن في أماكنهن كما تركتهن قبل قليل، نظرن إلي ّ جميعا حالما دخلت.. فابتسمت في وجوههن...

          فجأة لمحت وجها غريبا في غير موقعه !

          وجه أروى الحسناء !

          دُهشت و علاني التعجب ! وقفت هي مبتسمة و قائلة :

          " مرحبا رغد ! كيف حالك ؟ و كيف صحتك ؟؟ "

          " أروى ! "

          " مفاجأة أليس كذلك ؟؟ "

          اقتربت منها و صافحتها و الدهشة تتملكني...و نظرت في أوجه الأخريات بحثا عن وجه أم أروى ... أو حتى وجه العجوز !

          قلت :

          " أهلا بك ِ ! أحضرت ِ بمفردك ؟؟ "

          ابتسمت و قالت :

          " مع وليد "

          مع من ؟؟ مع وليد ؟؟ ماذا تقصد هذه الفتاة ؟؟

          " مع وليد ؟؟ "

          ازدادت ابتسامتها اتساعا و حمرة وجنتيها حمرة و بريق عينيها بريقا ... و التفتت نحو دانة ثم نحوي و قالت :

          " ألم تخبرك ِ دانة ؟؟ "

          التفت نحو دانة و أنا في غاية الدهشة و القلق.. و رميتها بنظرات متسائلة حائرة..
          دانة أيضا نظرت إلي بنفس القلق.. ثم قالت :

          " إنها ... إنها و وليد... "

          و لم تتم...

          نظرت إلى أروى ، فسمعتها تقول متمة جملة دانة ، تلك الجملة التي قضت علي و أرسلتني للهلاك فورا :

          " ارتبطنا .. البارحة "


          عفوا ؟؟ عفوا ؟؟ فأنا ما عدت أسمع جيدا من هول ما سمعت أذناي مؤخرا ! ماذا تقول هذه الفتاة ؟؟

          " ماذا ؟؟ "

          و رأيتها تبتسم و تقول :

          " مفاجأة ! أ ليس كذلك ؟؟ "

          نظرت إلى دانة لتسعفني ...

          دانة أنقذيني مما تهذي به هذه ... ما الذي تقوله فلغتها غريبة.. و شكلها غريب.. و وجودها في هذا المكان غريب أيضا...

          دانة نظرت إلي بحزن ، لا ... بل بشفقة ، ثم أرسلت أنظارها إلى الأرض...

          غير صحيح !

          غير ممكن .. مستحيل ... لا لن أصدّق ...

          " أنت و .. وليد ماذا ؟؟ ار... تبطـ.. ـتما ؟؟ "

          " نعم ، البارحة .. و جئت ُ معه كي أبارك للعريسين زواجهما.."


          خطوة إلى الوراء، ثم خطوة أخرى.. يقترب الباب مني، ثم ينفتح.. ثم أرى نفسي أخرج عبره.. ثم أرى الجدران تتمايل.. و السقف يهوي.. و الأرض تقترب مني.. و الدنيا تظلم.. تظلم.. تظلم..و يختفي كل شيء...


          " سامر .. تعال بسرعة"

          هتاف شخص ٌ ما.. يدوي في رأسي.. أيدي أشخاص ما تمسك بي.. أذرع أشخاص ما تحملني.. و تضعني فوق شيء ما.. مريح و واسع..
          أكفف تضرب وجهي.. أصوات تناديني.. صياح.. دموع.. لا ليست دموع.. إنها قطرات من الماء ترش على وجهي.. أفتح عيني.. فأرى الصورة غير واضحة.. كل شيء مما حولي يتمايل و يتداخل ببعضه البعض.. الوجوه، الأيدي.. السقف.. الجدران.. أغمض عيني بشدة.. أحرّك يدي و أضعها فوق عيني ّ .. لا أتحمل النور المتسلل عبر جفنيّ .. أشعر بدوار.. سأتقيأ.. ابتعدوا.. ابتعدوا...



          ~ ~ ~ ~ ~




          عندما استردّت رغد وعيها كاملا، كان ذلك بعد بضع دقائق من حضورنا إلى الممر و رؤيتنا لها مرمية على الأرض...

          كنا قد سمعنا صوت ارتطام ، شيء ما بالأرض أو الجدران ، ثم سمعنا صوت دانة تهتف :

          " سامر ..تعال بسرعة"

          قفزنا نحن الاثنان، أنا و سامر هو يهرول و أنا أهرول خلفه تلقائيا حتى وصلنا إلى هناك..
          دانة كانت ترفع رأس رغد على رجلها و تضرب وجهها محاولة إيقاظها.. و رغد كانت مغشي عليها...

          أسرعنا إليها ، و مددت أنا يدي و انتشلتها عن الأرض بسرعة و نقلتها إلى سريرها و جميعنا نهتف

          " رغد.. أفيقي... "

          صرخت :

          " ماذا حدث لها ؟؟ "

          دانة أسرعت نحو دورة المياه، و عادت بمنديل مبلل عصرته فوق وجه رغد، و التي كانت تفتح عينيها و تغمضهما مرارا...

          استردت رغد وعيها و أخذت تجول ببصرها فيما حولها.. و تنظر إلينا واحدا عقب الآخر...

          قال سامر :

          " سلامتك حبيبتي... هل تأذيت ؟؟ "

          قالت دانة :

          " أأنت على ما يرام رغد ؟؟ "

          قلت أنا :

          " ما ذا حدث صغيرتي ؟؟ "

          نظرت رغد إلي نظرة غريبة.. ثم جلست و صاحت :

          " سأتقيأ "



          بعدما هدأت من نوبة التقيؤ ، وضعت رأسها على صدر سامر و طوقته بذراعيها و أخذت تبكي ...

          سامر أخذ يمسح على رأسها المغطى بالحجاب... و يتمتم :

          " يكفي حبيبتي، اهدئي أرجوك.. فداك أي شيء..."

          قلت :

          " صغيرتي ؟؟ "

          رغد غمرت وجهها في صدر سامر... مبللة ملابسه بالدموع..

          " صغيرتي ..؟؟ "

          " دعوني وحدي.. دعوني وحدي .. "

          و أجهشت بكاء شديدا...

          لم أعزم الحراك و لم استطعه، إلا أن دانة قالت لي :

          " لنخرج وليد "

          قلت بقلق :

          " ماذا حدث يا دانة ؟؟ "

          قالت :

          " قلت لك... إنها مريضة! هذه المرة الثالثة التي يغشى عليها فيها منذ الأمس... "

          صعقني هذا النبأ..

          قلت مخاطبا رغد:

          " رغد هل أنت بخير..؟؟ "

          لم تلتف إلي ، بل غاصت برأسها أكثر و أكثر في صدر سامر و قالت :

          " دعوني وحدي... دعوني وحدي.."

          يد دانة الآن أمسكت بيدي ، و حثّتني على السير إلى الخارج، ثم أغلقت الباب...

          حاولت التحدث معها إلا أنها اعترضت حديثي قائلة :

          " سوف أعود لأطمئن ضيفاتي.. وليد استدع نوّار ... "

          و انصرفت...

          بقيت واقفا عند باب غرفة رغد غير قادر على التزحزح خطوة واحدة.. ماذا حل ّ بصغيرتي ؟؟ و لماذا تتشبث بسامر بهذا الشكل ؟؟ هل صحتها في خطر؟ هل عدلت عن فك ارتباطها به ؟ ماذا يحدث من حولي..؟؟

          لحظات و إذا بي أرى دانة تظهر من جديد

          " وليد أ لم تتحرك بعد ! هيا استدعه "

          " حسنا.. "

          و عدت إلى صالة الرجال، و رأيتهم أيضا متوترين يتساءلون عما حدث، طمأنتهم و استدعيت العريس و قدته إلى مجلس النساء.. حيث قامت والدته أو إحدى شقيقاته بالتقاط الصور التذكارية لهن مع العريسين...

          أروى كانت بالداخل أيضا..

          عدت إلى بقية الضيوف و أنا مشغول البال .. بالكاد ابتسم ابتسامة مفتعلة في وجه من ينظر إلي...

          فيما بعد، جاء نوّار و قال :

          " سننطلق إلى الفندق الآن.."

          و كان من المفروض أن يسير موكب العريسين إلى أحد الفنادق الراقية، حيث سيقضي العريسان ليلتهما قبل السفر يوم الغد مع بقية أفراد عائلة العريس إلى البلدة المجاورة و من ثم يستقلون طائرة راحلين إلى الخارج...

          سامر كان من المفترض أن يقود هذا الموكب..

          ذهبت إلى غرفة رغد.. و طرقت الباب..

          " سامر.. العريسان يودان الذهاب الآن.."

          فتح الباب، و خرج سامر.. ينظر إلي بنظرة ريب ..

          قلت:

          " كيف رغد؟؟ "

          قال بجمود :

          " أفضل قليلا"

          أردت ُ أن أدخل للاطمئنان عليها، لكن سامر كان يقف سادا الباب.. حائلا دون تقدّمي و تحرجت من استئذانه بالدخول..

          قلت :

          " إنهما يودان الانصراف الآن... "

          سامر نظر إلي ّ بحيرة .. ثم قال :

          " أتستطيع مرافقتهما ؟؟ "

          " أنا ؟؟ "

          " نعم يا وليد، فرغد لن تتمكن من الذهاب معنا و علي البقاء معها "

          فزعت، و قلت:

          " أهي بحالة سيئة؟ "

          " لا، لكنها لن ترافقنا ، بالتالي سأبقى هنا "

          " إنني أجهل الطريق.. "

          " اطلب من أحد أخوته مرافقتكم..."

          لم تبد لي فكرة حسنة، قلت معترضا:

          " اذهب أنت يا سامر، و أنا باق هنا مع رغد و أروى..."


          أقبلت دانة الآن، و سألت عن حال رغد، ثم دخلت إلى غرفتها...





          ~ ~ ~ ~ ~




          " أنا تعيسة جدا "

          كان هذا جوابي على سؤال دانة التي أتتني بقلق لتطمئن علي..

          دانة جلست إلى جواري على السرير و أخذت تواسيني.. إلا أن شيئا لا يمكنه مواساتي في الصاعقة التي أحلّت بي...

          " أرجوك يا رغد.. كفى عزيزتي.. ألن تودّعينني ؟ إنني راحلة عنك للأبد ! "

          و جاءت جملتها قاصمة لظهري...

          " لا ! لا تذهبي و تتركيني ! سأكون وحيدة ! أريد أمي .. أريد أمي..."

          و بكيت بتهيج..

          " يكفي يا رغد ستجعلينني أبكي و أنا عروس في ليلة زفافي التعسة ! "

          انتبهت لنفسي أخيرا.. كيف سمحت لنفسي بإتعاس أختي العروس في أهم ليالي عمرها؟ ألا يكفي أنها حرمت من حفل الزفاف الضخم الذي كانت تعد له منذ شهور... و خسرت كل ملابسها و حليها و أغراض زفافها.. و احترق فستان العرس تحت أنقاب المدينة المدمّرة !؟

          طردت بسرعة الدموع المتطفلة على وجهي، و أظهرت ابتسامة مفتعلة لا أساس لها من الصحة و قلت :

          " عزيزتي سأفتقدك ! ألف مبروك دانة "

          تعانقنا عناقا طويلا.. عناق الفراق.. فبعد أكثر من 15 عاما من الملازمة المستمرة 30 يوما في الشهر، نفترق..و دموعنا مختلطة مع القبل...

          قدم سامر.. و قال :

          " هيا دانة .. "

          صافحتها و قبلتها للمرة الأخيرة... ثم جاء دور سامر، و من ثمّ الرجل الضخم الذي كان يقف في الخارج عند الباب مباشرة...

          لم استطع أن ألقي عليه و لا نظرة واحدة.. لم أشأ أن أنهار من جديد.. اضطجعت على سريري، و سحبت الغطاء حتى أخفيت وجهي أسفل منه...

          سمعت سامر يقول :

          " سآخذهما للفندق و أعود مباشرة.. وليد و خطيبته سيبقيان معك "

          و لم تهز في ّ هذه الجملة شعرة واحدة ، بل أغمضت عيني و أنا أقول :

          " سأنام.."

          أحسست بالجميع يغادرون الغرفة و يغلقون الباب، ثم اختفت الأصوات و الحركات.. لقد غادر جميع الضيوف.. و في الشقة لم يبق إلا أنا.. و وليد.. و الأجنبية الدخيلة...

          دخلت في نوم عميق أشبه بالغيبوبة.. إلا أنني في لحظة ما..أحسست بدخول شخص ما إلى الغرفة.. و اقترابه مني.. ثم شعرت بيد تمتد إلى لحافي فتضبطه فوقي، ثم تمسح على رأسي من فوق حجابي الذي لم أنزعه، ثم توهمت سماع همس في أذني ...

          " أحلام سعيدة يا حبيبتي"

          و ابتعد المجهول.. و سمعت صوت انغلاق الباب..

          فتحت عيني الآن فوجدت الغرفة غارقة في السكون و الظلام.. هل كان ذلك وهما؟؟ هل كان تهيؤا ؟؟ حلما؟؟
          لست أكيدة..
          و إن كان حقيقة ، فالشيء الذي سأكون أكيدة منه ، هو أن الشخص كان سامر...




          ~ ~ ~ ~ ~ ~



          استخدمت غرفتي السابقة بينما جعلت أروى تستعمل غرفة العروس، للمبيت تلك الليلة...

          لقد كنت شديد القلق على صغيرتي .. و لم أنم كما يجب..

          كنا قد قررنا البقاء ليومين قبل معاودة الرحيل، و كان هذان اليومان من أسوأ أيام حياتي !

          رغد كانت مريضة جدا و ملازمة للفراش، و سامر كان يمنعني من الدخول إلى غرفتها أغلب المرات، و في المرات القليلة التي سمح لي بإلقاء نظرة، كنت أرى رغد شاحبة جدا و مكتئبة للغاية ، ترفض الحديث معي و تطلب منا تركها بمفردها
          ضاق صدري للحالة التي كانت عليها و سألت سامر:

          " ماذا حدث لها ؟ هل حدث شيء تخفونه عني؟ لم هي كئيبة هكذا؟؟ هل آذاها أحد بشيء ؟؟ "

          قال سامر :

          " إنها كئيبة لفراق دانة ، فكما تعرف كانت تلازمها كالظل... "

          " لكن ليس لهذا الحد.. أنا أشعر بأن في الأمر سر ما.. "

          نظر إلي شقيقي نظرة ارتياب و قال :

          " أي سر؟؟ "

          قلت :

          " ليتني أعرف... "

          كنا خلال هذين اليومين نتناول وجباتنا أنا و أروى في المطاعم، و في الليلة الأخيرة، عندما عدنا من المطعم ، وجدنا رغد و سامر في غرفة المائدة يتناولان العشاء...

