مرحبا أنا جايبة لكم رواية وأتمنى أنها تنال إعجابكم مثل ما عجبتني راح أكتبها على أجزاء
رحلـــــــــــــــــــة قلب
رواية للدكتور: نبيل فاروق
الجزء الأول
أختلط صراخ سيدة شابة، في منتصف العشرينات من عمرها ، بقصف القنابل المسموع في وضوح ، في مدينة (بور سعيد) في أثناء حرب يونيو عام ألف وتسعمائة وسبعة وستين ، وهي تعبر بوابة قسم الولادة، بمستشفى (بور سعيد) العام، وهتفت السيدة العجوز التي ترافقها في صوت لاهث متقطع الأنفاس :
- أسرعوا أيها الأطباء .... ابنتي تلد .... إنه طفلها الأول .
كان الألم واضحاً في ملامح السيدة الشابة ، وفي محياها الجميل الرقيق مما دفع ممرضات المستشفى إلى الإسراع لمعاونتها ، ونقلها إلى حجرة الولادة في حين ألقت العجوز جسدها المنهك فوق مقعد متهالك وهي تتضرع إلى الله _سبحانه وتعالى_ أن يعاون ابنتها وتعلق بصرها بطبيب بشاب أسرع إلى قسم الولادة واختفى في الحجرة التي حملت الممرضات ابنتها إليها ........
كانت أنفاس العجوز تزداد ضيقا وصعوبة مع الانفعال الشديد الذي تملكها مع قلقها على ابنتها ، وأسفها على غياب زوج ابنتها الضابط بالقوات المسلحة في مثل هذه الظروف وذلك التوتر الواضح في طرقات المستشفى مع وجود كل هذا العدد من الجرحى الذين أنجبتهم معارك نكسة يونيو وانهماك أطباء المستشفى جميعهم في معالجة عشرات الجرحى وإسعاف مئات المصابين.
وتعلقت أبصار العجوز بحجرة الولادة وقد باتت أنفاسها تعبر حلقها في صعوبة رهيبة وانفعالها يتضاعف ويتزايد وصراخ ابنتها يعبر أذنيها كخناجر مسمومة حادة تمزق نياط قلبها وتستقر في حلقها لتعوق مزيدا من أنفاسها ....
في حجرة الولادة كان الطبيب الشاب يحاول بذل أقصى جهده لمعاونة الأم الصغيرة التي بدت شديدة الضعف والتخاذل وارتفع نبض قلبها إلى الذروة مع انقباض رحمها الذي يبذل بدوره جهدا كبيرا للفظ الجنين الذي يجاهد للتحرر منه ....
التفت إحدى ممرضات القسم إلى الطبيب الشاب وقالت في قلق:
- هل تظن أنها ستحتمل يا دكتور (صبري) ؟
عقد الدكتور (صبري) حاجبيه وترك ممرضة أخرى تجفف العرق الغزير المتصبب على وجهه وهو يغمغم :
- لست أدري !!! إنها تبدو شديدة الضعف وأخشى أن ...
لم يتم عبارته ولكن للأسف الواضح في ملامحه أوضح ما يعنيه ولكنه يبذل أقصى جهده لإنقاذ الأم وجنينها حتى لم يعد يسمع قصف القنابل وتحركات زملائه القلقة في أروقة المستشفى ....
وأخيراً التقطت يداه الجنين الصغير وأسرع يعقد رباط سرته وهو يقول بانفعال:
- انها طفلة جميلة ..... تشبه أمها تماماً
خفق قلب الأم الصغيرة في شدة وهي تهتف في صوت وصل إلى ذروة ضعفه:
- طفلة ؟! دعني أرها بالله عليك .
لم تراها أبدا.............
لم يتحمل قلبها الضعيف هذه الخفقة الأخيرة فسكن واسترخى بعد أن أطمأن إلى خروج الجنين إلى الحياة.........
يالها من لحظة انبعثت فيها الحياة وخبت!ّ!
ارتفع صراخ المولودة الصغيرة وسكن فيها صوت الأم الشابة....
لحظة أعطت للدنيا حياة جديدة وسلبت منها حياة أخرى.
ترقرقت الدموع في عيون الممرضات وبكى الطبيب الشاب وهو يحاول في يأس إنقاذ الأم الشابة وإعادة الأنفاس إلى صدرها الساكن ....
وأخيرا توقفت محاولته وسالت دموع الحزن على وجهه وغمغمت إحدى الممرضات وهي تبكي: ألا يوجد ما نلف به جسد الصغيرة ؟
أشارت ممرضة أخرى إلى الخارج وقالت: هناك سيدة عجوز كانت تصحب الأم – رحمها الله- وربما كان معها ما يفيد.
قالت عبارتها وأسرعت إلى الخارج ثم لم تلبث أن عادت وهي ترتجف من فرط الانفعال وقالت في صوت مرتعد حزين:
رباه !! لقد لفظت العجوز أنفاسها بدورها وهي تجلس على مقعدها في الخارج
سادت الدهشة لحظة في حجرة الولادة واختلطت بشفقة شديدة نحو الطفلة الصغيرة التي جاء مولدها مرادفاً لموت أمها وجدتها ثم اسرع الدكتور (صبري) ينزع معطفه الأبيض ويناوله إلى احدى الممرضات وهو يقول في لهجة مشفقة حزينة :
- سيؤدي هذا الغرض
ثم اردف في حزن:
أي اسم ستحمل هذه الصغيرة الجميلة ياترى؟
غمغمت إحدى الممرضات :
إننا لانعلم حتى اسم امها فقد جاءت في رداء النوم كما ترى .التقط الدكتور (صبري) الطفلة الصغيرة لتي استكانت داخل معطفه الأبيض وداعب رأسها الصغير في شفقة وهو يغمغم :
- كل مخلوق في هذه الدنيا لابد وأن يحمل اسماً ما .
قالت احدى الممرضات وهي تتأمل الصغيرة في شفقة :
- يبدو أن الصغيرة ستكون أول استثناء للقاعدة يا دكتور(صبري) فمن العسير في ظل هذه الظروف أن نبحث عن والدها أو نحتفظ حتى بجثتي أمها وجدتها حتى يتعرف عليهما أحد فالحرب قد.........
قاطعا الدكتور (صبري) وهو يضم الصغيرة إلى صدره:
- حتى في هذه الحالة أيضاً لن تستثنى الصغيرة من القاعدة وستحمل اسماً بالضرورة.
قلبت احدى الممرضات كفيها وقالت: ولكن أي اسم؟
ساد الصمت لحظة في حجرة الولادة تأل الدكتور (صبري) خلالها وجه الصغيرة الرقيق ثم لم يلبث أن ضمها إلى صدره وهو يقول في حزم:
- لو لم تمنح الظروف هذه الصغيرة فرصة حمل اسم والدها الأصلي فستحمل اسما مألوفاً لديكن.
ثم أردف في حنان :
- اسم (صبري مختار)
وعادت عيون الجميع تمتلئ بالدموع
ترقبوا الجزء الثاني
تعليق