اسس فرق قوس قزح و سنا و ورد و الوان وطموحه الانفتاح علي موسيقي كل الشعوب

دمشق -القدس العربي ـ من أنور بدر: يدهشك حسام الدين بريمو وهو يقدم الحفل تلو الآخر، تارة مع جوقة قوس قزح، وأخري مع جوقة ورد أو جوقة ألوان وصولا الي جوقة سنا، مجموعة فرق فنية يتابع العمل معها بدأب، يشتغل علي الموسيقي والأغاني التراثية، كما يشتغل علي موسيقي وأغنيات الشعوب، ضمن مشروع فني ما زال يتكامل يوما بعد آخر.
فكرة الغناء الكورالي تعود لعشرين سنة خلت، وبعدما أنهيت دراستي بالمعهد العالي للموسيقي ـ قسم الغناء ـ والتي كان أحد أركانها الكورال، أحسست أنني امتلكت أدوات مشروعي، والذي بدأته عام 1999بتأسيس جوقة قوس قزح.
لكن هذه الجوقة ليست أكثر من خطوة أولي ضمن مشروع خططت له أن يكتمل في العام 2009، ويتضمن كورال كبيرا فيه كل الأعمار، أو لنقل كل انسان قادر علي النطق، مع فرقة موسيقية كبيرة ومتنوعة.
يحدثنا عن مشروعه للغناء الكورالي والذي بدأ بأخذ معالمه بعدما تخرج من المعهد العالي للموسيقي ـ قسم الغناءْ، فأسس جوقة قوس قزح للغناء الكورالي عام 1999 والتي كانت خطوة ضمن مشروعه الفني، تتابعت مع جوقة سنا للأطفال، الذين تتراوح أعمارهم من سنتين ونصف السنة وحتي السادسة، وجوقة ألوان وتتراوح أعمار أعضائها ما بين السبع سنوات والثلاثة عشر عاماً، ثم فرقة ورد من 14 ـ 18 سنة.
ويتابع حسام الدين بريمو قائلا: أما جوقة قوس قزح للبالغين الاحترافيين ما بعد ذلك العمر، وكذلك جوقة شام للبالغين الهواة، ونأمل أن ننجح حتي عام 2009 في اطلاق فرقة ندي الموسيقية من كافة الأعمار أيضاً، وبكافة الآلات الموسيقية الكلاسيكية والعربية، وبذلك نكون قد حققنا ما يمكن تسميته مشروعا فنيا.
يهدف هذا المشروع للانفتاح علي كل موسيقي الشعوب، فلو دققت في أسماء الفرق التي تحدثنا عنها ستكتشف أنها تخلو من أي خصوصية محلية، هي أسماء تنتمي للطبيعة والانسان في كل بلاد العالم، هذا الانفتاح هو الجسر الذي نتواصل من خلاله مع الآخر، نتعرف عبره علي جماليات الأغنية بغض النظر عن انتمائها لأي شعب أو حضارة، كما نعرّف الآخرين علي جماليات وخصوصية الأغنية العربية عموماً، والسورية بشكل خاص، وذلك من خلال اعداد الأغنية المحلية أو ما يصطلح علي تسميته بالتوزيع، لتسهل استساغتها من قبل غير العرب.
هذه الاتجاهات كانت واضحة في الحفل الأخير الذي أقيم في المركز الثقافي الروسي بدمشق، بدعوة ورعاية من دار أطلس للنشر والتوزيع، اذ غصت قاعة المسرح بعشاق الطرب والغناء، وتألقت جوقة قوس قزح للانشاد الكورالي بقيادة المايسترو حسام الدين بريمو ببرنامج غنائي دعته نافذة بلا اطار تقول عنه في البروشور:
الموسيقي أوسع نافذة تُطل منها الشعوب بعضها علي بعض، تتجاوز اللغة وكل الانتماءات لتبلغ حد انتماء الجميع لمرجعية اللحن ومصفوفته، وتتسع تلك النافذة حتي تبدو بلا اطار .
ضمن هذا التصور اشتغلت الفرقة في القسم الأول من برنامجها علي ما أسمته طريق الحرير حيث أدت تسع أغنيات معروفة بتسع لغات، اختارتها من الدول التي كانت تمر بها قوافل التجارة والتي عرفت بطريق الحرير.
فبدأت الفرقة مع مقطع من الدانوب الأزرق ليوهان شتراوس بالألمانية، ثم أرض الأم باليابانية، وأغنية الرعيان الصينية، أنا أشعر بالحب من أندونيسيا، الحائكة الفتية من التراث الروسي، لنرقص في ضوء القمر أغنية من أرمينيا، دانا دانا من هنغاريا، السيدة بطة أغنية برازيلية باللغة البرتغالية، وأخيراً مزحة ايطالية .
وربما تكون المرة الأولي في العالم التي تؤدي فيها فرقة ما الغناء بتسع لغات، ويؤكد خيار حسام بريمو لوجود أغنية برازيلية أنه يتكئ علي طريق الحرير، ليس من أجل التشبث بالماضي وتقاليده، انما لينفتح من خلاله علي الآخر وثقافات العالم، بلا حدود.
