بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تشي جيفارا كثير منا قد مر عليه هذا الإسم من قبل وبعضنا يتخذ صاحب هذا الإسم قدوة له ويتمنى أن يكون مثله وحتى نبين حقيقة الأمر فتحنا هذا الموضوع والذي -ان شاء الله-:سأقسمه الى ثلاثة مواضيع الأولى : نبذة مختصرة عن تشي جيفارا . الثانية : تشي جيفارا من منظور اسلامي . الثالثة : بطل اسلامي حقيقي وهو يوسف بن تاشفين . والفائدة من ذكر نبذة مختصرة عن البطل يوسف بن تاشفين هو أن نعطي الناس بديلاً اسلاميًا عن هذا الرجل الملحد الذي يعتبره الكثير قدوته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
من هو أرنستو تشي جيفارا
ولد أرنستو تشي جيفارا عام 1928 من عائلة برجوازية أرجنتينية , ودرس الطب في جامعة بلاده الأرجنتين وتخرج عام 1952 , ومارس مهنته بين فقراء المدن والفلاحين ووهب نفسه لهم وكان صديقهم التاريخي , وطاف قبيل تخرجه من كلية الطب مع صديقه ألبرتو غراندو معظم دول أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية , فزار إضافة لبلده الأرجنتين , التشيلي وبوليفيا وبيرو وكولومبيا والإكوادور وبنما , وذلك بهدف التعرف على ظروف الناس وأحوالهم وأحوال أمريكا الجنوبية بشكل عام مستجيبا لرغبته بملاقاة الشعب والإختلاط به ومساعدة الفقراء والمرضى وكان يدعو خلال جولته للإنتفاضة ضد اللاعدالة الإجتماعية والقهر السياسي , وكرس نفسه منذ ذلك الحين ثائرا أو محرضا على الثورة أو شريكا فيها حيثما أمكن ذلك , فسافر عام 1953 الى كولومبيا ليتعرف على الثورة التي كانت مشتعلة فيها وعلى أهداف هذه الثورة وأساليبها , ثم هاجر الى المكسيك وهي البلد الأمريكي اللاتيني الأكثر ديموقراطية والتي كانت ملجأ للثوار الأمريكان اللاتين من كل مكان , وصادف ان قام فيدل كاسترو في نفس الفترة من عام 1953 بالهجوم على قلعة موناكو , وفشل هجومه وسجن وحوكم وألقى دفاعا في المحكمة هو بمثابة بيان سياسي أو حتى برنامج سياسي , مما أدى بأرنستو جيفارا لأن يعجب بكاسترو ومحاولاته الثورية , ويتشوق للتعرف اليه واللقاء به , وهذا ما تحقق عام 1955 بعد ان خرج كاسترو من السجن وهاجر الى المكسيك , وقويت العلاقة بين الرجلين وخططا معا لغزو كوبا وتحريرها من الدكتاتور باتيستا جهز الرجلان حملة من 82 ثائر أقلعوا الى كوبا على سفينة غرانما " ومن يومها سميّ ارنستو جيفارا بـ تشي - رفيق " , وما ان وصلوا شواطئها حتى كشف امرهم فاشتعلت معركة بينهم وبين جيش باتيستا , ولم يسلم منهم سوى عشرين ثائرا إستطاعوا الوصول الى جبال سيرامايسترا التي تضم أفقر فلاحي كوبا , وانطلقت ثورتهم من هناك , وأخذت تحقق النصر تلو الآخر , الى ان دخل جيفارا العاصمة هافانا في اليوم الأول من عام 1959 قبل ان يدخلها كاسترو , وهرب باتيستا ونجحت الثورة الكوبية وبعد نجاح الثورة عين جيفارا سفيرا متجولا للثورة الكوبية , وزار العديد من البلدان الغير منحازة والتقى بقيادتها مثل عبد الناصر في مصر ونهرو في الهند وتيتو في يوغوسلافيا وسوكارنو في اندونيسيا , كما وزار ايطاليا واليابان وباكستان وغيرها عين جيفارا رئيسا للمعهد الوطني للأبحاث الزراعية ثم عين وزيرا ورئيسا للمصرف المركزي عام 1961 وصار الرجل الثاني بعد كاسترو , وحاول خلال السنوات الأولى لنجاح الثورة تصنيع كوبا إقتنع هو وكاسترو بضرورة انحياز الثورة الكوبية الى اليسار العالمي وعقدا تحالفا مع الإتحاد السوفياتي ثم تمتن هذا التحالف أثر أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا , وبعدها رأى جيفارا امكانية نجاح الثورة في بلدان العالم الثالث والبلدان المستعمرة وشارك في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في الجزائر عام 1965 , والتقى قادة الثورة الجزائرية وحرض البلدان الآسيوية والأفريقية على الثورة , ومنذ ذلك الحين تعمق خلافه مع السياسة السوفييتية التي كان يراها سياسة تسوية ومساومة مع الإمبريالية , وطرح شعاره الشهير " لا حياة خارج الثورة - ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر " وكان يكرر هذا في كل مكان وأراد إنجاح الثورة في الكونغو ففشل , ثم ترك كل مناصبه الرسمية والحزبية في كوبا واتجه الى بوليفيا ليقود حربا شعبية فيها , آملا ان يحقق في بوليفيا ما حققه في كوبا , وفعلا أشعل الثورة في جبال بوليفيا والتف حوله بعض الفلاحين , لكن الحكومة العسكرية والجيش البوليفي كان أشد تسلحا وعنفا من باتيستا في كوبا , فحاصرته القوات الحكومية في احدى المناطق الجبلية وقبضت عليه حيا ثم قتلته وهو أسيرها يوم الثامن من أكتوبر عام 1967 ودفنته في مكان سرّي , وبعد ثلاثين عام نقل جثمانه الى كوبا ودفن فيها من جديد تميّّز أرنستو تشي جيفارا بأسلوب نضاله الفريد ومثاليته وسحره وأصالة أفكاره وتعاظم تضحياته فصار مثالا للقائد الثوري ليس في بلدان أمريكا اللاتينية وحدها , بل في العالم كله , وقد ألّف عدة كتب منها " حرب الغوار , الإشتراكية والإنسان وغيرها " ضمنها أفكاره في ضرورة الإنتفاضة من أجل الحرية والأخوة والصداقة والخروج من القيود الإستعمارية والإستبدادية ومناهضة الإستغلال ومحاربة الفقر والمرض , وتميز جيفارا باستقلالية الرأي , وهذا ما أدى الى خلافات بينه وبين السياسة السوفييتية ويقال انه كان على خلاف مع كاسترو في آخر أيامه كان جيفارا واحدا من القادة الثوريين في القرن العشرين وما زال مثالا للشباب الثوري في كل مكان في العالم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حول تشي جيفارا الثائر الأرجنتيني الشهير بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد ، ذلك الطبيب الأرجنتيني الذي شغل حياته بهموم الضعفاء من أبناء بلده ، وما حولها من دول أمريكا اللاتينية ، حتى أنه ترك رغد العيش الذي كفلته له أسرته الميسورة ، وطاف أرجاء قارته على دراجة بخارية مع أحد أصدقائه ليتعرف على أحوال المستضعفين من أبناء تلك البلاد ، التي كانت تحت نير الإستعمار الأسباني ، والحكومات العسكرية العميلة للغرب ، واعتزل الحياة إلا من علاج المرضى الفقراء ، ولم يقتصر على ذلك بل جاوز حدود قارته ، إلى إفريقية ، التي كان حالها شبيها بحال أمريكا الجنوبية ، فزار مصر والكونغو ، مدافعا عن فكره ، الذي آمن به ، ثم عاد إلى أمريكا الجنوبية ، ليلتقي مع فيدل كاسترو "السجين الكوبي" ، في المكسيك ، ليقودا حملة لإسقاط حكم الجنرال الكوبي "باتيستا" ، واستمر يقاتل بشراسة ، مدافعا عن قضيته ، حتى كتب الله عز وجل هلاكه في بوليفيا سنة 1967 ، التي سافر إليها ليشعل الثورة ضد الحكومة العسكرية هناك ، وجال بخاطري وأنا أقرأ هذه السيرة الذاتية المختصرة ، عدة خواطر ، أحببت أن أشرك إخواني فيها ، من أبرزها : أولا : أن جيفارا أو "الرفيق جيفارا" ، كما كان يحلو لكاسترو "زعيم كوبا الوهمي" ، أن يسميه ، لم يعرف نور الرسالة السماوية طريقا إلى قلبه ، لقد حاول أن يغير واقعا مؤلما ، ويرفع ظلما جاثما على صدور المستضعفين ، ولكنه لم يسلك طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنه بإختصار كان جاهلا جهلا مركبا ، (فلم يكتف بعدم معرفة الطريق الصحيح ، بل سلك الطريق الخطأ) ، فما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يثورون لقلب أنظمة الحكم الفاسدة ، ليعبدوا الناس لرب العالمين تحت تهديد السلاح ، كما كانت الثورات الشيوعية الدموية تفعل ، بل إن هذه الثورات الدموية أخرجت العباد من عبادة طواغيت موالين للغرب إلى عبادة طواغيت موالين للشرق الملحد قهرا وعسفا . إن أهم واجبات الرسل عليهم الصلاة والسلام ، كما بين ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، هو إكمال الفطرة السوية ، فالعباد مفطورون على التأله لخالقهم الحق سبحانه وتعالى ، ، ولكن هذه الفطرة يعتريها ما يعتريها من المكدرات ، فيأتي الرسل عليهم الصلاة والسلام ، لإزالة الركام عن هذه الفطرة ، وتفصيل أحكام هذه الفطرة المجملة ، ببيان أحكامها العقدية والعملية ، فتتحرر قلوبهم وعقولهم من رق العبودية لغير الله ، إلى عبودية الخالق عز وجل ، ولم يلجئوا للإنقلابات العسكرية لنشر دين الله عز وجل ، بل أمروا أتباعهم بالصبر على الظلم والعسف والعذاب ، حتى يأتي نصر الله ، وكان عليه الصلاة والسلام يمر بآل ياسر وهم يعذبون فلا يملك إلا الدعاء لهم ، مواسيا لهم بقوله : "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" ، وجاءه خباب بن الأرت رضي الله عنه شاكيا فلم يشكه ، ولم يأمر أصحابه بإعداد المخططات السرية لتأليب الشعوب على حكامها وإثارة الأحقاد حتى يسهل عليهم إشعال نار الثورة لتغيير الواقع بالقوة ، كما كان الهالك "تروتسكي: يقول : الحقد هو سلاحنا لقلب العالم ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، رفض عرض قريش لما عرضوا عليه الملك نظير أن يكف عن سب آلهتهم ، لأن الله بعثه لإخراج العباد من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، كما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم ، وأما جيفارا ، فأراد ، كما سبق ، أن يخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة عباد آخرين ، وإن أحسنا الظن به ، لقلنا بأنه أراد تحرير العباد من حكم الطواغيت ، ليعبدهم لأهوائهم وشهواتهم