هذه حكاية غير معلومة المؤلف مثل كل الحكايات الشعبية. . لكنها أعجبتني كثيراً. تقول الحكاية إن رجلاً كان يقود سيارته الجديدة الفخمة بسرعة عالية، أبطأ الرجل من سرعة السيارة قليلاً حين رأى أطفالاً يخرجون من شوارع جانبية، ثم هُيّئ له أنه يرى شيئاً فأبطأ أكثر; وإذْ به يفاجأ ب (طوبة) ترتطم بباب السيارة الأيسر. أوقف الرجل السيارة بعصبية ثم رجع بها إلى المنطقة التي أتت منها (الطوبة). خرج من السيارة ودماؤه تفور وأمسك بالصبي الذي قذف سيارته بالحجر صائحاً
(ما الذي يحدث ومن أنت أيها المجنون؟ ما الذي تريد أن تفعل بي؟ ألا ترى أن هذه سيارة جديدة وأن إصلاحها سيكلفني مبالغ طائلة؟). بدت على الصبي ملامح الاعتذار وهو يقول: (يا سيدي أنا اَسف جداً، لكن لم أعرف كيف أتصرف، لقد قصدت رميك بطوبة حتى تتوقف). وبدأت دموع الصبي تنهال فوق ملامحه الصغيرة وهو يشير إلى يمينه (لقد وقع أخي المُقعد من فوق كرسيه المتحرك، وأصيب برضوض ولأنه ثقيل جداً عليّ، فقد أردت أن أستوقف أحداً لمساعدتي. لقد أشرت إلى العديد من سائقي السيارات قبلك ولم يتوقف أحد). تراخت قبضة الرجل من فوق عنق الصبي، وقد أصابته حالة من الذهول بينما استكمل الصبي كلامه وهو يبكي (هل بإمكانك مساعدتي؟). بلع الرجل غَصّة في حلقه وقد راوغته الكلمات ففقد النطق وهو يتجه إلى الطفل الواقع من فوق كرسيه. . رفعه من على الأرض وبعد أن أجلسه أخرج منديله وبدأ يمسح جروح الطفل من دون أن ينطق بكلمة واحدة. نظرة سريعة على الصبي كانت كفيلة بطمأنته إلى أنه سيكون على ما يرام. فهي ليست إلا جروحاً ورضوضاً خفيفة بينما يأتيه صوت الطفل الذي رماه ب (الطوبة) شاكراً وممتناً.
وقف الرجل في مكانه وأخذ يرقب الطفل وهو يدفع بكرسي أخيه المتحرك أمامه في طريق عودتهما إلى البيت. بدت له الدقائق التي مشاها إلى سيارته دهراً من الزمن، عندما نظر إلى جسد السيارة تأكد من أن خسارة إصلاحها كبيرة; لكنه كان قد قرر ألا يصلحها. سيتركها هكذا لتذكره أن يبطئ من سرعته حتى يتلقى إشارات الحياة. فلو ظل يقود السيارة بالسرعة الجنونية نفسها ستضطر الحياة إلى أن ترميه بطوبة كي يتوقف. أعجبتني الحكاية لأنها تمثل إلى حد كبير مسيرة البشر في الحياة في تلك العقود الأخيرة. لو سألنا اَباءنا وأجدادنا سيقولون لنا إن الحياة أيام شبابهم كانت أجمل وأكثر بطئاً. كان الزمن وقتها يسمح بزيارات لأقرباء ولمة للأسرة وأوقات دافئة يجتمع فيها الجميع على مائدة طعام أو أكواب شاي يتسامرون ويضحكون. أما أيامنا هذه فقد زادت فيها سرعة الحياة. على الواحد منا أن يجري من عمل إلى اَخر ومن مهمة إلى أخرى. وفي تلك الحالة من الركض المستمر تفوتنا أشياء كثيرة. . يفوتنا جمال يبزغ فجأة مع غروب الشمس أو رائحة هواء معبق بالياسمين، ويفوتنا أن نستمع إلى استغاثات بشر كان بإمكاننا مساعدتهم بأشياء صغيرة، قد لا تتعدى ربتة كتف أو ابتسامة حنان. الشيء المحزن أن تلك الأشياء التي تفوتنا تشكل في معظمها طوق نجاة لنا نحن. فما من مشهد جميل تراه العين، إلا ويعود على الروح براحة هي ترياق لمرارات الحياة، وما من شخص نمد له يد المساعدة إلا ونشعر بعدها براحة غريبة لا تفسير محدداً لها; إلا أننا استطعنا ولو لوهلة بسيطة أن نخرج من جلد أحزاننا ومشكلاتنا لنتماهى مع اَخر قد يكون في أزمة أكبر من أي أزمة عرفناها; واستغرقتنا فرأيناها نهاية العالم وسقف الأحزان. علينا فقط أن نعي أن حالة الركض حتى لو أدت بنا إلى إنجازات على المستوى العملي; إلا أنها سلبت منا جزءاً مهماً وعزيزاً من الحياة نفسها.
