إعـــــــلان

تقليص

قوانين منتديات أحلى قلب

قوانين خاصة بالتسجيل
  • [ يمنع ] التسجيل بأسماء مخلة للآداب أو مخالفة للدين الإسلامي أو مكررة أو لشخصيات معروفة.
  • [ يمنع ] وضع صور النساء والصور الشخصية وإن كانت في تصاميم أو عروض فلاش.
  • [ يمنع ] وضع روابط لايميلات الأعضاء.
  • [ يمنع ] وضع أرقام الهواتف والجوالات.
  • [ يمنع ] وضع روابط الأغاني أو الموسيقى في المنتدى .
  • [ يمنع ] التجريح في المواضيع أو الردود لأي عضو ولو كان لغرض المزح.
  • [ يمنع ] كتابة إي كلمات غير لائقة ومخلة للآداب.
  • [ يمنع ] نشر عناوين أو وصلات وروابط لمواقع فاضحة أو صور أو رسائل خاصة لا تتناسب مــع الآداب العامة.
  • [ يمنع ] الإعــلان في المنتدى عن أي منتج أو موقع دون الرجوع للإدارة.

شروط المشاركة
  • [ تنويه ]الإلتزام بتعاليم الشريعة الاسلامية ومنهج "اهل السنة والجماعة" في جميع مواضيع المنتدى وعلى جميع الإخوة أن يتقوا الله فيما يكتبون متذكرين قول المولى عز وجل ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)
    وأن يكون هدف الجميع هو قول الله سبحانه وتعالى (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).
  • [ يمنع ] الكتابة عما حرم الله عز وجل وسنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم .
  • [ يمنع ] التعرض لكل ما يسىء للديانات السماوية أي كانت أو ما يسيء لسياسات الدول .
  • [ يمنع ] عرض الإيميلات في المواضيع والردود .
  • [ يمنع ] التدخل في شؤون إدارة الموقع سواء في قراراتها أو صلاحيتها أو طريقة سياستها .
  • [ يمنع ] الإستهزاء بالمشرفين أو الإدارة بمجملها .
  • [ يمنع ] التعرض لأي شخص بالإهانة أو الإيذاء أو التشهير أو كتابة ما يتعارض مع القوانين المتعارف عليها .
  • [ يمنع ] التسجيل في المنتديات لهدف طرح إعلانات لمواقع أو منتديات أخرى .
  • [ يمنع ] طرح أي شكوى ضد أي مشرف أو عضو علناً ، و في حال كان لا بد من الشكوى .. راسل المدير العام من خلال رسالة خاصة .
  • [ يمنع ] استخدام الرسائل الخاصة لتبادل الكلام المخل للآداب مثل طلب التعارف بين الشباب و الفتيات أو الغزل وإن إكتشفت الإدارة مثل هذه الرسائل سوف يتم إيقاف عضوية كل من المُرسِل والمُرسَل إليه ما لم يتم إبلاغ المدير العام من قبل المُرسَل إليه والرسائل الخاصة وضعت للفائدة فقط .
  • [ يجب ] احترام الرأي الآخر وعدم التهجم على الأعضاء بأسلوب غير لائق.
  • عند كتابة موضوع جديد يرجى الابتعاد عن الرموز والمد الغير ضروري مثل اأآإزيــــآء هنـــديـــه كـــيـــوووت ~ يجب أن تكون أزياء هندية كيوت
  • يرجى عند نقل موضوع من منتدى آخر تغيير صيغة العنوان وتغيير محتوى الأسطر الأولى من الموضوع

ضوابط استخدام التواقيع
  • [ يمنع ] وضع الموسيقى والأغاني أو أي ملفات صوتية مثل ملفات الفلاش أو أي صور لا تتناسب مع الذوق العام.
  • [ يجب ] أن تراعي حجم التوقيع , العرض لا يتجاوز 550 بكسل والارتفاع لا يتجاوز 500 بكسل .
  • [ يمنع ] أن لا يحتوي التوقيع على صورة شخصية أو رقم جوال أو تلفون أو عناوين بريدية أو عناوين مواقع ومنتديات.
  • [ يمنع ] منعاً باتاً إستخدام الصور السياسية بالتواقيع , ومن يقوم بإضافة توقيع لشخصية سياسية سيتم حذف التوقيع من قبل الإدارة للمرة الأولى وإذا تمت إعادته مرة أخرى سيتم طرد العضو من المنتدى .

الصورة الرمزية للأعضاء
  • [ يمنع ] صور النساء المخلة بالأدب .
  • [ يمنع ] الصور الشخصية .

مراقبة المشاركات
  • [ يحق ] للمشرف التعديل على أي موضوع مخالف .
  • [ يحق ] للمشرف نقل أي موضوع إلى قسم أخر يُعنى به الموضوع .
  • [ يحق ] للإداريين نقل أي موضوع من منتدى ليس من إشرافه لأي منتدى أخر إن كان المشرف المختص متغيب .
  • [ يحق ] للمشرف حذف أي موضوع ( بنقلة للأرشيف ) دون الرجوع لصاحب الموضوع إن كان الموضوع مخالف كلياً لقوانين المنتدى .
  • [ يحق ] للمشرف إنـذار أي عضو مخالف وإن تكررت الإنذارات يخاطب المدير العام لعمل اللازم .

ملاحظات عامة
  • [ يمنع ] كتابة مواضيع تختص بالوداع أو ترك المنتدى وعلى من يرغب في ذلك مخاطبة الإدارة وإبداء الأسباب.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام التعديل على كل القوانين في أي وقت.
  • [ تنويه ] يحق للمدير العام إستثناء بعض الحالات الواجب طردها من المنتدى .

تم التحديث بتاريخ 19\09\2010
شاهد أكثر
شاهد أقل

.•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

    يسعدني تواجدك اختي احلى امل
    لكِ مني ارق التحية
    ِجِنَرال الَجُنوب
    صفحتي على الفيس بوك //~

    إضغط هنــآ

    تعليق


    • #17
      رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

      * مقـــــدمة *

      الأدبُ شـــعرٌ ونــثر …

      وقلــبي وقلبـك يا أخــي لحْــمٌ ودم ...

      ولقد حبذْتُ أن تكون هذه الصفحات التي هي بين يديك مَزيجا من

      الشّعْر والنثر، ليكون هناك النبــض، وبالتـالي تكون للكـلمة

      الحياة ، والوَقـْعُ المُميّـز في النفــس .

      فـــأتــــمنى أن يكون لكلــماتي هـذه نََفَـَسٌ عـطِرُ

      تسْتطيـبُـهُ روحـُــك أخي القارىء…
      الكاتــب


      معزوفة الكتاب بعـنوان :

      ** حَبـيبـةُُ الشّاعـر **

      يَا سائِـلاً عن حَبـيبـتِي تََمَهَّلْ كََـفََى

      فََقـدْ صَحَـا جُرح ٌ، ظَننْـتُهُ قدْ شـَفََا

      وََلاََ تُـــذََكِّرنِي بِيـوْمِيات العَـذابْ

      وحُرْقـةِ نارِ الهَوَى ، وعَهْدِ الجَـفََا

      فالحبُّ في مُهْـجَـتِي طََيْرٌ وديعٌ صغيرْ

      جََناحـُـــهُ مِنْ نارْ

      وَريشــُــهُ مِنْ نورْ

      ورأْسُهُ بُركانٌ ثائِــــرٌ وَرُعُودْ

      ََورُوحـُـهُ مِسكٌ ، وسَلسَبِيلٌ حَـبُورْ

      كََـذلك ، مَعْشُوقـتِي مَلاكُ العَذابْ
      كالحـُـبِّ مَسْكوبةٌ...

      في قالـبٍ مِنْ سَرابْ

      بََرقٌ هِي مَحبُـوبَتـي ، ورَعدٌ ونارْ

      ووَرْدَةٌ حُلوةٌ ، مُشهَّــدةُ الرّضـابْ

      يَمامةٌ تََـتْلُو القََصــائدَ الحَالمـَـهْ

      ولََبْــوةٌ تُرهِِبُ الكََواسرَ الحائِـمَهْ

      في عَينِ مَحْبُوبتي تََرى سَواد الدُّجَى

      وتلمسُ الصُّبح في رُموشِِها النََّاعِمهْ

      في بَسْـمتِها طِـفلٌ شََعْرهُ أَصْــفرْ

      ومِنْ شََذََى أنفاسِـها نََسيمُ السَّحَـرْ

      عََلََى قـََـفاها تََتََدلََّى خُيوطُ الظّـلامْ

      وفي مُحَـيََّاها ، صَواعـِـقٌ وضَجَرْ
      مَحبُوبتي تِلْـكَ هيْ

      رُوحٌ عـذبةٌ ..

      مََمْزُوجةٌ بِلََظىً ، لََهِيبُها يَسْتـعرْ

      خََليطُ بـَـناتِ الطّبيعةِ جِسـمُها

      ريـحٌ وبرقٌ ومَوْجٌ ثائرٌ ، ومَطََرْ

      أُنشودةُ بُلبُلٍ ، وهَمْسةُ نسـمةٍ

      قِيثارَةُ عازفٍ زاهٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ ، وزَهرٌ عَـطِِرْ

      أَصَاحِ : هلْ تََقْدرُ عََلََى هَوَى غََادَةٍ ؟

      لَيْسَتْ كََكُُلِّ البَشََرْ

      ليست ككل البشرْ ! ! !



      ** مأ تـــــــم الحــــــــــب **


      رنََََََّ الجرس، فا تّجه الصغير "ياسين" صـــــــــــوْب البا ب

      وفتحَه ، فتد فقتْ نسـائم المســـــــاء بــــــــاردة ًبعــــــــــض الشيء إلى

      الرِّواق ، وامتــــثل أمامه رَجــل طويل أسْمَر ، مُعــتدل القــــــــــــــدِّ ، ذو

      عيــــنين حــادتين ، وشفتين رقيقــــــــــــتين كأنهما مرسومـــتين بريشة

      رسّام ، وأنف مستــــــقيم تحته شنَب مقصوص بطريقة جيدة ، يرتــــدي

      بذ لة من طراز رفيع،وبعدما حـــدَََََّق " ياسين" فيه جيّدا، تعرَّف عليـــــه

      وصــاح بأعلى صوت مُرددا : عُمــر، عمـــر يا أمي .. وهَمََََََّ به ، فحمَلـــه

      عمر بين ذراعيه، ثم أقبلت الأم فا تحة ًذراعيها، واحتضنت إبنها وراحت

      تعا نقه بحرارة وشوق، وكذلك فعلتْ أخته الصغرى ، ثم دخلوا جميعا إلى

      غرفة الإستقبال في بهجة وســــــرور.

      - أطلْتََ الغيــــــــاب هذه المرة يا بني ، فقد فـــتَّتْت كــبدي . قالت الأم

      - رغمًا عني يا أماه ، فــــظروف العمل كما تعلمين ردَّ "عمر".

      - كيف حالـُك ، وحال شغلك هذا الــــلّعين الذي حرَمنا منك ؟

      إبتسم عمر وقال: بخير والحمد لله، ثم نظرإلى" ياسين" وأطلق : وأنتَ

      أيّّها المُشاغب كيف أحوال دراستك ؟ فأجاب الصّغير : إنـــــــــي بالمرتبة
      الثانية في القسم .

      - أحسنتَ ، لكن عليك أن تجتهد أكثر كي تصبح طبيبا كما وعَدْ تني

      ثم التفتَ إلى أخــته وقال: وأنتِ يا زُهــــرة ؟

      - أنا بخير ، ودراستي كذ لك ، أجابت خافضة ًرأسها قليلا في حياء،

      ثم قامت لتُحضِّر قــهوة الضيافة لأخيها .

      وكذلك بَقوا فِي بهجة ومُزاحٍٍٍٍٍ حتى دَنا وقت وجبة العشاء ، فقامـــــت الأم

      وابنتها وحَضّرتا الوجبة، التي طــغَـتْ عليها المأكولات الشعبية التي كان

      "عمر" مُولعًا بها منـذ صِغره ، بينما هو بقــــــــــــــي يُتـــابع الأخــــبار

      على التــــلفازمُداعبا شعــر الصغير" ياسين" ثم حُط ّ الأكل على المائدة

      فأكلوا ، ثـــــم استسلموا للنوم بعد مُسامرة قصيرة، على كؤوس الشاي.

      كانت تلك العائلة الصغيرة تسكن بمنزل في مخرج المد ينة ، بعيـــــدٍ عن

      الضوضاء ، تحيط بــــه حد يقة جميلة كا نت مَحلّ اهتمام كبير من طرف

      الأب قبل أن ينتقل إلى رحمة الله ، وكذلك بقيت أمّ عمر تعتني بها اعتناءا

      بالغا ، حفاظا على ذكرى أب أولادها ، وحنيــــنا إلى طـــيف ذاك الـــزوج

      الحَنون ، فكانت تلك الحديقة المحيطة بالمنزل تزينهُ مثلما تزين الإسوارة

      معصم الصبية البـــضة .

