الشهيد الاسطورة
كنت أتصور بأن كتّابنا في هذا الوطن الكبير سوف يعتبرون استشهاد عماد عقل قائد كتائب عز الدين القسام فرصة ثمينة لتقديمه كأحد أساطير النضال لا على المستوى الإسلامي والعربي وإنما على المستوى الإنساني. إلا أن تصوري لم يكن كما هو واضح، في محله. ففي عصر الردة، يصبح الاستشهاد من أجل القضية مهما كانت مقدسة نوعاً من الجنون والهبل، ويصبح الاستمرار في النضال والتضحية من أجل الوطن نوعاً من الخيانة لمسيرة السلام التي لا يجوز لأحد أن يعمل على تخريبها، وأن يستشهد من أجلها. ولأن عماد عقل قصة تروى ويجب أن نعمل على تسجيلها، لأن القارئ لمسيرته يدرك أنه ومن خلال سنوات حياته التي لم تتجاوز الربع قرن، تجاوز نضالات تشي جيفارا التي خلدت الإنسانية والنضال العالمي اسمه وحفرته في ضمير التاريخ. ولعلني لا أبالغ في هذا الوصف ولا أتجاوزه عندما نضع بطلنا في مكانه الذي يستحقه، وعندما نطالب بأن يكون سيد الشهداء المظفر، كما وصفه بيان حماس هو الأسطورة والقصة الأكثر إبداعاً ونقاءً في تاريخنا الإسلامي والعربي والإنساني في العصر الحالي، ولعلنا ندرك عظمة شهيدنا والذي لم يتوقف عنده كتابنا أو إعلامنا ونحن نستمع إلى ترحيب إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي باستثناء عقل (فهو المدرج على قائمة المطلوب القبض عليهم لتورطه –حسب رأيه- في مقتل أحد عشر جندياً إسرائيلياً وأحد المواطنين الإسرائيليين المدنيين وأربعة فلسطينيين متعاونين مع القوات الإسرائيلية) وتذهب مصادر القوات الإسرائيلية إلى تأكيدها أنه كان يعد من أول المطلوبين في قطاع غزة.
ــــــــــــــ
نشرت في صحيفة الدسْتور الأردنية، العدد 9442، 4/12/1993، ص 32.
وعندما نعرف أن ما تم دفنه من الشهيد لم يكن إلا أجزاء من أشلائه بعد أن مزق العدو جسده، ندرك نوعية شهيدنا، ومدى الحقد الذي كان الجيش الإسرائيلي يكنه له. فالوحدة الخاصة الإسرائيلية التي قصفت المنزل الذي يتواجد فيه عماد استخدمت الصواريخ المضادة للدروع لمهاجمته وأن إحدى القذائف التي أصابته مزقت جثته، كما أن الوحدة ذاتها قد أطلقت نيران أسلحتها عليها بعد وفاته. والوحدة ذاتها أكدت بأنه قد فتح النار على جنود أمروه بالتوقف ورفض الانصياع لأوامرهم، لأنه كان يرفض أن يستسلم لقوات الاحتلال، وهو ما زال حياً.
لقد قام رفاقه بجمع قطع من رأس ورفات الشهيد التي تناثرت في أرجاء البيت ووضعوها في علم فلسطين ثم واروه التراب الذي ناضل من أجله والذي رفع شعاراً ما زالت مجموعة القسام تردده وهي (أن قتل الجنود الإسرائيليين عبادة نتقرب بها من الله).
لا نريد أن نتوقف عند ما ذهب إليه الناطق العسكري الإسرائيلي من تأكيد أن مقتل عماد عقل هو ضربة قوية للانتفاضة الفلسطينية، ونحن إذ ندرك أن كل شهيد فلسطيني هو ضربة قوية لنا، إلا أننا ندرك أنه كغيره كان من الذين لا يهابون الموت بالرغم من أنه كان يعرف بأن مصيره محتوم، وأن سنواته الأربع والعشرين التي قضاها في غزة هي الهدية الثمينة التي لم يزعجه أن يقدمها لهذا الوطن المقدس، وبالتالي فهو الذي رفض عرض رابين بأن يسلم نفسه ومن ثم يتم نفيه لمدة ثلاث سنوات يعود بعدها إلى الأرض المحتلة، فهذا هو شهيدنا الأسطورة.
إن عماد عقل هو ملحمة الشجاعة وسفر الرجولة والبسالة، وإذا لم تكن لدينا القدرة في هذه الأيام حتى أن نتحدث عن البطولة والشهادة، فإن ما قدمه عماد يستحق منا جميعاً أن نعترف له بأنه القصة الأكثر شموخاً وعزة في تاريخنا المعاصر وأعتقد أن من الواجب أن نعطيه حقه في مماته وأن ننصبه أسطورة في تاريخ نضالنا وأن نقدمه لجيلنا وأبنائنا والإنسانية جمعاء، كما قدمت الإنسانية تشي جيفارا، ولعل بطلنا في سويته إذا لم يكن متقدماً عليه، والاختلاف أن الأخير جاء في فترة النضال الإنساني والذي كان الجميع يصفق للبطولة الإنسانية أينما كانت على ساحة النضال، بينما جاء شهيدنا في عصر الردة حيث التصفيق للمهرجين والدجالين والمفرطين بحقوق شعوبهم.
ما زلت أشعر بالحزن والألم وأنا أرى أن استشهاد هذه الأسطورة قد مرت مروراً عابراً ولم يتوقف أحد منا عندها.