الدنيوية ، فمن لم يتأله للخالق عز وجل ، فهو متأله لسواه لا محالة ، فإما أن يتأله لصنم أو حجر أو هوى ، فالنفس خلقت لتعمل لا لتترك ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، بل إن الشيوعيين الذين ضادوا فطرة التأله المغروسة في كل نفس بشرية ، لما أعرضوا عن التأله للخالق عز وجل ، عبدوا قبور زعمائهم في موسكو !! . ثانيا : تذكرت وأنا أقرأ هذه المقالة ، قول الفاروق رضي الله عنه : "اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وضعف الثقة" ، فهذا شاب أرجنتيني من أسرة ميسورة ، يترك رغد العيش ، ويتعرض لهذه المخاطر الجسيمة ، لأنه آمن بفكرة ، وإن كانت منحرفة ، فعاش عليها وقتل في سبيلها شريدا ، فكيف بمن كان الحق في يده ، فلم يستمسك به ؟ ، ولنا في سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مرورا بسير أعلام التابعين والقادة الفاتحين ، كنور الدين محمود وصلاح الدين ، ويوسف بن تاشفين ، والعلماء الربانيين ، كالأئمة الأربعة وابن حزم وابن تيمية ، إلى سير شهدائنا في عصرنا هذا في البؤر الإسلامية المشتعلة كالبلقان والقفقاز ، وبيت المقدس وأخيرا في العراق الحبيب ، خير عوض عن جيفارا ورفاقه ، فالأولون باعوا أنفسهم لله ، والأخرون باعوا أنفسهم للشيطان ، وكلا الفريقين نصب ، ولكن شتان ما بين الثرى والثريا . إن الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة ، أمر مهم جدا ، لصناعة الرجال ، فإن لم يقتد الشاب المسلم بسلفه ، فسوف يقتدي بجيفارا ومن على شاكلته ، فلا بد من قدوة ، وقد حدثني بعض الأفاضل ، ممن عاش فترة الستينات من القرن الماضي ، حيث كان المد الشيوعي في أوجه ، كيف كانت الأضواء مسلطة ، على جيفارا ، وكيف كانت أخباره هي أحاديث مجالس الشباب ، حتى طبعت صوره على الملابس ، وأصبح حلم كل فتاة أن تتزوج من رجل كجيفارا ، ورثاه الشعراء المهزومون نفسيا ، بعد مقتله ، بل ووصل الأمر إلى تشبيهه بالمسيح صلى الله عليه وسلم ، وأطلقوا عليه لقب "مسيح العصر" ، وما ذلك إلا لغياب القدوة الصالحة ، إن أمة ، كما نقل أحد مشايخ الكويت ، ويدعى الدكتور ، خالد الراشد حفظه الله ، (على ما أعتقد) ، عن أحد المستشرقين ، تملك سيرا موثقة لأكثر من نصف مليون علم من أعلامها ، لن تعدم قدوة صالحة منهم . ثالثا : أن الباطل حتى تقبله بعض القلوب ، لابد أن يكون فيه حق ، وإن كان مرجوحا ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله : "البدعة لا تكون حقا محضا ، إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ، ولا تكون مصلحتها راجحة على مفسدتها ، إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ، ولا تكون باطلا محضا ، لا حق فيه ، إذ لو كانت كذلك لما اشتبهت على أحد ، وإنما يكون فيها بعض الحق وبعض الباطل ، فباطل جيفارا لم يكن باطلا محضا ، وإنما خالطه بعض الحق ، كدفاعه عن الفقراء والمستضعفين ، مما جعله يلتبس على بعض النفوس الضعيفة . رابعا : قال لي بعض الأخوة ، بأنه ربما لم يسمع جيفارا بالإسلام ، ولم يطلع عليه إطلاعا كافيا ، ولعله لو قدر له ذلك لأسلم لله رب العالمين ، وهذا أمر في غاية البعد ، وخاصة أنه زار بعض الدول الإسلامية كمصر ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جيفارا وأمثاله من أهل الفترة ، قال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار) ، والمقصود بالأمة في هذا الحديث ، أمة الدعوة ، التي وصلها خبر هذه الرسالة ، وليس المقصود أمة الإجابة ، لأن من أجاب لا يكون يهوديا ولا نصرانيا ، بل مسلما حنيفا . ويقول الإمام ابن حزم رحمه الله : (فإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره عليه السلام ، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق والمغرب ، وجزائر البحور والمغرب وأغفال الأرض من أهل الشرك ، فسمع بذكره عليه السلام ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به ..... وأما من بلغه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به ثم لم يجد في بلاده من يخبره عنه ، ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ فيها الحقائق) . خامسا : تذكرت عبارة شهيرة ترد في كتب العقائد ، وهي : (لا ينفع مع الكفر طاعة) ، وقد ذكر أحد المشايخ الفضلاء ، بأن هذه العبارة لا بد أن تقيد بالنفع الأخروي ، وأما النفع الدنيوي ، فقد تنفع الطاعة الكافر في دنياه ، فيوسع له في رزقه ، أو يعلو ذكره ، كما علا ذكر جيفارا وسارت بأنباءه الركبان ، وأما في الأخرة فما له من خلاق ، ويا جيفارا ، قد أوتيت حظك من الدنيا ، ومالك في الآخرة من خلاق. ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوسف بن تاشفين