      ***
      إستيقظ عُمر باكرًا على شدْو عصافير الحــديقة المُستقبلة لشعاع

      الشمس ، النشوانة بنسائم" نيسان" المُعَطرة بأريـــج الزهـــور البريـــة

      الندية ، وبعدما تناول الفطور وخرج من المنزل ، سار وكلهُ شوقٌ لرؤية

      رفاق الصِّبا الذين عاش معهم أحلى الأيام ، فبقيت مكتوبة ًبحروف ذهبية

      في قاموس الذكريات ، إنه ذاك الزمــــن المَلــــيء بالسّــــذاجة والطهْـــر

      والبراءة ، زمن الطفولة ، ما أحلاها تلك اللحظات التي كان يقضيها تارة

      في الدراسة ، وتارة أخرى في اللهو والمُزاح والتحليق في فضاء الأحلام

      بأجنحة الأوهام ، بعيدا عـن هُمـــوم المســـؤولية المُـــلقاة على عاتقـــــه

      الآن ، كونَهُ يشغل وظيفة حكومية كانت من نصيبه ، بعدما أتمَّ تعليمَــــــه

      العالي ، وأعفِيَ من واجب الخدمة الوطنية . مشى ونعْلهُ المُلمَّع تُبــــــلِّلُه

      قطرات الندى ، يتأمل بهاءَ الثوب الذي ارْتدته الطبـــيعة ، فخـُــيِّل له أنها

      تزينتْ هي أيـضا لتستقبـــله حالـــها حالُ صبـــايا مدينته اللواتي امتلأت

      بهن شرفات المنازل ، بمُجرّد سماعِهنّ بخبر مجيء الشــــــاب الذي ذاع

      صيتهُ ، وعَلتْ منزلته بين الناس ، وأصبح حديثَ العام والخاص ، يُشــار

      إليه بالأصابع ، وتفرش أمامـه الرياش والنجوم اللوامـــــع !

      لكنه رغم كل ذلك ما كان الكِبْرُ رفيقا له ، بل كان بسيطا للغايــة ، لا يُحب

      التكــلف وزخــرف الكلام ، والمديح المنمـّــق ، ينظر بِعيْن ثاقبة، ويتوقـّد
      فطنة وذكـــاءا ، يميل إلى الفــقراء ويُواســي المحزونين والبؤساء.

      كانت الغبطة العارمة تملأ قلب عمر، بمُجرد أن رأى صديق عمره ورفيقَ

      طفولته "عماد "يحمل مِحفظة ، متوجِّها إلى إحدى المدارس التي يعمــل

      بها ، ويسير متصفحا جريدة من الجرائد اليومية ، فناداه باسمه ، فالتفتَ

      وبعدما تعرّف على صــديقه ألقـــــى بالجريــــدة والمحـــفظة عــــــــــــلى

      الأرض ، وهرْوَل باسمًا مبتهجا ، ولما وصل ألقى بنفسه في أحضـــــــان

      "عمر" وراح الرجلان يتعانقان في فرح وسُرور ، ثم سارا إلى مقــــهى

      شعبية ، كانا يختلفان إليها في تلك الأيام الخالية ، أيام الدراسة ، وجلسا

      في جوّ عامِر بأطياف الذكريات ، مليءٍ بالمُزاح والقهقهة ، بعد ذلك ركبا

      سيارة واتجها إلى مكان هادئ تناوَلا فيه وجبة الغداء، ثم انصــرفا، كــل

      إلى شأنه فرحيْن بذاك اللقاء السعــــــــيد .

      ***

      أسْدَل عمر ستار النافذة ، ولطّف الجو بعطور شذية ، ثم أطــــــفأ

      النور ، فاجتاحت الظلمة أركان الغرفة ، ثم استلقى على سريــــــره بعدما

      غيّر ملابسه ليستمتع بإغفاءة القيلــــولة ، لكن طيف تلك الصبيــة التـــي

      تربَّعت على أرجاء قلبه مُذ كان طالبا جامعيا في عامه الأخير ، قد إمتـطى

      شعاع النور الذي تسرَّب من ثقب صغير في النافذة ، وامتثل أمامَهُ وراح
      يخاطـــــــبه بلغةٍ كُلّها لوْمٌ وعتاب قائلا : أيحقّ لكَ أن لا تزورني يا قاسي

      القلب ، أأنسَتك الأيام عهدي ، أم هي خليلة بعدي ؟ لم يستــطـع الرجــــل

      تبرئة نفسه ، وأحسَّ بالتقصير في حق تلك الفتاة التي بادلتْه الحب أيـــام

      الجامعة ، وعاش معها سَنة كانت أيامها دِبْسا متقاطرا ، وسُويْعاتــــــــها

      قطيْرات من العسل الصافي ، فكان الإثنان لا يكادان يفارقان بعضهــما إلا

      عندما يحين وقت الدرس ، فكانا مضرب المثل في الحب ، وكانا يُلقبــَــان

      بكثير وعــزّة، فتارة تراهُمَا سائريْن تحت شعاع الشـمس وتـــــــارة تحت

      الرّذاذ الخافت، وطوْرًا راكضيْن في بَهرج وحُبــور كطفلين صغيرين بتلك

      الحديقة المُحاذية للجامعة . تذكّر "عمر" كيـــف كـــــان يُطـعم بأنامــــله

      محبوبته ، فتطعمه هي أيضا في حُنوّ ورقة ، مثلما تفــــــعل الـــــسُّنونوة

      بصغيرها . تذكّر حلاوة الأيام برفقتها ، وطعم تلك الدموع السخـــينة التي

      ذرفتْها فتـــاتُه البريئة في صبيحة الفراق ، حيث تأهَّب للسفر لاســـــتلام

      وظيفته بقلب العاصمة ، كانت الرابعة صباحا عندما خرج "عمر" مـــن

      البيت ، فوجدها في انتظاره بين طيّات الظلام ، والنسيْمات الباردة تلسع

      أطرافها وخدودها الطرية ، فلما رآها على تلك الحال أسرع إليها وألبسها

      مِعطفه ، فجمدت أمامه وأجفانها تنطق بالألم والحزن ، وعيناها الحلوتان

      تفيضان بدموع غزيرة ولسانها يردد : ما أمرالفراق ! لعَن الله الفراق ! .
      فمدّ "عمر" يدَه ، ومَسَح دموعها ، وطمْأنها بكلمات عسلية ، نسَجَ بــها

      ابتسامة لطيفة على شفتيها ، فكـــان مُحيـَّـــا الفتاة مزيجــــا من الحـــزن

      والفرح ، فبَــــدَا أبهى من " الجوكوندا " رائعة " ديفنــشي ".

      بعدئذ أدخلت "لمياء" يدها فـي جيبها وأخرجـت منه ساعة ، أهدتها إياهُ

      وقالت : ضعْها بيدك ، كي تتذكرني كلما نظرتَ إليها ، فأمسكها ووضعها

      بيده ، ثم ودّعها بكلمات عذبة أطربتها ، ثم سار مُتواريا وحقيبتـَــــــه في

      جلابيب الدّجى ، بينما هي بقيت تُلوِّح بيدها وتـــردد : رافقتــــــــــــــــــك

      السلامة، رافقتك السلامـــــــــة .

      كانت تلك الذكريات الجميلة السارحة في خيال "عمر" تطرد عنـــه

      النعاس ، وتحرِّكه شـــــيئا فشيئا إلى أن قفـــز من سريره ، وارتدى ثيابه

      بسرعة وغادر المنزل كي يطمئنَّ على حال لمياء مُمتطيا سيارته ، سائقا

      إياها بسرعة جُنونية إلى أن وصل إلى الجامعة التي تدرس بها ، فأوقـف

      سيارته في إحدى الزوايا ، وبقي يترقب فَتَاتَهُ بِلهفة ٍبين زحام الطـــــــلبة

      بعينين يقظتين متواريتين خلف نظارة سوداء . مرَّ من الوقت ســـــاعة ،

      لكن لا أثر للفتاة ، فبدأ القلق يتهاطل على عمر لكنه قاوَمَه بالصبر،مَرَّت

      ساعة أخرى وساعتان ، فهمََّ بمغادرة المكان يائسًا من لقياها ، لـــــــكن

      الأمل كبَحَهُ ، والشوق ردّهُ . وجُعبة الشوق في صدرالإنسان مثل سَـــــدّ
      عظيم ، يمتلأ انطلاقا من حَبة غيثٍ واحدة ، فإذا اشتدّت عليه الأمطـــــار

      إمتلأ حتى العُـنق، ثم فاض فجَرَف كل ما حاول سَدَّ طريقه ، وربما جرَف

      جدرانه إن كانت هشة ! كذلك الشوق إذا بلغ ذروته إنفجرت جُعبتــــــــــه

      وفجّرت معها الذات ، فتصبح عبارة عن شظايا مُترامية من شـــــــــــــتى

      العـــواطـــــف ! .

      إنتظر "عمر" وانتظر حتى ملَّ الإنتـظار وملَّهُ ، كانت السـاعة تشـير إلى

      الرابعة والنصف مساء ، وصوتٌ داخلي مُنبعث من أعماقه لا يــــــــــزال

      يقول : إنتظر يا رجـــــل ، لا تفــقــد الأمـــل ...

      نزل عمر من سيارته ، وراح يتمطى ، لقد أنهكهُ الإنتظار وزاده القلق .

      في تلك اللحظـــات طـــــلعت من الباب الرئـــــيسي للجامعـــة فتاة تمشي

      متسارعة ، خافضة رأسها حاملة في يُسراها محفظة صغيرة ، فلما رآها

      "عمر" إستقام وعاد إليه نشاطه ، ووقف مُحـدّقا إليــها حتـى قطع الشك

      باليقين ، إنها" لميـاء" بشحــمها ولحمــها ومشيَتها ، إذْ ذاك تلألأ ثغـرُه

      بابتسامة جميلة ، وحرّكت خطاه قوة خفية باتجاهها ، ثم تراجع قليــــــلا

      ليفاجئها ، كان يبدو له ذلك أحسن، فاختفى عن نظرها حتى مرَّتْ ثم راح

      يسير خلفها عِلما منه أنها لا تنظرخلفها إلا عند الضرورة ، ولما همَّــــت

      بالإستدارة إلى النهج المؤدي إلى الحي الجامعي ، تقدم إليها وضـــــرَبها
      بلطف على كتفها فالتفتت وكأنها لبؤة مُكشِّرة عن أنيابها ، فبمجــــرّد أن

      رأته ، دققت النظر فيه جيدا ، فلمّا عرفته وهو بدوره إبتسم ، تحــــــولت

      تلك اللبؤة إلى مَهاةٍ وديعة ، وبدون أن تشعر الصبية مدّت ذراعيـــــــــها

      لِتعانقه ، فسقطت محفظتها على الأرض لكنها سرعان ما تداركت نفسـها

      عند سماعها صدى وَقـْع المحفظة على الأرض، فأعادت ذراعيــــــــــــها

      إلىوضعيتهما الأولى ، فأدرك عمر أنها مخدرة بالحب ، فضحك ... ، لقد

      تمنّت المسكينة لو أنها عانقته وضمَّته بحرارة ، تمنـّــــــــتْ لو أنها تشقّ

      صدرَها وتدخله به ، ثم تقفل بإحكام ، تمنّت لو كانت زوجة له في بيتــــه

      فتستقبله بجنون مُـــباح ، ثـم تُبحر معه في أوقـيانوس ما له ساحل ! .

      في تلك اللحظات كانت شِفاهُ الحبيبيْن مبتسمة ، والعُيون متــــــــحاورة ،

      فتارة شوق ، وتارة لومٌ وعِتاب ، وطورا بوح ٌبالحــب والصبابة ، كــانت

      جفون لمياء الطويلة تنطبق بلطف ، فأحسّ عمر كأنَّ أناملا خفية تعصــر

      قلبه ، ثم تملؤه بشوق شبيه بشوق التائه في صَهْدِ البيداء القاحلة إلـــــى

      الإرتماء في البحر ، فقرّر التحـــرر من لغة الصمت المُشفرة ، وبـــــــادر

      قائلا : - مفاجأة ، أليس كذلك ؟

      - سحقتَ فؤادي ، ردّت" لمياء" ثم أخفضت رأسها قليلا خجَـــــلا ،

      فتورّدت وجنــــتاها.
      والفتاة الأوراسية بعيونها الواسعة المستديرة ورمـــــــــــــــــــــوشها

      الكحيلة، يعمل الخجل بخدودها عمل النسيمات الباردة، التي تلثِمُــــــها

      عند الصباح، فتصبح وجنتها كوُريقةٍ من وريقات ورود الربيع التــــي

      روِّيتْ بمـاء مَنهـل صافٍ يتـفــجر من كــبد الأرض.

      الفتاة الأوراسية تحمل في عيــنيها بريقـــا خاصا، يخـــترق الصـــدور

      والأفئدة وروحا عذبة مُعطرة بشذى أرواح الشـــــهداء الحائمة فــــي

      سماء الحرية، وتتميز بتلك المَسْحة الطاهرة من الحياء التي تزينـها ،

      كما يزين الإقدام شبـــان تلك الأرض والوقار شيوخها .

      بعد ذلك سار العاشقان جنْبا إلى جنب، والسعادة تملأ قلبيهما إلــــى أن

      وصلا إلى مخرج المدينة حيث ينام مَرَجٌ أخضر، ثم جلسا على صخرة

      عجوز ، يتشاكيان عذاب البعاد بكلمات إنتشت لها الصخرة ، فتطــيَّبت

      عظامها بعِطر الشباب ، وراحت طيور المساء تحـلق فـوق رأسيهما،

      وتنشد ألحانا جميلة. كان الزمن يركض بسرعة البرق ، و"عمــــــر"

      و"لمياء" لايزالان في جلسة لاشعورية عفيفة، لكن السماء لم يَخـْـف

      عنها أمرهما، فقد كانت تتــرقب هَمْســهُما ونظــراتهمـا في هِمّــــــــة،

      فنبّهتهُما إلى أوان وقــت الرواح ، فبان الشفق من وراء السلــســــلة

      الجبلية ، وكأنه حُــــمرة الخجل على وجه الصبية .
      قام إذ ذاك العاشقان، وعادا أدراجهما ، وكان الليل قد بدأ يَحُوك للكون

      بخيوطه السوداء الرفيعة ثوب الهجوع ، والنجوم بدأت تطلع لِــترَقش

      ذاك الثوب، فيبدو لمّاعا ساحرا ، ولما وصلا إلى نقطة الإفتراق حيــث

      اقتربت الفتاة من الحي الجامعي ، وَدّعها "عمر" بكلمات عذبة رقيقة

      فودَّعته هي بدورها بالمِثل، بعدما نــــالا بعــض حَــظهما مــن الزمـن،

      وتواعدا على إجراء حـــفل الخطوبة الخميس المقــــبل.