(ما الذي يحدث ومن أنت أيها المجنون؟ ما الذي تريد أن تفعل بي؟ ألا ترى أن هذه سيارة جديدة وأن إصلاحها سيكلفني مبالغ طائلة؟). بدت على الصبي ملامح الاعتذار وهو يقول: (يا سيدي أنا اَسف جداً، لكن لم أعرف كيف أتصرف، لقد قصدت رميك بطوبة حتى تتوقف). وبدأت دموع الصبي تنهال فوق ملامحه الصغيرة وهو يشير إلى يمينه (لقد وقع أخي المُقعد من فوق كرسيه المتحرك، وأصيب برضوض ولأنه ثقيل جداً عليّ، فقد أردت أن أستوقف أحداً لمساعدتي. لقد أشرت إلى العديد من سائقي السيارات قبلك ولم يتوقف أحد). تراخت قبضة الرجل من فوق عنق الصبي، وقد أصابته حالة من الذهول بينما استكمل الصبي كلامه وهو يبكي (هل بإمكانك مساعدتي؟). بلع الرجل غَصّة في حلقه وقد راوغته الكلمات ففقد النطق وهو يتجه إلى الطفل الواقع من فوق كرسيه. . رفعه من على الأرض وبعد أن أجلسه أخرج منديله وبدأ يمسح جروح الطفل من دون أن ينطق بكلمة واحدة. نظرة سريعة على الصبي كانت كفيلة بطمأنته إلى أنه سيكون على ما يرام. فهي ليست إلا جروحاً ورضوضاً خفيفة بينما يأتيه صوت الطفل الذي رماه ب (الطوبة) شاكراً وممتناً.
وقف الرجل في مكانه وأخذ يرقب الطفل وهو يدفع بكرسي أخيه المتحرك أمامه في طريق عودتهما إلى البيت. بدت له الدقائق التي مشاها إلى سيارته دهراً من الزمن، عندما نظر إلى جسد السيارة تأكد من أن خسارة إصلاحها كبيرة; لكنه كان قد قرر ألا يصلحها. سيتركها هكذا لتذكره أن يبطئ من سرعته حتى يتلقى إشارات الحياة. فلو ظل يقود السيارة بالسرعة الجنونية نفسها ستضطر الحياة إلى أن ترميه بطوبة كي يتوقف. أعجبتني الحكاية لأنها تمثل إلى حد كبير مسيرة البشر في الحياة في تلك العقود الأخيرة. لو سألنا اَباءنا وأجدادنا سيقولون لنا إن الحياة أيام شبابهم كانت أجمل وأكثر بطئاً. كان الزمن وقتها يسمح بزيارات لأقرباء ولمة للأسرة وأوقات دافئة يجتمع فيها الجميع على مائدة طعام أو أكواب شاي يتسامرون ويضحكون. أما أيامنا هذه فقد زادت فيها سرعة الحياة. على الواحد منا أن يجري من عمل إلى اَخر ومن مهمة إلى أخرى. وفي تلك الحالة من الركض المستمر تفوتنا أشياء كثيرة. . يفوتنا جمال يبزغ فجأة مع غروب الشمس أو رائحة هواء معبق بالياسمين، ويفوتنا أن نستمع إلى استغاثات بشر كان بإمكاننا مساعدتهم بأشياء صغيرة، قد لا تتعدى ربتة كتف أو ابتسامة حنان. الشيء المحزن أن تلك الأشياء التي تفوتنا تشكل في معظمها طوق نجاة لنا نحن. فما من مشهد جميل تراه العين، إلا ويعود على الروح براحة هي ترياق لمرارات الحياة، وما من شخص نمد له يد المساعدة إلا ونشعر بعدها براحة غريبة لا تفسير محدداً لها; إلا أننا استطعنا ولو لوهلة بسيطة أن نخرج من جلد أحزاننا ومشكلاتنا لنتماهى مع اَخر قد يكون في أزمة أكبر من أي أزمة عرفناها; واستغرقتنا فرأيناها نهاية العالم وسقف الأحزان. علينا فقط أن نعي أن حالة الركض حتى لو أدت بنا إلى إنجازات على المستوى العملي; إلا أنها سلبت منا جزءاً مهماً وعزيزاً من الحياة نفسها.
تعليق