في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، في أقصى بلاد المغرب العربي، التفت جماعة من الناس حول عالم فقيه يدعى (عبد الله بن ياسين) وكان هدفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر تعاليم الإسلام، أطلق عليهم الملثمون لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوراثونها جيلاً بعد جيل، وحين قتل عبد الله بن ياسين سنة 461هـ/1068م في حرب جرت مع (برغواطة) قام مقامه أبو بكر بن عمر الذي عين ابن عمه يوسف بن تاشفين أميرًا على الملثمين، لانشغاله بقتال عبدة الأصنام في جنوب المغرب، والقضاء على فتنتهم. وكان يوسف بن تاشفين يتمتع بصفات جعلته محبوبًا؛ فهو شهم، حازم، شجاع علاوة على قدرته على القيادة والزعامة، ومهابة الناس له، مما جعل الناس تلتف حوله، وتساعده في العمليات العسكرية، ونشر تعاليم الإسلام في المغرب الأقصى، وبناء دولة المرابطين، ولما عاد أبو بكر بن عمر بعد قضائه على الفتنة وجد يوسف بن تاشفين يتمتع بمكانة عالية بين جنده ورعيته، فتنازل له رسميًّا عن السلطة وخلع نفسه وأقام مكانه ابن عمه يوسف. اتخذ ابن تاشفين مدينة (مراكش) التي أنشأها عاصمة لملكه سنة 465هـ لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته، وبناء دولة قوية، كما أنشأ أسطولاً بحريًّا، ساعده على ضم المناطق المطلة على مضيق جبل طارق مما سهل ضم المغرب الأوسط، وأقام ابن تاشفين علاقات سياسية مع جيرانه من أمراء المغرب والمشرق، كما أحاط نفسه بمجموعة من الأتباع ينظمون أمور الدولة، فأعطى دولته طابع الملك. وفي ذلك الوقت كانت الأندلس تعاني من التفكك تحت حكم ملوك الطوائف الذين كانوا يواجهون خطر غزوات المسيحيين، وسيطرة ملوكهم وتعسفهم في مطالبة الولاة المسلمين بما لا طاقة لهم به، وكان يوسف يفكر في حال المسلمين في بلاد الأندلس وما يفعله النصارى بهم ويتجه إلى الله تعالى مستخيرًا إياه يتلمس منه النصر، وكان إذا أجبر على الكلام قال: أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا. واستنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لينقذهم من النصارى وكان على رأس من استنجد به (المعتمد بن عباد) أمير إشبيلية، فأعد ابن تاشفين جيشه وقبل أن يعبر البحر نحو الأندلس بسط يديه بالدعاء نحو السماء قائلاً: اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا أي (اجتياز البحر) هذا خيرًا للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه. والتقي بجيش النصارى بقيادة ألفونسو السادس في موقعة (الزلاقة) سنة 480هـ/1087م وانتصر جيش ابن تاشفين انتصارًا هائلاً، وبعدها وحَّد المغرب والأندلس تحت قيادته الخاصة، ورأى شيوخ المرابطين ما يقوم به يوسف من أعمال عظيمة فاجتمعوا عليه وقالوا له : أنت خليفة الله في المغرب وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم: حاشا لله أن أتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به الخلفاء، وأنا رجل الخليفة العباسي، والقائم بدعوته في بلاد المغرب، فقالوا له: لابد من اسم تمتاز به ، فقال لهم: يكون (أمير المسلمين). وبعد انتهاء موقعة الزلاقة بايعه من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها أميرًا على المسلمين، وكانوا ثلاثة عشر ملكًا، واستطاع يوسف بن تاشفين أن يوقف زحف جيوش النصارى، وأن يعيد ما استولوا عليه من الأندلس، وقد امتدت دولته فشملت الأندلس والمغرب الأقصى، وازدهرت البلاد في عصره، وضرب السكة (أي العملة) ونقش ديناره: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك: أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وكتب في الدائرة: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه. وكان ابن تاشفين كثيرَ العفو، مقربًا للعلماء، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، ولما بلغ الإمام أبا حامد الغزالي ما عليه ابن تاشفين من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، وعندما وصله خبر وفاة ابن تاشفين رجع عن ذلك العزم، ففي سنة 498هـ أصيب يوسف بن تاشفين بمرض أدى إلى وفاته ودفن في مدينة مراكش. وقال عنه المستشرق يوسف أشباخ: (يوسف.. أحد أولئك الرجال الأفذاذ الذين يلوح أن القدر قد اصطفاهم لتغيير وجهة سير الحوادث في التاريخ، فقد بثَّ بما استحدث من نظم وأساليب روحًا قوية في القبائل والشعوب التي يحكمها، وقد فاضت هذه الروح إلى تحقيق العجائب).. رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين.
ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع :
قام بلتجميع
م/ ادهم صبرى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تشي جيفارا كثير منا قد مر عليه هذا الإسم من قبل وبعضنا يتخذ صاحب هذا الإسم قدوة له ويتمنى أن يكون مثله وحتى نبين حقيقة الأمر فتحنا هذا الموضوع والذي -ان شاء الله-:سأقسمه الى ثلاثة مواضيع الأولى : نبذة مختصرة عن تشي جيفارا . الثانية : تشي جيفارا من منظور اسلامي . الثالثة : بطل اسلامي حقيقي وهو يوسف بن تاشفين . والفائدة من ذكر نبذة مختصرة عن البطل يوسف بن تاشفين هو أن نعطي الناس بديلاً اسلاميًا عن هذا الرجل الملحد الذي يعتبره الكثير قدوته .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
من هو أرنستو تشي جيفارا
ولد أرنستو تشي جيفارا عام 1928 من عائلة برجوازية أرجنتينية , ودرس الطب في جامعة بلاده الأرجنتين وتخرج عام 1952 , ومارس مهنته بين فقراء المدن والفلاحين ووهب نفسه لهم وكان صديقهم التاريخي , وطاف قبيل تخرجه من كلية الطب مع صديقه ألبرتو غراندو معظم دول أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية , فزار إضافة لبلده الأرجنتين , التشيلي وبوليفيا وبيرو وكولومبيا والإكوادور وبنما , وذلك بهدف التعرف على ظروف الناس وأحوالهم وأحوال أمريكا الجنوبية بشكل عام مستجيبا لرغبته بملاقاة الشعب والإختلاط به ومساعدة الفقراء والمرضى وكان يدعو خلال جولته للإنتفاضة ضد اللاعدالة الإجتماعية والقهر السياسي , وكرس نفسه منذ ذلك الحين ثائرا أو محرضا على الثورة أو شريكا فيها حيثما أمكن ذلك , فسافر عام 1953 الى كولومبيا ليتعرف على الثورة التي كانت مشتعلة فيها وعلى أهداف هذه الثورة وأساليبها , ثم هاجر الى المكسيك وهي البلد الأمريكي اللاتيني الأكثر ديموقراطية والتي كانت ملجأ للثوار الأمريكان اللاتين من كل مكان , وصادف ان قام فيدل كاسترو في نفس الفترة من عام 1953 بالهجوم على قلعة موناكو , وفشل هجومه وسجن وحوكم وألقى دفاعا في المحكمة هو بمثابة بيان سياسي أو حتى برنامج سياسي , مما أدى بأرنستو جيفارا لأن يعجب بكاسترو ومحاولاته الثورية , ويتشوق للتعرف اليه واللقاء به , وهذا ما تحقق عام 1955 بعد ان خرج كاسترو من السجن وهاجر الى المكسيك , وقويت العلاقة بين الرجلين وخططا معا لغزو كوبا وتحريرها من الدكتاتور باتيستا جهز الرجلان حملة من 82 ثائر أقلعوا الى كوبا على سفينة غرانما " ومن يومها سميّ ارنستو جيفارا بـ تشي - رفيق " , وما ان وصلوا شواطئها حتى كشف امرهم فاشتعلت معركة بينهم وبين جيش باتيستا , ولم يسلم منهم سوى عشرين ثائرا إستطاعوا الوصول الى جبال سيرامايسترا التي تضم أفقر فلاحي كوبا , وانطلقت ثورتهم من هناك , وأخذت تحقق النصر تلو الآخر , الى ان دخل جيفارا العاصمة هافانا في اليوم الأول من عام 1959 قبل ان يدخلها كاسترو , وهرب باتيستا ونجحت الثورة الكوبية وبعد نجاح الثورة عين جيفارا سفيرا متجولا للثورة الكوبية , وزار العديد من البلدان الغير منحازة والتقى بقيادتها مثل عبد الناصر في مصر ونهرو في الهند وتيتو في يوغوسلافيا وسوكارنو في اندونيسيا , كما وزار ايطاليا واليابان وباكستان وغيرها عين جيفارا رئيسا للمعهد الوطني للأبحاث الزراعية ثم عين وزيرا ورئيسا للمصرف المركزي عام 1961 وصار الرجل الثاني بعد كاسترو , وحاول خلال السنوات الأولى لنجاح الثورة تصنيع كوبا إقتنع هو وكاسترو بضرورة انحياز الثورة الكوبية الى اليسار العالمي وعقدا تحالفا مع الإتحاد السوفياتي ثم تمتن هذا التحالف أثر أزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا , وبعدها رأى جيفارا امكانية نجاح الثورة في بلدان العالم الثالث والبلدان المستعمرة وشارك في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في الجزائر عام 1965 , والتقى قادة الثورة الجزائرية وحرض البلدان الآسيوية والأفريقية على الثورة , ومنذ ذلك الحين تعمق خلافه مع السياسة السوفييتية التي كان يراها سياسة تسوية ومساومة مع الإمبريالية , وطرح شعاره الشهير " لا حياة خارج الثورة - ولتوجد فيتنام ثانية وثالثة وأكثر " وكان يكرر هذا في كل مكان وأراد إنجاح الثورة في الكونغو ففشل , ثم ترك كل مناصبه الرسمية والحزبية في كوبا واتجه الى بوليفيا ليقود حربا شعبية فيها , آملا ان يحقق في بوليفيا ما حققه في كوبا , وفعلا أشعل الثورة في جبال بوليفيا والتف حوله بعض الفلاحين , لكن الحكومة العسكرية والجيش البوليفي كان أشد تسلحا وعنفا من باتيستا في كوبا , فحاصرته القوات الحكومية في احدى المناطق الجبلية وقبضت عليه حيا ثم قتلته وهو أسيرها يوم الثامن من أكتوبر عام 