حدثنا المايسترو بريمو عن التقاطع بين مشروعه الفني وبين ما يختزنه طريق الحرير من رموز التمازج الثقافي وانصهار الشعوب، باعتباره طريقا للبحث عن الجماليات الفنية لدي الآخر، ومن هنا كان خيارنا لموسيقي تنتمي لكل الشعوب.
بالمقابل يؤكد أن جوقة قوس قزح من حيث التسمية تعني الربط بين مكانين، وهذا كان واضحاً منذ تأسيس الفرقة، فالفن لا قومية ولا دين له، والموسيقي هي اللغة الوحيدة في العالم التي تتجاوز كل الحدود والي كل الحدود.
في القسم الثاني من البرنامج استمعنا الي تسع أغنيات عربية، بدأت بالفيروزية الشهيرة، من ألحان الأخوين الرحباني وسيد درويش، طلعت يا محلا نورها ، لما بدا يتثني ، طالعة من بيت أبوها من توزيع أدوار طوركيان. ثم استمعنا الي فوغ دمشقي يعيد تسجيل أصوات الباعة في سوق الهال، والجمل التي تتردد علي ألسنتهم للنداء علي كل نوع من أنواع الخضار والفواكه معتمداً علي أبسط الكلمات وحتي الجمل اللحنية التي تعشقتها الأذن المحلية، لكنه عندما يسكبها في البعد قالب الفوغ المعقد نسبياً، تتحول الي شكل جديد من الايقاعات المتداخلة، والتي نتلقاها من خلال لغة وجمل لحنية عالمية، يمكن للآخر أن يستمع اليها ويشاطرنا الدهشة ذاتها.
من يدخل منا الي سوق الهال سيعرف هذا التداخل ويبتسم له خاين يا طرخون... ، ريانة يا بندورة... نبكية يا بطاطا... ، تلك التعابير الشعبية التي نسمعها في صيغة لحنية بسيطة جداً، تحمل دلالاتها لدينا، لكن المستمع الآخر، أو الياباني مثلاً، لا تعني له شيئاً، وان لم يندهش بالتداخل السابق، ليحب الموسيقي، لن يتآلف مع أغنيتنا. لذلك حاولنا تقديمها في قالب فوغ ـ FUGUE وهو قالب تتداخل فيه الأصوات وهي تردد نفس اللحن بتواتر، هذا التداخل تستسيغه الأذن العالمية.
أعقب تلك الوصلة بمقطوعة موزاييك ايقاعي بلا كلمات من توزيع الفنان جمال السقا، وهي عبارة عن ايقاعات موزونة، تحمل شحنة انفعالية من خلال الطبقات الصوتية في الأداء الذي كان معبراً دون مفردات. ثم أغنيتين الأولي للمطرب الراحل فهد بلان باسم يا ساكنين قبالنا وهي من ألحان عبد الفتاح سكر، والثانية تراثية باسم يا وارد عالبير وقد أعاد الفنان شفيع بدر الدين توزيعهما بشكل جديد.
في البرنامج يقول بريمو: اشتغلنا علي الأغنية السورية، ليس لأن المستمع السوري يريد سماع يا ساكنين قبالنا للمطرب الراحل فهد بلان، بل كنا نشتغل لاخراجها من دائرتها الضيقة الي أوسع دائرة ممكنة، وهذا تطلب اعادة صياغة للأغنية السورية بشكل تستسيغه الأذن العالمية.
بهذه الطريقة اشتغلنا علي الكثير من الأغنيات العربية، نحن نملك الآن أكثر من 200 قطعة موسيقية، وفي هذا الحفل لم نقدم الا نماذج من 8 أغانيات عربية موزعة بأكثر من شكل، يًُظهر طواعية تراثنا المحلي في اعادة صياغته بقالب يفهمه الآخر/غير العربي، ويتلمس من خلاله جماليات الغناء العربي وجماليات هذا التراث.
وكان مسك الختام مع المتتالية الروحية التي وضعها حسام الدين بريمو والتي يمكن أن تشكل علامة فارقة في الأغنية السورية، بل والعربية أيضاً.
يردد حسام بريمو حول ذلك ما نقلته من تعليق السيد بورن مدير المركز الثقافي الدنماركي السابق في دمشق، حين سمع هذه المتتالية لأول مرة ان هذه الأغنية لا تُغني الا في سورية، ولا تُسمع الا في سورية . اذ يصعب وجود ثلاثين شخصاً يرتلون الترنيمات المسيحية والأناشيد الاسلامية بروح مشتركة وحلوة بآن معا.
وللدقة نقول انه لدينا تجارب سابقة اذ سمعنا مع الأستاذ نوري اسكندر للانشاد السرياني ثم انشاد اسلامي، وهذا تكرر في جوقة فرح ومع حمزة شكور، لكن المتميز لدينا أن الجميع يشاركون في انشاد القطعة ذاتها، كامل الفرقة ترتل ميلادك أيها السيد المسيح الهنا ثم تتابع طلع البدر علينا من ثنيات الوداع بدون أي لون ديني أو عقيدة محددة.
ويؤكد السيد بريمو أن التوافق اللحني بين تلك الأناشيد والتراتيل انما يشي بأن الأغاني الدينية في سورية ألحانها سورية أساساً، وكانت تلك الموسيقي سابقة علي الرسالات السماوية. فعندما هبطت الرسالات السماوية في المنطقة، منحتها س تلك الموسيقا التي عرفتها أصلاً.