          فرحت كثيرا، فهي علامة جيدة مشيرة إلى تحسّن الصغيرة..

          قلت :

          " صغيرتي.. حمدا لله على سلامتك، أتشعرين بتحسّن ؟؟ "

          رغد نظرت نحوي بجمود ، ثم نحو أروى ، ثم وقفت ، و غادرت الغرفة ذاهبة إلى غرفة نومها...

          وقف سامر الآن و نظر إلي بعصبية :

          " أ هذا جيّد؟ ما كدت أصدق أنها قبلت أخيرا تناول وجبة.. "

          قلت ُ بانزعاج :

          " هذه حال لا يصبر عليها، لسوف آخذها إلى الطبيب.. "

          و سرت ُ مسرعا نحو غرفتها ، فأقبل شقيقي من بعدي مسرعا :

          " هيه أنت.. إلي أين ؟؟ "

          التفت ُ إليه و قلت :

          "سآخذ الفتاة للمستشفى "

          قال بغيظ :

          " من تظن نفسك؟ ألا تراني أمامك؟؟ خطيبتك هي تلك و ليست هذه "

          قلت مزمجرا :

          " قبل أن تكون خطيبتك هي ابنة عمّي ، و إن كنت نسيت فأذكرك بأنها ستنفصل عنك، و لتعلم إن كنت جاهلا بأن أمورها كلها تهمني و أنا مسؤول عنها كليا ، مثل والدي تماما "

          و هممت بمد يدي لطرق الباب و من ثم فتحه ، إلا أن سامر ثار... و أمسك بيدي و أبعدها بقوة..

          تحررت من مسكته و هممت بفتح الباب ألا أنه صرخ :

          " ابتعد "

          و قرن الصرخة بانقضاض على ذراعي، و سحب لي بقوة...

          دفعت به بعيدا عني فارتطم بالجدار، ثم ارتد إلي و لكمني بقبضته في بطني لكمة عنيفة...

          اشتعلت المعركة فيما بيننا و دخلنا في دوامة جنونية من الضرب و الركل و اللطم و الرفس.. أتت في غير أوانها !

          أروى واقفة تنظر إلينا بذهول.. و باب غرفة رغد انفتح .. و ظهرت منه رغد مفزوعة تنظر إلينا باستنكار و توتّر

          " سامر... وليد... يكفي ... "

          إلا أن أحدنا لم يتوقّف...

          في العراك السابق كان سامر يستسلم لضرباتي .. أما الآن ، فأجده شانا الهجوم علي و يضربني بغيظ و بغض.. كأن بداخله ثأرا يود اقتصاصه مني...

          بعد لحظات من العراك، و يد الغلبة لي، و أنا ممسك بذراع أخي ألويها للوراء و أؤلمه ، جاءت رغد تركض نحوي صارخة :

          " أترك خطيبي أيها المتوحّش "

          و رأيت يديها تمتدان إلي ، تحاولان تخليص سامر من بين يدي...

          أمسكت بذراعي و شدّتني بقوة، فحررت أخي من قبضتي و استدرت لأواجهها...

          صرخت بوجهي :

          " وحش.. مجرم.. قاتل.. أكرهك.. أكرهك.. أكرهك "

          و بقبضتيها كلتيهما راحت تضربني على صدري بانفعال ضربة بعد ضربة بعد ضربة... و أنا واقف كالجبل بلا حراك.. أشاهد.. و اسمع.. و أحس.. و أتألم..
          و أحترق... و أتزلزل ... و أموت....







          ]]]يتبع]]]

          تعليق


          • #80
            رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

            والله صعبانه عليا رغد


            واروى ما الها ذنب كمان


            قصه مشوقه

            منتظرين اختى

            وما تتاخرى
            لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
            سيستوطنني بِ فراقكَ !
            كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
            كبرت أكثر مماتتصور =) !

            تعليق


            • #81
              رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

              قصة حزينة جدا

              وكل ما بتنحل بتتعقد اكثر

              شكرا لك اختي

              وننتظر البقية بفارغ الصبر




              لا اله الا الله محمد رسول الله

              ..)( حاصله علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

              تعليق


              • #82
                رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                مشكورين مروركم

                المعذرة على التأخير

                وهاي بقية القصة

                وان شاء الله تعجبكم

                **********

                الحلقة الثلاثون

                ********




                ~ أنا اليتيمة ~




                بعد سيل الضربات القوية التي وجهتها إلى صدر وليد ، بانفعال و ثورة.. بغضب و غيظ و قهر.. شعرت بألم في يدي ّ كان هو ما جعلني أوقف ذلك السيل...

                رفعت رأسي إليه، فرأيته ينظر إلي بجمود .. لم تهزه ضرباتي و لم توجعه!
                من أي نوع من الحجر أنت مخلوق؟؟ من أي نوع من المعادن صدرك مصنوع؟؟ ألا تحس بي؟؟

                عيناي كانتا مغرورقتين بالعبرات الحارقة.. تمنيت لو يمسحها.. تمنيت لو يضمني إلى صدره..

                تمنيت.. لو أصحو من النوم ، فأكتشف أن أروى هي مجرد حلم.. وهم .. لا وجود له.. و كم كانت أمان ٍ مستحيلة التحقق...

                كان وليد ينظر إلي بعمق، كانت نظراته تنم عن الحزن.. و الاستسلام... فهو لم يقاومني و لا يبعدني.. بل تركني في ثورة غضبي أفرغ على صدره دون إدراك.. كل ما كتمته من غيظ مذ علمت بنبأ ارتباطه...

                ابتعدت عنه، التفت إلى سامر، ثم إلى أروى، ثم إلى وليد مجددا... ثم ركضت داخلة غرفتي و صافعة الباب بقوة...

                لم أسمح لسامر بالدخول عندما أراد ذلك بعد قليل، و بقيت أبكي لساعات...

                في اليوم التالي، عندما خرجت من غرفتي قاصدة المطبخ، لمحت غرفة دانة سابقا ، الدخيلة حاليا مفتوحة الباب...

                اقتربت منها بحذر .. و ألقيت نظرة شاملة عليها كانت خالية من أي أحد ..

                أسرعت نحو غرفة وليد.. فوجدتها الأخرى مفتوحة و لا وجود لأي شيء يشير إلى أن وليد لم يرحل...

                ركضت بسرعة نحو الصالة، رأيت سامر يجلس هناك شاردا ..
                حين رآني ، ابتسم و وقف و ألقى علي تحية الصباح ..

                قلت بسرعة :

                " أين وليد ؟؟ "

                ألقى علي سامر نظرة متألمة ثم قال :

                " رحل "

                صعقت ... هتفت :

                " رحل ؟؟ متى ؟؟ "

                قال :

                " قبل قليل.. "

                مستحيل ! لا ... غير ممكن ...

                صرخت :

                " لماذا تركته يرحل ؟؟ "

                نظر إلي سامر بحيرة ..صرخت مجددا :

                " لماذا تركته يرحل ؟؟ "

                قال سامر مستاء ً :

                " و هل كنت تتوقعين مني أن أربطه إلى المقعد حتى لا يذهب ؟ أخذ خطيبته و أغراضهما و ولا خارجين دون سلام "

                صرخت :

                " كان يجب أن تمنعه ! الحق به.. دعه يعود .. أعده إلي حالا "

                سامر هتف بعصبية :

                " لا تثيري جنوني يا رغد.. ماذا تريدين به ؟ لقد تزوّج من أخرى و قضي الأمر "

                صرخت بقوة :

                " لا "

                " رغد ! "

                " لن أصدّق.. إنكم تكذبون ... كلكم تكذبون.. وليد لم يرتبط بأحد.. وليد لم يدخل السجن.. وليد لم يقتل أحدا.. وليد لن يتخلّى عني...لن يبتعد عني.. أعده إلي.. أعده إلي..أعده إلي.. "

                و انهرت باكية..حسرة على وليد قلبي

                و على هذه الحال بقيت أياما... اشتد علي المرض و السقم.. و تدهورت حالتي النفسية كثيرا..كما ساءت حالة سامر و أصبح عصبيا جدا..و صرنا نتشاجر كل يوم..و الحال بيننا لا تطاق..

                ما زاد الأمر سوءا هو أننا كلما اتصلنا بوالدي ّ وجدنا الهاتف مغلقا، و عندما اتصلنا بالفندق الذي كانا ينزلان به أُبلغنا بأنهما قد غادراه...

                انقطعت أخبارهما عنا عدة أيام و حلّ التوتر الفظيع علينا و امتزجت المشاكل و المخاوف و المشاجرات مع بعضها البعض، و تحوّلت حياتنا أنا و سامر إلى جحيم... و جحيمنا صار يتفاقم و يتضاعف يوما بعد يوم، إلى أن طغى الطوفان المدمّر و حلّت الصاعقة الكبرى...أخيرا...


                ~ ~ ~ ~ ~



                التحقت بمعهد إداري في مبنى قريب من المزرعة، و بتوفيق من الله أولا ، ثم بمساعدة من العم إلياس و السيدة ليندا، أصبحت طالبا رسميا في المعهد.

                الحياة بدت مختلفة، و كل شيء سار على خير ما يرام، حظيت أخيرا بشيء من الراحة و السعادة..
                خطيبتي..كانت إنسان رائع جدا.. في الأخلاق و الطيبة و المشاعر و الجمال و كل شيء... نعمة من رب السماء ..

                حاولت جاهدا أن أصرف مشاعري نحوها... و أودع فيها ما يكنه قلبي من الحب و الحنان ، إلا أن رغد.. لم تسمح لي بذلك...

                فقد كانت محتلة القلب من أول وريد إلى آخر شريان...و بُعدها و صحتها المتدهورة ما زاداني إلا تعلقا بها و لهفة إليها... و كلما تسللت يداي إلى الهاتف، و أدارتا رقم الشقة، ذكرني عقلي بكلماتها الأخيرة القاتلة... فوضعت السماعة و ابتعدت ...

                لم أتصل للسؤال عن أي فرد من أسرتي، و أقنعت نفسي بأنني لم أعد أنتمي إليهم.. و أن عائلتي الحقيقية هي عائلة نديم رحمه الله...

                لذلك ، حين وردتني مكالمة من سامر بعد أيام حاولت اصرافها، إلا أن أروى ألحّت علي بالإجابة .. و هي تقول :

                " لو كان لدي أخ أو أخت لكنت فعلت أي شيء من أجلهما مهما تعاركا معي أو حتى قتلاني ! "

                تناولت السماعة من يدها و أنا أشعر بالخجل من هروبي هذا... قربتها من أذني و فمي و تحدّثت :

                " نعم يا سامر؟؟ "

                " كيف حالك؟ "

                " بخير.."

                و ساد صمت استمر عدة ثواني ...

                قلت :

                " أهناك شيء ؟؟ "

                فأنا لا أتوقع أن يتصل ليسأل عني فقط ، خصوصا بعد شجارنا الأخير...

                قال سامر :

                " يجب أن تحضر إلى هنا يا وليد "

                ذهلت من عبارته، قلت متوترا و قد انتابني القلق المفاجئ :

                " خير؟ هل حصل شيء ؟؟ "

                " نعم، و لابد من حضورك "

                هوى قلبي على الأرض..من القلق ، قلت و أنا بالكاد أحرك شفتي ّ :

                " رغد بخير ؟؟ أ أصابها مكروه ؟؟ "

                سامر صمت ، ما جعلني أوشك على الموت... قلت :

                " ما بها رغد أخبرني ؟؟ "

                قال :

                "على ما هي عليه، أريدك حضورك فورا "

                التقطت بعض أنفاسي و قلت :

                " لم سامر؟ أخبرني ماذا حصل ؟؟ "

                " لن أخبرك على الهاتف ، تعال بأسرع وقت يا وليد.. الأمر غاية في الأهمية "


                لم استطع بعد تلك المكالمة السكون برهة واحدة ، تحركت بعصبية كالمجنون .. و من فوري ذهبت لأبحث عن سيارة أجرة، إذ أنني لم أكن أملك واحدة كما تعلمون...

                أرادت أروى مرافقتي إلا أنني عارضت ذلك، و خلال ساعة، كنت أشق طريقي نحو شقة سامر.. و قلبي شديد الانقباض.. لابد أن مكروها قد حل ّ بصغيرتي و إن كان كذلك، فلن أسامح نفسي على البقاء بعيدا بينما هي مريضة...

                قطعت المسافة في زمن قياسي، و حين وصلت أخيرا إلى الشقة، قرعت الباب بشكل متواصل إلى أن فتحه أخي أخيرا...

                من النظرة الأولى إلى وجهه أدركت أن الموضوع أخطر مما تصوّرت.. كانت عيناه حمراوان و جفونه وارمة ، و وجهه شديد الكآبة... و السواد أيضا...
                منظره أوقع قلبي تحت قدمي ّ في الحال...

                و قبل أي كلمة أخرى هتفت مفزوعا :

                " أين رغد ؟؟ "

                و ركضت إلى الداخل مسرعا و أنا أنادي :

                " رغد ... رغد ... "

                و حين بلغت غرفتها طرقت الباب بقوة... و أنا أهتف بفزع...

                " رغد... أأنت هنا ؟ "

                فتح الباب و ظهرت رغد .. و ما أن وقعت أعيننا على بعضها البعض حتى كدت أخر صريعا..

                " رغد ! "

                " وليد ... "

                " أنت ِ بخير صغيرتي ؟؟ أنت بخير ؟؟ "


                انفجرت رغد باكية بقوة ، التفت إلى الوراء فإذا بسامر يقف خلفي ، هتفت :

                " ماذا حصل ؟ "

                رغد ازداد بكاؤها ..

                قلت منفعلا :

                " أخبراني ماذا حدث ؟؟ "

                و نظرت إلى سامر في انتظار ما سيقول ...
                سامر حرّك شفتاه و قال أخيرا :

                " أصيب والدانا في الغارة على الحدود"

                صعقت ، شهقت :

                " ماذا ؟؟ "

                طأطأ سامر رأسه للأسفل ، فقلت بسرعة :

                " سامر ؟؟ "

                لم يرفع عينيه في البداية، إلا أنه حين رفعهما كانتا غارقتين في الدموع، و قال أخيرا :

                " قتلوهما.."