1967 ودفنته في مكان سرّي , وبعد ثلاثين عام نقل جثمانه الى كوبا ودفن فيها من جديد تميّّز أرنستو تشي جيفارا بأسلوب نضاله الفريد ومثاليته وسحره وأصالة أفكاره وتعاظم تضحياته فصار مثالا للقائد الثوري ليس في بلدان أمريكا اللاتينية وحدها , بل في العالم كله , وقد ألّف عدة كتب منها " حرب الغوار , الإشتراكية والإنسان وغيرها " ضمنها أفكاره في ضرورة الإنتفاضة من أجل الحرية والأخوة والصداقة والخروج من القيود الإستعمارية والإستبدادية ومناهضة الإستغلال ومحاربة الفقر والمرض , وتميز جيفارا باستقلالية الرأي , وهذا ما أدى الى خلافات بينه وبين السياسة السوفييتية ويقال انه كان على خلاف مع كاسترو في آخر أيامه كان جيفارا واحدا من القادة الثوريين في القرن العشرين وما زال مثالا للشباب الثوري في كل مكان في العالم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حول تشي جيفارا الثائر الأرجنتيني الشهير بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد ، ذلك الطبيب الأرجنتيني الذي شغل حياته بهموم الضعفاء من أبناء بلده ، وما حولها من دول أمريكا اللاتينية ، حتى أنه ترك رغد العيش الذي كفلته له أسرته الميسورة ، وطاف أرجاء قارته على دراجة بخارية مع أحد أصدقائه ليتعرف على أحوال المستضعفين من أبناء تلك البلاد ، التي كانت تحت نير الإستعمار الأسباني ، والحكومات العسكرية العميلة للغرب ، واعتزل الحياة إلا من علاج المرضى الفقراء ، ولم يقتصر على ذلك بل جاوز حدود قارته ، إلى إفريقية ، التي كان حالها شبيها بحال أمريكا الجنوبية ، فزار مصر والكونغو ، مدافعا عن فكره ، الذي آمن به ، ثم عاد إلى أمريكا الجنوبية ، ليلتقي مع فيدل كاسترو "السجين الكوبي" ، في المكسيك ، ليقودا حملة لإسقاط حكم الجنرال الكوبي "باتيستا" ، واستمر يقاتل بشراسة ، مدافعا عن قضيته ، حتى كتب الله عز وجل هلاكه في بوليفيا سنة 1967 ، التي سافر إليها ليشعل الثورة ضد الحكومة العسكرية هناك ، وجال بخاطري وأنا أقرأ هذه السيرة الذاتية المختصرة ، عدة خواطر ، أحببت أن أشرك إخواني فيها ، من أبرزها : أولا : أن جيفارا أو "الرفيق جيفارا" ، كما كان يحلو لكاسترو "زعيم كوبا الوهمي" ، أن يسميه ، لم يعرف نور الرسالة السماوية طريقا إلى قلبه ، لقد حاول أن يغير واقعا مؤلما ، ويرفع ظلما جاثما على صدور المستضعفين ، ولكنه لم يسلك طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنه بإختصار كان جاهلا جهلا مركبا ، (فلم يكتف بعدم معرفة الطريق الصحيح ، بل سلك الطريق الخطأ) ، فما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يثورون لقلب أنظمة الحكم الفاسدة ، ليعبدوا الناس لرب العالمين تحت تهديد السلاح ، كما كانت الثورات الشيوعية الدموية تفعل ، بل إن هذه الثورات الدموية أخرجت العباد من عبادة طواغيت موالين للغرب إلى عبادة طواغيت موالين للشرق الملحد قهرا وعسفا . إن أهم واجبات الرسل عليهم الصلاة والسلام ، كما بين ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، هو إكمال الفطرة السوية ، فالعباد مفطورون على التأله لخالقهم الحق سبحانه وتعالى ، ، ولكن هذه الفطرة يعتريها ما يعتريها من المكدرات ، فيأتي الرسل عليهم الصلاة والسلام ، لإزالة الركام عن هذه الفطرة ، وتفصيل أحكام هذه الفطرة المجملة ، ببيان أحكامها العقدية والعملية ، فتتحرر قلوبهم وعقولهم من رق العبودية لغير الله ، إلى عبودية الخالق عز وجل ، ولم يلجئوا للإنقلابات العسكرية لنشر دين الله عز وجل ، بل أمروا أتباعهم بالصبر على الظلم والعسف والعذاب ، حتى يأتي نصر الله ، وكان عليه الصلاة والسلام يمر بآل ياسر وهم يعذبون فلا يملك إلا الدعاء لهم ، مواسيا لهم بقوله : "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة" ، وجاءه خباب بن الأرت رضي الله عنه شاكيا فلم يشكه ، ولم يأمر أصحابه بإعداد المخططات السرية لتأليب الشعوب على حكامها وإثارة الأحقاد حتى يسهل عليهم إشعال نار الثورة لتغيير الواقع بالقوة ، كما كان الهالك "تروتسكي: يقول : الحقد هو سلاحنا لقلب العالم ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، رفض عرض قريش لما عرضوا عليه الملك نظير أن يكف عن سب آلهتهم ، لأن الله بعثه لإخراج العباد من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد ، كما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم ، وأما جيفارا ، فأراد ، كما سبق ، أن يخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة عباد آخرين ، وإن أحسنا الظن به ، لقلنا بأنه أراد تحرير العباد من حكم الطواغيت ، ليعبدهم لأهوائهم وشهواتهم