نــــــســـــــــاء حــــــاكــــمــــــــات
فلقد حكم النساء بعض الأقطار الإسلامية في أزمنة مختلفة ، وإن كانت لم تلقب امرأة في الإسلام باللقب « الخليفة » ، ولكنها لقبت بألقاب دون ذلك منها : السلطانة ، والملكة ، والحرة ، وخاتون .
ويذكر التاريخ الإسلامي أن هناك أكثر من خمسين امرأة حكمن الأقطار الإسلامية على مِّ التاريخ بداية من ست الملك إحدى ملكات الفاطميين بمصر ، والتي حكمت في بداية القرن الخامس الهجري ؛ مرورًا بالملكة أسماء والملكة أروى اللتين حكمتا صنعاء في نهاية القرن الخامس الهجري ، وزينب النفزاوية في الأندلس ، والسلطانة رضية التي تولت الحكم بدلهي في منتصف القرن السابع الهجري ، وشجرة الدر التي تولت حكم مصر في القرن السابع كذلك ، وعائشة الحرة في الأندلس ، وست العرب ، وست العجم ، وست الوزراء ، والشريفة الفاطمية ، والغالية الوهابية ، والخاتون ختلع تاركان ، والخاتون بادشاه ، وغزالة الشبيبة ، وغيرهن كثير .
وحتى لا نطيل ثم نتخير نماذج من النساء اللاتي حكمن البلاد ، نتكلم عنهن بشكل أكثر تفصيلاً ، ولنبدأ بست الملك :
1- ست الملك ملكة الفاطميين :
إحدى ملكات الفاطميين بمصر ست الملك ( ولدت سنة 359هـ ) ، وقد استحوذت على السلطة بعد أن نظمت عملية ( اختفاء ) أخيها الحاكم بأمر الله ، الخليفة الفاطمي السادس سنة 411هـ ، ويذكر أنه قتله قال الذهبي : « وتحالفت مع الأمير ابن دواس فذهبت إليه سرًّا فقبل قدمها ، فقالت : جئت في أمر أحرس نفسي ونفسك قال : أنا مملوكك ، قالت : أنت ونحن على خطر من هذا ، وقد هتك الناموس الذي قرره آباؤنا وزاد به جنونه وعمل ما لا يصبر عليه مسلم ، وأنا خائفة أن يقتل فنقتل وتنقضي هذه الدولة أقبح انقضاء ، قال : صدقت ، فما الرأي ؟ قالت : تحلف لي ، وأحلف لك على الكتمان فتعاقدا على قتله .
وكانت لها دوافعها إلى ذلك ؛ إذ أن تجاوزات أخيها فاقت الحد ، فبعد أن كان يسلط قهره على الضعاف والكلاب التي قرر القضاء عليها ، والنساء اللائي منعهن من الخروج ، فحرق القاهرة ومنع سكانها من العمل في النهار وأمرهم بالعمل في الليل حتى يخرج بموكبه إلى الشوارع ليلاً فيراها تضج بالحركة ، استفاق ذات يوم ليعلن ألوهيته ويطالب جماهير القاهرة وضمنهم ست الملك بعبادته .
2- الملكة أروى ملكة صنعاء :
هي أروى بنت أحمد بن جعفر الصليحية ملكة حازمة مدبرة يمانية ، ولدت في حراز باليمن عام 440 هـ ، ونشأت في حجر أسماء بنت شهاب الصليحية ، وتزوجها ابنها .
وقد لعبت دوراً كبيراً في نشر المذهب الفاطمي في آسيا ، وبصورة خاصة في بومباي بالهند ، عن طريق الدعاة الفاطميين الذين انطلقوا من اليمن في فترة حكمها .
فبعد وفاة الملكة أسماء (1087 م/480هـ ) عهد ابنها الملك المشلول إدارة البلاد رسميًّا إلى زوجته أروى ، التي استطاعت تأمين استمرار السلطة بأيدي الصليحيين في اليمن ، وبعد استتباب الأمن والاستقرار ، قررت الانتقام من سعيد الزبيدي قاتل عمها ، فنقلت عاصمتها إلى جبالة المحصنة بالجبال ، وأخذت تضيق الخناق على سعيد الزبيدي . وبعد أن تحالفت مع البلدان الأخرى استطاعت سحق جيش سعيد وقتله ، وأخذ زوجته أسيرة .
وقامت بتدبير المملكة والحروب إلى أن مات المكرم سنة 484 هـ ، وخلفه ابن عمه سبأ بن أحمد ، فاستمرت في الحكم ترفع إليها الرقاع ويجتمع عندها الوزراء ، وتحكم من وراء حجاب ، وكان يدعى لها على منابر اليمن ، فيخطب أولاً للمستنصر ، ثم للصليحي ، ثم للحرة ، ومات سبأ سنة 492 هـ وضعف ملك الصليحيين ، فتحصنت بذي جبلة واستولت على ما حوله من الأعمال والحصون ، وأقامت لها وزراء وعمالاً ، وامتدت أيامها بعد ذلك أربعين سنة ، توفيت سنة 532 هـ بذي جبلة ودفنت في جامعها ولها مآثر وسبل وأوقاف كثيرة ، وهي آخر ملوك الصليحيين .
3- تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت خاجنكش زوجة السلطان تكش بن آيل رسلان ، كانت ذا مهابة ورأي ، تحكمت في البلاد سنة 628 وكانت إذا رفعت إليها المظالم تحكم فيها بالعدل والإحسان ، وتنتصف للمظلومة من الظالم ، ولم تبال من أن تقتص منه بالقتل ، ولها خيرات ومسبلات ومبرات في أنحاء بلادها ، وكان لها من كتاب الإنشاء سبعة من مشاهير الفضلاء وسادات الأكابر ، وإذا ورد عنها وعن السلطان توقيعان مختلفان في قضية واحدة لم تنظر إلى في التاريخ فيعمل بالتوقيع الأخير بكافة الأقاليم ، وكان توقيعها « عصمة الدنيا والدين الغ تركان ملكة نساء العالمين » وعلامتها « اعتصمت بالله واحده » ، وكانت تكتبها بقلم غليظ وتجود الكتابة فيها بحيث يعسر أن تزور علامتها .
4- رضية بنت التمش سلطانة الهند :
رضية الدنيا والدين تتحدر السلطانة رضية من أسرة تركية من المماليك . تولت السلطة في دلهي عام ( 1236م الموافق 634هـ ) بعد وفاة والدها السلطان إيلتوتمش خان ، وهو أحد القادة العسكريين الذين أرسوا دعائم الدولة الإسلامية في الهند . كان والدها السلطان قد اختارها بدل أخويها ؛ لذكائها وقوتها ومواهبها في إدارة شؤون البلاد ، وعدم قدرة أخويها ، وكان أول قرار ملكي أصدرته ، سك النقود باسمها واختيار لقب لها هو ( رضية الدنيا والدين ) . وعندما حاول أمراء الحاشية والجيش إبعادها عن العرش ، مترافقاً مع قيام أخيها الأكبر بقتل أخيها الأصغر ، باءت محاولاتهم بالفشل حيث اعتمدت على الشعب الذي ثار ضد أخيها وأمرت بقتله .
فهي ملكة من ملوك الهند كانت ذات سلطة ونفوذ وإدارة ، استقلت بالحكم أربع سنين ، وقتلت في 25 ربيع أول سنة 637 وقبرها على شاطئ نهر جمن بالقرب من دلهي .
5- شجرة الدر ملكة مصر والشام :
وهي من شهيرات الملكات في الإسلام ، ذات إدارة وحزم وعقل ودهاءن وبر وإحسان ، ملكها الملك الصالح في أيام والده ، واستولدها ولده خليل ثم تزوجها ، وصحبته ببلاد الشرق ثم قدمت معه إلى البلاد المصرية ، فعظم أمرها في الدولة الصالحية ، وصار إليها غالب التدبير في أيام زوجها ثم في مرضه ، وكانت تكتب خط يشبه خط الملك الصالح فتعلم على التواقيع ، ولقد باشرت الحكم ، وأخذت توقع عن السلطان مراسيم الدولة إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة ، فأرسل إليها يهددها ويطالبها بالأموال ، فعملت على قتله فقتل في 7 محرم 648 هـ ، ولما قتل وقع الاتفاق على تولية شجرة الدر السلطنة فتولتها ، وقبل لها الأمراء الأرض من وراء الحجاب ، فكانت تاسع من تولى السلطنة بمصر من جماعة أيوب وكان ذلك في 2 صفر سنة 648 ، وجعلوا عز الدين أيبك الصالحي التركماني أتابك عسكرها ، وساست الرعية أحسن سياسة ، فرضي الناس عن حكمها خير رضاء ، وكانت تصدر المراسيم وعليها توقيع شجرة الدر بخطها باسم والدة خليل ، وخطب في أيام الجمع باسمها على منابر مصر والشام ، وضرب السكة باسمها ونقش عليها : «السكة المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل » ، وما إن جلست شجرة الدر على عرش الحكم حتى قبضت على زمام الأمور ، وأحكمت إدارة شئون البلاد ، وكان أول عمل اهتمت به هو تصفية الوجود الصليبي في البلاد ، وإدارة مفاوضات معه ، انتهت بالاتفاق مع الملك لويس التاسع الذي كان أسيرًا بالمنصورة على تسليم دمياط ، وإخلاء سبيله وسبيل من معه من كبار الأسرى مقابل فدية كبيرة قدرها ثمانمائة ألف دينار ، يدفع نصفها قبل رحيله ، والباقي بعد وصوله إلى عكا ، مع تعهد منه بعدم العودة إلى سواحل الإسلام مرة أخرى ، وكانت خيّرة دَيِّنة ، رئيسة عظيمة في النفوس ، ولها مآثر وأوقاف على وجوه البر ، معروفة بها وقد قتلت في نهاية ربيع أول سنة 655 هـ .
6- السلطانة خديجة سلطانة الهند :
هي السلطانة خديجة بنت عمر بن صلاح الدين البنجالي من سلطانات الهند ، نشأت وترعرت في بلاط أبيها ، وتلقت من العلم والثقافة ما جعلها من أندر نساء زمانها أدبًا وكمالاً ومعرفة ، ولما توفى والدها خلفه في السلطنة أخوها شهاب الدين فكان سيء السيرة فخلعه الشعب سنة 740 هـ ونادى بأخته خديجة سلطانة على عرش أبيها ، وولى زوجها خطيب الدولة جمال الدين الوزارة فاعتمد عليه السلطانة في مهام الأمور وراقبت شئون الدولة مراقبة الخبير ، وتوفيت سنة 770 هـ .
تعليق