                شهر كامل قد مضى، و أنا مقيم مع أخي و رغد في هذه الشقة... نسبح في بحر الدموع و الألم...

                لا يقوى أحدنا حتى على النهوض من المقعد الذي يجلس عليه... أسوأ اللحظات.. كانت تلك اللحظات التي رأيت فيه رغد تلطم وجهها و تصرخ و تنوح و تصيح...

                " لماذا كتب علي أن أيتّم مرتين؟؟ من بقي لي بعدهما؟؟ أريد أن ألحق بهما.. أمي .. أبي .. أنا مدللتكما العزيزة.. كيف تفعلان هذا بي ؟؟ كيف تتركاني يتيمة من جديد؟ و أنا في أمس الحاجة إليكما.. ليتني متّ منذ صغري..ليتني احترقت مع المنزل و لم أعش هذا اليوم... وا حسرتاه"

                كانت تجول في الشقة و تصرخ و تنادي كالمجنونة.. و تصفع رأسها بأي شيء تصادفه في طريقها..

                و كنت أمشي خلفها، محاولا تهدئتها و مواساتها ، بينما أنا الأكثر حاجة للمواساة..

                أبعد حرماني منهما لثمان سنين.. ثمان سنين كان من الممكن أن أقضيها تحت رعايتهما و حبهما.. اللذين مهما كبرت سأبقى بحاجة إليهما، أفقدهما بهذا الشكل؟؟

                حينما أتذكر يوم وداعهما...

                آه يا أمي.. و يا أبي..

                لو كنت أعرف أنه اللقاء الأخير.. ما كنت تركتكما تخرجان...

                أتذكر وصايا أمي... (اعتني بشقيقتيك جيدا لحين عودتنا).. أماه.. هاأنا قد اعتنيت بهما و إن قصّرت.. فأين عودتك ؟؟

                لو كنت أعلم أنه آخر العهد لي بكما... ما فارقتكما لحظة واحدة حتى أموت دونكما أو معكما..

                لكنه قضاء الله.. و مشيئة الله..

                يا رب.. فكما جاءاك ملبيين طائفين حول بيتك المشرّف، يا رب فأكرمهما بنعيم الجنة التي وعدت بها عبادك المؤمنين...

                و لا حول و لا قوّة إلا بالله...




                شهر كامل قد انقضى و لم تتحسن أحوالنا النفسية شيئا يذكر..
                و هل يمكن أن يندمل جرح كهذا؟؟
                لقد كانا في حافلة مع مجموعة من الحجيج عائدين إلى البلد، بعدما نفذ صبر الجميع و دفعهم الحنين لأهلهم للإقدام على السفر برا...و كانت مجازفة أودت بحياتهم جميعا ...
                نحن.. و يا من كنا غارقين في بحر الحزن و المآسي.. و يا من تشردنا..و تشتتنا..و تفرّقنا و انتكست أحوالنا و تنافرت قلوبنا..و كنا ننتظر عودة والدينا لعل ّ الله يصلح الحال.. يأتينا نبأ مصرعهما المفاجئ المفجع.. و ينسف ما بقي لنا من قوة أيما نسف...

                السلطات اتصلت بأخي سامر و أبلغته الخبر المفجع، ليذهب لاستلام الجثتين من إحدى المستشفيات، التي نقل إليها جميع راكبي الحافلة، و الذين قتلوا جميعا دون استثناء..

                كنت أريد الذهب..فقط لألقي نظرة..فقط لأقبّل أي شيء منهما.. رأسيهما.. جبنيهما.. أيديهما..إقدامهما..أو حتى ملابسهما..أي شيء منهما و لهما.. لكني بقيت رغما عني ملازما رغد في المستشفى.. متوقعا أن أفقدها هي الأخرى.. بين لحظة و أخرى..

                كانت أفظع أيام حياتي..

                كانت نائمة معظم الوقت، و كلنا أفاقت سألتني :

                " أين أبي؟؟ أين أمي ؟؟ ألا أزال حية ؟؟ متى سأموت؟؟"

                و لا أجد شيئا أواسيها به غير آهات تنطلق من صدري ، و شلالات تتدفق من عيني.. ونيران تحرق جسدي و ترديني فتاتا.. رمادا..غبارا..

                عندما عاد أخي.. كنت أنظر إلى عينيه بتمعن..أحدق بهما بجنون..علّ صورة والدي ّ قد انطبعت عليهما.. علّني أرى طيف ما رأتاه..

                أخذت أضمه، و أشمه و أقبّله.. فقد كان معهما.. و ربما علق به شيء منهما..أي شيء... أي شيء...

                و حين سألني عن رغد.. قلت باكيا :

                " ستموت! إنني أراها تموت بين يدي.. ماذا أستطيع أن أفعل؟ ليتني متّ قبل هذا "

                و حين تحدث معها ، سألته بلهفة :

                " أين هما؟؟ هل عادا معك؟؟ هل عادا للمنزل؟ أعدني إليهما..فأنا أريد أن يشهدا عرسي..ليس مثل دانة !"


                أي عرس يا رغد..أي فرح..أي لقاء تتحدثين عنه ؟؟

                لقد انتهى كل شيء.. و الحبيبان اللذان كانا يدللانك و يحيطاننا جميعا بالحب و الرعاية.. ذهبا في رعاية من لا يحمد على مكروه قضى به سواه...

                اللهم لا اعتراض على قضائك...

                و إنا لله .. و إنا إليه راجعون....








                اليوم، و كما قررت أخيرا، سأذهب إلى المزرعة.. فلا بد لي من مواصلة العمل، و الدراسة في ذلك المعهد.. و العودة إلى أهلي بعدما حصل.. أصبحت ضربا من المحال..

                فمن يريد العودة إلى جحيم الذكريات... ؟؟

                سامر..كان قد أهداني سيارة قبل أيام، جاءت منقذة لي في وقت الحاجة الحقيقية.. شكرته كثيرا.. و أذكر أنه يومها ابتسم ابتسامة واهية و قال :

                " و لم كل هذا الشكر ! إنها مجرّد سيارة.. بلا روح و لا مشاعر !"

                استغربت من ردّه، إلا أنه غير الحديث مباشرة...

                زرت المزرعة مرتين اثنتين فقط مذ قدمت إلى هنا.. فقد كان بقائي قرب رغد هو مركز اهتمامي و بؤرته... أما أحوال العائلة هناك كانت مستقرة..

                أجمع أشيائي في حقيبة أضعها على السرير، باب الغرفة مفتوح، يطل منه أخي سامر... و يتحدّث ...

                " أحقا سترحل وليد؟؟ "

                استدير إليه و أقول :

                " كما ترى "

                مشيرا إلى الحقيبة.. و أضيف :

                " سأعود إلى عملي، و دراستي"

                يظل واقفا عند الباب ، ثم يخطو خطوتين إلى الداخل و يقول بصوت خافت :

                " أنا أيضا سأعود إلى عملي... انتهت إجازاتي الممددّة "

                التفت إليه و أنا أدرك ما يعني، بل هو أكثر ما يشغل تفكيري على الإطلاق، لكنني أقول :

                " و إذا ؟؟ "

                يقول :

                " رغد... "

                نعم ، لا زلنا و منذ زمن..نقف عند هذه النقطة.. رغد...

                قال :

                " لا يمكن تركها وحيدة..، خذها معك "

                و فاجأني هذا الطلب، فهو آخر ما كنت أتوقع أن يطلبه أخي مني...

                لقد كنت أنا من سيطرح الفكرة، و خشيت أن أعقد الأمور أكثر في وقت نحن فيه في غنى تام عن أي تشويش يزيدنا ألما فوق ألم...

                قلت :

                " معي أنا ؟؟ "

                " نعم يا وليد.. فهناك حيث تقيم، لديك عائلة يمكن لرغد أن تظل تحت رعايتهم أثناء غيابك.. لكن هنا في هذه الشقة..."

                لم يتم كلامه..

                لقد كان هذا الموضوع هو شغلي الشاغل منذ قررت العودة للمزرعة، ألا أنني لم أكن أعرف الطريق لفتحه أمام سامر، خطيب رغد...

                قلت :

                " ما كنتَ فاعلا لو أنكما تزوجتما إذن؟ "

                قال :

                " ربما ..أتركها في بيتنا مع والدي ّ "

                و الكلمة قرصت قلبينا... و عصرت شعورنا...

                تابع :

                " ألا أنه .. لا والدين لنا الآن .. و لا بيت.."

                " يكفي أرجوك.."

                قلت ذلك محاولا إبعاد غيمة الهم عني، فقد اكتفيت من كل ذلك.. اكتفيت من الهموم التي حملتها على صدري مذ ارتكبت جريمتي و حتى هذا اليوم...

                بددت أشباح الذكرى المؤلمة بعيدا عن رأسي.. و قلت :

                " أتظنها ترحب بذلك ؟؟ "

                ابتسم ابتسامة مائلة للسخرية و قال :

                " جرّب سؤالها بنفسك..."

                و رمقني بنظرة حادة، ثم غادر الغرفة...

                بعدما انتهيت من جمع أشيائي، ذهبت ُ إلى غرفة رغد...

                طوال الأيام الماضية لم تكن تغادرها .. حتى القليل من الطعام الذي كانت تعيش عليه، تتناوله على سريرها.. حالتها كانت سيئة جدا ولازمت المستشفى وقتا طويلا، و كنا نتناوب أنا و سامر على رعايتها...إلا أنها تحسّنت في الآونة الأخيرة.. و أحضرناها إلى هنا.. و الحمد لله

                فلو أصابها شيء..هي الأخرى، فسوف أموت فورا لا محالة...لن يقوى قلبي على تحمّل صدمة أخرى.. و خصوصا للحبيبة رغد..لا قدّر الله ..

                طرقت الباب و ذكرت اسمي، ثوان، ثم أذنت لي بالدخول...

                دخلت، فرأيتها جالسة على السرير، كالعادة، إلا أنها ترسم شيئا ما في كراستها...

                اقتربت لألقي نظرة على ما ترسم، كانت صورتين وهميتين لوالدي ّ رحمهما الله.. مرسومتين بالقلم الرصاصي، و بمعالم غامضة مبهمة...

                " كيف أنت صغيرتي؟ "

                لم ترفع عينيها عن الرسمة، قالت :

                " كما أنا "

                و هو جواب يقتلني...إن كنتم لا تعلمون...

                قلت :

                " أنت بخير، الحمد لله .."

                قالت :

                " نعم ، بخير.. يتيمة مرتين، وحيدة و بلا أهل.. و لا من يتولى رعايتي .. عالة على ابن عمّي ... "

                مزقتني كلماتها هذه، قلت :

                " عالة على خطيبك !؟ "

                قالت مصححة :

                " ابن عمّي.. فأنا لن أتزوّجه.. ما لم يحضر والداي و يباركا زواجنا.."

                كادت الدمعة تقفز من عيني... اقتربت منها أكثر.. و قلت محاولا المواساة :

                " حتى لو لم تتزوجيه، يبقى ابن عمّك و مسؤولا عنك.. فلا تأتي بذكر كلمة عالة هذه مرة أخرى "

                الآن، قامت بالخربشة على الصورتين بخطوط عشوائية حادة، ثم .. نزعت الورقة من الكراسة، ثم مزّقتها..

                أخيرا نظرت إلي :

                " لم لا ترسلاني إلى دار لرعاية الأيتام ؟ "

                " رغد بالله عليك.. لم تقولين ذلك ؟؟ "

                " نعم فهو المكان الأنسب لي، سامر يريد العودة للعمل و أنا أعيقه "

                قلت بألم :

                " و أنا ؟ "

                رمقتني بنظرة مبهمة ، ثم قالت :

                " و أنت ستعود إلى عملك، و فتاتك..، و دانة تزوجت و استقرت مع زوجها في الخارج..، بلا بيت و لا والدين .. و لا أهل.. إما أن ترسلاني لبيت خالتي، أو لدار الأيتام "

                اغتظت، و قلت بعصبية :

                " كفّي عن ذلك يا رغد، بالله عليك... أتظنين أنني سأتخلى عنك بهذه السهولة ! "

                رغد حدقت بي، متشككة مرتابة...

                قلت :

                " أبدا يا رغد ! لا تظني .. أنه بوفاة والدي رحمه الله.. لم يعد لك ولي مسؤول.. إنك من الآن فصاعدا، لا .. بل من يوم وفاته فصاعدا... بل و من يوم وفاة والديك الحقيقيين فصاعدا.. تحت مسؤوليتي أنا.."

                لا تزال تحملق بي بريبة..

                قلت :

                " و من هذه اللحظة، اعتبريني أمك و أباك و أخاك و كل شيء.. "

                شيء من التصديق ظهر على وجهها.. أرادت التحدث إلا أنها منعت نفسها .. قلت مؤكدا :

                " نعم صغيرتي، و لتكوني واثقة مائة بالمائة.. من أنك ستبقين ملازمة لي كعيني هاتين.. و لسوف أفقأهما قبل أن أبعدك عني مترا واحدا ! "


                الآن رغد راحت تنظر إلى المسافة التي تفصل بيننا، بضع خطوات تتجاوز المتر.. ثم تنظر إلي...

                نظرت أنا إلى حيث نظرت، ثم خطوت خطوتين للأمام، و قلت :

                " متر ! أليس كذلك ؟؟ "

                هنا .. انطلقت ضحكة غير متوقعة من حنجرة رغد.. ضحكة صغيرة كصغر حجمها و حجم حنجرتها.. و قصيرة كقصر المسافة التي بيننا هذه اللحظة... و مبهجة كبهجة العيد !

                لم أستطع منع نفسي من الابتسام.. و هل هناك أجمل من ابتسامة أو ضحكة عفوية تشق طريقها بين الدموع و الهموم؟؟

                لما رأيت منها هذا التجاوب، فرحت كثيرا.. فضحكة رغد ليست بالأمر السهل..إنها أعجوبة حصلت في زمن المرض و المآسي...

