حنظلة يُعرّف بنفسه...
عزيزي القارئ اسمح لي ان اقدم لك نفسي .. انا وأعوذ بالله من كلمة أنا ..
اسمي : حنظلة ، اسم أبي مش ضروري ، امي .. اسمها نكبة وأختي الصغيرة فاطمة ..
نمرة رجلي :ما بعرف لاني دايماًً حافي ..
تاريخ الولادة : ولدت في (5 حزيران 67)
جنسيتي: انا مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا .. الخ ،باختصار معيش هوية ولا ناوي اتجنس .. محسوبك انسان عربي وبس ..
التقيت بالصدفة بالرسام ناجي .... كاره فنه لانه مش عارف يرسم .. وشرحلي السبب .. وكيف كل ما رسم عن بلد .. السفارة بتحتج ..الارشاد والانباء ( الرقابة) بتنذر ..
قلي الناس كلها اوادم .. صاروا ملايكة .. وآل ما في أحسن من هيك .. وبهالحالة .. بدي ارسم بدي اعيش .. وناوي يشوف شغلة غير هالشغلة ..
قلتله انت شخص جبان وبتهرب من المعركة .. وقسيت عليه بالكلام ، وبعدما طيبت خاطرو .. وعرفتو على نفسي واني انسان عربي واعي بعرف كل اللغات وبحكي كل اللهجات معاشر كل الناس المليح والعاطل والادمي والازعر .. كل الانواع .. اللي بيشتغلوا مزبوط واللي هيك وهيك .. وقلتله اني مستعد ارسم عنه الكاريكاتير . كل يوم وفهمته اني ما بخاف من حدا غير من الله واللي بدوا يزعل يروح يبلط البحر .. وقلتلو عن اللي بيفكروا بالكنديشن والسيارة وشو يطبخوا اكتر من مابفكروا بفلسطين ..
وياعزيزي القارئ .. انا اسف لاني طولت عليك .. وما تظن اني قلتلك هالشي عشان اعبي هالمساحة .. واني بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن صديقي الرسام اشكرك على طول .. وبس ..
التوقيع (حنظلة)
ويقول ناجي العلي:
ولد حنظلة في العاشرة من عمره، وسيظل دائماً في العاشرة، ففي تلك السن غادرتُ الوطن، وحين يعود، حنظلة سيكون … بعدُ … في العاشرة، ثم يأخذ في الكبر بعد ذلك … قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، إنه استثناءً … وستصبح الأمور طبيعيةً حين يعود للوطن (…) فالطفل يُمثل موقفاً رمزياً ليس بالنسبة لي فقط … بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها.
قدمته للقراء واسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني.
أما عن سبب إدارة ظهره للقراء فتلك قصة تُروى: في المراحل الأولى رسمتُه ملتقياً وجهاً لوجه مع الناس، وكان يحمل "الكلاشنكوف" وكان أيضاً دائم الحركة وفاعلاً وله دور حقيقي: يناقش باللغة العربية والإنجليزية، بل أكثر من ذلك فقد كان يلعب "الكاراتيه" .. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة.
وفي بعض الحالات النادرة، وأثناء انتفاضة الضفة الغربية، كان يحمل الحجارة ويرجم بها الأعداء، وأثناء خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت كان يقبّل يد هذه المدينة الجريحة مثلما كان يقدم الزهور لها. … وقد يُعْطى تفسيرٌ : أن لهذا الطفل موقفاً سلبياً ينفي عنه دور الإيجابية، لكنني أقول: إنه عندما يرصد تحركات كل أعداء الأمة، ويكشف كافة المؤامرات التي تحاك ضدها، يتبين كم لهذا الطفل من إسهامات إيجابية في الوقوف ضد المؤامرة … وهذا هو المعنى الإيجابي.
… حقيقة الطفل أنه منحازٌ للفقراء، لأنني أحمل موقفاً طبقياً، لذلك تأتي رسومي على هذا النحو ، والمهم رسم الحالات والوقائع وليس رسم الرؤساء والزعماء.
(…) داومتُ على خلق تلك الشخصية بشكل يجعلها الرمز الشاهد على ما يجري، فقد لاحظتُ أن الرسم الكاريكاتيري كان متجهاً للنخبة وليس للجماهير.
