--------------------------------------------------------------------------------

مع انتهاء عام وبداية عام جديد كثيرًا ما نسأل أنفسَنا كيف نُغيِّر حياتنا للأفضل؟
وكيف يصبح حالُنا في العام الجديد أفضلَ من العام السابق؟
وقد ينجح البعض في الإجابةِ على هذا السؤال، وقد يفشل آخرون، وقد يفشل الكثير في تحديد الأسئلة الخاصة بهم من الأساس.
ويقدم لنا هذا الكتاب (كيف تجعل عامك القادم أفضل أعوام عمرك؟) إجابةً عن هذه التساؤلات في صورة مزيد من الأسئلة تساعدنا على فَهم أنفسنا بصورة أفضل،
ومن ثم التعامل مع ما حولنا بشكل جيد.
مؤلفة الكتاب هي الكاتبة الإنجليزية جيمي إس ديتزلر، قام الداعية الإسلامي د. إمام محمد العدس- زميل الكلية الملكية بلندن-
بإصدار الكتاب بإضافة الخلفية الإسلامية إليه باسم (كيف تجعل عامك القادم أفضل أعوام عمرك؟

في البداية تطالب المؤلفة القارئَ بأن يجلس مع نفسه ثلاث ساعات يتأمَّل فيها عامَه المنصرم، ويوافقها الكاتبُ رأيَها، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (1﴾ وما جاء في صحف موسى: "وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله أن يكون له ساعات.. ساعةٌ يناجي فيها ربه، وساعةٌ يحاسب فيها نفسَه، وساعةٌ يتفرَّغ فيها لمعاشه".
الأعذار
ثم تعرِض المؤلفة قائمةً بالأعذار التي ينتحلها الجنس البشري للتوقف عن التغيير، مثل: "لا أستطيع".. "فات الآوان"، وتسأل القارئ إن كان يحب أن ينضمَّ إلى "نادي المعذّرين"؟ فيعيدنا الكاتب للأصل الإسلامي قائلاً: "معاذَ الله"، ونافيًا أن يعني هذا اللفظ المعنى القرآني، والذي كان وصفًا لطائفة لم تجد ما تجاهد به، فاعتذر لهم الرسول- قائلاً: "لا أجد ما أحملكم عليه" فتولوا عنه- صلى الله عليه وسلم- ﴿وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيْضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَن لاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُوْنَ﴾ (التوبة: من الآية 92).
وإنما المعنيون هنا بلفظ "المعذّرين" منتحلو الأعذار ومبرِّرو الإخفاق.. "طاقتي محدودة"، "رأيي غير مسموع"، "أنا عبد المأمور" وتضرب المؤلفة مثالاً يكثُر استخدامُه، وهو أن يلعب الإنسان دور الضحية.. ضحية الظروف.. ضحية المؤامرة.. وهي حجة المتنصِّلين من المسئولية.
ويضيف الكاتب أن أول مَن استعمل دور الضحية كان إبليس اللعين.. فآدم وزوجه لمَّا وقَعا في المعصية رجعا باللوم على أنفسهما وقالا: ﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)﴾ (الأعراف) أما إبليس فلعب دور الضحية المظلوم، الذي أُمر أن يسجد لمَن هو أقلُّ منه رتبةً، فتربَّص للانتقام من آدم وذريته ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (62)﴾ (الإسراء)، ثم يوجِّه رسالةً للقارئ أن الأفضل من دور الضحية هو أن يستبدلَ نقطةَ ضعفه بقدرة أخرى تزيده قوةً، ثم يَستشهد بابن عباس وقد عَمِيَ بصرُه فأنشد يقول:
إن يسلب الله من عينيَّ نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور
ذكيٌّ وعقلي غير متهم وفي فمي صارم كالسيف مسلول

وللانتقال من مجرد التفكير إلى العمل الجاد يدعونا للانطلاق حاملين شعار: "لن يسبقني إلى الله أحد"، ثم يبدأ في أول الأسئلة العشرة التي تطرحها المؤلفة:

السؤال الأول: ماذا أنجزت في العام الماضي؟

وقبل أن تجيب بـ: "أنا لم أنجز شيئًا يستحق الذكر" يناشدك النظر إلى نصف الكوب الممتلئ..
تخرَّجت.. تزوَّجت.. أنجبت طفلاً.. حفظ ولدك القرآن.. نجح أحد أفراد أسرتك بفضل مساعدتك..
ظللت على مبدئك رغم تقلبات الأجواء من حولك.. إذن لقد أنجزت شيئًا ما.. لا تذمَّ نفسَك.
وينتقد كلٌّ من المؤلفة والكاتب حرص المربِّين على غرس "عقدة الذنب" داخلنا منذ نعومة أظفارنا،
ثم يحثنا أن نكتب اثني عشر إنجازًا بعدد شهور السنة مهما كانت بساطتها،
ولو كانت حفاظك على وزنك أو مواظبتك على عبادة ما أو عادة إيجابية.

السؤال الثاني: ماذا كانت أكبر الأشياء المخيبة لآمالي؟

وقبل أن تجيب: "كثيرة هي".. يدعوك ألا تكون متشائمًا، وأن تحدد هدفَك من السؤال بأن تعلم عن نفسك إيجابياتها،
فتعرف كيف تنمِّيها، وسلبياتها فتسعى لعلاجها، ويسأل ما الآمال التي لم تُنجَز؟! هل تُبْت من ذنب ثم عُدتَّ إليه؟
ويذكِّرك بأن اجترار الأحزان لا يفيد، فما حدث قد حدث، ويستشهد بقول الرسول- صلى الله عيه وسلم-: "احرص على ما ينفعك،
واستعِن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
وينصحك بالتعامل مع إخفاقات الماضي بثلاث إيجابيات: سامح.. انس.. تعلم،
والسماح هنا ليس فقط لمن أساء إليك، وهو ضرورة لسلامة صدرك وراحة أعصابك،
وإنما أيضًا ينبغي أن توجِّهها إلى نفسك، مفرِّقًا بين النفس اللوَّامة والنفس الجالدة التي لا تذكِّرك إلا بالفشل والإخفاق،
ومشدِّدًا على أن أهم طريقة للتعامل مع الماضي هي أن تتعلم منه، ومشيرًا إلى حكمة بالغة:
"من السذاجة أن تعمل نفس الشيء بنفس الطريقة ثم تتوقع نتائج مختلفة".

السؤال الثالث: ماذا تعلمت؟!

أنت الآن في مرحلة تكوين قاعدة بيانات عن نفسك.. أجب.. ماذا كان سرّ نجاحي أو إخفاقي؟! هل استفدت منهما؟!
وهل هناك دليل على ذلك؟! كيف أؤدي الأمور بشكل مختلف؟ فلنفكر في النصائح التي نسدِيها للآخرين ثم نتواضع حتى نرى إذا كنا نتَّبِعُها أم لا.

السؤال الرابع: كيف يمكنني التوقف؟

بعبارة أخرى كيف أتعرف إلى ذاتي؟ ينتقد هنا الانهزام أو أساليب الدفاع المغالَى فيها أو المرتبطة بعقد الطفولة
، مؤكدًا أن سعادتنا وتعاستنا في الحياة لا تتوقف بنسبة كبيرة على ما يحدث لنا، ولكن على ردود أفعالنا تجاه ما يحدث لنا،
ولماذا تكون ردود الأفعال خاطئةً أحيانًا؟! يستشهد هنا بمصعب بن عمير الذي لم تزل عقدة حبس أمه وإيذائها له ماثلةً بين عينيه تحرِّك حياته، بل تجاوزها إلى ما هو أعظم وأكبر،
فعنده مهمة السفارة عن الإسلام، وإبراهيم- عليه السلام- لم يتوقف عند تخلِّي أبيه عنه وترْكِ قومه يلقونه في النار وانطلق يقود موكب الأنبياء.