                قلت :

                " بما أن سامر سيبدأ العمل و سينشغل ثمان ساعات من النهار خارج الشقة، و أنا لابد لي من العودة لعملي، فأنا سآخذك معي.. فهل تقبلين ؟؟ "

                قالت :

                " و سامر؟ يبقى وحيدا ؟ "

                قلت :

                " سنأتي أسبوعيا لزيارته أو يأتينا هو.. ربما تتغير ظروفنا فيما بعد.. و نستقر جميعا في مكان واحد.. ما رأيك ؟ "

                نظرت إلى الأرض، ثم قالت :

                " حسنا "

                أثلج صدري، ارتخت عضلاتي و ارتاح قلبي من توتره.. قلت :

                " إذن اجمعي أشياءك الآن، سنذهب عصرا "

                وقفت رغد مباشرة، و بدأت بجمع قصاصات الورقة التي مزقتها قبل قليل..

                أخذت تنظر إليها، و شردت...

                قلت مداعبا :

                " اطمئني يا رغد.. سترين..أي نوع من الآباء و الأمهات سأكون ! "

                ابتسمت رغد، و ألقت القصاصات في سلة المهملات...



                ~ ~ ~ ~ ~


                لم يكن لدي الكثير من الأشياء، لذا لم احتج أكثر من حقيبة صغيرة جمعت حاجياتي فيها، و وضعتها قرب الباب..

                وليد ذهب إلى الحلاق، و حينما يعود .. سنغادر..

                سوف لن أتحدث عن فاجعة موت والدي ّ لأنني لا أريد لدموعي و دموعكم أن تنهمر.. فقد اكتفيت..تشبّعت للحد الذي لم تعد فيه الدموع تحمل أي معنى...

                لقد كنت أنا من أصرّ عليهما للحضور بأية وسيلة.. فقد كنت في حالة سيئة كما تعلمون.. و ربما هذا ما دفعهما لسلك الطريق البري الخطر..

                أنا الآن فتاة يتيمة مرتين.. بلا ولي و لا أهل، غير خطيب لن أتزوجه يوما.. و ابن عم لن يتزوجني يوما.. لكنه لن يتخلى عني..

                أجهل طبيعة الحياة التي سأعيشها من الآن فصاعدا.. إلا أنني لا أملك من الأمر شيئا

                و إذا ما كتبت لي العودة إلى المدينة الصناعية ذات يوم، فلسوف استقر في بيت خالتي..

                حتى يومنا هذا، و الحظر الشديد مستمر على المدينة الصناعية و مجموعة من المدن التي تعرضت أو لا تزال تتعرض للقصف و التدمير من قبل العدو...

                أما هذه المدنية، و كذلك المدينة الزراعية، فهما بعيدتان عن دائرة الحرب...

                ارتديت عباءتي، مستعدة للخروج .. و لمحت سامر يقبل نحوي..

                وقفت أنظر إليه و هو ينظر إلي.. و كانت النظرات أبلغ من الكلمات..

                قال :

                " سأفتقدك"

                قلت :

                " و أنا كذلك.. سنأتي لزيارتك كل أسبوع"

                ابتسم ابتسامة واهنة و من ثم قال :

                " هل ستكونين على ما يرام هناك ؟؟"

                لم أرد.. فأنا لا أعلم ما الذي ينتظرني..

                " أينما كنت يا رغد..أتمنى لك السعادة و الراحة "

                نظرت إليه نظرة امتنان..

                أمسك يدي بحنان و قال :

                " سأكون هنا.. متى ما احتجتني.. دائما في انتظارك و رهن إشارتك.."

                لم أملك إلا أن طوّقته بيدي الأخرى.. و قلت :

                " يا عزيزي..."

                و تعانقنا عناقا هادئا صامتا.. طويلا..

                بعد مدّة ، عاد وليد..

                ودّعنا سامر.. و ركبنا السيارة، وليد في المقدمة و أنا خلفه.. وانطلقنا...

                لكي يقطع الوقت و يقتل الملل، أدار المذياع.. فأخذت أصغي إلى كل شيء و أي شيء.. كما كنت أراقب الطريق... و رغم الصمت الذي كان رفيق لسانينا، إلا أنني شعرت به يكلّمني...

                أكاد أسمع صوته، و أحس بأنفاسه.. و الحرارة المنبعثة من جسده الضخم... كان هو مركزا على الطريق.. بينما أنا أغلب الأحيان مركزة عليه هو...

                الآن، و بعد كل الأحداث التي مررت بها..أعترف بأنني لا أزال أحبه..


                وصلنا إلى نقطة تفتيش.. ما أن لمحتها حتى أصبت بالهلع.. فبعد الذي عشته تلك الفترة.. صرت أرتجف خوفا من مثل هذه الأمور...

                الشرطي طلب من وليد البطاقة و رخصة القيادة..

                ثم سأله عني..

                " ابنة عمي "

                " أين بطاقتها ؟ "

                " إنها لا تحمل بطاقة خاصة، فهي صغيرة "

                " إذن بطاقة والدها "

                " والدها متوف، ووالدي الكافل كذلك، توفي مؤخرا..إلا أنها مضافة إلى بطاقة شقيقي، خطيبها حاليا "

                قال الشرطي متشككا :

                " هل هذا صحيح ؟؟ "

                قال وليد :

                " طبعا ! "

                الشرطي التفت إلي أنا و قال :

                " هل هذا ابن عمّك ؟ "

                قلت بوجل :

                " أجل "

                " أهو خطيبك ؟ "

                " لا ! شقيق خطيبي.."

                " و أين خطيبك أو ولي أمرك ؟ "

                " لم يأت ِ معنا، لكنه على علم بسفرنا "

                " صحيح ؟ "



                وليد قال بعصبية وضيق :

                " و هل تظنني اختطفتها مثلا ؟ بربّك إنها مثل ابنتي "

                ابتعد الشرطي مترددا ثم سمح لنا بالعبور...

                أنا كنت أنظر إلى وليد عبر المرآة.. مندهشة و مستنكرة جملته الأخيرة !

                ابنته !؟ أنا مثل ابنته ؟؟

                فارق السن بيننا لا يتجاوز التسع سنين !

                وليد أبي !

                بابا وليد !

                و شعرت ُ برغبة مفاجئة في الضحك !

                لكن هذه الرغبة تحوّلت إلى حرج شديد جدا..عندما أصدرت معدتي نداء الجوع !

                مباشرة نظر وليد عبر المرآة فالتقت أنظارنا.. و أبعدت عيني بسرعة في خجل شديد...

                تكلم وليد قائلا :

                " لم تأكلي شيئا منذ الصباح..أليس كذلك؟ "

                تحرجت من الرد عليه..و علتني حمرة الخجل.. لم أكن في الآونة الأخيرة أتناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم.. و كنت أجبر نفسي على أكلها فقط لأبقى حية..

                أتذكر الآن.. الطبخات اللذيذة التي كانت أمي، و دانة تعدّانها..
                آه أماه..
                إنني مشتاقة لأي شيء من يديك.. حتى و لو كان السمك المشوي الذي تعدّينه، و اهرب أنا من المائدة كرها له...
                كنت سأدخل متاهة الذكرى المؤلمة، لكن صوت وليد أغلق أبواب المتاهة حين سمعته يقول :

                " سآخذك إلى مطعم جيد في المدينة الشمالية الزراعية .. سيعجبك طعامه "

                المشوار كان طويلا.. و الهدوء جعل النعاس يطغى علي.. فمنت لبعض الوقت..

                صحوت من النوم على صوت وليد يهمس باسمي...

                " رغد.. رغد صغيرتي.."

                فتحت عيني.. فوجدته ملتفتا إلى الوراء يناديني.. و تلفت من حولي فرأيت السيارة واقفة ..

                قال وليد:

                " وصلنا "

                قلت :

                " المزرعة ؟ "

                و أنا أطالع ما حولي.. باستغراب..

                قال :

                " المطعم "

                قلت :

                " ماذا ؟ "

                " المطعم صغيرتي.. نتناول عشاءنا ثم نذهب إلى المزرعة "

                و تذكرت أنني كنت جائعة ! كانت الوقت لا يزال باكرا..

                وليد فتح بابه و خرج من السيارة، ثم فتح الباب لي..

                هبطت و صافحتني أنسام الهواء الباردة.. فضممت ذراعي ّ إلى بعضهما البعض..

                " أتشعرين بالبرد؟ "

                " قليلا"

                " المكان دافئ في الداخل.. هيا بنا "

                سرنا جنبا إلى جنب، أنا بقامتي الصغيرة و رأسي المنحني للأسفل، و هو بجسده العملاق.. و رأسه العالي فوق هامته الطويلة ! ثنائي عجيب متناقض ! دخلنا المطعم .. كان تصميم مدخله جميل.. و الكبائن متباعدة و متقنة الهندسة..

                اختار وليد كبينة بعيدة، و جلسنا متقابلين، لكن ليس وجها لوجه!

                شغلنا نفسينا بتقليب صفحات الكتيب الصغير، الحاوي لقوائم الأطعمة و المشروبات...

                قال وليد :

                " ماذا تودين ؟ "

                في هذه اللحظة ، و أنا في توتري الشديد هذا، و الإحساس بقرب وليد يشويني.. قلت :

                " دورة المياه "

                " عفوا ! ؟ "

                تركت الكتيب من يدي، قام وليد و قال :

                " تفضلي.."

                كانت دورة المياه النسائية في الطرف الآخر..على مقربة من الباب توقّف وليد.. و تركني أمشي وحدي..

                التفت إليه.. قال :

                " سأنتظر هنا "

                لم أشعر بالطمأنينة.. تراجعت .. قلت:

                " لنعد "

                قال :

                " هيا رغد ! سأبقى واقفا في مكاني.. "

                " لا.."

                وليد نظر إلى ما حولنا ثم قال :

                " حسنا، سأقترب أكثر"

                و مشى معي حتى بلغنا الباب...

                نظرت إليه بشيء من التردد، إلا أنه قال :

                " لا تتأخري رجاء ً "

                و أنا أفتح الباب قلت :

                " إياك أن تبتعد ! "

                قال مطمئنا :

                " لا تقلقي.. "

                و عندما خرجت وجدته واقفا بالضبط عند نفس النقطة !

                عدنا إلى تلك الكابينة و طلب لي وليد وجبة كبيرة، مليئة بالبطاطا المقلية !

                لا أعرف أي شهية تلك التي تفجرت في جوفي، و التهمتها تقريبا كاملة..!

                و لو كان طلب طبقا آخر بعد ، لربما التهمته أيضا عن آخره.. يكفي أن يكون وليد قريبا مني، حتى أشعر برغبة في التهام الدنيا كلها...

                بعد العشاء.. قام وليد بجولة في المنطقة، بين المزارع.. و أراني بعض معالم المدينة، و كذلك المعهد الذي يدرس فيه، و السوق الذي تباع فيه الخضراوات...

                منذ زمن.. و أنا حبيسة الشقة و المستشفى، لا أرى الشمس و لا أتنفس الهواء النقي.. لذلك فإن الجولة السريعة هذه روحت عن نفسي كثيرا...

                كان كلما تحدّث عن أو أشار إلى شيء، أصغيت له باهتمام.. ودققت بتمعن، و كأنه درس علي حفظه قبل الامتحان!

                قبيل وصولنا إلى المزرعة، سألني :

                " أتودين بعض البوضا..؟"

                و كان ينظر إلي عبر المرآة ...

                قلت منفعلة مباشرة :

                " ماذا !؟ البوضا مجددا ! كلا أرجوك ! أنا يتيمة بلا مأوى الآن !؟؟ "

                و ليد، حدق بي برهة ، ثم انفجر ضاحكا !

                أنا كذلك، لم أقو على كبت الضحكة في صدري، فأطلقتها بعفوية...

                نعم ! فلن تغريني البوضا مرة أخرى و لن أنخدع بها!





                عندما وصلنا إلى المزرعة كانت الساعة تقريبا التاسعة مساءا...

                مباشرة توجهنا إلى المنزل، و قرع وليد الجرس، ففتح العجوز الباب...

                تهلل وجهه لدى رؤية وليد و صافحه و عانقه، ثم رحب بي ترحيبا كريما...

                قال وليد :

                " ابنة عمي .. تحت وصايتي الآن.. و إن لم يكن في ذلك أي إزعاج.. فهي ستبقى معي هنا حتى نجد حلا آخر.."

                شعرت أنا بالحرج، لكن ترحيب العجوز خفف علي ذلك، قال :

                " عظم الله أجرك يا بنيتي، على الرحب و السعة، و إن لم تتسع المزرعة لكما نحملكما على رؤوسنا.."

                ابتسمت للعجوز و شكرته..

                قال العجوز مخاطبا وليد، الذي كان يجول ببصره فيما حوله :

                " في المطبخ.. تفضلا "

                لم يتغيّر في ذلك المنزل أي شيء... سرت تابعة لوليد الذي تقدّم نحو إحدى الغرف، و التي يبدو أنها المطبخ... و العجوز خلفنا

                هناك.. وجدنا أروى و أمها تجلسان على الأرض حول سفرة العشاء... و بادرتا بالنهوض بمجرد رؤيتنا...

                و حانت اللحظة التي كنت أخشى حينها... ما أن وقع نظري على أروى... حتى شعرت بشيء ما يتفجر في صدري... شيء حارق موجع..

                كانت تجلس ببساطة على الأرض، مرتدية بنطالا ضيقا و بلوزة قصيرة الكمين واسعة الجيب، و شعرها الذهبي الأملس الطويل مربوط بخصلة منه، و ينساب على كتفيها و ظهرها كذيل الفرس !

                رحبت الاثنتان بنا ، ثم توجهت أروى نحو المغسل، و غسلت يدها و نشفتها ، ثم أقبلت نحو وليد و مدّت يدها لتصافحه !

                وليد ببساطة مدّ يده و صافحها !

                " حمدا لله على سلامتكما ! كيف حالكما ؟ "

                قالت ذلك و هي تشد على يد وليد، و وليد يبتسم و يطمئنها، و أنا أسلط أنظاري على يديهما ، ثم عينيهما ، ثم أعود إلى يديهما، ثم أعض على شفتي السفلى بغيظ...

                إلى متى ستظل هذه ممسكة بيد ابن عمّي؟؟ هيا ابتعدي !

                " مرحبا بك يا رغد، عظم الله أجرك "

                رفعت بصري عن يديهما و نظرت إليها ببغض، و مددت يدي لأصافحها.. أعني لأجبرها على ترك يد وليد...

                " أجرنا و أجركم، غفر الله لنا و لكم "

                قالت :

                " كيف صحتك الآن ؟ "

                " بخير و لله الحمد "

                عادت تنظر إلى وليد ، و تخاطبه :

                " هل كانت رحلتكما متعبة ؟ "

                قال :

                " لا ، كانت ممتعة "

                نظرت إلى وليد فرأيته ينظر إلي و يبتسم...