(…) إنه الولد البسيط لكنه حاد، ولهذا تبناه الناس وأحسّوا أنه يمثل ضميرهم الواعد. لقد حاولت من خلال مواقفه أن أبرز القضايا التي يتبناها، وجعلته يتعامل مع الواقع بشجاعة خالية من أي رباء أو كذب أو نفاق.
ليست مهمتي إبراز الإضاءات والإنجازات، إن عملي هو الرصد، كشف الألغام. وعليّ أيضاً أن أنتظر نتائج عملي.
يا ترى ما هي مهمات الكاريكاتير السياسي؟ مهمته التحريض، التبشير بولادة إنسان عربي جديد سيأتي حتماً، التحريض عملية معروفة تاريخياً أليس واجباً علينا أن نقول كلمة الحق أمام سلطان جائر؟ الكاريكاتير موجبةٌ عليه كلمة الحق … والسلاطين كثر.
مهمة الكاريكاتير تعرية الحياة بكل ما تعني الكلمة … الكاريكاتير ينشر الحياة دائماً على الحبال وفي الهواء الطلق، وفي الشوارع العامة … إنه يقبض على الحياة أينما وجدها لينقلها الى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال لتستير عورتها.
… مهمة الكاريكاتير عندي تبشيرية بالأمل، بالثورة، لولادة إنسان جديد.
الصورة عندي هي عناصر الكادحين والمقهورين والمطحونين؛ لأنهم هم الذين يدفعون كل شيء ثمناً لحياتهم، غلاء الاسعار ، الذود عن الوطن ، تحمل اخطاء ذوي السلطة ،كل شيء لديهم صعب الحصول عليه، كل شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم لكنهم يناضلون من اجل حياتهم ويموتون في ريعان الشباب، في قبور بلا أكفان، هم دائماً في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة ، انا في الخندق معهم أراقبهم وأحسُ نبضهم ودماءهم في عروقهم، ليس لي سلطة ان اوقف نزفهم أو احمل عنهم ثقل همومهم لكن سلاحي هو التعبير عنهم بالكاريكاتير، وتلك أنبل مهمة للكاريكاتير الملتزم . إنني أستمد حقيقتي من الفقراء الذين مات أولادهم شهداء وما زالوا يقدمون الأضحيات من أجل فلسطين.
بدأت الرسم على جدران المخيمات وفي "النادي"، وبدأ الوعي السياسي أخذ طريقه بين الناس في المخيم، كما ظهرت المظاهرات وساعدنا على ذلك تزامن ثورة الجزائر في الخمسينات مع ثورة يوليو – تموز في مصر.
حددتُ مهمتي بأن ألقتط نفس الناس في "المخيم" و "الجنوب" وحتى في "النيل". أعبّر عن ذاتي من خلال هؤلاء. أنا أداةٌ من أدوات هذا الشعب العظيم. رسومي ليست للعرض، إنها لغة تعبيرية وأراهن على روحي لتوظيفها في سبيل قضيتي. تعلمتُ الرسم في السجن، هناك سجناء يتعلمون ممارسة الأعمال اليدوية، أنا تعلمت الرسم الكاريكاتيري، ، كنتُ أرسمُ على "حيطان" السجن، وتحضرني ذكرى الشهيد غسان كنفاني الذي زارنا في "النادي" ورأى رسومي، أخذ بعضاً منها ونشرها في مجلة الحرية، من خلال هذه البداية اندفعت بإحساس شامل بأهمية الكاريكاتير، تناوبتُ على فترات السجن، بعدها فكرتُ بالالتجاء الى الخليج.
اشتغلت مزارعاً، وميكانيكياً، وكهربائياً .. وبقي الرسمُ هاجسي، التجأتُ الى مجلة الطليعة في الكويت، وبدأت أشتغل من فرّاش الى رئيس تحرير مع احترامي لكل رؤساء التحرير، كنا نطبع الكلمات ونصفُ الحروف ونكنس واستطعت أن أحصل على مساحة من المجلة، عن الكاريكاتير الذي يحكي عن سعر "البندورة" أعتبرهُ كاريكاتيراً سياسياً، كذلك تناول جانب أخلاقي أيضاً قضية سياسية، إن الرسم الكاريكاتيري الجاد يريد إيماناً عند الفرد الذي يرسم.