      ***

      أمضى "عمر" بضع أيام بين ذويه وأحبّائه، مرتاح البـــــــال ،

      مستمتعا بأهنإ العيش،مترقبا يوم الخطوبة بفارغ الصبر، ولما جــاءت

      صبيــــحة الخميس الموعود، إستيقظ باكـــــــــــــرا وارتدى بذلــــــــة

      أنيقة بعدماأخذ حمّاما ساخنا،ثم وقف أمام المِرآة ورشّ قليلا من عطر

      فرنـسي على أثوابه، وراح يُمرّر المُشط على شعر رأسه وهو مبتسم،

      مُـردِّدٌ بعض الأغاني التي تنِمّ عن الفرحة والسعادة ، بعد ذلــك تــوجه

      إلــــــى قاعة الإستقبال فوجد أمه وأخته وأخوه الأصغر في انتظـــاره

      فحيّاهم بتحيــة الصباح، فمدّت الأم يدها وسَوَّت ربــــاط عنقه ، وردَّت

      مبتسمة وبنــــوع من المداعبة قائلة : صباح الخير يا عريس، فضحك

      وقال : هــــــيا بنا ، فقد حـان الوقــــت.
      عنــــدئذ خـــرج الجمـــيع حامــــلين لــوازم الخــــطوبـــة وركــــــبوا

      السيارة غـــــارقين في مَــوْجة من البهجــة والســرور، وبين الفـــينة

      والأخـرى كانــت الأم تطلــق زغرودة مُعبِّـرة بها عن بلـــوغـها ذروة

      الفرحة، وهم كذلك في تصفيق وهُتاف وحُبور إلى أن وصلوا إلى بيـت

      الفتاة، فأوقف عمر السيارة ثم نزل وسار صوب الباب، وضغط علــــى

      زر الجرس فرنّ، إنتظر قليلا ثم ضغط ثانية لكن لم يجب أحد. عـــــاود

      الكَرّة لكن لا حياة لمن تنادي ، أيُعقل أن يكونوا نِياما خاصة في مِثــــل

      هذا اليوم والساعة تـشير إلى التاسعة صباحا ؟ هل حدث طارئ ؟

      راحت التساؤلات والوَساوس تزحف إلى رأس عمر، لكنه بقي يــطرق

      الباب بشدة ، لكن لم يرد عليه سِوى صَدَى الطرق المنبعث من جدران

      المنزل، فلما يئس عاد أدراجَهُ ، وغيْمة ٌمن الحـــيرة والحــزن تــغطي

      وجهه فركب السيارة وأغلق بابَها بعُنف مُعبِّرا عن السّخط الذي بـــــدأ

      يُحرِّك أعضاءه وراح يردد : غريب أمرهم ، ثــم أقلع بــجنون وســـار

      بسرعة مُمِيتة يلعن حظه، فراحت الأم تهدِّئه لكن الغضب بقي يــحرِّكه

      مثلما تحرِّك الرياح مياه البحر وتشكلها مَوْجا غضوبا يُــــرغي ويزبد،

      وكذلك بقي إلى أن وصلوا إلى منزلهم النائم في مخرج المدينة، فــنزل

      من السيارة وحمل تلك اللـــوازم التي أحضرها لإجراء حفل الخطوبــة
      وألقاها على الأرض وراح يدوســـــها، ويرمي بها في الفضاء حَنِــــقا

      هائجا، بعد ذلك دخل المنزل وولـِــج باب غرفته وأغلق الباب بإحــكام،

      ثم حمل سماعة الهاتف وراح يضغط عـلى الأرقام، مُطــــــلقا زفـــراتٍ

      متتالية مُحاولا بها دَحْــرَ الغـضب من صدره ثم أطلق :

      - ألو، سي أحمد صباح الخير، إحجزْ لي تذكرة ســفرعلى متــــــن أول

      طائرة مُتجهة نحو العاصمة هذا المساء، شكرا مع السلامة.

      وضع السماعة واستلقى على سريره، حينئذ لحقت الأم وراحــــت تدقّ

      الباب قائلة : إفتح الباب يابني أنا أمك ، فرَقّ لحالها وقام وفـتح الباب،

      فدخلت والدموع تبلل أحداقها وراحت تردد :لا تقلق يافلذة كبدي، فكـل

      شيء مكتوب ، كل شيء بقضاء وقدر، وكذلك بقيت معه تستـــــــلطفه

      وتعِظه إلى أن قرُب وقت الغداء، فقامت لِتُحضر الوجبة رفقة ابنـــتها،

      أما عمر فبقي واجما كاسِف البال، يحرق صدره بدخان سجائر متتالية

      ولما فرغت الأم من تحضير الغداء،نادته فقام لارغبة منه في الأكل،بل

      إحتراما لأمه، فغسل وجهه وجلس مع أمِّه وإخوته وأكل معهم بـــعض

      اللُّقم رغمًا عنه،ثم انصرف إلى غرفـته واتكــــأ على سريـــره دون أن

      ينزع بذلته ولا نعْله، وبقي مستغرقا في التفكيرإلى أن مَدَّ النعاس يــده

      وأغمض جفون الرجل في هدوء، وبعد ساعة وبعض دقائق إســــتيقظ
      فقام وخرج من المنزل خِلسة، واتجه نحو المطار أين امتطى الطائــرة

      بعد ساعة من الإنتظار،أحرق فيها مايزيد عن علبة سجائر، محــــاولا

      خنـق الغضــب في صــدره بتلك الأنفاس الدخانية المُمِيتة .

      كانت الطائرة تطوي الأفــــق طـــــيا، والحـــزن يَسْـــحق مُــهجة عمر

      سحقا،وقد حاول أن يطرد تلك الكآبة عن نفسه ، لكن منابعها أبــتْ أن

      تجفّ ، وكان يتساءل في قرارة نفسه ، أيُعقل أن يجد الرجــــل بـــــاب

      مَحبوبته مُوصدا فــي يــوم مــوعد الخــطوبة ؟ هل هــي ريح القدر قد

      هبّت لتقــلب المـــوازين،أم أن الحياة بدأت تهتف : لـــيس كل مايتمناه

      المرء يدركه * وكذلك بقــــي عمر يسائل نفسه ويجيبها، وتارة لا يجد

      الجواب إلى أن سمع المـظيفة تقول : شدّوا أحزمتكم جيدا من فضلكم،

      بعد خمس دقائق تكونون على مطار"هواري بومدين" الدولي، درجة

      الحرارة 30 ، وما هي إلا دقائق حتى حطت الطائرة، فنزل "عمـــــر"

      وبقي في قاعة الإنتظار في صراع بين التساؤلات وأدخنة السجائر إلى

      أن وصلته سيارة العمل التي طلبها، فركبها وبقي واجما، لاســـــــــلام

      ولاكلام حتى استغرب السائق أمرَه فقد إعتاده مَرحا طَرُوبا، فــأراد أن

      يستفـــــسر عن الأمر، لكن الحياء غلبه ، فادّخر فضولـــه إلــــى وقت

      * الشطر الاول لبيت شعري معروف
      مناسب ، وراح يسوق في تُـــؤَدة إلى أن وصل إلى مقر العمل.

      ***

      كانت لمياء فتاة متحجبة متخلقة، جميلة المُحيّا،بعينين سوداويـــــن

      وأنف مستقيم وابتسامة وضّاءة ، وملامح جذابة تهُزّ الأفـــئدة كما تـــهز

      نسيمات السََََّحر مياه البحيرة، تقطن رفقة أمِّها في نفـــس القريـــة التـــي

      يقطن بها عمر، وكان أبوها يعمل بإحدى البلدان الأوروبية، ثم انتقـل إلى

      رحمة الله بعد حادث عمل خطير أدى إلى هلاكه،وكانت إِذذاك" لــــمياء"

      بنت السبع سنوات، في الطورالإبتدائي بالمدرسة، فتربَّت اليتــــــــيمة في

      حُضن أمها التي كانت تتقاضى مِنحة زوجها، فعاشتا مستورتين، وراحت

      الصغيرة تنمو شيئا فشيئا في كنف أمها،حالها حالُ بُرعم صغير في ظـــل

      شجرة جميلة مُخضرَّة ، إلــى أن بلغت الثامنة عشر من عمرها،فتفتــحت

      أكثر وازدادت بهاءا على بهاء ، والتحقـت بالجامعة التي تبعد عن قريتها

      ببضع الكيلومترات، واحتلت غرفة بالحي الجامعي رفقة إحــدى زميلاتها

      من نفس القرية، فكانتا تغدُوَان سَوِيًّا كل سَبتٍ إلى الجامعة ولا تعــــودان

      إلى قريتهما إلا في نهاية الأسبوع ، حيث تقضي كل منهما تلك العطـــــلة

      القصيرة المَدَى رفقة العائلة ، ثم تعودان من جديد في صبيحة يوم السبت

      إلى الحي الجامعي ومنه إلى قاعات الدرس،فتنْكبَّان على التعلم والإطلاع.
      في إحدى الأمسيات، نظمت إدارة الجامعة حفلا بهيجا بإحدىالقاعات

      الفسيحة ، فاكتظت المدرَّجات بالبنين والبنات ، وكــــان الحفل عبارة عن

      إستعراض لمواهب الطلبة والطالبات ، من مسرح وغناء شعبي وتلــحين

      لموشّحات أندلسية، وتنكيت وأشعار ...الخ ، وفي نهاية الحــفل سُــــلمت

      جوائزٌ لأحسن الأعمال وأحلى المواهب، فكانت جائزة أحلى كلام شـــعري

      من نصيب الثنائي" عمر" و"لمياء"، أما عمر بقصيدته "الحياة "الـتي

      يقول فيها :

      أنا ما كـنتُ أعـرفُ عـنكْ

      سِـوى أنَّـكِ أعَــرْتِ للــبحر

      قـليـلاً مِنْ زُرْقــة عيْـنـيكْ

      أنا ما كـنتُ أعــرِف عــنكْ

      ســوى أنّـك مَـددْتِ الـشمسَ

      بقـليلٍ مِنْ خُــيوط شَعْـركْ

      أنا ماكـنتُ أعــرفُ عـنـكْ

      سِوَى أنّــك غََــزَوْتِ قـلْبي

      ِبِعَرَمْْــــــــــــرَمِ جَيْــشكْ

      أنا ماكـــنْتُ أعْــرفُ
      أنََّ ذاك الـــــجَمالَ السَّاحِــرََ

      لمْ يَكـــنْ سِــــوى قِـــناعاً

      وَضعْــــتِهِ عَـــلى وجْــهِكْ

      كَيْ تَقْـــذِفِيني وَقَـــلْبي

      إلى أعــــماق بَــــحْركْ

      لقدْ إنْخَــــدعْتُ فـــيكِ

      يا صاحِــــبَةَ اللّـــثامْ

      يا يَمامـــةًً بِمــخالِبِ نـــــــسْرٍ حَـوّامْ

      ويا ظــــبْيةًًًًًًًً ...

      بأنْـيابِ هَـــــصُورٍ هُــــمَامْ

      أيّـــتُها الحــــياة :

      كمْ إنْـــتشى قـــلبي بسِــحْركْ

      وكم انتـــشتْ رُوحـــي بجَـمالِكْ

      وكمْ تمرّغـــتُ في حَـــلاوتكْ

      مُتـــعاميًا...

      عن أشـــواكِك وأهْـــوالكْ

      إلى أنْ وقـــعتُ في شِــباككْ
      فأنَا اليـــومَ وحيدٌ

      لاأنيسََ لــــي…

      غَيْر ورقـــةٍ بــيضاءْ

      وقلمٍ يكتبُ للأنامِ عن كَــيْدكْ

      أيتها الحــــــياة :

      أيتها الحِرْباء المُتلوّنـة !

      أيتها الوردة المُوارِيَة ُللأشــواكْ

      هَلاَّ ظهرْتِ على حَقيقـــتكْ

      وهلا أزَحْتِ عنكِ بُرقـُعَكْ

      فقدْ عرفـــتكِ وفَـــهـــمْــتكْ .


      أما لمياء فبقـصيد تها " يابلبلي " التي تقول فيها :

      يابُلْـــــبُلي ...

      غـــرِّدْ واطْربْـــني بِِأَشـــجى الألــحانْ

      يا بُلــــبلي

      سَافِـــرْ في الفـــضاء وامْــلأِ الأَثــيرْ

      زهْوًا ولحْـــنًــا رنّــانْ

      ثُم ارْجعْ إليَّ ورفـْــرفْ فَوْقي واحْـــكِ لِي

      عن أسرار تِــــلكَ الآفاقْ

      وعنْ جزيرة الهَــــوَى

      وَروْضــــةِ العُشّــــــاقْ

      حَدِّثـني عن مَــائِها وعُشـــبِها وزَهْرهَا

      مِنْ ياسَمـــينٍ أبْيــضٍ لِأُقــــحُوَانْ

      وَانْسجْ لي جَناحًا مِنْ ألْحــانكْ

      ثُمّ انْفخْ في شُرْيانِي مِنْ شَذى أنْفاسكْ

      وذَرْ فُؤادي يَنْتفخْ وينتفـــخْ

      حَتّى يكاد ينفجـــرْ

      لكنّهُ لاينفجــــرْ

      بَلْ يرفعُـــني عن أدِيم الأرضِِِ

      وَيقْذِفني تحْــت جَـــناحكْ

      حيثُ الأمــــــــانْ

      فَنَرحَلُ مَعًا إلى جَزيرةِ الهَوَى

      مُحلِّقَيْنِ فوق مُـــــروجٍٍ وَوِدْيانْ

      وعِنْدما نَصــــلُ...
      نَجلسُ كَطِفــــليْن على ضِـــفاف الغُــدْرَانْ

      ونَقْطفُ وُرودًا مِن شتّى الألـــــوانْ

      فَنَصْنعُ بِها عُـــــقودا وَتِــيجانْ

      ونُهــــدِيها ...