                قالت أروى :

                " تفضلا.. شاركانا العشاء "

                و كررت أمها الجملة ذاتها

                قال وليد :

                " بالهناء و العافية، تناولنا عشاءنا في أحد المطاعم.. أتموا أنتم طعامكم و نحن سنجلس في المجلس "

                و على هذا ذهبنا إلى المجلس، وبقي الثلاثة حول السفرة.. و يبدو أن وليد صار يتحرك في المنزل بحرية كيفما يشاء...

                جلس على أحد المقعدين الكبيرين المتقابلين الموجودين في المجلس، فجلست أنا إلى جواره.. و سكنا عن أي كلام أو حركة لبضع دقائق... ثم قال وليد :

                " رغد"

                نظرت إليه.. فرأيت ملامح الجدية و القلق على وجهه... قال :

                " أنا آسف و لكنني في الوقت الحالي لا أستطيع توفير سكن آخر.. كما و أن الظروف لن تمكننا من العيش في شقة مستقلة، لأن عملي هنا و أقضي كل ساعات النهار هنا.. "

                لم أعلّق ، فقال :

                " هل هذا يروق لك ؟ "

                قلت :

                " أخشى أن يسبب وجودي الضيق لهم .."

                قال :

                " لا ، إنهم أناس طيبون جدا.. و كرماء لأقصى حد..، لن يزعجهم وجودك، أريد أن أعرف .. هل يزعجك أنت ذلك؟؟ "

                قلت :

                " سأبقى حيث ما تبقى أنت..، ألست المسؤول عني الآن؟ "

                بدا الضيق جليا على وليد، مال بجدعه للأمام و قال :

                " رغد يا صغيرتي.. الأمر ليس متروكا لظروفي بل هو حسب رغبتك أنت.. إذا رغبت بأي شيء آخر فأبلغيني و سأنفذه حتما "

                قلت :

                " حقا وليد ؟؟ "

                قال :

                " طبعا، بدون شك.. تعرفين أنني من أجلك أفعل أي شيء..."

                شعرت بالصدق ينبع من عينيه.. و آه من عينيه ..

                لو تعرف يا وليد.. أنا لا أريد من هذه الدنيا غيرك أنت.. لقد فقدت كل شيء.. والداي ماتا. .و تيتّمت مرتين.. و أختي رحلت.. و سامر تركته جريحا متألما.. و خالتي و عائلتها ظلوا بعيدين عني.. لم يبق لي إلا أنت..

                أنت الدنيا في عيني..

                أنا أريد أن أبقى معك، قريبة منك و تحت رعايتك و حبك ما حييت.. أينما كنت.. هنا أو في أي مكان في المجرّة.. فقط أبقني قربك.. و أشعرني باهتمامك و حبك..

                " وليد .."

                همست بصوت أجش... وليد أجابني مسرعا :

                " نعم صغيرتي ؟ "

                قلت :

                " أنا.. أنا..."

                و لم أتم، إذ أن أروى أقبلت الآن، تحمل أقداح الشاي...

                " تفضلا.."

                لم تكن لدي أدنى رغبة في احتساء الشاي لكنني فعلت من باب المجاملة..

                أروى جلست على المقعد المجاور، قرب وليد...

                تبادلا حديثا قصيرا، ثم قالت مخاطبة إياي :

                " يمكنك استخدام غرفتي، و أنا سأنام مع أمي لحين ترتيب غرفة خاصة بك "

                نظرت إلى وليد و قلت :

                " و أنت ؟ "

                قال :

                " في غرفتي ذاتها "

                هززت رأسي اعتراضا..

                وليد قال :

                " لا تخشي شيئا يا رغد.. المكان آمن هنا و موثوق كبيتنا تماما "

                " لا ! لن أبقى وحدي هنا "

                قال :

                " يمكن لأروى البقاء معك في الغرفة.. "

                قلت :

                " إذن خذني لمكان آخر "

                تبادل وليد و أروى النظرات، ثم نظر إلى المقعد الذي نجلس عليه، ثم قال :

                " حسنا.. سأبات أنا على هذا.. داخل المنزل"

                لم تعجبني الفكرة أيضا.. فنظرت إليه باعتراض و عدم اقتناع..

                قال :

                " هذه الليلة على الأقل.. ثم نجد حلا آخر"

                فاستسلمت للأمر...

                ذهبت أروى بعد ذلك لإعداد فراش لي في غرفتها... عندها قلت لوليد :

                " وليد.. لا تبتعد عني أرجوك "

                وليد نظر إلي بعطف و قال :

                " لا تخشي شيئا صغيرتي.. أتظنين أنه، لو كان مكانا غير آمن، كنت تركتك تباتين فيه ؟ "

                قلت :

                " لكني أخاف.. أخاف كثيرا.. المكان غريب و الناس كذلك.. لا تبتعد عني "

                كنت أقول ذلك و أنا متوترة.. و لما لحظ وليد حركة أصابعي المضطربة..

                قال :

                " اطمئني رغد.. و لسوف أبقي الباب مفتوحا "

                ذهبنا أنا و وليد و أروى للتعرف على أرجاء المنزل و انتهينا إلى غرفة أروى..

                غرفة بسيطة كسائر المنزل، لا تحوي شيئا مميزا ...

                كان الفراش دافئا.. و جسدي متعبا لكن القلق لم يسمح لي بالنوم..

                أروى نامت بسرعة.. أما أنا فتلاعبت بي الهواجس حتى بدأت أوصالي ترتعد خوفا..

                ارتديت عباءتي.. و خرجت من الغرفة بحذر.. شققت طريقي بهدوء تام نحو المجلس.. كان الباب شبه مغلق، و وليد كان نائما على المقعد الكبير.. و بصيص خفيف من الضوء يتسلل إلى الغرفة عبر فتحة الباب.. و عبرها تسللت أنا أيضا إلى الداخل...و أوصدت الباب من بعدي !

                لأنه طويل جدا، فإن قدميه الكبيرتين كانتا تبرزان من فوق ذراع المقعد.. أما ذراعاه فقد كانتا مرفوعتين فوق رأسه، إذ أن مساحة المقعد لا تكفي لضمهما على جانبيه !
                مسكين وليد! لابد أن جسده غير مرتاح في نومته هذه البتة !

                و مع ذلك كان يغط في نوم عميق... !

                جلست أنا على المعقد الكبير الآخر... لبضع دقائق.. شاعرة بالأمان و الطمأنينة، و الدفء أيضا.. فبقرب وليد يطيب لقلبي البقاء و لعضلاتي الاسترخاء و لعيني الإغماض..
                استلقيت على المعقد.. و سمحت للنوم بالسيطرة علي.. بكل سهولة !



                ~ ~ ~ ~ ~



                وضعت المنبه على المنضدة قرب المقعد، و نمت بعد أرق، لأنني كنت قلقا على رغد.. أفكر..هل ستتقبل الحياة هنا..؟ هل ستألف الأوضاع و ترضى بها؟ هل سيسرّها العيش في منزل متواضع، و حال متوسطة، و هي ابنة العز و الدلال و الغنى ..؟؟
                إن علي ّ أن أجد أكثر من أجل تحسين وضعي المالي و العام..فرغد لم تعتد حياة الفقر و الحاجة... و لا تستحق حياة كهذه...

                استيقظت بسرعة على رنين المنبه المزعج...

                كنت قد ضبطته لإيقاظي وقت الفجر لأصلي...

                حينما جلست، لمحت شيئا يتحرك على المقعد الكبير الآخر و الموازي للمقعد الذي نمت عليه ..! و ذلك الشيء جلس أيضا

                دققت النظر فيه ..أظنه خيال رغد! أو ربما هوسي بها جعلني أتهيأ خيالها في كل مكان !؟ في اليقظة و المنام !

                قلت متسائلا :

                " رغد ؟"

                ذلك الشيء تكلم مصدرا صوتا ناعسا ، يشبه صوت رغد !

                " نعم "

                قلت :

                " رغد صغيرتي ! أهذه أنت ؟؟ "

                " نعم، أريد أن أنام "

                و استلقت على المقعد مجددا !

                نهضت أنا عن مقعدي و وقفت أمدد أطرافي.. شاعرا بالإعياء ... إن هذا المقعد صغير و لا يتسع لجسد رجل مثلي !
                تقدمت نحوها

                " رغد ! ما الذي تفعلينه هنا ؟ "

                قالت و هي شبه نائمة :

                " كنت خائفة "

                " مم ؟ "

                " من الأشباح "

                ماذا !؟ أهي نائمة أم تهذي ؟؟

                " أي أشباح ؟؟ "

                جلست رغد فجأة و نظرت من حولها يمينا و شمالا... و هي تقول :

                " أشباح؟؟ أين ؟ أين ؟ "

                و يبدو أنها استفاقت أخيرا .. ثم نظرت إلي .. ثم قالت :

                " وليد .. "

                قلت :

                " نعم.. "

                قالت :

                " نحن في منزل أروى أليس كذلك ؟ "

                " نعم صغيرتي، هل كنت تحلمين ؟ "

                أخذت تفرك عينيها...

                قلت :

                " لم أنت هنا ؟ "

                قالت :

                " لم أشعر بالطمأنينة هناك.. "

                " لم صغيرتي؟ "

                قالت و هي تنظر إلي برجاء :

                " أريد أن أبقى معك .. المكان غريب علي.."

                " ستعتادينه.. لا تقلقي "

                " لكن يا وليد... "

                هنا طرق الباب و سمعت صوت العم يناديني...

                " وليد .. انهض بني ..الصلاة "

                و كاد يفتح الباب، إلا أنه كان موصدا ! إنها رغد !

                صغيرتي المجنونة !

                أجبت :

                " نعم عمي أنا مستيقظ "

                قال :

                " هيا إذن "

                قالت رغد :

                " إلى أين ؟ "

                " إلى المسجد "

                قالت معترضة :

                " و تتركني وحدي ؟؟ سآتي معك "

                كنت أعرف أنها ستقول ذلك !

                ذهبت إلى الباب مسرعا و فتحته فرأيت العم إلياس يسير نحو المخرج... و كنا قد اعتدنا الذهاب للصلاة في المسجد المجاور سيرا على الأقدام...

                قلت :

                " عمّي .. اذهب أنت سأصلي هنا "

                تعجّب العم و قال :

                " لم يا ولدي ؟ "

                " أخبرك لا حقا.. تقبل الله منكم "

                جعلت الباب شبه مغلق

                و عدت إلى رغد التي بادرتني بالسؤال :

                " الحمام قرب الغرفة أليس كذلك ؟ "

                " بلى "

                و همّت بالخروج قاصدة إياه ...

                " انتظري رغد "

                نظرت إلي باستغراب...

                قلت :

                " حتى يخرج العم ... "

                و عدت أنظر من فتحة الباب حتى إذا ما غادر العم خارجا، فتحته و استدرت إلى رغد قائلا :

                " تفضلي ... "

                رغد سارت ببطء و هي تنظر إلى الأرض بخجل.. تنحيت أنا جانبا .. و لما صارت قربي .. رفعت رأسها إلي و قالت :

                " أنا آسفة " ...

                توترت، و لم يتجرأ لساني على النطق بشيء... فأخفيت نظري تحت الأرض.. منتظرا منها الخروج...

                إلا أنها بقيت واقفة قربي هكذا لوهلة... و أنا شديد الحرج، ثم قالت :

                " لكنك..أصبحت أبي الآن ! أليس كذلك ! "

                رفعت نظري إليها بسرعة مندهشا، و ارتفع حاجباي تعجبا !

                كانت تنظر إلي، و الآن.. ابتسامة مرسومة على شفتيها أستطيع أن أرى عذوبتها رغم الظلام...

                قالت :

                " بابا وليد ! "

                و أسرعت خارجة من الغرفة ... تاركة إياي في ذهول و جنون !

                إذا كانت ..هذه الفتاة.. اليتيمة المدللة.. الحبيبة الغالية.. ستعيش معي و تحت رعايتي أنا في بيت واحد.. فإنني و بدون أدنى شك.. سأفقد عقلي و أتحول خلال أيام، بل خلال ساعات.. إلى مجنون لم يخلق الله مثل جنونه جنونا...
                و أنتم الشاهدون !





                ]]]يتبع]]]

                تعليق


                • #83
                  رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                  يسلمو اختى

                  ونحن فى الانتظار


                  بس ما تتاخرى
                  لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
                  سيستوطنني بِ فراقكَ !
                  كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
                  كبرت أكثر مماتتصور =) !

                  تعليق


                  • #84
                    رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                    قصة مشوقة

                    نحن بنتظار البقية

                    شكر الك اختي




                    لا اله الا الله محمد رسول الله

                    ..)( حاصله علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

                    تعليق


                    • #85
                      رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                      الحلقة الواحدة و الثلاثون



                      *********

                      ~ ابتعدي عن حبيبي ~







                      رغم أنني كنت نعسى في البداية، إلا أن النوم خاصمني ذلك الصباح..
                      وليد جلس في الصالة يقرأ القرآن، و جلست أنا على مقربة أنصت إليه..
                      إلى أن عاد الرجل العجوز بعد طلوع الشمس.. فختم وليد قراءته و راح يتحدّث معه..

                      كانا يتحدثان بشأن المزرعة و ما سيفعلانه هذا اليوم.. و كنت أستمع إليهما ببلاهة ! فأنا لا أفقه كثيرا مما يذكرون !

                      وليد التفت إلي ّ الآن و قال :

                      " سوف أخرج للمزرعة الآن، أتأتين معي ؟؟ "

                      وقفت من فوري و تقدّمت ناحيته.. قال متما عبارته السابقة ببطء :

                      " أم.. تفضلين العودة للنوم ؟ "

                      " سآتي معك.."

                      و خرجت معه إلى المزرعة..

                      الهواء كان باردا و كنت أرتدي العباءة فوق ملابس النوم، لذا شعرت بالبرودة تخترق عظامي

                      قال وليد :

                      " سنبدأ بجولة تفقدية "

                      حذائي كان عالي الكعب و لا يصلح للسير على الرمال، لذلك طلب مني وليد ارتداء أحد الأحذية المطاطية الموجودة عند مدخل المنزل...

                      سرنا في اتجاه شروق الشمس.. و كم كان منظرا جميلا لم أر مثله منذ زمن...
                      الرياح كانت في مواجهتنا، تغزو أنفي رغما عني ، و تزيد من شعوري بالبرد..

