أن غزة، هذه الملكة المتشحة بالحزن والحكمة، صنعت من رحيق أزهارها الشوك قرص عسل وأهدته لمن جاء إليها، يروي لها حكايته، حكاية الولد الفلسطيني، والجرح الفلسطيني، والبكاء الفلسطيني، والفرح الفلسطيني، الشاعر الموهوب احمد دحبور، الذي خرج من وادي النسناس في حيفا ابن سنتين، وأكمل فطامه في مخيم اللاجئين في حمص وسط سوريا، ولم يعد منذ ذلك الحين، وتبادلته المدن عاشقه له، او ضجرة من حكايته أو ربما لأنها عرفت انه ليس له هوى سواها، حيفا، وإنها تصلح للعالمين ولكنه لا يصلح إلا لها!!!
لان غزة المتشحة بالحزن والحكمة، تعودت منذ ستين سنة، ان ترعى كل الأولاد أصحاب الحكايات وان تضمهم إلى صدرها، وتهدهد حزنهم النبيل، وأشواقهم السرمدية، الأولاد القادمين إليها من يافا، والسوافير، والمجدل، واللد، والرملة، وبئر السبع، ويبنا، والجورة، ومن كل حدائق الذاكرة الفلسطينية !!! فإنها حين جاءها هذا الولد الفلسطيني احمد دحبور، القادم إليها من حيفا عبر المنافي، احبته على الفور، احتضنته، ألقمته ثديها، وسرى حليبها في شريانه عشقا وشعرا وهوى وتنزيلا.
يوم الخميس الفائت اقتطفت غزة من حديقة وفائها المقدس، وردة حمراء، وقدمتها هدية وتذكارا للشاعر احمد دحبور، كان العشاق كثيرين، أصدقاء احمد دحبور، رفاقه في المسيرة الطويلة، تلامذته في معبد الشعر، والذين نضجت ثمار مواهبهم على إيقاع أغانيه في فرقه العاشقين، والذين تابعوه منذ أن ' غرست حيفا على الأجفان '، والذين انبهروا دائما بالسماع عنا، عن القافلة الفلسطينية المدهشة حين عبرت واحدة من تجاربها في بيروت، وكل الذين خبأوا أشياء الوطن الثمينة النادرة في عب الحكايات، جاؤوا للاحتفاء بالشاعر احمد دحبور، بناء على دعوة وجهتها لهم كلية الآداب والدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر التي أقامت له حفل التكريم في قاعه المؤتمرات في الجامعة، فكان الاحتفال نفسه أشبه بقصيدة جميلة.
التقيت مع احمد دحبور لأول مرة في الأغوار، في نهاية الستينيات، كان قادما من مخيم حمص في وسط سوريا وأنا قادم من مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، كانت فتح الطالعة من قلب الجرح قد جمعتنا تحت ظلال شجرتها الوارفة، في الأغوار تعرفنا وقتها على الآلاف من الشباب العاشقين أبناء الذاكرة المزدهرة، من كل بستان وردة، ومن كل نبع نقطة، ومن كل كتاب آية. كانت فتح آنذاك هي فلسطين بكل تضاريسها ومناخآها، بمطرها وصيفها، بسهولها وجبالها، بكل تينها وزيتونها وزيتها، فتح _آنذاك _ كانت فلسطين لأنها لم تقل للفلسطينيين شيئا سوى أنها تريدهم أن يكونوا فلسطينيين !!!