      لِمَعْشــــرِ المُحِبّـــينْ

      أَبْناء الــــليلْ

      وَرِفَاق السُُّهــــادِ والأحـــــزانْ

      يا بُلــــبلي..

      غَرِّدْ وامْلأ حـــياتي بَهْــــجةًًًًًًًًً

      وَعَطِّرْ أيـــــامي..

      بِعَبــــير الزَّنْبق والبَنـــفسَج والرّيْحانْ

      يا بُلبلي .. غرِّدْ..

      ولا تَكْترثْ بِِهُموم الزّمانْ

      فالكُّلُّ لامَحَالَةََ َفـَــــــــــانْ .

      ما كان "عمر" يعرف" لمياء" من قبلُ، لكنّ روحا خفـية أدنـتْهما

      مــن بعضهما البعض، كما كانت تلك الجائزة فُرصة للتقرّب من بعضــهما

      البعض ، وتبادل النظرات والإبتسامات، وبمرورالأيام تطـــورت الصـداقة
      إلى إحساس أسمى وأنبل، ذلك الإحساس الذي يحملك بأصابع خفــــيةإلى

      عالم غير هذا العالم ،عالمٌ كله حلاوة ٌوصفاء،شبيه بروضة الأحلام ، ذلك

      العالم الذي يجــعلك تطيـــر إلى جـــزيرة جمــيلة خضراء، لا بها إنسي أو

      جني،ولا بها ما يُعَكر صفـْـوَ الأيام،إنه عالم الخيال المُزدان بزهور الحــب

      الفتية المُخضَّـــــــلة .

      فكان "عمر" و"لمياء "يلتقيان كل يوم تقريبا ولايكادان يفارقــــــــــــان

      بعضهما البعض، فتارة تراهما جالسيْن سَويّا تحت ظل شجرة، وتـــــــارة

      سائرين تحت الرّذاذ الخافت وطــورا يتضاحكـــان ويقـهقهان، فأصبــــــح

      إسمهما على كل الألسنة . وكذلك راحتْ أيامهما تسير بسرعة في موكـب

      الحياة إلى أن جاء يوم الفراق بعد مُرور عام كان مثل قالب من الشّهْد في

      طبق ذهبي، لقد أتمَّ عمر دراسته، ثم رحل عن قريته لأداء واجب الخدمة

      الوطنية تاركا وراءه فتاته تتمَرّغ ُوحيدة ًفي مزرعة من الأشواك، أشواك

      الفراق التي تخِـزُها في كل آونـة، فتغـــسل جُراحَها بـــتلك الدمـــوع التي

      تتساقط على وجنتيها مثلما تتساقط قطرات الندى على وريقات الورود .

      فكانت تُطـْـبق جفونها لتعيش على الذكرى ولو للحظات، ورغم أنها كانت

      تعلم أنه سيُعفى وسوف يعود بعد أيــام معـــدودة فقــط، كونـــهُ يُعاني من

      مرض القلب، كانت تتألم لفراقه وتدعـو الله صبــاحا مســاء لــه بالعــودة
      سالما في أقــــــرب وقـــت .

      إنه الحُـــب أيــها النــاس، وإنها الفتــاة الأوراسيــة الهشَّـة القلب الرقيقة

      المشاعـــــــــــــر.

      الفتاة الأوراسية يا صاحِ بنْت الطبيعة ، ورثـــت مــن الجــبال شُمــوخــها

      وكبرياءَها ، ومن الثلــوج صــفاءَ القلب ونقاء الســريرة ومـن الـنّفحَات

      العطرة والمناهل المُتدفقة بالماء الصافي روحًا عذبة خفيفة ، ومن سواد

      اللـــيل لـــون جُـــــــفونها وأحداقـــها .

      الصبيّة الأوراسية إذا لمس قلبها نور الحب إرتجف مثلما ترتــجف زهرة

      اللوز أمام نسيمة الصباح، فتــرى علــى وجهــها مَسْــحة ًمتميزة ، وفي

      عينيها السوداوين الكبــيرتين أطياف الحب مختالة في وضوح . نعــمْ لقد

      تركها عمر تتخبط بين بَراثِن الفراق والشوق وحيدة، لكنه كان يراســـلها

      ويطمئنها على أحوالــه، فكانـــت تنــتظر رســائله فــي آخــر كل أســبوع

      كالجالس على الجَمْر ، وماهــو إلا شـــهر وعشــرة أيــام ورجع عمر إلى

      قريته ، لقد أعفي من أداء واجـب الخدمة الوطنية نظرا للصدمات القلبية

      التي كان يُعاني منها من حين لآخر،فكانت تلك العودة المَيْمُونة بالنسبـــة

      للمياء بمثابة ينبوع صافٍ رقراق إهتدت إليه بعد طول تِيهٍ في صــــحراء

      بلقع، لكن شاءت الأقدار أن تحمل" عمر" ثانية تحـــت جناحها إلى قلب
      العاصمة حيث مقر عمله الذي طلبه، وكان ذلك بـــعد قضائه شهرين فقط

      بين أهــــــله وذويــــــــــه .

      هذا عن "لمياء"،أما عن صديقتها التي تدعى "جميلة" فقد كانت جميلة

      حقا ، فاتنة القدّ تميل إلى ارتداء السراويل النـــسوية الفضـــفاضة وتحبِّذ

      ترك خصلات شعرها تسبــح في الفـــضاء ، فتأخذها النسيمات فـي كـــــل

      الإتجاهات ، تمشي في اختيال وتملأ صدرها نرجـــسية زائدة ، وتكــــسو

      وجهها على مَدَار السَّنة طبقة سميكة من المساحيق والألوان ، ترَعْرَعتْ

      مُدللة في كنف عائلة ورثت المجد والثراء أبـًـا عن جـَـدّ ، قليلــة الحيـــاء

      عكس "لمياء"، فهي تمـازح كل من هب ودبّ ، وتضحك وتقـــهقه لأتفه

      الأسباب ، وكانت صديقة ثقيلة نوعًا ما على لمياء ، لــكن هــذه الأخــيرة

      إحتملتها كونها من نفس قريتها وتدرُســان بالجــامعة فــي نــفس القسم،

      ورغم كل ذلك كانت" لمياء "ساذجــة مــعها ، فقــد كانت تفضي لها بكل

      أســـرارها وبأدقّ التفاصـــيل ، كمواعـــيد الــلقاء بـ"عمر" ومخــتلـف

      طموحـــــاتها وأحـــلامها التي يشـــاركها فيــها "عمر" ، ولقد إستــغلت

      "جميلة" سذاجة" لمياء" وطِيبتها ، فمنذ أن علمت بنيل" عمــــــــــر"

      وظيفة حكومية مرموقة راحت تخطط كي تمْحي" لمياء "من حياته ثــــم

      تظفر به وحدها ضاربة ًبالأخلاق والمبادئ عَرْض الحائط ، وكي تضــمن

      عيش الرخاء الذي هو مَبْلغ هَمِّها ، خاصة بجانب رجــــــل تتوفر فيه كل

      الصفات التي تجعل أي فتاة تَفتتِنُ به ، عَمَلا بنصائح أمها التي نقشتـْــها

      في ذاكرتها ، والتي كانت تقول لها دائما أن المَجْد والمال هما السعادة !.

      كانت أول خطوة قامت بها "جميلة" هي أنها توجّــــهت إلـــى منزل

      رفيقتها "لمياء" مع أولى خيوط نور الصبــاح من يوم الخمــيس الـــذي

      تواعد فيه "عمر" و"لمياء" بإجراء حفل الخطــوبة ، كانـــت مرتـــدية

      ثياب النوم . دقـت البــاب ففتـــحت عنــها" لمياء" مذعـــورة ، فدخـــلت

      مُتظاهرة أنها جد قلقة، زاعمة أن أحد الجيران أخبــرها أن "عمر" قــــد

      نـُـــــقل على جناح السرعة إلى المستشفى إثر صدمة قـــلـبية .

      هَوَى ذاك الخبر على قلب "لمياء "مثل ضربة خنـــجر، فارتدَتْ ثـــيابها

      ونزلت مُسرعة رُفقة أمِّها متوجهتين إلى المستشـفى للإطمئــنان عـــــلى

      صحة "عمر" ، ولمَّا وصلتا بحثــتا عنه في قســم الإســتعجالات وبــاقي

      الأقسام لكن لا أثر له ، بعد ذلك ذهبتا إلى مستشفى آخر يبعد عــن القرية

      ببعض الكيلوميترات ظنا منهما أنه نقل إلى ذاك المستشفى ، حيث يعــمل

      أكْفأ ُالأطباء ، ففتشتا عنه كذلك في كــل الأقســـام لكنـهما لم يعثرا عليه ،

      فعادتا أدراجهما مُستغربتيْن مُتحيِّرتين بعدمـــا مرَّ مِن الزمــن مــا يَرْبُـــو
      عن نصف نهــــــــار .

      كان ذلك الوقت كافيا كي تنــفذ" جميلة "خطتــها على أحســن ما يُرام ،

      وبالفعل فقد وجهت كُلا ّمِن "عمر" و"لمياء" في اتجاهين متعاكسين ،

      فعُمر توجَّهَ إلى بيت محبوبته على نية الإحتفال بالخطوبة الرسـمية فوجد

      الأبواب مُوصدة في وجهه ، فعاد أدراجه حَنِقا غاضـبا وطــــــــــــــار إلى

      العاصمة ، أما " لمياء" فقد أوهمتْها صديقتها "جميلة" أن حبيبــها في

      حالة مَرَضية خطيرة تستدعي الإطمئنان عليه ، فقامــت بواجبها تجاهه ،

      وراحت تبحث عنه في أقســام الإســتشفاء ، فــلم تجد لــه أثــرا ، وهكـذا

      شتّتتْ تلك الكذبة الحبيبيْن في لحظة واحدة ، لكن "لمياء "بعدما وصلت

      هي وأمها إلى المنزل لم يهـدأ لها بــال ، فاتجـــهت إلى مــنزل "عمر" ،

      فقـُوبلتْ بالطرد من طرف أم عمر، كانت إمرأة أمِّية لكنـــها طيبة القلب ،

      لقد أساءت الظن بلمياء ، ولم تترك لها فرصة للحديث ، فعادت البــــريئة

      إلى دارها والدموع تبلل خمارها ، وارتمت على صدر أمـــها محتارة من

      هذا الزمــــن المتقــــلب .

      ***

      مرت أربعة أسابيع إلا قليلا و"عمر" في مقر عمـله ، ولقــــد أنستـــْــهُ

      مشاغــــله بعـــض همــومه ، لم يحــاول فيـها الإتصال بلمياء ، وقرر أن
      يقاطعها إلى الأبد، لقد أساء هو أيضا بها الظــن باعتبـــاره غلقـَـها لبــاب

      منزلها في وجهه يوم موعد الخطوبة إهانة ما لــها نــظير له ولعائــلته ،

      وتعبيرٌ صريح عن رفضها كي يكون لها زوجا ، أما "لمياء" فقد تــأثرت

      بذاك الطرد الذي قوبلت به من طرف أُمِّ عمر وأحست أنـها غـير مرغوب

      فيها ، فسلمت أمْرَها لخالقها وراحت تســير في مــوكب الأيــــام ، أغلــب

      الوقت تكون فيه باكية، فلا تجد من يُكفكف دموعها سِوى أمها التي كانت

      دوْمًا بجانبها تؤنسها وتزرع في فؤادها بذور الصبر ، ولقد ســألت عـــن

      "جميلة "كي تخبرها عما جَرَى لها لكن أهلها أخبروها أن "جمــــــيلة"

      سافرت إلى عمَّتها بمدينة مُجاورة لغرض التفســــح وكسر روتين الحياة

      الجامعــــــــــــــــية .

      وفي يوم من الأيــام بينـــما كــان "عمر" جالــسا بمــكتبه ، كانت

      الساعــــة تشير إلى العاشـرة صبـــاحا وكان قد شـــرب قـــهوته وتصفح

      الجريدة ، هزّت الصبابة فؤادَه هـــزا عنـــــيفا وشدَّهُ الحنين إلى أيامه مع

      "لمياء" وتذكر ابتسامتها وكلامها وحركاتها فتنَــهّد ولـم يكد يشعر حتى

      رفع سماعة الهاتف وأزمع أن يكلمها ، في تلك اللحـظة دُقّ البـــاب ثلاث

      مرات فوضع سماعة الهاتف وأطلق : - تفضل .

      فدخلت السكرتـــيرة وأخبــرته أنـــه قد وصــلته رسالـة عن طريق البريد
      السريع فأمرها بإحضارها فأحضرتها وانصـــرفت ، ولمــا فتـحها وجــــد

      مكتوب عليها :
      * بسم الله الرحمن الرحيم *


      يا صاحب الرفعة والمقام العالي :
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
      بَلَغَنَا أيّها الساكن في قلوب كل أبناء قريتكم ، أنكم عازمون على إتمـــــام
      نصف دينكم في أقرب الآجال ، وذاك طبــعا ( عين العقل )* ، لكنــي أرى
      كرجل غيور على شرفكم أنكم أخطأتم في اختيار نصفكم الآخر ، هذا ليس
      قولا فقط ولا زورٌ ولا بهتان ، بل لدينا الدليل والبــرهان وفــي الصـــورة
      المرفقة البيان. وفي الختام نتمنى لكم السّمُُو في سمـــاء المــــجد ، حتى
      بلوغ الفََرْقد والســــــــــــــــــــلام .