                      أخذت أفرك يدي بتكرار.. أما وليد فكان يسير بثبات في وجه الريح ، و لا يبدو على جسمه أنه يتأثر بها !

                      كالجبل تماما !

                      قال لي:

                      " الجو بارد.. أتفضلين العودة للمنزل ؟ "

                      " ماذا عنك ؟ "

                      قال :

                      " سأبدأ حرث منطقة معينة هنا، سنقوم بزرع بذور حولية جديدة فيها.. "

                      و أشار إلى المنطقة المقصودة...

                      قلت :

                      " أنت تحرثها ؟؟ "

                      و يبدو أن سؤالي هذا ضايقه أو أحرجه.. نظر إلي برهة صامتا ثم قال و هو يحدّق في تلك المنطقة :

                      " نعم أنا يا رغد.. فهذا هو عملي هنا.. و من هذا العمل أعيش و أعيل نفسي.. و صغيرتي .."

                      ثم التفت إلي و قال :

                      " فهل يصيبك هذا بخيبة أمل أو .. اشمئزاز ؟ "

                      قلت بسرعة :

                      " لا ! لم أٌقصد ذلك.. "

                      " إذن ؟ "

                      " تعرف يا وليد.. فخلال التسع سنين الماضية كنت أعتقد أنك... "

                      و بترت جملتي.. فقد أحسست أن هذا يؤلمه.. و إذا تألم وليد قلبي فأنا أموت ..

                      قلت :

                      " لكن ، ألا يمكنك مواصلة الدراسة الآن ؟؟ "

                      قال :

                      " إنني أدرس الآن في معهد محلي، و إن تخرجت منه بشهادة معتبرة فستكون لدي فرص أفضل للعمل ، لكن إلى ذلك الوقت سأظل مزارعا "

                      لم يعجبني ذلك، فأنا لا أريد لوليد أن يغمر يديه في التراب ..، بل أن يعلو السحاب، لكني لم أشأ إحراجه، فقلت :

                      " أتمنى لك التوفيق "

                      ابتسم وليد ابتسامة رضا، و تابعنا الطريق...

                      بقيت أراقبه و هو يعمل، تارة شاعره بإعجاب به ، و تارة شاعرة بشفقة عليه ، و تارة بغضب من الأقدار التي أوصلت ابن عمّي إلى هذا المستوى..

                      ليتني أستطيع منحه ثمان سنين من عمري، تعويضا عما خسر.. بل ليتني أهديه عمري كله.. و كل ما أملك..

                      الحماس الذي تملكني أثناء مراقبة وليد ، و الحرارة التي تنبعث من جسده و هو يعمل بجهد، و من صدره و هو يتنفس بعمق، و من عينيه و هو ينظر إلي ، كل هذه تجمعت معا متحدة مع أشعة الشمس التي ترتفع في السماء، و أكسبتني دفئا و حيوية لا نظير لهما !...

                      بعد فترة ، أقبلت أروى..

                      و الآن، لست فقط أشعر بالدفء ، بل و بالاشتعال ، و الاحتراق أيضا ...

                      " صباح الخير رغد ! نهضت باكرة ! "

                      باكرة جدا ! كم تبدين حيوية و نشطة بعد نوم هانىء ! أنا لم أنم كما ينبغي ..

                      قلت :

                      " صباح الخير"

                      وليد كان موليا ظهره إلينا هذه اللحظة ، رفعت أروى صوتها ، و كذلك يدها و هتفت و هي تلوّح :

                      " صباح الخير يا وليد "

                      وليد استدار و نظر إليها و رد التحية...

                      هتفت :

                      " تعال ، فقد أعددنا الفطور "

                      قال :

                      " حسنا ، أمهليني دقيقتين اثنتين "

                      و أتم ما كان يقوم به ...

                      أروى التفت إلي و قالت :

                      " أعددت فطورا مميزا من أجلك ! آمل أن يعجبك طهو يدي ! الجميع يصفني بالطاهية الماهرة ، و وليد يعشق أطباقي ! "

                      وليد ماذا ؟

                      يعشق أطباقها ؟؟ يا للمغرورة !

                      قلت :

                      " وليد يعشق أطباق والدتي فهي لا تقارن بشيء ! "

                      أروى قالت :

                      " رحمها الله "

                      و تذكرت أنه لم يعد لدي والدة ! و لم يعد بإمكان وليد تذوّق تلك الطبخات اللذيذة التي يلتهمها عن آخرها...

                      ضاق صدري لهذه الذكرى.. و أحنيت رأسي إلى الأسفل بحزن..

                      أورى لاحظت ذلك فقالت :

                      " آسفة.. "

                      لم أتجاوب معها... ، قالت :

                      " كم كنت متشوقة للتعرف إليها فقد حدّثني وليد عنها كثيرا.. و كان ينتظر عودتها بفارغ الصبر .. "

                      رفعت نظري الآن إليها، ليس الحزن هو البادي على وجهي بل الغيظ !

                      لماذا تتحدّث عن وليد أمامي ؟؟ و لماذا يتحدّث إليها وليد عن أمي ؟ أو عن أي شيء آخر في الدنيا ؟؟ هذه الدخيلة لا تمت إلينا بصلة و لا أريد لمواضيعنا أن تذكر على مسمع منها ...

                      وليد كان يمشي مقبلا نحونا.. و حين وصل ، شبكت أروى ذراعها اليمنى بذراعه اليسرى و هي تبتسم بسرور ...

                      وقفت أنا أنظر إليهما بغيظ و تحذير ! ما لم تفرقا ذراعيكما عن بعض فسأقطعهما !

                      لم يفهما تحذيري، بل سارا جنبا إلى جنب على هذا الوضع.. سرت أنا إلى الجانب الأيمن من وليد... و سرنا و نحن ندوس على ظلالنا.. و التي يظهر فيها جليا تشابك ذراعيهما ..

                      حسنا ! من تظن هذه نفسها ؟ وليد ابن عمّي أنا و ولي أمري أنا!

                      و بدون تفكير، رفعت أنا ذراعي و أمسكت بذراع وليد اليمني بنفس الطريقة ، و بكل تحدي !

                      وليد نظر إلي بسرعة و بنفس السرعة أضاع أنظاره في الرمال التي نسير فوقها... و بدا وجهه محمرا ! لكنه لم يسحب ذراعه مني ..

                      تابعنا السير و أنا أراقب الظل أمامي... و لم أترك يده حتّى فعلت هي ذلك... !

                      صحيح أن الفطور كان شهيا إلا أنني أصبت بعسر هضم من مشاهدة العلاقة الحميمة بين وليد و أروى.. كانا يجلسان متقابلين، و تجلس أم أروى على رأس المائدة، و أنا إلى جانب وليد، أما العجوز فلم يكن معنا بطبيعة الحال...

                      لا أريد منهما أن يجلسا متقابلين، و لا متجاورين، و لا في نفس المنزل، و لا حتى على نفس الكوكب..

                      فيما بعد، عاد وليد للعمل في المزرعة و أروى تشاركه ، و أنا أتفرّج عليهما بغضب.. و أحاول الإنصات جيدا لكل ما يقولان..

                      أراد وليد بعد ذلك الذهاب إلى مكان ما لإحضار بعض الأشياء، و سألني إن كنت أرغب في مرافقته، أجبت بسرعة :

                      " طبعا سأذهب معك ! هل ستتركني وحدي ؟؟"

                      أتذكرون سيارة الحوض الزرقاء التي ركبتها ذات يوم، للذهاب إلى المستوصف ؟
                      إنها هي.. نفس السيارة التي يحتاجها وليد في مشواره. فيما كنا نقترب منها أقبلت أروى مرتدية عباءتها و وشاحها الملون، قائلة :

                      " أوصلني للسوق سأشتري بعض الحاجيات "

                      و اقتربت من الباب و فتحته، فسار وليد نحو باب المقود.. و قبل أن ترفع أروى رجلها إلى العتبة، أسرعت أنا و ركبت السيارة لأجلس فاصلا بينهما! هذا ابن عمي أنا.. و أنا الأقرب إليه من كل بنات حواء ، و أبناء آدم أيضا ... أليس كذلك ؟؟

                      و من السوق اشتريت أنا أيضا بعض الأشياء، من ضمنها عدّة للرسم ، فالمزرعة و مناظرها البديعة أعجبتني كثيرا .. و لسوف أقضي صباح الغد في رسم مناظر خلابة منها ، عوضا عن مراقبة وليد و هو يعمل...

                      عندما عدنا ، وجدنا ترتيب أثاث الصالة قد تغيّر، لقد قام العجوز و أخته بنقل المقاعد من المجلس إلى الصالة، و نقل سرير وليد من الغرفة الخارجية إلى المجلس !

                      استغرب.. أي قوّة يملك هذا العجوز ليحرك هذه الأثقال !

                      ما شاء الله !

                      قالت أم أروى :

                      " ها قد أصبحت لديك غرفة داخلية يا وليد.. هل تحس بالاطمئنان على ابنة عمّك الآن ؟؟ "

                      وليد ابتسم، و وجهه متورد .. و شكر الاثنين .. ثم التفت إلي و قال :

                      " أيريحك هذا أكثر ؟ "

                      كنت أقف إلى جواره .. رفعت رأسي و همست في أذنه :

                      " لكن ابق الباب مفتوحا "

                      وليد ابتسم، و قال :

                      " حاضر "

                      همست :

                      " و اطلب منهم إعادة أحد المقعدين الكبيرين للداخل، أو قم أنت بذلك "

                      وليد تعجّب و قال :

                      " لم ؟ "

                      قلت :

                      " احتياط ! ربما تظهر الأشباح ثانية "

                      ضحك وليد، و البقية أخذوا ينظرون إليه باستغراب !

                      قال :

                      " حاضر ! "

                      قلت هامسة :

                      " قبل الليل "

                      قال :

                      " حاضر سيدتي ! كما تأمرين .."

                      و حين يقول وليد قلبي ذلك.. فأنا أشعر بدغدغة ناعمة تسري في جسدي ابتداء من باطن قدمي ّ و حتى رموش عيني ّ !

                      و من أطراف تلك الرموش ألقيت بنظرة حادة على أروى و أنا أخاطبها في رأسي :

                      " أرأيت ِ ؟ ستعرفين من تكون رغد بالنسبة لوليد.. و لن أكون رغد ما لم أزيحك عن طريقي ! "




                      ~ ~ ~ ~ ~ ~





                      مضت الأيام هادئة و مستقرة ، و انشغالي بالعمل جعلني أتناسى وفاة والدي ّ و الحزن الذي خلّفه...

                      بصعوبة تمكنت من إقناع رغد بالبقاء في المزرعة أثناء غيابي كل يوم في فترة الدراسة.. و لأنها كانت فترة صباحية، و لخمسة أيام في الأسبوع، فإننا لم نعد نلتقي إلا عند الظهيرة...

                      و أثناء عملي في الحقل، تقوم هي بمراقبتي أو برسم بعض اللوحات.. بينما أروى تساعدني أو تساعد أمها في شؤون المنزل..

                      أنا كنت أقوم بعمل مضاعف و بأقصى ما أمكنني ، و لساعات أطول.. و رسمت بعض الخطط لتطوير المزرعة و الاستعانة ببعض العماّل الثابتين..

                      رغد بدأت تتأقلم مع العائلة و تشعر بالانتماء إليها بعد فترة من الزمن.. و صارت تساهم في بعض أعمال المنزل البسيطة، و التي لم أكن أنا أريد تحميلها عبئها، لولا أن الظروف قضت بذلك..

                      تعذّر علينا زيارة سامر نهاية الأسبوع الأول، إلا أننا زرناه في الأسبوع التالي، و في الواقع.. خرجت من تلك الزيارة متضايقا لما أثارته في قلبي من الذكرى الأليمة .. ذكرى والدي ّ..

                      سامر لم يبد أنه خرج من الأزمة بعد.. بل كان غارقا في الحزن.. و حتى زيارتنا له لم تحرز تقدما معه..

                      أما دانة ، فاتصلت بها مرات ثلاث خلال الأسبوعين، و أعطتني الانطباع بأنها امتصت الصدمة و في طور النقاهة.. عدا عن ذلك ، فهي سعيدة و مرتاحة مع زوجها و عائلته في تلك البلد..

                      أوضاع بلادنا لم تتحسن، بل بقيت بين كر و فر..مد و جزر.. أمدا طويلا..

                      الشيء الذي بدأ يقلقني هو الملاحظة التي أبدتها لي أروى إذ قالت :

                      " يبدو أن رغد تعاني اضطرابا نفسيا يا وليد.. إنها لا تنام بسهولة.. بل تبقى لما لا يقل عن الساعة تتقلب في الفراش، و أحيانا تجلس.. و تنهض.. و تذرع الغرفة جيئة و ذهابا في توتر.. و في أحيان أخرى، أسمعها تتحدّث أثناء النوم.. أو تصحو و تبكي و تنادي أمها ! أعتقد أن وفاة والدتها قد أثرت عليها كثيرا .. "

                      سألتها يومها :

                      " هل يتكرر ذلك كثيرا ؟؟ "

                      " تقريبا كل ليلة ! كما و أنها تصر على إبقاء مصباح النوم مضاء ً بينما أنزعج أنا من النوم مع وجود النور ! "

                      هذه الأمور لاحظتها أروى التي تشارك رغد في الغرفة، و التي يبدو أنها تعاني منها منذ فترة دون أن يلحظها أحد...

                      و هذه الأمور جعلتني أقلق بشأنها.. و أفكر في طريقة تجعلها تنام بطمأنينة و نوما هادئا.. و هداني الله إلى هذه الفكرة...

                      عندما كانت صغيرة ، رغد كانت تعشق سماع القصص.. و تطالبني بها كل ليلة حتى تنام بهدوء و قرّة عين..

                      و لأنها كبرت الآن، فلم يعد هناك مجال لتك القصص! و لكن.. لدينا كتاب هو أجل و أعظم من أي كتاب، و بذكر ما فيه تطمئن القلوب.. إنه القرآن.

                      في كل ليلة، قبيل نومهما أبقى مع رغد و أروى في غرفتهما و أتلو ما تيسر من آيات الذكر الحكيم .. و تظل رغد منصتة إلي، إلى أن يغلبها النعاس فتنام بهدوء و سكينة..

                      في إحدى الليالي، و بعدما نامت رغد، خرجنا أنا و أروى من الغرفة ..

                      لم نكن نشعر بالنعاس وقتها، فطلبت مني أروى القيام بجولة قصيرة معها في المزرعة ..

