سأرحل ... نعم سأرحل
ردّدها " حيران " كثيراً بينما كان مستلقياً على فراشه المتعب بعض الشيء ؛ إذ إنّه كان يتوسّد
مجموعة من الأوراق على جانبٍ من بطانيّة تعلو دكة إسمنتيّة خشنة تتوسّط البيت ... ليس بيتاً
بمعنى الكلمة ، بل ثلاثة جدران تحت سقفٍ من الصفيح ، أمّا الجدار الرابع فقد استغنى حيران عن
غطائه ليبنيه .
لم يُفكر حيران بالعمل قط ، فقد كان قوتُ يومه يأتيه من أهل القرية ، أمّا الأوراق وهي أهمّ ما
في حياته ، فقد كان الشيخ عبد المحسن (إمام مسجد القرية) يحضرها إليه كلّ مساء ، فلا يتركها
إلا مخضبة بدموع قلمه التي تجسّدُ واقع القرية لتي يقطنها ، القرية الفقيرة البائسة التي طالما حلم
أن يتركها ، كانت قريبة من المدينة ، لكنّها بعيدة عنها كلّ البعد بالنسبة لمظاهر الحياة .
- كفّي عن مضايقتي .. ألا تملين ؟؟ كلّ صباح تكررين نفس القصّة وتدخلين بيتي حتّى دون إذن منّي ..
في الواقع أنا الغلطان ، كان يجب أن أستبدل هذا الجدار ببطانيّة جديدة ، أو أن أغيّر مشرق الشمس ...
وكلاهما مستحيل !!
ولكن ليس مستحيلاً أن أرحل ، نعم سأرحل إلى المدينة وأبحث عن عمل ، وطبعاً سآخذ أوراقي معي .
لم يتأخّرْ هذه المرّة ، بل جمع أوراقه ، وأخذ بعض الأوراق الفرحة من عند الشيخ عبد المحسن
ليُغرقها حزناً في رحلته ، ثمّ يمّمَ شطرَ الطريق العامّ .... استقلّ شاحنةً وذهب .
.................................................. ....................................
.................................................. ....................................
- ياااه ما أجمل البيوت ! أوّل مرّة أرى المدينة .. أتصدّق ؟؟
- وأين كنت تعيش ؟
- في أوراقي ...
- الأخ كلمة ؟؟!
- بل جزءٌ من القرية التي تعيش في هذه الأوراق .
- ستشفى بإذن الله ، فالمدينة لا تسعها أوراقك .
- أنزلني هنا أرجوك ، وثق تماماً بأنّني سأحجز لك زاويةً في هذه الورقة ...
كل صحن غسله حيران كان له ذكرُ في أوراقه (في المطعم الذي عمل فيه طبعاً) ، فقد كان
يكتب أحداث النهار كاملة وهو على سريره في غرفة صغيرة من المطعم ، لم يكن وحيداً
في تلك الغرفة ، بل كان معه " جميل " زميله في العمل .
وعلى الرغم من هذا التغيير في حياة "حيران" إلا أنّ هناك كلمتين لم تفارقاه ،
(سأرحل ... نعم سأرحل)
لم يكن يدري إلى أين هذه المرّة ، لكنه سمع جميل ذات يوم يقول : إن البحر رائع ، حيث
كان يعيش ، فقرّر حيران أن يجاور البحر ، وفي صباح اليوم التالي جمع أوراقه التي
تضاعفت ... ورحل .
- لا أعرف السباحة ، لكنّني سأكتب رسالة للبحر ، ولن أعطيَه إياها ، فأنا واثقٌ من حزن
ما فيها ، والبحر لا ينقصه حزن ، غريبٌ أنت أيّها البحر . . . لِمَ لا تكتب ؟ فأنا حزينُ
وأكتب ، أكتبُ كثيراً . . . ويحكْ ! ألا تعبّرُ عمّا بداخلك ؟ ألا تفرغ غضبك ؟
تحرّك حيران متجهاً نحو البحر ، وبدأت قدماه تغوص . . . وتغوص . . إلى أن
اختفى راسه في ظلمة المياه ... لكنّه تركَ أوراقه على الشاطئ . . .
تركها حائرة !!