      إمضاء

      " فاعل خيـــر"


      فلما قرأ "عمر" تلك الكلمــات غلى الــدم في عروقــه ، ثم أمســــك

      الظرف مُرتجفا وأخرج منه الصورة المرفقة ، وتمَعَّن فيها جيدا ، فــرأى

      ما لم يكن يتوقعه حتى في الأحلام ، فــكاد أن يُجـــن، لقد وجـــد صــورة ً

      للمياء وهي عارية جالسة بمُحاذاة رجل مُبهم الملامح ،فأطــلق : خائنة ،

      لعينــــــــــــة !.

      وصرخ صرخـة مُدويــة وسقــط ، فسمــعت السكرتــيرة الصـرخة فدخلت

      * من الأمثال العربية.
      فوجدته مُغمًى عليه ، فخرجت مُسرعة وأخبرت كل من صادفها،فتســابق

      الموظفون وحَمَلوه على جناح الســــرعة إلى المستشفى .

      كانت فكرة الرسالة الخطوة الثانية من الخطة الجهنمية التي رسمتها

      "جميلة" من أجل إبعاد "لمياء "نهائيا عن "عمر" ، لقد كانـــت هـــي

      صاحبة الرسالة وقد بعثتها باسم رجل مجهول كي لا تترك مجـالا للشـــك

      في صدر "عمر" ، أما عــن الصورة التــي بعثتـها مرفقة بالرسالة كانت

      صورة مُصطنعة ، فبما أن "جمــيلة" كانت صديـــقة جــد قريبــة إلـــــى

      "لمياء" ، دارية بكل أسرارها ، حدث وأن إلتقطت معها صورة تذكاريــة

      باسم تلك الصداقة في إحدى المناسبات السعيدة .

      وبطبيعة الحال إحتفظت كل منهما بنسخة في منزلها للذكرى ، كانــت تلك

      الصورة التي بقيت بحوزة جميلة مفتاح الخطوة الثانيــة من خطتها لطرْد

      "لمياء" مذمومــــة من حياة "عمر" ، كيف كان ذلك ؟

      لقد قََََصّتْ "جميلة "من الصورة قـُصاصة تحمل وجه" لمياء" وشـعرها

      ورقبتها ، ثم أقدَمَت على إحدى المجلات الأجنبية الخليعة ، وقصّـت كذلك

      منها قصاصة أخرى تحمل جسد امرأة عـــارية تمــاما دون رأســـها ، ثم

      ألصقت القصاصة المُصور عليها رأس" لمياء "، ورقبتها بالقصاصــــة

      المُصوَّرعليها جسد المرأة العارية،ثم ألصقت بتلك الصورة صورة أخرى
      قصتها من نفس المجلة لِرجـُـل مُبْــهم المـلامح ، مُجردٍ مِن جُلّ ملابسه ،

      وباستعمال فنيات التصوير وتقنيات الإعلام الآلي إستطاعت أن تحــــصل

      على صورة للمياء وهي عارية بجانب رجـــــل شبه عـــار ، ثم سارعت

      مُغتبطة ببعْث رسالتها القنبلة إلى "عمــر" المتــواجد بقلــب العــاصمة،

      وبالفعل قد وصلت وانفجرت وحدث ما أسلــفنا ذكــرَه.

      ***

      بعد أسبوع إستــــــعاد "عمر" عافيته ، وعـــادت الميــاه إلى

      مجاريها، بعدما قضى يومين بالمستشفى ، أما الخمسة الباقية قضاها في

      التنزّهِ في الحدائق الجميلة والأماكن الخضراء حيث الورد الفــواح وعلى

      شاطئ البحر حيــــث النســيم العلــيل الذي ينــعش الأرواح ، وذلك عملا

      بالنصــــائح التــي قدمــها الطـــبيب لــه، لقد عاد إلى عمله ، فتوافد عليه

      الأصدقاء بالهدايا وباقات الورد مُهنئين إياه بالسلامة، فشـكرهم على ذاك

      الإهتمام البالغ به .

      وفي صباح اليوم الثامن بينما كان "عمر" واقــفا في مكـتبه عنـد النافذة

      يتفرج على مباني العاصمة الشامخة ، والبواخر التــي تمـخر موج البحر

      العظيم اللامتناهي، إذ دُقّ الباب ودخلت السكرتيرة، فالتفت فأخبـــرتْه أنّ

      هناك فتاة تريد مقابلته، فسألها قائلا : من تكون ؟ فتقدمت ومَدّتهُ ببـطاقة
      هويتها، فأمسكها وتمعَّن فيها، إنها إحدى بنات قريته وتدعى "جميلة" .

      أمَرَ بعدئذ السكرتيرة بإدخالها، فدخلت "جميلة" وحَيّــتْه بتـــحية رقيقة،

      خافضة رأسها قليلا متظاهرة بالحياء، فمن يَرَاها يــــقول عنها أنها مَلاكٌ

      أو عـروس من عـــرائس الأحلام ، كانــت باهرة الجــمال وذات جاذبـــية

      واعتدال، ورمش طويل قتال وعلى مُحياها بصمة دلال، تتزعزع لمــرآها

      الأفئدة وترتجف القلوب، كانت ترتدي ثيـابا في لـــون فاتح بديع،منـــتقاةٍ

      بذوق رفيع وتنبعث منها موجة خفيفة من عِطر برائحة ورود الربيع .

      ردّ عمر التحية بعدما حَدّق فيها لبعض الثواني، ثم جــلس فــوق كـرسي

      مكتبه قائـــلا : مرحبا بك ، تفضلي إجلسي .

      فجلستْ على الأريكة ووضعت يديــها بيــن ركبـتيها خافضة رأسها قليلا،

      وبين الفينة والأخرى كانت ترفع رأسها،فتنظرإليه وتبتسم ابتسامة لطيفة

      ساحرة، ثم تخفض رأسها من جديد، فابتسم عمر وقال : - ماذا تشربين

      يا حَشّامة ( كثيرة الحياء) ؟

      ردت مبتهجة : - كما تريد يا سيدي .

      فأمر عمر بإحضار كأسين من العصير، ثم قــام من على كـــرسيه وتــقدم

      وجلس على الأريكة المُقابلة لها، فلم تكن تفصل بيـــــنهما غيـــر الطاولة

      الزجاجية الموضوعة بينهما، لقد أحسّ "عمر" بارتياح كبير رفقة تـــلك
      الفتاة، وأحس أن قلبه ينبض على غير عادته، لقد كانت للمْــــسَة الجمال

      التي كانت عليها تأثير كبير فيه ، ولرمشـها الكحــيل وقـــعٌ مفاجئ علــى

      صدره كأنه سهم خرج من قوسه صوبه، بعد ذلك أطلق مبتسما :

      - كيف هم أهل القرية ؟

      - بخير والحمد لله، لاينقصهم غيركم، لقد سمعتُ أنكم بلطـــــف الله

      وبعزيمتكم الفولاذية قهَرْتم وعْكة ًصحية قد أصابتكم منذ أيــام قليلة،

      فامتطيت أول طائرة متجهة إلى العاصمة للإطمئنان على أحوالكم .

      - شكرا جزيلا، لكن من أخبرك ؟ فأنا لم أبلغ حتى عائلــتي .

      أجابت "جميلة "مبتسمة ، ومُبْدية حركة لطيفة برأسها، تعبِّر بها عن

      الدلال قائلة : ليس المُهم من أخبرني، لكن المهم أنني أعرف عنك كـل

      التفاصيل، وأنا أتتبع حركاتك وأعمالك من حيث لاتـــراني أو تعلم بي،

      وذلك منذ سنين طويلة ، منذ التحاقك بالجامعة .

      - عظيم ، وَلِمَ كل هذا ؟

      - لا أعرف ، رُبّما بإيعازٍ داخلي ، لا أعــــرف مصدره .

      صمت" عمر" قليلا، فدخلت السكرتيرة حاملة أكواب العصير، وحطتها

      على الطاولة فشكرها وأذن لها بالإنصراف، ثم بقي "عمــر" و"جميلة"

      يشربان العصير ويتحاكيان، وتارة يتضاحكان وكأنهما يعرفــــان بعضهما
      البعض منذ زمن بــعيد، وبــعد مـــرور ساعــتين من الـــزمن إســــتأذنت

      للخـــــروج من مكتبه، كون موعد إقلاع طائرة العودة قـد قــرب، فــخرج

      معها ورافقها في طريقها إلى المطار على متن سيارته، ثم توادعا وتبادلا

      أرقام الهاتف ، وما هي إلا ساعة وركبت الطائرة ، بينـما هو عاد أدراجه

      يفكر في أمرالفتاة التي ظهرت فجأة كشُعاع نور في حياته المظلمة،فحمد

      الله وراح يقود سيارته في تـــؤدة ، مستمتــعا بالأغــاني العاطــــفية التي

      يرسلها إليه المذيـــــــــاع .

      كانت تلك الزيارة المفاجئة هي الخطوة الثالثة من خطة جميلة، عِلما

      منها أنها جذابة فاتنة ، لقد رمَت شباكها هذه المرة، فهل سيكون"عمر"

      مصيدة سهلة بين مخالبها ،أم يستطــيع أنه سيكشـــــف كيـــدها ؟ ذاك ما

      ستـــــرويه لنا الأيام .

      ***

      بقي الإتصال جاريا بين جميلة وعمر عن طريق الهاتف، وعندما

      مرتْ ثلاثة أسابيع ، ركبت الطائرة من جديد ، وسافرت إلى العاصـــــــمة

      وزارته ثانية في مكتبه، لكـــن هذه المرة تقربـــت إليه أكثر، وخــــرجت

      برُفقته إلى مكان رومنسي هادئ تناولا فيه وجبـة الغداء ، وشربــــا معا

      كؤوس الشاي ، وازدادت العـــلاقة بيـنهما أكثر حميمية وتطوَّرت إلى حَدِّ
      العشيق بعشيقته، وفي المساء أوصَلها إلى المطار وَودّعها وكُله شـــوق

      لرؤيتها مرة أخرى . لقد ظهرت في حياته في وقت مناسب ، واســــتوْلت

      على قلبه بإغرائها وجاذبيتها في وقت قصير ، ولقد إستمرت المكالـمات

      الهاتفية الليلية المُطوَّلة بينهما ، وفي آخر المطاف توصلا إلى اتفـــــــاق

      بإجراء حفل الخطوبة في أقرب الآجال ، وبالفعل إنتقل "عمر" بعد ذلك

      إلى قريته وطلب يدها من أهلها ، وأقام الحفل في جو بهيج ، كمـــــا وَعَدَ

      "جميلة" وأهلَها بإحياء حفل الزواج في فصل الصيف عـلى أن تُزفّ له

      في عطلته الصيفية ، ثم طار إلى العاصــــمة .

      وراحت الأيام تمر متباطئة على "عمر" وهو بعيد عن "جميلة" التـي

      استطاعت أن تستحوذ على قلبه وكيانه في زمن قصير ، وراح ينــــــتظر

      العطلة بفــــارغ الصبر .

      ولما جاء الصيف ، سارع إلى السفر إلى قريته مــودِّعا هــموم الــــعمل

      وأتعابه ، آملا في قضاء أيام جميلة بين أحضان أهله وذويه ، حالما بيوْم

      زفاف ''جميلة '' عروسا له .

      ***

      توقف الموكب أمام المنزل ، ونزل كل من "عمر" و"جميلة" من

      سيارة فخمة في ثوب العُرس، كان يرتدي بذلة من أجود القماش،مطرزة

      بالحرير ، أما هي كانت تبدو في ثوبها الأبيض الشفاف كالطـــــــاؤوس ،

      ومَشيَا سويًّا، لــِــيَلِجَا باب المنزل وســـط حشـْـدٍ هائل من نساء يصفــِّـقن

      ويُزغردن، ويُلقين على العريسين أوراق الورد المعطرة، ورجالٍ يحملون

      بنادقا ، يُسمَع دويّ طلقاتها في كل مكان ، ثم دخل العــريسان إلى قاعــة

      فسيحة الأرجاء، حـيطانها رخامية ، وسقـفها مُزيّن بالــورود والأضــواء

      الملونة، ثم سارا فوق الزرابـي الرفيـعة ومن خلفــهما الحشد ، إلــــى أن

      وصلا إلى الأريكتين المُزخرفتين المُعــدّ تيْن لهما في صــدر القـــــــاعة ،

      جلسَا جنبا إلى جنب يتضاحكان ويُلوّحان بأيديهما للحاضرين ، معـبـــرين

      عن شكــرهما لهم ، بعد ذلــك أُدخــلتْ طــاولة طويلة متــحركة ، علـــيها

      كـــل ألوان المأكولات، فتقدم إليها الحاضـرون ، وأخـــذ كل واحــــد منهم

      حاجته على الطريقــة الغربية ، وجلــس على مقعــده في زاوية من زوايا

      القــــــاعة ، وراحــوا يأكـلون بشراهة ، فلما اكتـــفوا حضـــرت طـــاولة

      المشروبات من قهوة وعصير وشاي، بعدما أزيحتْ طــاولة المأكـولات ،

      فراحوا يشربون مستمــتعين بالأنــغام الجميلة ، والزّغـــاريد التي تطلقها

      الحرائر بين الفينة والأخــــرى .