                      " لكن.. رغد تمانع خروجي و هي بالداخل، أو دخولي و هي بالخارج.. "

                      " لكنها نائمة الآن "

                      " نعم و لكن .. "

                      " هيا يا وليد ! إننا لم نتحدّث مع بعضنا منذ حضورها ! لم تفارقك ساعة واحدة إلا للنوم ! "

                      استأت من كلام أروى و قلت :

                      " أرجو ألا يكون وجودها قد أزعجك بشيء ؟ "

                      " لا لا ، لا تسىء فهمي، أقصد أنني أريد التحدث معك حديثا خاصا بنا أنا و أنت ! كأي خطيبين.. "

                      و أمسكت بيدي و حثّتني على السير معها إلى الخارج...

                      حديثنا كان في بعض شؤوننا الخاصة.. و كانت أروى تتكلم بسرور .. بل كانت في قمّة السعادة.. و أخذنا الحديث لساعة من الزمن..

                      فجأة ، سمعت صوت رغد يناديني ...

                      " وليــــــــــد "

                      سحبت يدي من يد أروى و ركضت مسرعا نحو المنزل ...

                      رغد كانت تقف في الساحة الأمامية تتلفت يمنة و يسرة..

                      " أنا هنا رغد "

                      و لوّحت بيدي، و أنا راكض باتجاهها...

                      لما رأتني رغد... وضعت يدها على صدرها و تنهدّت بقوة...

                      و حين صرت أمامها مباشرة، أمكنني رؤية علامات الفزع على وجهها و الذعر المنطلق من عينيها...

                      " صغيرتي ماذا حصل ؟؟ "

                      " إلى أين ذهبت ؟؟ "

                      " هنا في المزرعة، أتمشى قليلا "

                      و ظهرت الآن أروى فألقت عليها رغد نظرة .. ثم نظرت إلي .. و بدأت تعبيرات وجهها تتغير حتى صارت إلى الحزن و البكاء ..

                      " صغيرتي ما بك ؟ "

                      قالت رغد فجأة :

                      " إذن هذا ما تفعله ؟ تتركني أنام وحدي و تخرج للتنزه مع خطيبتك ؟؟ "

                      فوجئت بقولها ، أردت أن أوضّح لها أنها المرة الأولى التي نخرج فيها .. لم تعطني المجال، بل قال و هي مجهشة بكاء:

                      " إذا لم تكن متفرغا لرعايتي فارسلني إلى خالتي.. إذا كنت ُ عبئا يعوق دون تنزّهك مع خطيبتك فخذني لبيت خالتي و تخلّص منّي "

                      و انفجرت بكاء ً...

                      لم استوعب كلامها أول الأمر..

                      قلت مذهولا :

                      " رغد ! ما الذي تقولينه !؟ "

                      قالت :

                      " كنت أعرف أنها نهايتي.. ضعت ُ بعد والدي ّ .. لماذا ذهبا و تركاني؟ لمن تركتماني يا أمي و يا أبي ؟ يا لهواني على الناس أجمعين .. خذني يا رب إليهما.. خذني يا رب إليهما "

                      لم أتحمّل سماعها تدعو على نفسها هكذا .. صرخت :

                      " كفى يا رغد أرجوك.. ماذا حصل لكل هذا ؟؟ "

                      " و تسأل ؟؟ "

                      " فقط لأنني خرجت من المنزل و أنت بداخله ؟ "

                      قالت أروى :

                      " أنا من طلب منه ذلك، لم أكن أتوقع أن يضايقك الأمر لهذا الحد "

                      رغد نظرت إلى أروى نظرة غضب و صرخت :

                      " اسكتي أنت ِ "

                      قالت أروى :

                      " أنا آسفة "

                      لكن رغد عادت تصرخ :

                      " قلت اسكتي أنت.. ألا تسمعين ؟؟ "

                      أروى شعرت بالحرج، فغادرت الساحة عائدة إلى المنزل...

                      لم يكن تصرفا لائقا.. و أعرف أنه ليس بالوقت المناسب لأعاتب رغد عليه.. لكنني قلت :

                      " إنها قلقة بشأنك "

                      و يبدو أنها لم تكن الجملة المناسبة, لأن وجه رغد ازداد غضبا ، و قالت بحدّة :

                      " هل تخشى على مشاعرها لهذا الحد ؟ إذن هيا اذهب و طيّب خاطرها .. و دعني أنا أناجي الميتين، فلربما سمعاني و أحسا بهواني و ضياعي بعدهما ، و خرجا من قبريهما و أتيا إلي.. و أخذاني معهما .. و أرحتك مني "

                      و مرّة أخرى تدعو على نفسها بالموت أمامي .. قلت بحدّة :

                      " كفى يا رغد كفى.. "

                      رغد صرخت :

                      " لا تصرخ بوجهي "

                      " أنت تثيرين جنوني.. كيف تدعين على نفسك و أمامي ؟؟ "

                      و عوضا عن التراجع ، رفعت بصرها و يديها إلى السماء و راحت تهتف بصوت عال :

                      " يا رب خذني إليهما.. يا رب خذني إليهما .. يا رب خذني إليهما "

                      ثم جثت على الأرض و صارت تبكي بقوة و مرارة... مخفية وجهها خلف يديها

                      لم أعرف لم كل ذلك.. إلا أنني لم أحتمل.. هويت إلى جانبها، و ناديتها بلطف ، و لم تجبني...

                      أبعدت ُ يديها عن وجهها و قلت بعطف :

                      " كفى أرجوك.. "

                      نظرت إلي ّ نظرة لم أفهم طلاسمها... مددت يدي و مسحت على رأسها من فوق الحجاب، و قلت :

                      " أنا آسف يا صغيرتي.. أعدك بألا أخرج من المنزل ما دمت ِ فيه دون علمك و رضاك.. "

                      لم يتوقف سيل الدموع..

                      قلت :

                      " أرجوك رغد.. لا تجعلي المزيد من اللآليء تضيع هباء ً .. آسف و لن أكررها ثانية .. "

                      تحدّثت أخيرا و قالت :

                      " و إن طلبت منك الشقراء ذلك ؟ "

                      قلت :

                      " لا تهتمي.. "

                      قالت :

                      " وليد .. أنا أرى كوابيس مفزعة.. أمي.. أبي.. الحرب.. النار .. الحريق.. الجمر.. عمّار.. كلهم يعبثون بأحلامي.. لا أحد ليشعرني بالأمان.. سأموت من الخوف ذات ليلة.. سيتوقف قلبي و أموت فزعا.. و لا أحد قربي.. "

                      جذبتها إلي بسرعة، و أمسكتها بقوّة.. كحصن منيع يعوق أي نسمة عابرة من أذيتها...

                      " أعوذ بالله.. بعد ألف شر و شر يا عزيزتي.. لا تذكري الموت ثانية أرجوك يا رغد.. رأيت منه ما يكفي.. حاشاك أيتها الغالية "

                      نعم، رأيت من الموت ما يكفي.. ابتداءً بعمّار.. و مرورا بنديم و رفقاء السجن.. و عبورا على المدينة المدمّرة .. و انتهاء ً بوالدي ّ الحبيبين...

                      أبعدتها و قلت :

                      " أنا آسف، سامحيني هذه المرّة .."

                      رغد مسحت بقايا الدموع .. و قالت :

                      " لقد قلت مترا ، ألم تقل ذلك ؟ "

                      نظرت إليها بتعجّب.. و عدم فهم !

                      " أي متر ؟ "

                      قالت :

                      " هذا الذي ستفقأ عينيك إذا ما ازداد طوله فيما بيننا"

                      و تذكّرت حينها الجملة التي قلتها قبل أسابيع ، في آخر يوم لنا في شقة سامر قبل الرحيل !

                      و الآن ماذا ؟؟

                      رغد تمد يدها اليمنى ، و قد أبرزت إصبعيها السبابة و الوسطى ، و ثنت الأصابع الأخرى، و تحرّكها بسرعة نحو وجهي و توقفها أمام عيني مباشرة ، و تقول :

                      " أ أفقأهما لك الآن ؟؟ "


                      قلت لكم.. ستصيبني هذه الفتاة.. بالجنون !




                      ~ ~ ~ ~ ~






                      هذه كانت البداية، أول شحنة متوترة بيني و بين الدخيلة الشقراء...

                      لكن الأمور بدأت تضطرب شيئا فشيئا.. و دائرة المشاحنات فيما بيننا آخذة بالتوسع... حتى استرعت اهتمام الجميع...

                      لم أكن أسمح لهما بالبقاء بمفرديهما إلا نادرا و لأوقات قصيرة.. فأنا جزء تابع من وليد و أذهب معه حيثما يذهب.. و خصوصا إذا كانت الشقراء معه..

                      وليد هو ابن عمي أنا... نعم أنا...

                      في أحد الأيام، و كان يوم أربعاء، و كنا في الحقل، وليد و أروى يعملان، و أنا أراقبهما، و الوقت كان المغرب.. إذا بي أسمع من يناديني من خلفي، و ألتفت فإذا به سامر !

                      كنا نزور سامر مرة كل أسبوع أو أسبوعين، و كان يفترض أن نذهب إليه غدا إلا أنه فاجأني بحضوره !

                      " سامر ! "

                      سامر فتح ذراعيه و هو يبتسم.. فابتسمت أنا و عانقته عناقا خفيفا...قصيرا باردا من ناحيتي..

                      " إنها مفاجأة ! كيف حالك ؟ "

                      " بخير.. هكذا أكون عندما أراك "

                      تجاهلت عبارته هذه ، و قلت :

                      " لم تعلمنا بقدومك ! كنا سنوافيك غدا "

                      " أحببت أن أزور المكان الذي فيه تعيشين و أرى أحوالك هنا "

                      ابتسمت و قلت :

                      " الحمد لله بخير "

                      قال و قد علاه الجد و القلق :

                      " هل أنت مرتاحة هنا ؟ "

                      قلت :

                      " نعم .. طبعا "

                      و لا أدري إن كان ردي هذا أراحه أم أزعجه ، لأن التعبيرات التي كست وجهه كانت غريبة و غامضة ...

                      سمعنا الآن صوت ضحكات قادمة من ناحية وليد و أروى، و اللذين كانا وسط الحقل، فالتفتنا إليهما..

                      شعرت أنا بالغيظ، و لا شعوريا قلت :

                      " تبا "

                      ثم انتبهت إلى أن سامر يقف قربي...

                      خجلت من نفسي، و لأبدد الخجل رحت أنادي :

                      " وليـــــــد، تعال... حضر سامر "

                      التفت وليد إلينا، و لما رأى سامر تهلل وجهه و ترك المعول من يده و جاء مسرعا ، و صافحه و عانقه ...

                      أروى أيضا جاءت ، و هي تضبط وشاحها الملوّن حول رأسها ... لم تكن أروى تخرج من المنزل إلا محجبة.. حتى أثناء العمل الشاق في المزرعة ! لكنها في الداخل، تتصرف بحرية و ترتدي ما تشاء و تتزين كيفما تشاء.. و يزداد حنقي كلما رأيتها تفعل ذلك، فيما أنا ملفوفة بالسواد من رأسي إلى قدمي كإصبع بسكويت مغطى بالشيكولا !

                      حالما صارت قربنا ألقت التحية على سامر، ثم ذهبنا نحن الأربعة إلى المقاعد الموجودة حول طاولة على مقربة ، و جلسنا سوية نتبادل الأحاديث...

                      أنا عملت هذه الساعة كبرج مراقبة ، أراقب الجميع ابتداء من أروى الحسناء، و انتهاء بسامر المشوّه ! كل حركة، كل كلمة ، أو حتى كحة تصدر من أي من الثلاثة ألتقطها بعيني و أذني و قلبي أيضا... و أستطيع أن أخبركم، بأن أروى كانت مسرورة، و وليد فرح جدا، و سامر.. حزين و مكتئب ، رغم كل الضحكات و الابتسامات التي يتبادلونها...

                      أروى، حسابي معها سأصفيه لاحقا، الآن .. سأصب جل اهتمامي على سامر إذ أن حدسي ينبئني بأنه يخفي شيئا.. شيئا يجعل صدره متكدرا كما هو واضح أمام عيني ...

                      وجود سامر اعتبر مناسبة تستحق الاحتفال ! و لذا ، صنعت أروى و أمها أطعمة خاصة من أجله على العشاء، و لأنني لا أجيد الطهو، و لا أجيد أعمال المزرعة، كما لا أجيد أعمال المنزل، و واقعا لا أجيد شيئا غير الرسم، فقد ساعدت فقط في الأكل، و تنظيف بعض الصحون !

                      ألحت العائلة على سامر لقضاء الليلة معنا، رغم اعتراضه إلا أن إصرارنا أحرجه فقبل أخيرا...

                      و تعرفون أين سينام !

                      طبعا في الغرفة الخارجية تلك !

                      بعد العشاء، اقترحت أروى أن نذهب جميعا للتنزه عند الكورنيش ... بالنسبة لي كانت فكرة جميلة، فأيدتها، إلا أنني ندمت على ذلك حينما وجدتها أروى فرصة ذهبية للاختلاء بوليد بعيدا عني، ذهبا يسيران معا، و تركاني و سامر وحدنا...

                      الأمر في أعين الجميع يبدو طبيعيا.. إذ أنهما خطيبان، و نحن خطيبان، إلا أنني اشتططت غضبا و صرت أراقبهما بعين ملؤها الشرر ...

                      سامر كان يتحدّث معي، لكنني لم أكن مركّزة معه، بل على ذينك اللئيمين..
                      و سوف ترى أروى ما سأفعل انتقاما لهذه اللحظات...

                      " هل تسمعينني ؟؟ "

                      التفت إلى سامر.. فوجدته يحدّق بي بحزن .. لم أكن قد انتبهت لآخر جملة قالها قلت :

                      " عفوا.. ماذا قلت سامر ؟ "

                      سامر رمقني بنظرة ذات معنى ، شديدة الكآبة ثم قال :

                      " لا، لا شيء"

                      " أرجوك سامر..أعد ما قلت فقد كنت..."

                      أتم هو الجملة :

                      " كنت ِ تراقبينهما بشغف "

                      خجلت من نفسي، و نظرت إلى البساط الذي كنا نجلس فوقه..

                      سامر قال :

                      " ألا زلت ِ تفكرين به ؟ "

                      تسارعت ضربات قلبي و توترت، و لم أجرؤ على رفع بصري إليه كما لم أقدر على التفوه بأي كلمة...