أرسم لأصل فلسطين.
عندما خرجتُ من فلسطين وسكنّا في مخيم "عين الحلوة" كان هاجسي مع الزملاء هو الرجوع الى فلسطين، كنا أطفالاً وذلك لم يمنعنا أن نفكر في قضيتنا ونتوجس من أجلها ونفتش عن طرائق العودة.
إن أي فنان خارج بيته يموت. والفنان الذي لا يتواصل مع الناس لن يبلغ هدفه مهما علا مجده. أنا رجل أحمل خيمتي على ظهري وعشيرتي هي الفقراء. حلمت بحنظلة في الكويت … وولدته هناك … خفتُ أن "أتوه" أن تجرفني الأمواج بعيداً عن مربط فرسي … فلسطين…
حنظلة وفيٌّ لفلسطين ولن يسمح لي أن أكون غير ذلك، إنه نقطة عرق على جبيني تلسعني إذا ما جال بخاطري أن أجبن أو أتراجع.
متى سيرى الناس وجه حنظلة؟ عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته ومع ذلك يبقى التعب الأكبر هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهموم، ، يبقى في الأعماق تعب الوطن ذلك الوطن الذي يبشر به حنظلة بكثير من الأمل.
إنه شاهد العصر الذي لا يموت … الشاهد الذي دخل الحياة عنوةً … ولن يغادرها أبداً … إنه الشاهدُ الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، ولدت لتحيا وتحدت لتستمر.
حنظلة: هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت: إنني قد أستمر به بعد موتي.
ملاحظة
ناجي العلي
منقول
عزيزي القارئ اسمح لي ان اقدم لك نفسي .. انا وأعوذ بالله من كلمة أنا ..
اسمي : حنظلة ، اسم أبي مش ضروري ، امي .. اسمها نكبة وأختي الصغيرة فاطمة ..
نمرة رجلي :ما بعرف لاني دايماًً حافي ..
تاريخ الولادة : ولدت في (5 حزيران 67)
جنسيتي: انا مش فلسطيني مش أردني مش كويتي مش لبناني مش مصري مش حدا .. الخ ،باختصار معيش هوية ولا ناوي اتجنس .. محسوبك انسان عربي وبس ..
التقيت بالصدفة بالرسام ناجي .... كاره فنه لانه مش عارف يرسم .. وشرحلي السبب .. وكيف كل ما رسم عن بلد .. السفارة بتحتج ..الارشاد والانباء ( الرقابة) بتنذر ..
قلي الناس كلها اوادم .. صاروا ملايكة .. وآل ما في أحسن من هيك .. وبهالحالة .. بدي ارسم بدي اعيش .. وناوي يشوف شغلة غير هالشغلة ..
قلتله انت شخص جبان وبتهرب من المعركة .. وقسيت عليه بالكلام ، وبعدما طيبت خاطرو .. وعرفتو على نفسي واني انسان عربي واعي بعرف كل اللغات وبحكي كل اللهجات معاشر كل الناس المليح والعاطل والادمي والازعر .. كل الانواع .. اللي بيشتغلوا مزبوط واللي هيك وهيك .. وقلتله اني مستعد ارسم عنه الكاريكاتير . كل يوم وفهمته اني ما بخاف من حدا غير من الله واللي بدوا يزعل يروح يبلط البحر .. وقلتلو عن اللي بيفكروا بالكنديشن والسيارة وشو يطبخوا اكتر من مابفكروا بفلسطين ..
وياعزيزي القارئ .. انا اسف لاني طولت عليك .. وما تظن اني قلتلك هالشي عشان اعبي هالمساحة .. واني بالاصالة عن نفسي وبالنيابة عن صديقي الرسام اشكرك على طول .. وبس ..
التوقيع (حنظلة)
ويقول ناجي العلي:
ولد حنظلة في العاشرة من عمره، وسيظل دائماً في العاشرة، ففي تلك السن غادرتُ الوطن، وحين يعود، حنظلة سيكون … بعدُ … في العاشرة، ثم يأخذ في الكبر بعد ذلك … قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، إنه استثناءً … وستصبح الأمور طبيعيةً حين يعود للوطن (…) فالطفل يُمثل موقفاً رمزياً ليس بالنسبة لي فقط … بل بالنسبة لحالة جماعية تعيش مثلي وأعيش مثلها.