      في تلك اللحظات، دخلت القاعة فتاة ترتدي خمارا أسودا، وعباءة
      سوداء مُمزقة،وعلى وجهها آثار الدموع ،وراحت تمشي بخطى متثاقلة،

      إلى أن توسطت القاعة،وقفت على بعد أمتار من العروسين ،فقام"عمر"

      وحملق فيها جيدا ،إنها" لمياء" ، إنها أول فتـاة في حياته فتـــــحتْ باب

      قلبه لينفذ إليه شعاع الحب . تحــيّر الحضـــور لأمــر هذه الفتاة الغريبة ،

      وشخصت أبصارهم ، فأسكت أحدهم صخَب الموسيقى لِيعرفوا سِر هذه

      الفتاة ، أما "عمر"وقف مندهشا عاجزا عن النطق ثم تشجع وأطلق :

      ماالذي جاء بك هنا ؟

      فردّت والدموع تخنقها : هكذا إذن يا "عمر" ،أهذا هو حب السنين ؟

      ثم التفتت إلى "جميلة" وقالت عاتبة : وأنت يا" جميلة "، أهــــــذه هي

      الصداقة ؟

      وفي الحين وضــــــعت على شفتيها قـُـــنــــــينة صغيرة كانت تحـــــملها

      في يدها وتجرَّعَتْ كل ما فيها دفعة واحدة ، ثم مدَّتْ يدها إلى "عمــــر"

      قائلة : أحبك يا "عمر"،أحبك ، وحاولت أن تتــقدم إليه أكثر لكن جرعة

      السُّم اللعينة ، دمرت كيانها ، وشــلت مفاصلها فســـقطت علـى ركبتيها ،

      وبقيت مادةً يدها صوب "عمــر" مُردِّدة بآخر أنفاسها :

      أحبك يا عمر ، أحِـــــــــــــــــــــــ...بـْـ..بُــ …ــك.....

      فلما رآها " عمر" كذلك ، صرخ صرخة مدوية وأسرع إليــها ، فأمــسك
      بيدها ، وارتشف آخردموعها المنسكبة على وجنتيها ، كانــــت آخر كلمة

      تلفظت بها هي أحبك ، ثم استلقت على ظهرها لِتخلـُد للنومة الأبدية وما

      هي إلا ثوان معدودة حتى هوى عليها "عمر" ، وألصق رأســه بصدرها

      مثلما يفعل الصبي بأمه ، فاندهشت "جميلة "وقفـــزت من على أريكتها،

      لِتعيد المياه إلى مجاريها ، واتجهت متسارعة صوب "عمر" ، فأمسـكت

      بيده لتحمله عنها، فإذا بها أشدّ برودة من الثلج . نادتــــه باسمــــــــه :

      "عمر"، ،عمـــــــــــــــــــــر،... لكن لا حيــاة لمـــن تنادي ! لقد إدَّخر له

      القدَر هذه السكتة القلبية العنيفة إلى هذه اللحظات ، فكانت سكتة مابعدها

      سكتة أخرى ، فسقط جثة هامدة ... نعم لقد نادته صاحبة الحــب الخالص

      من عالم غير هذا العالم ، فاستجاب ، عـــالم لافيه غدر ولاكذب ولانفاق،

      بل هو مَوْطن الصراط والحساب والعدل ، إنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

      عالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــم الأرواح !!!









      ** أغنيــةُ الــثـكلى **


      لما ملّتْ نفسي من ضوضاء الأفكـار المتهـاوية من سقف

      غرفتي ، وسئمتُ من أصوات المــاضي الشبيـهة بأصوات الأرجل

      الماشية فوق المُومياء ، فتحت باب غرفتي ، وانحــدرت إلى الوادي

      الملتوي ، وسرتُ في سواد الليل مطاردا أخيلته المتراكضة ،متتــبعا

      تموّجات الريح الزافرة ، مُنصتا إلى أنيـن الكائنات المتألمة من جور

      الشتاء ، بان لي من خلف الـوادي كوخ صغير ، بين الفينة والأخرى

      تأخذ الريح قليلا من قش سقفه ، وترمـيه على الأرض ، وانبعث إلى

      مسمعي صوتٌ رقيق شبيهٌ بالتسابـــيح يقول:


      نمْ يا صَغيري ، نمْ ...

      نمْ يا مُنَََى القلب ، وابْحِر في فضاءِ الرُّقادْ

      فـَمُقْلتي قدْ أضناها طُول السُّهادْ

      والجَفنُ أضحى كَغُصنٍ ناعِِِِم ذاوٍ

      رَمتْ به الرّيحُ في الرُّبَى ، وكُل الوِهادْ

      نمْ يا صغيري ، نم ...
      واسْبحْ في بحرٍ تزينُه الأحلامْ

      فََفِيه سلْوًى، وبهْجة وكأسَ مُدامْ

      يُنسيكَ أياما كانتْ كالحنظلِ

      ويطرُد عنك أسْرابا منَ الآلامْ

      ***
      نم يا صغيري ، نمْ ...

      فَجمْر كانُوننَا ما عَادَ يَحتملْ

      نسائمًا مَمْزوجة بدمْع المُقلْ

      كَذا ، الأثافي ارْتدتْ ثوبا أسودًا

      حُزنًا...

      فـَمَا بالُ مُهجتِي التي تشتعِلْ ؟

      نم يا حبيبي ، نمْ ...

      فرُوحُ أبيكَ تبكينا ، وأحزاننا

      مُرفرفة في سَماء غُرفتنا

      بالله عليكَ ...

      قدْ زادتني ألمَا

      فاطبِقْ رُموشكَ ، واتْركها تغادِرنا
      ***
      نم يا صغيري ، نمْ ...

      فالصُّبح قدْ جاءَنا ، ونَحنُ لمْ ننمْ

      تـُرَى مع نوره ، هلْ ينقشعُ الألمْ ؟

      وهلْ يسوقُ إلينا يومًا مُشرقا ؟

      أمْ ينثرُ آمالي في فضاء العَدَمْ

      نم يا حبيبي ، نمْ ...

      ودَعْ جراحِي تنمْ •

      في تلك اللحظات إكفهَرَّ وجه الطبيعة ، فازدادت الرياح شدة ،

      وسقطت الأمطار وابلا غزيرا، تـَلاَها البَرَدُ بضرباته التي كادت تثقب

      رأسي ، بينما كنت مُحتميا بشجرة ملتفة الأفنان .

      وهدأت العاصفة الهوجاء ، فمشيتُ صــوب الكوخ متحـدّيا

      أكوام الأوحال ، ولما وصلتُ وجدته قد أضحى طلَلاً باليا والريح تأخذ

      منه ما خفّ حمله ، وتذْرُوه في الفضاء البعيد ، أما الثكلى وابنها قد

      أخذتهما النومة الأبدية ، فوقفتُ ساعة من الزمن أرثيهما وأردد :

      أيها المساكين : لقد دخلتم إلى الحياة غرباء ، وخرجتم منها غرباء ،

      حِكمــتك يا الله ! !


      ** رسالة ٌإلى الحَبـيبةِ المُستحيلة **

      لا ، لا ياابنة َالـ................يرْ

      لا ، لستُ بيـن يَديْـكِ كالأسِــيرْ

      بَلْ طائِـرٌ أنا طـلِيقْ

      عَلى الـثرَى أنامُ تارة ً

      وَتارة ًأعُومُ في مَوْج الأثِــيرْ

      وأجْمَعُ زادِي مِنَ الحُقولْ

      وأطفِىءُ نارَ العَطـشْ

      بقطرةِ ماءِ الغـديـرْ

      أُجالسُ البَدْرَ الجـميلْ

      على ضِفافِ الجَدوَلِ السَّمْح الصغـيرْ

      مُستـمْتِـعًا..

      بمَقطع مِنْ سنفونِياتِ الخَـريرْ

      عِِندي ، ذاكَ خيْرٌ مِنَ الذهبْ

      والدُرِّ، والزادِ الوفـيرْ

      وأحْسَـنُ ..

      مِنْ نوْم عَلى سَرير ٍمِنْ حَريـرْ

      في قفْصٍ رُخامِي ٍ

      عَليهِ حَـرَسٌ كَـثِـيرْ

      ***

      أرجوكِ ، لا تقـيِّدِينِي ياصـغِيرتي

      لأنني خصْمُ القـيُودْ

      حَـقيقـة ًأنا فـقِـيرْ

      لكنْ في صَدْري غِنىً

      بحَجْـم عُبابِ البُحورْ

      فسافِـري عنْ ضَيْـعـَتِي

      منْ فضلكِ بلا بُـكاءْ

      فدَمْعُـكِ كالخِـنجرِ..

      يُمزِّقُ قلبي الصغِــير

      وغادِري أرْضي فلمْ

      أعُدْ أطيقُ العيْـشَ تحتَ ظلـكِ

      لأنـني خُلقتُ حُـرا ، لا أسِــيرْ .


      ** الصـدمــة **


      أناديك أيّتها الحـــــياة !

      لقد سمَّيتك الحياة لأنني لم أجد أعمق من هذه الكلــمة لأسميك بها ،

      ولأنني بدونك ميت ،لست ميتا بمعنى جثة بين حـيطان رمْسٍ مَنسي ،

      بل جسد بلا روح ، ووردة بلا عطر ، وغصنٌ ذاوٍ لا حياة ولا نضارة.

      أناديك يا مُنى نفسي ، فهلاَّ سمعت ندائي منسابا مع نُسيمات السّحَََرْ ،

      وهلاَّ رأيتِ كآبتي السوداء خيالا مخيفا مُتمايلا لـيلة السمَرْ ، وهــلا

      أبصرت أشواقي المتصاعدة إلى الفضاء ، فتحْجُب عني النجوم والقمرْ.

      أناديك يا سارقة النوم من جفني ، فهل رنَّ في أذنيك صدى البَــوْح

      بلوعتي للكائنات ،وصوت الصّبابة التي تتهاوى علي ، كما يتهــاوى

      على الأرض وابل المطر ، أناديك يا شقيقة الروح فهلا تحسَّسْت نبْض

      شراييني مع تموّجات النسيم العليل ، أناديك وسأبقى أناديك حتى يخمد

      البركان الذي تجتاح حِمَمه صدري ، فتـذيب كياني .

      أنا أعلم أن فراقك يـدٌ حديدية صفعـتني صفعة قوية ، زلزلتني ،

      وأودعتْني الحزن الذي راح يمتصّ دمائي ، ويفتّتُ عظامي ، تلك اليدُ

      التي سرقت مني أعزّ ما أملك في هذا الوجود ، وحرمتني من تـذوق

      كأس السعادة ، لن تستطيع أن تحرمني من إيصـال أنيني وأحاسيسي

      إلى كل العالم ، مع أشعة القمر وقصف الرعود ، وأجنحة العصافير ،

      وحفيف الشجر ، ولن تستطيع أن تحرمنــي من أن أناديــك بأعلى

      صوت ، وأتغنى باسمك ما حَييتُ وأداعب طيفك الذي يمتـثل أمامـي

      في يقظتي ومنامي ، وفي ليلي ونهاري ، وعند مأكلي ومشربي ، تلك

      اليد لن تقدر على حبس عيني من ذرف الدموع ، ولا أناهــيدي عن

      إطفاء كل الشموع !.

      يا ظبية ًواراها التراب في شرخ شبابها ، ما قيمة الحياة بدونك ؟

      وما أضيق كل هذه الفيافي بدون قفزك وركضك !.

      يا زنبقتي ، لقد داهمك الإعصـار فشتّتَ وُريقاتك ، وكسّر ساقك ،

      بعد ما كنت بالأمس مختالة بين الزهور ، ما قيمـة الهواء إذا لم تكن

      فيه أنفاسك ؟ وما أنتن هذا الجو بدون طيب رياك !.

      كم هو الموت قاس يا حبيبتي ، فقد كنا بالأمـس وكانت الأيام تركض

      أمامنا مثل غزال زاه بشـعاع الشـمس ، وشساعة البيداء ، واليوم

      أصبحت شوكة تخِزُ قلبي كل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية ، كنا وكانت

      الأيام جدولا رقراقا طـَرُوبا، يروي الأشجار والأزهار، وترقـص على

      خريـره العصــافير والأطـيار ، وقد أضْحت مستنقعا من الأحـزان

      والأتــراح.

      كنا وكانت الحياة مَنهلا ًصافيا يـُثلج ماؤه الصـدر ، ويَحُـوكُ للروح

      أجنحة ًسحرية تحلق بها في الفضــاءات اللامتناهية ، أما اليوم فقد

      أصبحت كأسا علقمية ، تتحجر مرَارتها في الأمعاء !

      أتذكرين يا صغيرتي آخر مرة جلسنا فيـها مع بعـض تحـت ظل هذه

      الشجرة العظيمة ، وكان هذا المكان روضة من رياض الجنة ، وأنـت

      عروسها ، وعندما مددتُ يدي لأمسك بيدك ، وأضعها على قلــبي ،

      لتتحسَّـسي دقـاته النابضة باسمك ، فأبيت أن ألمس يدك ،وقلــت

      لي : حتى نتزوج ، ورسمت تلك الإبتسامة على شفتيك ، فكانت أروع

      لوحة رأيتها في حياتي ، ثم أخفضت رأسك قليلا ، وحدقت إليّ بعينين

      واسعتين تقولان بلهجة واضحة : أيها الطـــماع إسْتح !.