                      قال سامر :

                      " تؤذين نفسك يا رغد، و تهذرين مشاعرك... ألا ترين أنه رجل مرتبط و لديه زوجة.. و زوجة حسناء تغنيه عن التفكير بأي امرأة أخرى "

                      بانفعال و بدون تفكير قلت بسرعة :

                      " و هل يجب أن تكون المرأة بكل هذا القدر من الجمال حتى يلتفت إليها ؟ أنا لست أقل منها جمالا لهذا الحد.. فهل يجب أن أصبغ شعري و أضع عدسات زرقاء، و ألوّن وجهي حتى أنال إعجابه ؟؟ "

                      و انتبهت لخطورة ما قلت ، بعد فوات الأوان ...

                      سامر أخذ ينظر إلي بألم.. نعم بألم.. إن بسبب تجاهلي له و اهتمامي بوليد ، أو بسبب المرارة التي يراها منبعثة من صدري و أنا أراقبهما في حسرة...

                      لكن عطفه علي غلب عطفه على نفسه، فقال مواسيا :

                      " ليس الأمر كذلك، لا أظن وليد خطبها من أجل جمالها.. بل ربما لأنه يعمل هنا و أراد توثيق علاقته بأصحاب المزرعة... "

                      التفت إليهما، و نظرت و أنا أضيق فتحة عيني و أعض على أسناني :

                      " أو ربما... "

                      و تابعت :

                      " لأنه يحبها "

                      و هذه الفكرة تجعلني أصاب بالجنون، و أتحوّل إلى لبؤة تريد الانقضاض على القطط الجميلة الملونة.. الناعمة الشقراء.. و نتف وبرها شعرة شعرة، و تمزيق أعضائها بمخالبها و أسنانها الحادة، قطعة قطعة...

                      سامر قال :

                      " أ تريدين أن أتحدث معه ؟ "

                      التفت إليه بسرعة و أنا مندهشة ، و قلت :

                      " ماذا ؟؟ "

                      نظر إلي نظرة تأكيد... فقلت مسرعة :

                      " لا ! كلا ، كلا "

                      فلم يكن ينقصني إلا أن يتدخل سامر ليلفت انتباه وليد إلي !

                      قال :

                      " ما الجدوى إذن.. في صرف مشاعرك عليه.. إن كان سيتزوّج من أخرى ؟ "

                      قلت بحدة :

                      " لن يتزوّج منها "

                      سامر شعر بالقلق ، و نظر إلي بحيرة و خوف ، و قال :

                      " كيف ؟ "

                      قلت بتحد ٍ:

                      " لن أسمح لأي امرأة بالزواج من وليد.. أبدا "

                      سامر قال :

                      " رغد ! "

                      " مهما كانت "

                      " الأمر ليس متروكا لسماحك من عدمه ! ليس حسبما ترغبين أنت ! "

                      وقفت بعصبية ، و قلت بحدة و انفعال :

                      " بل حسبما أريد أنا.. فوليد ابن عمّي أنا.. و هو لي أنا.. و سوف لن يتخلّى عنّي.. و إن حاولت أي امرأة سرقته مني فسوف أشوه وجهها.. و إن حاول هو التخلّص منّي فسوف أفقأ عينيه ! "

                      اعتقد أنني بالغت في التعبير عن مشاعري المكبوتة، خصوصا أمام سامر الذي أدرك تماما أنه يعشقني بهوس...

                      التفت إليه شاعرة بالندم على تهوّري ، فرأيت آثار الصدمة المؤلمة مرسومة على وجهه.. تزيده كآبة فوق كآبة..

                      ما كان علي التفوّه بما تفوّهت به على مسمع منه... لكن.. لمن أعبّر عن مشاعري؟؟

                      لم يعد لدي شخص مقرب صديق أتحدّث معه... فدانة رحلت، و نهلة بعيدة ، و أمي... في عالم الأموات...

                      لمن أبث همومي و أعبر عما يختلج صدري من مشاعر ثائرة ، و أنا أرى وليد قلبي يلهو مع تلك الحسناء الدخيلة.. و أعيش علاقتهما لحظة بعد أخرى ..؟؟

                      قلت ، محاولة تبديد أثر تهديدي الجنوني ذاك :

                      " دعنا نمشي بمحاذاة البحر نحن أيضا "

                      و مشينا سوية، في الاتجاه الآخر مبتعدين عن الثنائي المزعج !

                      سمحت لنفسي بالهدوء، و أجّلت انفعالي لما بعد، فهي لحظات جميلة لا تستحق الإهمال.. الجو لطيف، يداعب الوجوه ، و أمواج البحر رائعة .. تدغدغ الأقدام.. و صوت البحر عذب، يطرب الآذان.. فترقص القلوب مبتهجة و فرحة ..
                      وقفت أتأمل جمال الكون.. و طبيعته الخلابة، و بديع صنع الله ، متحاشية قدر الإمكان النظر في أي شيء يعكر صفو هذه اللحظة، خصوصا وجوه البشر، و بالأخص من النوع ذوي الأنوف المعقوفة، أو العيون الزرقاء !


                      أمضينا وقتا، سأعترف بأنه كان ممتعا ، مع الكثير من الشوائب ! و كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة و النصف ليلا حين قررنا العودة إلى المزرعة.. وليد يقود سيارته و سامر إلى جانبه، و أنا خلفه ، و الحسناء إلى جانبي.. أكاد أعصب عينيها بعصابة سوداء داكنة سميكة جدا، لأمنعها من النظر إلى وليد عبر المرآة !


                      في اليوم التالي، لم يعمل وليد في المزرعة إلا لوقت قصير، و قضى بقية النهار معنا ..

                      و في العصر، قبيل مغادرة سامر، خرجنا جميعا إلى المزرعة نتجول مثنى مثنى !

                      و ليد و الحسناء في المقدمة، نتبعهما أنا و سامر على بعد عدة أمتار، يتبعنا العجوز و أم أروى على مبعدة... و سيري خلفهما جعلني أعود لممارسة جولات عيني الاستطلاعية بل التدقيقية التفتيشية على أقل حركة تصدر من أي منهما...

                      عادت البغيضة لتشبيك ذراعيهما ببعضهما البعض !

                      يا إلهي ! هل أركض نحوهما و أقف جدارا بينهما؟

                      قلت مخاطبة سامر :

                      " دعنا نسرع "

                      قال متعجبا :

                      " لم ؟ "

                      اخترعت أي سبب ، و لا سبب !

                      " أريد أن أعطي شيئا لأروى "

                      " أي شيء ؟؟ "

                      نظرت من حولي، فوجدت مجموعة من الزهور الجميلة الملونة، أسرعت باقتطاف بعضها و قلت :

                      " هذه ، فهي ملونة مثلها و تصلح طوقا على شعرها الذهبي ! "

                      و ناديتها مباشرة !

                      التفت كل من وليد و أروى استجابة لندائي، فحثثت السير إليهما حتى إذا ما بلغتهما قلت و أنا أرسم ابتسامة مفتعلة على شفتي :

                      " انظري يا أروى ! هذه الورود تشبهك ! "

                      أروى بدت مستغربة من مقولتي، ثم ابتسمت و شكرتني بعفوية !

                      قلت :

                      " اصنعي منها تاجا لشعرك ! ستبدين لوحة مذهلة ! "

                      أورى ابتسمت ثانية، و كررت شكرها و إن علاها بعض الشك !

                      التفت إلى وليد و قلت :

                      " أليس كذلك يا وليد ؟؟ "

                      وليد قال :

                      " بلى ، بالتأكيد "

                      بالتأكيد ؟؟ بالتأكيد يا وليد ؟؟

                      أنا بالتأكيد سأفقأ عينيك !

                      أخذت أورى بعض الورود، و تركت في يدي البعض الآخر...ثم استدارا ليتابعا طريقهما...

                      وقفت أنا على الجمر المتقد.. ازداد اشتعالا و احتراقا.. و أرمقهما بنظرات حادة خطره و هما يبتعدان... و ربما ذبلت الورود التي في يدي من شدة حرارتي !

                      شعرت بشيء يلمس كتفي فاستدرت بسرعة ، كان سامر...

                      سامر أوقف يده معلقة في الهواء.. لا أعرف لماذا ؟ ربما لأنها احترقت من ملامستي ؟؟

                      لكني لمحت عينيه تركزان في الساعة...

                      قال :

                      " يجب أن أذهب الآن.."

                      أعدت النظر إليهما ، ثم إليه.. ثم إلى الثنائي الأخير الذي يقترب منا، العجوز و أخته...ثم عدت أنظر إلى سامر :

                      " الآن ؟ "

                      " نعم ، قبل حلول الظلام "

                      نظرت بيأس نحو الورود التي بين يدي.. و لأنها أصبحت تمثّل أروى في نظري، كدت أرميها و أدوسها من الغيظ.. إلا أن سامر أخذها من بين أصابعي و قال :

                      " هذه تصلح لك أنت ِ .. أنت فقط "

                      رفعت بصري إليه و أبديت استيائي من جملته، و لما رأى هو ذلك قال :

                      " أو ربما لي أنا ! لمعادلة قبح وجهي ! سأحتفظ بها ذكرى "

                      ابتسمت.. لطالما كان سامر خفيف الظل ، لكنه في الفترة الأخيرة، بعد كل الذي حصل معنا، تغير كثيرا !

                      قلت :

                      " أنت لست قبيحا يا سامر! هذه الندبة لا تؤثر عليك مطلقا! إنها أجمل من هذه الورود "

                      ابتسم سامر بامتنان:

                      " شكرا ! "

                      عدت أنا فألقيت نظرة على الثنائي المزعج اللئيم، ثم نظرت إلى سامر...

                      سامر كان يشعر بتوتري، و يلحظ انجراف أنظاري نحو وليد و أروى.. و هو شيء لا أملك منع نفسي من الانقياد له !

                      سامر الآن نظر إلي نظرة جدية كئيبة، أخفت أي أثر وهمي للابتسامة التي كانت على وجهه قبل برهة، و قال :

                      " رغد .. "

                      من نبرته، شعرت بأنه سيقول شيئا مهما.. أصغيت أذني.. و ركزت معه..

                      قال :

                      " ابتداء ً من اليوم.. اعتبري نفسك حرة طليقة.."

                      دهشت.. أوقفت أنفاسي.. و حملقت به بعيني المفتوحتين لحد الحاجبين !

                      قال :

                      " بدأت ُ إجراءات انفصالنا.. و تستطيعين الارتباط بمن تريدين متى شئت ِ "

                      مأخوذة بهول المفاجأة و غير مصدقة لما تسمع أذناي.. سامر حررني من رباطنا؟؟

                      أحقا فعل ذلك؟؟

                      قلت لا شعوريا :

                      " طلّقتني ؟ "

                      سامر ابتسم بسخرية و قال :

                      " و هل تزوّجتك حتى أطلّقك ؟؟ "

                      و نظر إلى الزهور التي في يده ، ثم قال :

                      " سيتعين على وليد مراجعة الشؤون المدنية لنقل اسمك إلى بطاقته ، باعتباره ولي أمرك الجديد "

                      و سكت برهة ، ثم قرّب الزهور من أنفه و شمها، و تنهّد ، ثم نظر إلي و قال :

                      " أتمنى لك حياة سعيدة ، مليئة بالزهور الجميلة .. الرائعة مثلك "

                      لم أتمالك نفسي، و كادت الدمعة تقفز من عيني لكنني كبتها بصعوبة..

                      امتدت يده الآن إلى يدي ، فأمسك بي بلطف .. و قال بصوت أجش :

                      " حبيبتي... "

                      و سكت، ثم تابع :

                      " أتسمحين بأن .. أعانقك للمرة الأخيرة ؟؟ "

                      حملقت بعينيه، فرأيت الرجاء الشديد ينبع من بؤبؤيهما... لم أحتمل، انطلقت العبرة المكبوتة من عيني فجأة و هتفت :

                      " سامر ! "

                      و ارتميت في حضنه و أحطته بذراعي .. في عناق حميم.. حقيقي.. طويل.. مليء بالمشاعر و الدموع... و متوّج .. بالورود التي امتزج عبيرها الأخاذ بأنفاس صدرينا الملتهبة.. و محفوف بأنسام الهواء العليلة و أوراق الشجر المتطايرة من حولنا.. و التي حضرت لتشهد آخر لحظات وجودي في قفص سامر.. قبل أن أنطلق في الهواء حرة .. و أحلق في السماء مرفرفة بجناحي .. ميممة وجهي شطر الشجرة الضخمة الطويلة.. التي امتدت جذورها في قلبي منذ الطفولة.. و التي عليها سأعشش و أقيم لآخر العمر، طاردة بعيدا أي فراشة ملوّنة دخيلة تحاول الاقتراب من بيتي، ليبقى وليد.. وليد قلبي.. لي وحدي أنا.. و أنا فقط..






                      ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~








                      ]]]يتبع]]]

                      تعليق


                      • #86
                        رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                        يسلمو اختى

                        منتظرين البقيه


                        احترامي
                        لا حُزن سَيتملكني بعدكَ وَ لا خواء
                        سيستوطنني بِ فراقكَ !
                        كبرتّ كثبراً على حزنكَ ورثائكَ ،
                        كبرت أكثر مماتتصور =) !

                        تعليق


                        • #87
                          رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                          شكرا.قصة.روعة.بس.ياترى.من.وين.جيبتيها.
                          بتشبه.سلسة.قصص.ؤجل.المستحيل....والزهور.عرفاهم.هول.القصص

                          تعليق


                          • #88
                            رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                            يعطيك العافية

                            قصة رائعة جدا

                            بانتظار الباقي

                            سعادة العالم لا تكون ولن تكون بدونك .. انت تسري بعروقك

                            تعليق


                            • #89
                              رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                              قصة جميلة جدا

                              وننتظر البقيه


                              شكر الك




                              لا اله الا الله محمد رسول الله

                              ..)( حاصله علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

                              تعليق


                              • #90
                                رد: أنت لي!!" قصة رومنسية رووعة

                                ياريت ما تتاخري علينا بالبقية

                                مشكورة كتير للمتابعة
                                والنقل الرائع
                                *" أرسمـ من أحرفي المتعثرة..صورة تحاكي وفاءكمـ..
                                أعتذر عن تقصيري لكمـ"*

                                ..)( حاصلة علي شهادة شكر وعرفان من منتديات قلب غزه )(..

                                تعليق

                                يعمل...
                                X