قدمته للقراء واسميته حنظلة كرمز للمرارة، في البداية قدمته كطفل فلسطيني لكنه مع تطور وعيه أصبح له أفق قومي ثم أفق كوني إنساني.
أما عن سبب إدارة ظهره للقراء فتلك قصة تُروى: في المراحل الأولى رسمتُه ملتقياً وجهاً لوجه مع الناس، وكان يحمل "الكلاشنكوف" وكان أيضاً دائم الحركة وفاعلاً وله دور حقيقي: يناقش باللغة العربية والإنجليزية، بل أكثر من ذلك فقد كان يلعب "الكاراتيه" .. يغني الزجل ويصرخ ويؤذن ويهمس ويبشر بالثورة.
وفي بعض الحالات النادرة، وأثناء انتفاضة الضفة الغربية، كان يحمل الحجارة ويرجم بها الأعداء، وأثناء خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت كان يقبّل يد هذه المدينة الجريحة مثلما كان يقدم الزهور لها. … وقد يُعْطى تفسيرٌ : أن لهذا الطفل موقفاً سلبياً ينفي عنه دور الإيجابية، لكنني أقول: إنه عندما يرصد تحركات كل أعداء الأمة، ويكشف كافة المؤامرات التي تحاك ضدها، يتبين كم لهذا الطفل من إسهامات إيجابية في الوقوف ضد المؤامرة … وهذا هو المعنى الإيجابي.
… حقيقة الطفل أنه منحازٌ للفقراء، لأنني أحمل موقفاً طبقياً، لذلك تأتي رسومي على هذا النحو ، والمهم رسم الحالات والوقائع وليس رسم الرؤساء والزعماء.
(…) داومتُ على خلق تلك الشخصية بشكل يجعلها الرمز الشاهد على ما يجري، فقد لاحظتُ أن الرسم الكاريكاتيري كان متجهاً للنخبة وليس للجماهير.
(…) إنه الولد البسيط لكنه حاد، ولهذا تبناه الناس وأحسّوا أنه يمثل ضميرهم الواعد. لقد حاولت من خلال مواقفه أن أبرز القضايا التي يتبناها، وجعلته يتعامل مع الواقع بشجاعة خالية من أي رباء أو كذب أو نفاق.
ليست مهمتي إبراز الإضاءات والإنجازات، إن عملي هو الرصد، كشف الألغام. وعليّ أيضاً أن أنتظر نتائج عملي.
يا ترى ما هي مهمات الكاريكاتير السياسي؟ مهمته التحريض، التبشير بولادة إنسان عربي جديد سيأتي حتماً، التحريض عملية معروفة تاريخياً أليس واجباً علينا أن نقول كلمة الحق أمام سلطان جائر؟ الكاريكاتير موجبةٌ عليه كلمة الحق … والسلاطين كثر.
مهمة الكاريكاتير تعرية الحياة بكل ما تعني الكلمة … الكاريكاتير ينشر الحياة دائماً على الحبال وفي الهواء الطلق، وفي الشوارع العامة … إنه يقبض على الحياة أينما وجدها لينقلها الى أسطح الدنيا حيث لا مجال لترميم فجواتها ولا مجال لتستير عورتها.
… مهمة الكاريكاتير عندي تبشيرية بالأمل، بالثورة، لولادة إنسان جديد.
الصورة عندي هي عناصر الكادحين والمقهورين والمطحونين؛ لأنهم هم الذين يدفعون كل شيء ثمناً لحياتهم، غلاء الاسعار ، الذود عن الوطن ، تحمل اخطاء ذوي السلطة ،كل شيء لديهم صعب الحصول عليه، كل شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم لكنهم يناضلون من اجل حياتهم ويموتون في ريعان الشباب، في قبور بلا أكفان، هم دائماً في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة ، انا في الخندق معهم أراقبهم وأحسُ نبضهم ودماءهم في عروقهم، ليس لي سلطة ان اوقف نزفهم أو احمل عنهم ثقل همومهم لكن سلاحي هو التعبير عنهم بالكاريكاتير، وتلك أنبل مهمة للكاريكاتير الملتزم . إنني أستمد حقيقتي من الفقراء الذين مات أولادهم شهداء وما زالوا يقدمون الأضحيات من أجل فلسطين.