      ها قد أصبحت تلك الروضة الغنّاء مَهْدًا لِلَحْدٍ حفرته بأظافري ، وقبَرْتك

      فيه ، وغطيتك بخليط الثرى الطاهر ، ودموعي المهـراقة كالشـلال ،

      وذلك الجمال الذي كان يحيط بنا، لم يعد في نظري سِوى كمْشة تراب،

      لا طعم ولا بهاء ، ها قد أصبحت اليوم أناجي روحك المســافرة إلى

      فضاء العالم العلوي ، بعدما كـنت بالأمس تجلسـين قبالتي ، فأحدثك

      عن أحلامي وطموحاتي ، عن كل شيء ، عن اللاشيء ، نسكت فتتكلم

      العيون ، نتكلم فتخشع الكائنات ، كان كلامك شبيها بزقزقة العصافير ،

      وكانت همساتك خمرة يثمل بها قلبي الصغير .

      أيها المـــوت !

      أنت حقّ ، لكن كم هي حادّة مخالبك ، وكم هي موجعة أصابعك ، وكم

      هو متحجِّر قــلبك !

      يا رب ، أنا مؤمن بقضائك وقدرك ، واليوم الآخر ورسلك وملائكتك ،

      أرزقنا الصبر والسلوان ، إليك المعاد ، يا مُبدع إرَمَ ذات العماد ، أهدنا

      إلى درب السّداد ، وهبْ لنا من لدُنْك رحمة يا وهاب يا واحد ،....

      آمين .

      ***

      بعدما أنهى الشاب مُناجـاته، غرس وردة حمراء على القبر ،

      ثم اقتلع نفسه من على الأرض ، كأنما شُدّت أذيـــاله بحواشي ذاك

      الضريح ، ومشى متثاقلا ووجهه من الدموع كأرض إجتازها السيل .

      كان ذلك وأنا جالس حيث لا يراني أراقب حركاته حركة حركة ،

      وأتألم لكلماته اللافحة .

      تبعتُه ، ثم بادرته بالسلام ، فردّ بكلمات تمـلأها الغصّـات ، فعَزّيتُه ،

      وطلبت منه أن يحدثني عن حكايته كي أنشـرها ليكون للناس مـثالا

      للوفاء ، فجلسنا تحت ظل شجرة ،وأخذ يقول : "جمال " في ربيع العمر

      – كما ترى – أعمل بصحراء البلاد ، تلك المنطقة الشاسـعة ، الغنيّة

      بثرواتها الطبيعية ، الزاخرة بالمناظر الخلابة والواحات الجمـيلة التي

      تزينها كما يزين العقد صدر الصبية البضة ، والتي تُسَبِّح فيها مَناهلها

      وأطيارها بعظمة الخالــق.

      الساعة تشير إلى الثامنة مساء إلا ربع ، وأنا مُستلق ٍعَلى سـريري ،

      أستمتع بلحظات الإسـترخاء بعد عَنَاء يومٍ كامل .

      ذهب خيالي بعيدا ، فجلست بمحـاذاة طـيف تلك الفتاة التي أحببتها

      وأحبّتني بصدق ، تذكرت حلاوة الأيام برفقتها ، تمـنيت من الساعات

      أن تركض بسرعة كي أستفيد من العطلة الموعودة ، وأتمكّن من رؤية

      ذلك المُحيّا البريء ، لكن تلك السويعات كنت أرى دقائقها تزحـــف

      أمامي ببطء سخيف . فتحتُ التلفاز ، فسمعت الصحفي يقول : كـارثة

      وطنية ضواحي بومرداس ، السلطات تتحرك ، خسائر ماديـة وبشرية

      معتبرة ، إنه الزّلـــــــــزال ،....إلخ .

      تألمت وتألمت ، توقعت إصـابة عائلتي كوني من ضواحي المنطقة ،

      لكني استبعدت الأمر، فكرت وفكرت ثم داهمني الـــنعاس ، فأطفأت

      التلفاز واستسلمت لسلطان النوم .

      وفي صبيحة الغدِ يَهوى الخبر اليقين علي كالصاعقة ، بل أشـدّ مـن

      الزلزال نفسه ، لقد إلتهم الزلزال خطيبتي ، تلك الصبية التـي أطعمْتُها

      حنان قلبي ، وسقيتها نبض عروقي، سيواريها التراب وستصبح طعاما

      للدَّيدان . والعصفورة التي كسوتها الريش براحتي ، فـلما آن الأوان

      كي نحلق سَويّا في فضاء واحد ، فضاء الحياة والحب ، مدَّ القدر يده

      وكسـر جناحها ونسفها في فضاء العدم.

      آه ! ما أحوجك يا عين إلى الدمع ، وما أحوجك يا نفس إلى الصبر !

      كان الشاب يتكلم وأنا أتأمل في وجهه جيدا ، فرأيت الدموع تتـهاوى

      وهو يحاول أن يرجعها إلى أعماق ذاته ،لكن ما باليد حيلة فقد غلبته .

      عندئـذ صبّرتـه ببعض الكلمـات ثـم قلت : لكن من أين أتيت بهذه

      الفصاحة والكلام الجميل والعبارات الرنانة ؟ فتنهد وقال : يا أخي من

      قلب الربيع تنبت الورود ، ومن قلب الأرض والجبال تنبجس الينابيع،

      ومن قلب المعاناة يتفجر الإبداع ، أسعد الله نهارك ، السلام عليكم .

      هكذا ألقى علي كلماته الأخيرة ، واقتلع نفسه بصــــعوبة من على

      الأرض ، وسار في ضباب الحزن إلى أن تــوارى .
























      **عـيْـنـــاكِ **



      عيْـناكِ بُحَيِْرَتانِِ تحْتَ ضَوْءِ القمَرْ

      نـَامَتْ عَلَى أطَرَافِـهِـمَا بَسَاتِينٌ

      مِنْ بَاسِقِ السَّـرْوِ والصّنوْبَرْ

      وحدائقٌ تفُوحُ بِرَيَّا الأقحُوانِ العَطرْ

      وحَاجبَاكِ كقارِبيْنِ راسِييْنِ

      يُقارعَانِ فِي وُجُـومْ

      مَجـِيء وَقتِ السَّحَرْ

      أمَّا جُفونُكِ فَهي تعْزفُ ألحَانـًا

      دُون كَمَانٍ أوعُودٍ أو وَتـَرْ

      وَمَوْقـُكِ مَجْرَى يُـنبُوعٍ صافٍ

      ومُقـْلتاكِ ...

      لَيْلتـَا سَمَـرْ

      أمَّا عنْ بُؤبُؤك فـهْوَ فانـُوسٌ

      لِشـَاعِرٍ رَقيقٍ مُحِبٍّ أنْهَكَهُ السَّهَـرْ

      عيـناك باخـتصارْ

      يَـاقاتِـلتِي، أحلى لَوْحَةٍٍ رُسِمَتْ

      فِي هذا الكـوْنِ ، فسُبْحان مَنْ صوَّرْ.


























      ** الجــــحـيم **


      سِرْوال أزرق ملاصق للحْمها،وقميص شفاف يُغطي بعض جسمها،

      بل يزيده فتنة صـارخة ، لكنها لم تُعِر لنفسها أدنى اهتمام شأنها شأن

      قطعة لحم لذيذة ، بقيت عُرضة للشمس ، فالتـفّتْ حولـها الحشرات

      والديدان ، وبعينين واسعتين ذابلتين حزينتـين ، وابتسـامة صفراء

      مصطنعة ترد الشابة تحيات العيـد على الداخلين والخـارجين ، كانت

      جالسة فوق كرسيي في قاعة الإستقبال بالنزل الذي تعمل فيه ، تُحملق

      جيدا في فنجان القهوة الموضوع أمـامها على الطاولة ، وبين الفينة

      والأخرى تأخذ نفَسًا عميقا من السيجارة المرتـجفة بين أنامـلها ، ثم

      تطرد أنفاسها الدخانية في الفضاء ، وتعقبها بارتشـاف جـرعة مـن

      القهوة السوداء ، كالذي يحاول أن يدمِّر جسده ، أو ينـتقم من نفسه

      بنفسه ، أو كمن يسقي الألم كأسا من حـزن أو يحاول إطفاء النيران

      برشّ البـنزين !.

      من يراها يقول عنها أنها واحـدة من بين آلاف خضْراوات الدِّمْـن ،

      أو مُومَسٌ وكفى ،لكن أنظر جيدا إلى نواة الأمور ، فإنك سوف تكتشف

      أسرارا وأسرارا ، وحدِّق جيدا في تلك العينين السـوداوين الجميلتين

      فإنك ، سوف ترى الألم بادٍ في مُقل تلك الفتاة البضـة ، ثم استـنشقْ

      أنفاسها الدخانية فإنك سوف تحِسّ بالحسرة والندم ، وحـدِّق جيدا في

      تلك الأنفاس فسوف تبصر المعاناة راكضة بين دقائــقها .

      إنّ في عمق كل نفس بشرية نصيب من الألم سـواء كان بحجم الذرة

      أم بحجم الجبال ، لكن هنـاك من تكـون أخيلة ذاك الألم بادية عليه ،

      راقصـة على مُحيّاه ، وهـناك من يُداريـها بالمظــاهر الخادعة ،

      أو يُـبرْقعها بابتسامات مزيفة .

      تقربتُ من الفتاة قصد إشباع فضولي وفكّ اللغز المـاثل أمامي ، وردة

      جميلة في أوائل أيام الربيع تحوّل شذاها الذي عادة ًما يكون عََطِرا إلى

      ريح نــتنة !.

      أهو ذنبها ، أ م ذنب الربيع ، أم ذنب الطبيعة كلها ؟ .

      أهو ذنبي أنا ، أم ذنب الزهور والنباتات المحيطة بها ، أم هو ذنب كل

      الكائنات ؟.

      قلت : دنوتُ منها وحييتـها وهنّأتها بعيد الفطر المبارك ثم قلت لها :

      رأيتك وحيدة فأردت أن أؤنسك ، هل تسمـحين لي بشرب فنجان قهوة

      معك ؟.

      قالت : تفضل ، إجلس، لكن إستحِ فاليوم عيدٌ ، أظن أنك أيضا منهم ،

      لكن لا تبدو عليك ملامِحهم .

      - من هؤلاء ؟

      - أنت تعرف جيدا ما أقصد . أبناء الحرام.

      عرفت حينئذ أنها صنفتني في خانة أولئـك الذيـن يشـترون لحظات

      النزوة بأموال باهضة على حساب أجساد جرَّها إما الغرور أو الجنون

      أو السذاجة إلى سوق الرذيلة .

      إبتسمتُ وقلت : مَعاذ الله أن أكون من ذاك الصنف ، لكــن ودِدْتُ أن

      أكون لك صديقا وفقط ، فهل تقبلـــين أن أكون كذلك ؟.

      بضحكة تنمّ عن اللاثقة والإستهزاء قالت: آه ! صديق ، نعم صديق !.

      عندئذ حدثتها عن الصداقة والحب ، عن الحياة والدين ومعظم الجداول

      التي تنْصبُّ في بحيرة الحياة ، فأحسستُ أنها بدأت تستلطف كلامي .

      قالت : وأين نصيبي من كل هذا ؟ فأنا محرومة من الحياة والحــب

      والزواج ، حتى الأمل إنطفأت كل شموعه ، وذبلت كل زهوره أمامي ،

      فأنا لست إلا سُنونوة حطمتْ عشها العاصفة ، ونَـتفتْ ريـشها أيْـدٍ

      شيطانية وأودعتها قفص العار والرذيلة ، آه من البشر ومن شــرور

      البشر !.

      - كلامك حلو وعذب .

      - أحسِبْتني أمية ؟ إني بنت الجامعة .

      اندهشت لقولـها ، ثم داريـتُ الأمر بسرعة ، لقد أحسست أن كلامي

      توغل في أعماق الفتاة فبدأت ترتاح لي ، وأيقنـت أن بين جنبي تلك

      الشابة نفسٌ مرهفة حساسة، وذاتٌ متألمة ، نفثت فيها الحياة سمومها

      وجعلتها تتخبط بين أنياب الأيام ، لا طبيبا مداويا ولا يدا رحيمة تنجيها

      من العذاب ، فرُحْت أستدرجها عساني أعرف ما تواريه قائلا :

      - لماذا تتشاءمين من البشر ؟

      - خاصة الرجال ، إنهم مصدر التعاسة والحزن .

      - ألهـــذا الحدّ تكرهين الرجال ؟.

      - نعم أكرههم ، أكرههم اليوم وغدا وفي الجنة وفي الجحيم وفي

      - كل مكان ، حتى النساء أيضا أكــرههن وأكره معهن نفسي ،

      قالت ذلك بلهجة الساخط .

      - لماذا كل هذا التشاؤم ، وأنت لا تزالين في عمر الزهور ؟.

      ردتْ باستهزاء رافعة قليلا شفتها الســفلى : عُمر الزهور ، بل قل :

      عمرٌ بلا زهور ، كنت في عمر الزهور في يوم مـا وفي زمن ما وفي

      مكان ما ، عندما كانت ''سعاد'' التي هي أنا البنـت المُـهذبة والصبية

      الجميلة المتحجبة المتخلقة ، يكسوها الحياء ،وتزينها تلـك المَسْـحة

      الملائكية الطبيعية ، أما اليـوم فقد أصبـحت ''سعاد'' حُثالة الناس ،

      بعدما رمتْ بُرقع الحياء ، وراحت تتسـكّع في الشـوارع ، نعـم لقد

      أصبحت تلك الوردة المخضلة مجرد وريـقات متنـاثرة هـنا وهناك ،

      تدوسها الأقدام والحوافــر !.

      من منَّا لا يريد أن يستقبل بهجة العـيد في دفء عائـلي بين أحضان

      الأبوين ؟ ومن منا لا يحب أن ينعم بتلك اللحظات الجميلة ؟ أنا أعترف

      أنني مذنبة في حق نفسي وفي حق ربي ، لكنني أوكـله مـولاي الله

      العلي القدير على الشياطين البشرية التـي جرّتـني إلى هـذه الـهوّة

      السحيقة التي دفنتُ فيها شرفي وقِيَمي وأحاسيسي وإنسانيتي .