الدنيوية ، فمن لم يتأله للخالق عز وجل ، فهو متأله لسواه لا محالة ، فإما أن يتأله لصنم أو حجر أو هوى ، فالنفس خلقت لتعمل لا لتترك ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله ، بل إن الشيوعيين الذين ضادوا فطرة التأله المغروسة في كل نفس بشرية ، لما أعرضوا عن التأله للخالق عز وجل ، عبدوا قبور زعمائهم في موسكو !! . ثانيا : تذكرت وأنا أقرأ هذه المقالة ، قول الفاروق رضي الله عنه : "اللهم إني أشكو إليك جلد الفاجر وضعف الثقة" ، فهذا شاب أرجنتيني من أسرة ميسورة ، يترك رغد العيش ، ويتعرض لهذه المخاطر الجسيمة ، لأنه آمن بفكرة ، وإن كانت منحرفة ، فعاش عليها وقتل في سبيلها شريدا ، فكيف بمن كان الحق في يده ، فلم يستمسك به ؟ ، ولنا في سير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مرورا بسير أعلام التابعين والقادة الفاتحين ، كنور الدين محمود وصلاح الدين ، ويوسف بن تاشفين ، والعلماء الربانيين ، كالأئمة الأربعة وابن حزم وابن تيمية ، إلى سير شهدائنا في عصرنا هذا في البؤر الإسلامية المشتعلة كالبلقان والقفقاز ، وبيت المقدس وأخيرا في العراق الحبيب ، خير عوض عن جيفارا ورفاقه ، فالأولون باعوا أنفسهم لله ، والأخرون باعوا أنفسهم للشيطان ، وكلا الفريقين نصب ، ولكن شتان ما بين الثرى والثريا . إن الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة ، أمر مهم جدا ، لصناعة الرجال ، فإن لم يقتد الشاب المسلم بسلفه ، فسوف يقتدي بجيفارا ومن على شاكلته ، فلا بد من قدوة ، وقد حدثني بعض الأفاضل ، ممن عاش فترة الستينات من القرن الماضي ، حيث كان المد الشيوعي في أوجه ، كيف كانت الأضواء مسلطة ، على جيفارا ، وكيف كانت أخباره هي أحاديث مجالس الشباب ، حتى طبعت صوره على الملابس ، وأصبح حلم كل فتاة أن تتزوج من رجل كجيفارا ، ورثاه الشعراء المهزومون نفسيا ، بعد مقتله ، بل ووصل الأمر إلى تشبيهه بالمسيح صلى الله عليه وسلم ، وأطلقوا عليه لقب "مسيح العصر" ، وما ذلك إلا لغياب القدوة الصالحة ، إن أمة ، كما نقل أحد مشايخ الكويت ، ويدعى الدكتور ، خالد الراشد حفظه الله ، (على ما أعتقد) ، عن أحد المستشرقين ، تملك سيرا موثقة لأكثر من نصف مليون علم من أعلامها ، لن تعدم قدوة صالحة منهم . ثالثا : أن الباطل حتى تقبله بعض القلوب ، لابد أن يكون فيه حق ، وإن كان مرجوحا ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله : "البدعة لا تكون حقا محضا ، إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ، ولا تكون مصلحتها راجحة على مفسدتها ، إذ لو كانت كذلك لكانت مشروعة ، ولا تكون باطلا محضا ، لا حق فيه ، إذ لو كانت كذلك لما اشتبهت على أحد ، وإنما يكون فيها بعض الحق وبعض الباطل ، فباطل جيفارا لم يكن باطلا محضا ، وإنما خالطه بعض الحق ، كدفاعه عن الفقراء والمستضعفين ، مما جعله يلتبس على بعض النفوس الضعيفة . رابعا : قال لي بعض الأخوة ، بأنه ربما لم يسمع جيفارا بالإسلام ، ولم يطلع عليه إطلاعا كافيا ، ولعله لو قدر له ذلك لأسلم لله رب العالمين ، وهذا أمر في غاية البعد ، وخاصة أنه زار بعض الدول الإسلامية كمصر ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جيفارا وأمثاله من أهل الفترة ، قال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أهل النار) ، والمقصود بالأمة في هذا الحديث ، أمة الدعوة ، التي وصلها خبر هذه الرسالة ، وليس المقصود أمة الإجابة ، لأن من أجاب لا يكون يهوديا ولا نصرانيا ، بل مسلما حنيفا . ويقول الإمام ابن حزم رحمه الله : (فإنما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به على من سمع بأمره عليه السلام ، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق والمغرب ، وجزائر البحور والمغرب وأغفال الأرض من أهل الشرك ، فسمع بذكره عليه السلام ففرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به ..... وأما من بلغه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به ثم لم يجد في بلاده من يخبره عنه ، ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ فيها الحقائق) . خامسا : تذكرت عبارة شهيرة ترد في كتب العقائد ، وهي : (لا ينفع مع الكفر طاعة) ، وقد ذكر أحد المشايخ الفضلاء ، بأن هذه العبارة لا بد أن تقيد بالنفع الأخروي ، وأما النفع الدنيوي ، فقد تنفع الطاعة الكافر في دنياه ، فيوسع له في رزقه ، أو يعلو ذكره ، كما علا ذكر جيفارا وسارت بأنباءه الركبان ، وأما في الأخرة فما له من خلاق ، ويا جيفارا ، قد أوتيت حظك من الدنيا ، ومالك في الآخرة من خلاق. ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يوسف بن تاشفين