كنت أتصور بأن كتّابنا في هذا الوطن الكبير سوف يعتبرون استشهاد عماد عقل قائد كتائب عز الدين القسام فرصة ثمينة لتقديمه كأحد أساطير النضال لا على المستوى الإسلامي والعربي وإنما على المستوى الإنساني. إلا أن تصوري لم يكن كما هو واضح، في محله. ففي عصر الردة، يصبح الاستشهاد من أجل القضية مهما كانت مقدسة نوعاً من الجنون والهبل، ويصبح الاستمرار في النضال والتضحية من أجل الوطن نوعاً من الخيانة لمسيرة السلام التي لا يجوز لأحد أن يعمل على تخريبها، وأن يستشهد من أجلها. ولأن عماد عقل قصة تروى ويجب أن نعمل على تسجيلها، لأن القارئ لمسيرته يدرك أنه ومن خلال سنوات حياته التي لم تتجاوز الربع قرن، تجاوز نضالات تشي جيفارا التي خلدت الإنسانية والنضال العالمي اسمه وحفرته في ضمير التاريخ. ولعلني لا أبالغ في هذا الوصف ولا أتجاوزه عندما نضع بطلنا في مكانه الذي يستحقه، وعندما نطالب بأن يكون سيد الشهداء المظفر، كما وصفه بيان حماس هو الأسطورة والقصة الأكثر إبداعاً ونقاءً في تاريخنا الإسلامي والعربي والإنساني في العصر الحالي، ولعلنا ندرك عظمة شهيدنا والذي لم يتوقف عنده كتابنا أو إعلامنا ونحن نستمع إلى ترحيب إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي باستثناء عقل (فهو المدرج على قائمة المطلوب القبض عليهم لتورطه –حسب رأيه- في مقتل أحد عشر جندياً إسرائيلياً وأحد المواطنين الإسرائيليين المدنيين وأربعة فلسطينيين متعاونين مع القوات الإسرائيلية) وتذهب مصادر القوات الإسرائيلية إلى تأكيدها أنه كان يعد من أول المطلوبين في قطاع غزة.
ــــــــــــــ
نشرت في صحيفة الدسْتور الأردنية، العدد 9442، 4/12/1993، ص 32.
وعندما نعرف أن ما تم دفنه من الشهيد لم يكن إلا أجزاء من أشلائه بعد أن مزق العدو جسده، ندرك نوعية شهيدنا، ومدى الحقد الذي كان الجيش الإسرائيلي يكنه له. فالوحدة الخاصة الإسرائيلية التي قصفت المنزل الذي يتواجد فيه عماد استخدمت الصواريخ المضادة للدروع لمهاجمته وأن إحدى القذائف التي أصابته مزقت جثته، كما أن الوحدة ذاتها قد أطلقت نيران أسلحتها عليها بعد وفاته. والوحدة ذاتها أكدت بأنه قد فتح النار على جنود أمروه بالتوقف ورفض الانصياع لأوامرهم، لأنه كان يرفض أن يستسلم لقوات الاحتلال، وهو ما زال حياً.
لقد قام رفاقه بجمع قطع من رأس ورفات الشهيد التي تناثرت في أرجاء البيت ووضعوها في علم فلسطين ثم واروه التراب الذي ناضل من أجله والذي رفع شعاراً ما زالت مجموعة القسام تردده وهي (أن قتل الجنود الإسرائيليين عبادة نتقرب بها من الله).
لا نريد أن نتوقف عند ما ذهب إليه الناطق العسكري الإسرائيلي من تأكيد أن مقتل عماد عقل هو ضربة قوية للانتفاضة الفلسطينية، ونحن إذ ندرك أن كل شهيد فلسطيني هو ضربة قوية لنا، إلا أننا ندرك أنه كغيره كان من الذين لا يهابون الموت بالرغم من أنه كان يعرف بأن مصيره محتوم، وأن سنواته الأربع والعشرين التي قضاها في غزة هي الهدية الثمينة التي لم يزعجه أن يقدمها لهذا الوطن المقدس، وبالتالي فهو الذي رفض عرض رابين بأن يسلم نفسه ومن ثم يتم نفيه لمدة ثلاث سنوات يعود بعدها إلى الأرض المحتلة، فهذا هو شهيدنا الأسطورة.
إن عماد عقل هو ملحمة الشجاعة وسفر الرجولة والبسالة، وإذا لم تكن لدينا القدرة في هذه الأيام حتى أن نتحدث عن البطولة والشهادة، فإن ما قدمه عماد يستحق منا جميعاً أن نعترف له بأنه القصة الأكثر شموخاً وعزة في تاريخنا المعاصر وأعتقد أن من الواجب أن نعطيه حقه في مماته وأن ننصبه أسطورة في تاريخ نضالنا وأن نقدمه لجيلنا وأبنائنا والإنسانية جمعاء، كما قدمت الإنسانية تشي جيفارا، ولعل بطلنا في سويته إذا لم يكن متقدماً عليه، والاختلاف أن الأخير جاء في فترة النضال الإنساني والذي كان الجميع يصفق للبطولة الإنسانية أينما كانت على ساحة النضال، بينما جاء شهيدنا في عصر الردة حيث التصفيق للمهرجين والدجالين والمفرطين بحقوق شعوبهم.
ما زلت أشعر بالحزن والألم وأنا أرى أن استشهاد هذه الأسطورة قد مرت مروراً عابراً ولم يتوقف أحد منا عندها.
تعليق