بدأت الرسم على جدران المخيمات وفي "النادي"، وبدأ الوعي السياسي أخذ طريقه بين الناس في المخيم، كما ظهرت المظاهرات وساعدنا على ذلك تزامن ثورة الجزائر في الخمسينات مع ثورة يوليو – تموز في مصر.
حددتُ مهمتي بأن ألقتط نفس الناس في "المخيم" و "الجنوب" وحتى في "النيل". أعبّر عن ذاتي من خلال هؤلاء. أنا أداةٌ من أدوات هذا الشعب العظيم. رسومي ليست للعرض، إنها لغة تعبيرية وأراهن على روحي لتوظيفها في سبيل قضيتي. تعلمتُ الرسم في السجن، هناك سجناء يتعلمون ممارسة الأعمال اليدوية، أنا تعلمت الرسم الكاريكاتيري، ، كنتُ أرسمُ على "حيطان" السجن، وتحضرني ذكرى الشهيد غسان كنفاني الذي زارنا في "النادي" ورأى رسومي، أخذ بعضاً منها ونشرها في مجلة الحرية، من خلال هذه البداية اندفعت بإحساس شامل بأهمية الكاريكاتير، تناوبتُ على فترات السجن، بعدها فكرتُ بالالتجاء الى الخليج.
اشتغلت مزارعاً، وميكانيكياً، وكهربائياً .. وبقي الرسمُ هاجسي، التجأتُ الى مجلة الطليعة في الكويت، وبدأت أشتغل من فرّاش الى رئيس تحرير مع احترامي لكل رؤساء التحرير، كنا نطبع الكلمات ونصفُ الحروف ونكنس واستطعت أن أحصل على مساحة من المجلة، عن الكاريكاتير الذي يحكي عن سعر "البندورة" أعتبرهُ كاريكاتيراً سياسياً، كذلك تناول جانب أخلاقي أيضاً قضية سياسية، إن الرسم الكاريكاتيري الجاد يريد إيماناً عند الفرد الذي يرسم.
أرسم لأصل فلسطين.
عندما خرجتُ من فلسطين وسكنّا في مخيم "عين الحلوة" كان هاجسي مع الزملاء هو الرجوع الى فلسطين، كنا أطفالاً وذلك لم يمنعنا أن نفكر في قضيتنا ونتوجس من أجلها ونفتش عن طرائق العودة.
إن أي فنان خارج بيته يموت. والفنان الذي لا يتواصل مع الناس لن يبلغ هدفه مهما علا مجده. أنا رجل أحمل خيمتي على ظهري وعشيرتي هي الفقراء. حلمت بحنظلة في الكويت … وولدته هناك … خفتُ أن "أتوه" أن تجرفني الأمواج بعيداً عن مربط فرسي … فلسطين…
حنظلة وفيٌّ لفلسطين ولن يسمح لي أن أكون غير ذلك، إنه نقطة عرق على جبيني تلسعني إذا ما جال بخاطري أن أجبن أو أتراجع.
متى سيرى الناس وجه حنظلة؟ عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته ومع ذلك يبقى التعب الأكبر هو مواصلة المشوار بكل ما فيه من تناقضات وهموم، ، يبقى في الأعماق تعب الوطن ذلك الوطن الذي يبشر به حنظلة بكثير من الأمل.
إنه شاهد العصر الذي لا يموت … الشاهد الذي دخل الحياة عنوةً … ولن يغادرها أبداً … إنه الشاهدُ الأسطورة، وهذه الشخصية غير قابلة للموت، ولدت لتحيا وتحدت لتستمر.
حنظلة: هذا المخلوق الذي ابتدعته لن ينتهي من بعدي بالتأكيد، وربما لا أبالغ إذا قلت: إنني قد أستمر به بعد موتي.
ملاحظة
ناجي العلي
منقول
تعليق