في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، في أقصى بلاد المغرب العربي، التفت جماعة من الناس حول عالم فقيه يدعى (عبد الله بن ياسين) وكان هدفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر تعاليم الإسلام، أطلق عليهم الملثمون لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوراثونها جيلاً بعد جيل، وحين قتل عبد الله بن ياسين سنة 461هـ/1068م في حرب جرت مع (برغواطة) قام مقامه أبو بكر بن عمر الذي عين ابن عمه يوسف بن تاشفين أميرًا على الملثمين، لانشغاله بقتال عبدة الأصنام في جنوب المغرب، والقضاء على فتنتهم. وكان يوسف بن تاشفين يتمتع بصفات جعلته محبوبًا؛ فهو شهم، حازم، شجاع علاوة على قدرته على القيادة والزعامة، ومهابة الناس له، مما جعل الناس تلتف حوله، وتساعده في العمليات العسكرية، ونشر تعاليم الإسلام في المغرب الأقصى، وبناء دولة المرابطين، ولما عاد أبو بكر بن عمر بعد قضائه على الفتنة وجد يوسف بن تاشفين يتمتع بمكانة عالية بين جنده ورعيته، فتنازل له رسميًّا عن السلطة وخلع نفسه وأقام مكانه ابن عمه يوسف. اتخذ ابن تاشفين مدينة (مراكش) التي أنشأها عاصمة لملكه سنة 465هـ لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته، وبناء دولة قوية، كما أنشأ أسطولاً بحريًّا، ساعده على ضم المناطق المطلة على مضيق جبل طارق مما سهل ضم المغرب الأوسط، وأقام ابن تاشفين علاقات سياسية مع جيرانه من أمراء المغرب والمشرق، كما أحاط نفسه بمجموعة من الأتباع ينظمون أمور الدولة، فأعطى دولته طابع الملك. وفي ذلك الوقت كانت الأندلس تعاني من التفكك تحت حكم ملوك الطوائف الذين كانوا يواجهون خطر غزوات المسيحيين، وسيطرة ملوكهم وتعسفهم في مطالبة الولاة المسلمين بما لا طاقة لهم به، وكان يوسف يفكر في حال المسلمين في بلاد الأندلس وما يفعله النصارى بهم ويتجه إلى الله تعالى مستخيرًا إياه يتلمس منه النصر، وكان إذا أجبر على الكلام قال: أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا. واستنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لينقذهم من النصارى وكان على رأس من استنجد به (المعتمد بن عباد) أمير إشبيلية، فأعد ابن تاشفين جيشه وقبل أن يعبر البحر نحو الأندلس بسط يديه بالدعاء نحو السماء قائلاً: اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا أي (اجتياز البحر) هذا خيرًا للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه. والتقي بجيش النصارى بقيادة ألفونسو السادس في موقعة (الزلاقة) سنة 480هـ/1087م وانتصر جيش ابن تاشفين انتصارًا هائلاً، وبعدها وحَّد المغرب والأندلس تحت قيادته الخاصة، ورأى شيوخ المرابطين ما يقوم به يوسف من أعمال عظيمة فاجتمعوا عليه وقالوا له : أنت خليفة الله في المغرب وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم: حاشا لله أن أتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به الخلفاء، وأنا رجل الخليفة العباسي، والقائم بدعوته في بلاد المغرب، فقالوا له: لابد من اسم تمتاز به ، فقال لهم: يكون (أمير المسلمين). وبعد انتهاء موقعة الزلاقة بايعه من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها أميرًا على المسلمين، وكانوا ثلاثة عشر ملكًا، واستطاع يوسف بن تاشفين أن يوقف زحف جيوش النصارى، وأن يعيد ما استولوا عليه من الأندلس، وقد امتدت دولته فشملت الأندلس والمغرب الأقصى، وازدهرت البلاد في عصره، وضرب السكة (أي العملة) ونقش ديناره: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك: أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وكتب في الدائرة: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه. وكان ابن تاشفين كثيرَ العفو، مقربًا للعلماء، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، ولما بلغ الإمام أبا حامد الغزالي ما عليه ابن تاشفين من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، وعندما وصله خبر وفاة ابن تاشفين رجع عن ذلك العزم، ففي سنة 498هـ أصيب يوسف بن تاشفين بمرض أدى إلى وفاته ودفن في مدينة مراكش. وقال عنه المستشرق يوسف أشباخ: (يوسف.. أحد أولئك الرجال الأفذاذ الذين يلوح أن القدر قد اصطفاهم لتغيير وجهة سير الحوادث في التاريخ، فقد بثَّ بما استحدث من نظم وأساليب روحًا قوية في القبائل والشعوب التي يحكمها، وقد فاضت هذه الروح إلى تحقيق العجائب).. رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين.
ـ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع :
قام بلتجميع
م/ ادهم صبرى
تعليق