احمد دحبور الخفيض الصوت، والعازف عن الصراخ في الزحام، الهادي في زمن الضجيج والمتبصر في وقت انفجارات الجنون، يكمن في شعره، ويكمن مفتاح شعره انه يعشق حيفا، وانه على اتساع طوافه في البلاد، وتوغله في التجارب، لم يرغب في أن يحب سواها، ولم يستطع أن يحب، ولم يجد ما يغريه في أن يكون له سواها، ' ولأن الحداد يليق بحيفا '، فلقد ظل احمد دحبور في دواوينه الكثيرة، يمتطي صهوة تلك الغيمة الوردية، غيمة الحزن الهادي، وهكذا عرفت غزة مفاتيح قلبه، وأشواق روحه، ووحدته ووحشته الصوفية، فآنسته بضوء محبتها، وقدمت له من العسل النار من زهر أشواكها قرصا، ومن حديقة ذاكرتها المتوهجة وردة حمراء زرعتها في عروة قميصه فشكرا لغزة الملكة المتشحة بالحزن والحكمة وأهلا بأحمد دحبور، متمنين له سنين طويلة ينشد حكايته، حكاية الولد الفلسطيني
احترامي منقول
لان غزة المتشحة بالحزن والحكمة، تعودت منذ ستين سنة، ان ترعى كل الأولاد أصحاب الحكايات وان تضمهم إلى صدرها، وتهدهد حزنهم النبيل، وأشواقهم السرمدية، الأولاد القادمين إليها من يافا، والسوافير، والمجدل، واللد، والرملة، وبئر السبع، ويبنا، والجورة، ومن كل حدائق الذاكرة الفلسطينية !!! فإنها حين جاءها هذا الولد الفلسطيني احمد دحبور، القادم إليها من حيفا عبر المنافي، احبته على الفور، احتضنته، ألقمته ثديها، وسرى حليبها في شريانه عشقا وشعرا وهوى وتنزيلا.
يوم الخميس الفائت اقتطفت غزة من حديقة وفائها المقدس، وردة حمراء، وقدمتها هدية وتذكارا للشاعر احمد دحبور، كان العشاق كثيرين، أصدقاء احمد دحبور، رفاقه في المسيرة الطويلة، تلامذته في معبد الشعر، والذين نضجت ثمار مواهبهم على إيقاع أغانيه في فرقه العاشقين، والذين تابعوه منذ أن ' غرست حيفا على الأجفان '، والذين انبهروا دائما بالسماع عنا، عن القافلة الفلسطينية المدهشة حين عبرت واحدة من تجاربها في بيروت، وكل الذين خبأوا أشياء الوطن الثمينة النادرة في عب الحكايات، جاؤوا للاحتفاء بالشاعر احمد دحبور، بناء على دعوة وجهتها لهم كلية الآداب والدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر التي أقامت له حفل التكريم في قاعه المؤتمرات في الجامعة، فكان الاحتفال نفسه أشبه بقصيدة جميلة.
التقيت مع احمد دحبور لأول مرة في الأغوار، في نهاية الستينيات، كان قادما من مخيم حمص في وسط سوريا وأنا قادم من مخيم دير البلح وسط قطاع غزة، كانت فتح الطالعة من قلب الجرح قد جمعتنا تحت ظلال شجرتها الوارفة، في الأغوار تعرفنا وقتها على الآلاف من الشباب العاشقين أبناء الذاكرة المزدهرة، من كل بستان وردة، ومن كل نبع نقطة، ومن كل كتاب آية. كانت فتح آنذاك هي فلسطين بكل تضاريسها ومناخآها، بمطرها وصيفها، بسهولها وجبالها، بكل تينها وزيتونها وزيتها، فتح _آنذاك _ كانت فلسطين لأنها لم تقل للفلسطينيين شيئا سوى أنها تريدهم أن يكونوا فلسطينيين !!!
احمد دحبور الخفيض الصوت، والعازف عن الصراخ في الزحام، الهادي في زمن الضجيج والمتبصر في وقت انفجارات الجنون، يكمن في شعره، ويكمن مفتاح شعره انه يعشق حيفا، وانه على اتساع طوافه في البلاد، وتوغله في التجارب، لم يرغب في أن يحب سواها، ولم يستطع أن يحب، ولم يجد ما يغريه في أن يكون له سواها، ' ولأن الحداد يليق بحيفا '، فلقد ظل احمد دحبور في دواوينه الكثيرة، يمتطي صهوة تلك الغيمة الوردية، غيمة الحزن الهادي، وهكذا عرفت غزة مفاتيح قلبه، وأشواق روحه، ووحدته ووحشته الصوفية، فآنسته بضوء محبتها، وقدمت له من العسل النار من زهر أشواكها قرصا، ومن حديقة ذاكرتها المتوهجة وردة حمراء زرعتها في عروة قميصه فشكرا لغزة الملكة المتشحة بالحزن والحكمة وأهلا بأحمد دحبور، متمنين له سنين طويلة ينشد حكايته، حكاية الولد الفلسطيني
احترامي منقول
تعليق