      كانت الفتاة تتكلم وأنا أراقبها ، وأحدِّق إلى أشعة مقلتيها التـي نُسجت

      منها يد خفية إمتدت إلى قلبي وراحت تعصره مثل الليمونة، وسرعان

      ما تغرغَرتْ عيناها الواسعتان بالدموع ، فسقـطت أول جـمانة على

      خدِّها ، وكبحت الغصَّات الكلمات في حنجرتها ، فلم تستـــطع الفتاة

      التحمّل ، فقامت لتغسل وجهها مشيرة لـي بيدها أنهـا سـوف تعود

      بعد قلــيل.

      ***

      مَنْ منا أيها الناس يستطيع أن يكبح أحاسيسه أمام هذا الموقف ؟

      ومن منا لا تتفتت كبده أمام امتلاء عيني تلك الشابة بالدموع ؟ دموع

      الحرمان ، دموع الحاجة إلى الرأفة والحنان ، ومن منا لا تداهــمه

      الغصّات ، فتملأ حنجرته بمرارة حنظلية أمام ذاك المشهد الكئــيب ،

      مشهد صبية رمتـْهَا الأيام تحت نعالها، وراحت تدوسها بلا رحمة أو

      أدنى شفقة ، بعدما كانت بالأمس القريـب لؤلؤة في تاج الحياة ، هكذا

      إذن هي الحياة ، إمرأة جميلة لَعوب ، تضعك جوهرة في تاجها إذا كان

      بريقك جذابا ، دون أن تعرف لُبَّـك أهو سم أم بلسم، وترمــيك تحت

      أقدامهاإذا كنت بلا جمال ولا بريق حتى لو كان باطنك عسلا متقاطرا ،

      والبريق في ناموس الحياة : المال والشرف والجاه .

      أين نصيبك يا ترى أيتها الفتاة التي حيَّــرتني ؟ .

      سرَحتُ قليلا في أغوار نفسي واستوقـفتني ذاتـي برهة مـن الزمن

      أحاورها ، وإذا بيد ناعمة قبالة عيني تلوح يمينا وشمالا ، والفتــاة

      تقول : أين ذهبت ؟ أين أبحرت ؟

      فضحكتُ وقلت لها : ليس بعيدا ، أطلبي لي فنجان قهوة .

      لقد عادت بعدما صبَّتْ دمعها ، فأطفـأت قليلا من الجمر المتوهج في

      فؤادها ،والذي أحسستُ به يلفح قلبي في بادىء الأمر ، ذاك ما جذبني

      إليها .

      جلستْ بعدئذ أمامي وأشعلتْ سيجارة وقالت : لماذا تذكرني بالعذاب ؟

      وأنا في كفاح مع ذكرى الألم ، وعذاب الحاضر وجحيم المستقبل ، ألا

      ترحمني ؟ .

      - بالعكس ، إن قلبي يتفتت بين أشعة نظراتك ، وذرات أنفاسك ،

      لكن مجرد فضول زائد يا صغيرتي .

      - سأشبع فضولك وأحكي لك قصتي من مبتدئها إلى مُـنتـهاها ،

      لكن بالله عليك خبرني ما ذنبي ؟.

      قلت لها : تفضلي ، ثم أشعلتُ سيجارة ورحت أرتشــف القهوة التي

      طلبتْـها لي ، فوُضِعتْ فوق الطاولة .

      تنهدتْ وقالت : في تلك الأيام الربيعية الجميلة ، كانت ''سعاد''التي هي

      أنا ، بين ذويها برعما صغيرا في شجرة العائلة ، يتفتـح وينمو شيئا

      فشيئا إلى أن أصبح وردة جميلة يفوح أريجـها في الآفاق ، ويسـحر

      قدها عيون العشاق، وتتنَـدَّى لِغيابها الآماق ،يغمرها حُـنوُّ الأبـوين

      وعطف الإخوة ، سائرة بسذاجة في موكب الأيام ، فكانت مثل جـدول

      ماؤه ينساب عذبا براقا .

      مازلت أذكر ذاك الفتى الخجول الذي أحسست أنه يحبني بصدق عندما

      كنا على مقاعد الثانوية ، كان المسكين ينتـظرني كل صباح ، ويُحدِّق

      إليَّ بعينين ملؤهما الهيام والشوق ، فلما أنظر إليـه تحْمـرُّ وجنتاه ،

      ويُطأطأ رأسه ، فأضحك وأحيانا أداري ضحكي، كنت أكِنُّ له حبا جما ،

      نظرا لِظرفه وأخلاقه وَوَسَامته ، لكن نرجسـيتي العارمـة منعتني من

      الحديث إليه ، فكنا نخوض بحرا واحدا وكل منا في قاربه ، نكــتفي

      بالنظرات وحوار الجفون ، فكان حبنا شبيها بحب بني عذرة ، كم هو

      شريف ذاك الفتى ! ليت كل الرجال مثله .

      وتمر الأيام ونقفز إلى الجامعة سويا ، فغادرنا قريـتنا الصغيـرة إلى

      مدينة تبعد عنها بعض الكيلومترات ، إلا أن الفتى توجه إلى العاصمة

      بعد أيام قليلة لدراسة العلوم السياسية ، ودخلت وحــدي ذلك العالم

      الغامض الذي كان يبدو لي جميلا ، حرية تامة ،فتيان من كل الألوان ،

      فتيات جميلات متمايلات ، ثنائيات وثنــائيات مُجنّحة بالغرام ، كلام

      حلو ورقيق ، وغزل كخمرة بنكهة خاصة ، جو مشــرق معطر يفجر

      ينابيع الشباب ، ورغم كل ذلك كان همـي الوحيد هو الدراسة والنجاح

      بتفوق ، وتحقيق أمنية والدي الذي أفنى حياته وهو يـرى في وجهي

      صورة ملاك الرحمة ، بمئـزر أبيض ينم عن الطهر والنقاء ، فانكببتُ

      على الإطلاع والبحث إلى أن جاء اليوم الأسود اللعين ، كان ذلك اليوم

      فاصلا بيني وبين الحياة الكريمة ،وسيفا بتارا هوى علي فبتر شـرفي

      وكرامتي وإنسانيتي ، كان ذلك اليوم نهايـة للآمـال والأحلام وبداية

      للحزن والمرارة والألم . لقد بدأت دقات السـعادة في عمـري عَـدها

      التنازلي عندما تعرفت على تلك الأفعى الرقطاء المسماة ''حــورية''

      والتي كانت تسكن معي في غرفة واحدة ، نعم مـن يـراها يحـسبها

      حقا حورية من حور الجنة ، لكنها أفعى جهنـمية ، سرقـت من البدر

      إستدارة وجهه ،ومن الحور عيونها ومن العسل حلاوته ومن الملائكة

      شِيَمها ، كانت جميلة وظريفة ، لكن ذلك لم يكن سوى قناعا أوهمتني

      به حتى أوقعتني في شباكها ، كنت في أواخر التاسعة عشر من عمري

      في أول سنة لي بالجامعة ، وهي في الطور الأخير .

      قلت : جمعتنا الأقدار في غرفة واحدة ، وكنـا صديقتـين حميمتين ،

      لكني ساذجة ، أما هي فأمُّ المكْر والدهاء ، ولقد حذرتني مـنها إحدى

      الزميلات ، لكني كنت أرى فيها عكس ما قالت لي عـنها ، كنت أرى

      فيها النحلة التي تطعمني العسل والوردة التي تعطر لي الأجـــواء ،

      كم كانت تدللـني ،لدرجة أنها كانت تطعمـني بيدها ، فأتنسْتُ بها أيَّمَا

      أنس ، وتدفقتْ مياهي في مجراها بثقة عمياء ، لكنـها خانت الثقة ،

      وصبتها في مستنقع أسود يعج بالضفادع والخنازير العوامة ! .

      نعم ، كان ذاك التفاح وتلك المأكولات اللذيذة التي كانت تطعمني إياها

      مسجلة في فاتورة دفعت حسابها في آخر المطاف ، دفعت فيها كل مـا

      أملك ، شرفي ، إنسانيتي وكرامتي ، حياتي وسعادتي وأحلامي ، مـا

      أبهضها فاتورة !.

      كانت ''سعاد'' تتكلم والدموع تتـساقط مــن عينيها كالوابل لكنها في

      هدوء ، كمن يعصر روحه في صمت الليالي ، عند غفـلة البشر ، تلك

      الدموع بللتْ ثيابها وسيجارتها وأغرقت فنجان القهوة وأغرقـت قلبي

      في حزن رهيب ، وتركتْ مُهجتي تتكسر مع كل غصة من غصاتها .

      كانت الفتاة تتكلم ، وكلماتها كلحْنِ ناي حزين يقطع قلبي بسكين حاد ،

      وأناهيدها بركان تقذف به حمم النـدم والألم ، وخـدَّاها كورقتي ورد

      لطخهما السيل بالطين ، وأجفانها سعف نخيل صُبَّ عليه المطر .

      قالت : في ذلك المساء الحزين الأخـير من حـياتي ، حيـاة الشرف

      والطـُّهر، لبست أحسن ما عندي من لباس، وتجملت وتوجــهت أنا

      وتلك الأفعى ''حورية'' إلى المجهول ، سالكتين درب التيـه والضياع ،

      إلى وقت تسديد ثمن الفاتورة ، فاتورة التفاح والمـوز واللـحم ، لقد

      أوهمتني أننا ذاهبتين إلى بيـتهم لتناول وجبة العشاء ، ولما دخـلنا

      البيت المتواجد في أعلى طابق من العمارة ، وبمـجرد فتحـها الباب

      تدفقت ريح عطرة إلينا ، وتسابقت النسيمات الشـذية إلـى روحينا ،

      فتوغلت في أعماقنا ، وأحسسنا بالإنتعاش ، ثم دخلنا وجلسنا في قاعة

      الإستقبال ، وعندما مرت من الزمن عشرون

      تعليق


      • #18
        رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

        يسعدني تواجدك اختي فتحاوية
        ياريت كان عملتي المشاركة هاي موضوع
        لكِ مني ارق التحية
        ِجِنَرال الَجُنوب
        صفحتي على الفيس بوك //~

        إضغط هنــآ

        تعليق


        • #19
          رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

          شكراً لمجهودك خيي

          يعطيك الف عافية

          تحيتي
          كُن إنساناً أو مُت وأنتَ تُحاوِل ..

          تعليق


          • #20
            رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

            اختي الغالية :جيرل بيبي،،



            الاحترام وااااااااجب
            صفحتي على الفيس بوك //~

            إضغط هنــآ

            تعليق


            • #21
              رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

              تسلم أناملك أخي المبدع دوماً،،
              ..~*:•. إح ـساس ع ـاشق.•:*~..
              يعطيك الف عافيه على المعلومات المفيدهـ،،
              تقــبل مــــروري،،
              لك مني كل إحترام وتقدير...
              . Just Smile .. Fly
              . It will Be defrente^^


              تعليق


              • #22
                رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                المشاركة الأصلية بواسطة *{صبية غزاوية}* مشاهدة المشاركة
                تسلم أناملك أخي المبدع دوماً،،
                ..~*:•. إح ـساس ع ـاشق.•:*~..
                يعطيك الف عافيه على المعلومات المفيدهـ،،
                تقــبل مــــروري،،
                لك مني كل إحترام وتقدير...
                ربــي يــسـلـمـكِ اخـتـي صـبـيـة غـزة
                عالـمـرـورالـعـطـرـر بـتـوـوآآآجــدكـ ِ
                فـي صـفـحـتـي الـمـتـوـواضـعـة

                صفحتي على الفيس بوك //~

                إضغط هنــآ

                تعليق


                • #23
                  رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                  شكرا على هذه الفائدة

                  تعليق


                  • #24
                    رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                    صفحتي على الفيس بوك //~

                    إضغط هنــآ

                    تعليق


                    • #25
                      رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                      شكرا لك اخي جنرال الجنوب( احساس عاشق)

                      ما شاء الله عليك دائما مميز بمواضيعك

                      سلمــــــــــ يداك ـــــــــت

                      تعليق


                      • #26
                        رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                        المشاركة الأصلية بواسطة سمانا مشاهدة المشاركة
                        شكرا لك اخي جنرال الجنوب( احساس عاشق)

                        ما شاء الله عليك دائما مميز بمواضيعك

                        سلمــــــــــ يداك ـــــــــت
                        مشكوووور ة
                        سمانا اختي عالمرور الطيب
                        الابداااع هو انتي اختي
                        تحيتي لكِ
                        صفحتي على الفيس بوك //~

                        إضغط هنــآ

                        تعليق


                        • #27
                          رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                          يسلمووووو ايدك اخى
                          على الجهد الرائع
                          تحياتى

                          تعليق


                          • #28
                            رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                            مشكورة اختي بنوتة عالتواجد

                            الطيب لاتحرمنا منه

                            احترااااامي
                            صفحتي على الفيس بوك //~

                            إضغط هنــآ

                            تعليق


                            • #29
                              رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                              يسلموووووووووووووو


                              احساس عاشق


                              على هذا الجهد



                              أمــاااانى ,,,


                              تعليق


                              • #30
                                رد: .•:*¨`*:•. الـقـصـه .. أنـواعـهـا .. و عـنـاصـرهـا .•:*¨`*:•.

                                مشكورة اختي امانيعالتواجد

                                الطيب لاتحرمنا منه

                                احترااااامي
                                صفحتي على الفيس بوك //~

                                إضغط هنــآ

                                تعليق

                                يعمل...
                                X