يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: لا ريب أن هذه القضايا قضايا خطيرة تستحق الاهتمام من المشتغلين بفقه الشريعة وبيان أحكامها، وخصوصًا إذا كانت في حيز الإمكان القريب،
كما يؤكد الأطباء وإن كان من فقهاء السلف رضي الله عنهم من جعل نهجه رفض الإجابة عما لم يقع بالفعل من الحوادث المسئول عنها، حتى لا يجري الناس وراء الافتراضات المتخيلة، مما لا يقع مثله إلا شاذًا، بدل أن يعيشوا في الواقع، ويبحثوا عن علاج لأدوائه. فعن ابن عمر قال: لا تسألوا عما لم يكن: فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن. وكان بعضهم يقول للسائل عن أمر: أوقد وقع ؟ فإن وقع أجابه . وإلا قال له: إذا وقع فاسأل. وكانوا يسمون من سأل عما لم يقع: ' أرأيتيًّا ' نسبة إلى قوله: ' أرأيت لو كان كذا وحدث كذا ' الخ . . .. قال الشعبي إمام الكوفة في عصر التابعين: والله لقد بغّض هؤلاء القوم إليّ المسجد . قلت: من هم يا أبا عمر ؟ قال: الأرأيتيون. وقال: ما كلمة أبغض إليّ من ' أرأيت ' ؟ ! ويمكننا أن نقتدي بهؤلاء الأئمة، ونقول للسائل: دع الأمر حتى يقع بالفعل، فإذا حدث أجبنا عنه، ولا نتعجل البلاء قبل وقوعه. وما يدرينا ؟ لعل عقبات لم يحسب العلماء حسابها، أو قدروا في أنفسهم التغلب عليها . تقف في طريقهم، فلا يستطيعون تنفيذ ما جربوه في بعض الحيوان على نوع الإنسان. ولكنا - مع هذا - نحاول الجواب لأمرين: الأول: إن موجه السؤال يعتقد أن الأمر وشيك الوقوع، وليس من قبيل الفروض المتخيلة التي كان يسأل عن مثلها ' الأرأيتيون ' فلابد أن نتهيأ لبيان حكم الشرع فيما يترتب عليها من آثار لم يسبق لها نظير في الحياة الإسلامية، بل الإنسانية. الثاني: إن السؤال فيما أرى أيضًا فيما يتضمن بحث مشروعية هذه الأعمال المطروحة للاستفتاء: أتدخل في باب الجائز أم المحظور قضية اختيار الجنس: أما قضية اختيار جنس الجنين، من ذكورة وأنوثة، فهي تصدم الحس الديني لأول وهلة وذلك لأمرين: الأول:أن علم ما في الأرحام للخالق سبحانه، لا للخلق . قال تعالى: (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد) وهو من الخمسة التي هي مفاتيح الغيب المذكورة في آخر سورة لقمان (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام). فكيف يدعي بشر أنه يعلم جنس الجنين ويتحكم فيه ؟ الثاني:أن ادعاء التحكم في جنس الجنين تطاول على مشيئة الله تعالى، التي وزعت الجنسين بحكمة ومقدار، وحفظت التوازن بينهما على تطاول الدهور، واعتبر ذلك دليلاً من أدلة وجود الله تعالى وعنايته بخلقه وحسن تدبيره لملكه. يقول تعالى: (لله ملك السموات والأرض، يخلق ما يشاء، يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير). ولكن لماذا لا يفسر علم ما في الأرحام بالعلم التفصيلي لكل ما يتعلق بها ؟ فالله يعلم عن الجنين: أيعيش أم يموت ؟ وإذا نزل حيا: أيكون ذكيًا أم غبيًا ضعيفًا أم قويًا، سعيدًا أم شقيًا ؟ أما البشر فأقصى ما يعلمون: أنه ذكر أو أنثى. وكذلك يفسر عمل الإنسان في اختيار الجنس: أنه لا يخرج عن المشيئة الإلهية، بل هو تنفيذ لها . فالإنسان يفعل بقدرة الله، ويشاء بمشيئة الله (وما تشاءون إلا أن يشاء الله). وفي ضوء هذا التفسير، قد يرخص الدين في عملية اختيار الجنس، ولكنها يجب أن تكون رخصة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلة الضرورة، وإن كان الأسلم والأولى تركها لمشيئة الله وحكمته (وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة ). والله أعلم .
تعليق