محبتكم / دمعة
ردّدها " حيران " كثيراً بينما كان مستلقياً على فراشه المتعب بعض الشيء ؛ إذ إنّه كان يتوسّد
مجموعة من الأوراق على جانبٍ من بطانيّة تعلو دكة إسمنتيّة خشنة تتوسّط البيت ... ليس بيتاً
بمعنى الكلمة ، بل ثلاثة جدران تحت سقفٍ من الصفيح ، أمّا الجدار الرابع فقد استغنى حيران عن
غطائه ليبنيه .
لم يُفكر حيران بالعمل قط ، فقد كان قوتُ يومه يأتيه من أهل القرية ، أمّا الأوراق وهي أهمّ ما
في حياته ، فقد كان الشيخ عبد المحسن (إمام مسجد القرية) يحضرها إليه كلّ مساء ، فلا يتركها
إلا مخضبة بدموع قلمه التي تجسّدُ واقع القرية لتي يقطنها ، القرية الفقيرة البائسة التي طالما حلم
أن يتركها ، كانت قريبة من المدينة ، لكنّها بعيدة عنها كلّ البعد بالنسبة لمظاهر الحياة .
- كفّي عن مضايقتي .. ألا تملين ؟؟ كلّ صباح تكررين نفس القصّة وتدخلين بيتي حتّى دون إذن منّي ..
في الواقع أنا الغلطان ، كان يجب أن أستبدل هذا الجدار ببطانيّة جديدة ، أو أن أغيّر مشرق الشمس ...
وكلاهما مستحيل !!
ولكن ليس مستحيلاً أن أرحل ، نعم سأرحل إلى المدينة وأبحث عن عمل ، وطبعاً سآخذ أوراقي معي .
لم يتأخّرْ هذه المرّة ، بل جمع أوراقه ، وأخذ بعض الأوراق الفرحة من عند الشيخ عبد المحسن
ليُغرقها حزناً في رحلته ، ثمّ يمّمَ شطرَ الطريق العامّ .... استقلّ شاحنةً وذهب .
.................................................. ....................................
.................................................. ....................................
- ياااه ما أجمل البيوت ! أوّل مرّة أرى المدينة .. أتصدّق ؟؟
- وأين كنت تعيش ؟
- في أوراقي ...
- الأخ كلمة ؟؟!
- بل جزءٌ من القرية التي تعيش في هذه الأوراق .
- ستشفى بإذن الله ، فالمدينة لا تسعها أوراقك .
- أنزلني هنا أرجوك ، وثق تماماً بأنّني سأحجز لك زاويةً في هذه الورقة ...
كل صحن غسله حيران كان له ذكرُ في أوراقه (في المطعم الذي عمل فيه طبعاً) ، فقد كان
يكتب أحداث النهار كاملة وهو على سريره في غرفة صغيرة من المطعم ، لم يكن وحيداً
في تلك الغرفة ، بل كان معه " جميل " زميله في العمل .
وعلى الرغم من هذا التغيير في حياة "حيران" إلا أنّ هناك كلمتين لم تفارقاه ،
(سأرحل ... نعم سأرحل)
لم يكن يدري إلى أين هذه المرّة ، لكنه سمع جميل ذات يوم يقول : إن البحر رائع ، حيث
كان يعيش ، فقرّر حيران أن يجاور البحر ، وفي صباح اليوم التالي جمع أوراقه التي
تضاعفت ... ورحل .
- لا أعرف السباحة ، لكنّني سأكتب رسالة للبحر ، ولن أعطيَه إياها ، فأنا واثقٌ من حزن
ما فيها ، والبحر لا ينقصه حزن ، غريبٌ أنت أيّها البحر . . . لِمَ لا تكتب ؟ فأنا حزينُ
وأكتب ، أكتبُ كثيراً . . . ويحكْ ! ألا تعبّرُ عمّا بداخلك ؟ ألا تفرغ غضبك ؟
تحرّك حيران متجهاً نحو البحر ، وبدأت قدماه تغوص . . . وتغوص . . إلى أن
اختفى راسه في ظلمة المياه ... لكنّه تركَ أوراقه على الشاطئ . . .
تركها حائرة !!
محبتكم / دمعة
تعليق