السؤال الخامس: ما قيمتي الشخصية؟ ما منظوري الحقيقي؟

تحتاج إلى الاقتراب من نفسك.. لماذا اخترت هذا المقال؟ ما الذي يخرجك في الصباح؟ ما نيتك في كل ما تفعله؟!
ويشرح الكاتب ميزة النظرية الإسلامية التي أجابت على هذه الأسئلة ليس بطريقة مبدأ اللذة الذي يحرِّك كل نوازع الإنسان،
ولا بالطريقة الفرويدوية التي تُرجِع كلَّ نوازع المخلوقات إلى الإشباع الجنسي، ولا البراجماتية، ولا نظرية الواجب لكانط،
ولكنها تقوم على الاطمئنان والرضا الداخلي والتصالح مع الروح،
ملخصًا مبتغاه بمقولة الإمام البنا الشهيرة "الغاية أصل والأعمال فرع لها".

السؤال السادس: أي دور أحب أن أقوم به في حياتي؟

إن مسرح الحياة يحتاج منك أن تتقن عدة أدوار، قد تعيشها كلها في وقت واحد: دور المدير للبيت أو الشركة،
دور الأب الحاني، دور الزوج المحبّ، دور المربي، دور الجندي، وهذه الأدوار لا تتعارض.

السؤال السابع: على أي دور أركِّز في السنة القادمة؟

تخيَّل أنك في طائرةٍ تُحلِّق فوق حياتك، فعلى أي دور تحب أن تهبط بطائرتك؟!
تخيل كل دور في حياتك نقطة على محيط دائرة: ربّ أسرة، مدرِّب لأبنائك، كاتب، عضو في نادٍ،
صديق لأبنائك.. على أي منطقة تحب أن تهبط بسلام؟! أعطِ نفسَك درجاتٍ في كل دور، ثم اهبط على نقطة ضعفك.

السؤال الثامن: ما أهدافي لكل دور؟

وبعبارة أدقّ: في أي منطقة من دوري أهبط؟!
ويجيب باقتراح عملي: إن كنت اخترت دور الطبيب لصحتك المتدهورة، واكتشفت أن أكبر مشكلتين في حياتك التدخين والبدانة،
فركِّز على هدفَين عمليَّين لكلٍّ منهما.. مثلاً بالنسبة للتدخين: قل سأمتنع عن التدخين أمام أبنائي او أهلي
(لا تنس وأنت تلعب الدور أنك الأب الحاني) وفي الأماكن العامة، وسأقلِّل من عدد
السجائر في الثلاثة أشهر الأولى إلى الرقم كذا، وهكذا، وتتبع النمط نفسه مع الحمية الغذائية.

السؤال التاسع: ما أهم عشرة أهداف للسنة القادمة؟

مسترشدًا بإجابات الأسئلة السابقة.. اكتب ورقةً تحتوي على الإرشادات التي أعطيتها لنفسك
من خلال نقاط نجاحك وإخفاقك، ثم قيِّم شخصيتَك، ثم الأدوار التي تقوم بها، والدور الذي ستركز عليه أكثر،
ثم الأهداف العشرة التي تخدم في المقام الأول هدف التركيز.

السؤال العاشر والأخير: كيف أتأكد أنني حقَّقت الأهداف العشرة؟

ينبِّهنا الكتاب إلى أمرٍ كثُر مَن يغفله، فالقراءة تظل متعةً نظريةً فكريةً لا تخرج إلى دائرة التطبيق إلا إذا وُجد الحافز،
وأقوى الحوافز هو "الجماعة"، فيد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وتقترح المؤلفة نظامًا جماعيًّا يمكن اختصاره بثلاثة عوامل:
"العوامل الخارجية"، وهي قائمة الأهداف،
ثم "الدعم والمساندة" بالاستعانة بآخرين،
وأخيرًا "منظور" ويعني نظرتك الجديدة لنفسك التي انتقلت من الانهزامية إلى المحاولة، ومن اليأس إلى الأمل، مؤمنةً بقدراتها وطاقاتها.