كانت هزائم الصليبيين في العصور الوسطى حاسمة، لم تبق لهم أثرا في الأقطار التي احتلوها، وبعد مائتي عام من الكر و الفر ارتدوا من حيث جاءوا ، راضين من الغنيمة بالإياب...
لكن القوم استفادوا من هزائمهم، ولم نستفد نحن من انتصاراتنا، ومن هنا لم تمض قرون طويلة حتى تغيرت الأوضاع مرة أخرى ضدنا لا معنا.!
كيف أفادوا من هزائمهم؟ لقد تركوا الساحة التي عز عليهم اجتياحها، وطرقوا أبوابا أخرى كثيرة، وحققوا كشوفا جغرافية، وطفرات علمية رجحت كفتهم إلى مدى بعيد!
على حين بقينا نحن نكررأخطاءنا القديمة، ونتحرك في مواضعنا، ونفتن في إشباع شهواتنا..
اكتشف الأوربيون طريق رأس الرجاء الصالح، واستغنت تجارتهم مع الهند والشرق الأقصى عن المرور ببلادنا فعانينا نوعا من الكساد الاقتصادي، كما أن القراصنة الأوربيين تمكنوا من مهاجمة شرق إفريقية والخليج وأشاعوا الإرهاب في هذه البقاع..!
وأخذت دائرة الكشوف تنداح، واستطاع " كولمبوس " أن يكتشف أميركا، وهو يتلمس طريقا بحرية إلى الهند بعيدة عن سلطان المسلمين!
وقد ذكرنا في مكان آخر من كتبنا أصابع الفاتيكان في هذا التوجيه، والرغبة الصليبية في قرع أبواب الإسلام من الخلف بعد ما صعب اجتيازها من الأمام! واتسع الكشف بعد الوصول إلى العالم الجديد، ودخلت المسيحية أمريكا الجنوبية والشمالية وصبغت بعقائدها وألسنتها كل الدول التي أنشئت هناك، والمسلمون ينظرون مبهورين أو محسورين، كانت قشور من الفكر الإسلامي تسيطر عليهم وما زالت!!
وعرف الأوربيون قارة أخرى هي استراليا، وانتقلت إليه بداهة عقيدة المكتشف ولغته.
بل إن العداوة للإسلام تطفح بها هناك نفوس! والنصارى العرب الذين هاجروا إلى استراليا أسوأ الناس قولا، وأشدهم حملا على الإسلام، وتحريضا على تعطيل شعائره ورفض الحكم به
ولقد تحولت الهزائم العسكرية القديمة إلى انتصارات عزيزة في ميدان الكشوف الجغرافية.. وثم أمر آخر هو في نظري أهم من هذه الكشوف، إن الأوربيين نظروا إلى الحياة الإسلامية التي تفوقت عليهم ونقلوا عنها أعظم خصائصها..
ويبدو ذلك في ميدانين عريضين أولهما ميدان الاصلاح الديني الذي تمخض عن ظهور المذهب " البروتستانتي " وعن انكماش سلطات البابا الروحية والسياسية انكماشا كبيرا.
وأذكر أني قرأت رسالة في هذا الموضوع للشيخ أمين الخولي، وهورجل عقلاني كما يعبر البعض عن منهجه وفكره، أعني أن الحماس للإسلام لا دخل له في تأليف هذه الرسالة.
ولا ينكر العقلاء المحايدون أثر الإسلام في هذه الحركات الإصلاحية التي شملت أوربا كلها.
والميدان الثاني الذي ظهر فيه التأثر بالإسلام هو تيقظ العقل الأوربي بعد رقاد ظل بضعة عشر قرنا، وبدء عصر الإحياء، والمنطق التجريبي وإقصاء الظنون والأوهام وإيثار الحقائق والبديهيات..
وكان رجال الدين يعرفون أثر الإسلام في هذه النهضة، ويخافون أن تكون مهادا للترحيب بالإسلام، والتمهيد لعقائده، من أجل ذلك قاتلوها بشراسة وغضب.
وقتل عدد كبير من رواد عصر الإحياء، ووضعت الكنيسة عقويات صارمة للقضاء عليهم إلا أن الموجة كانت أكبر منها، فانتصر العلم المادي، وعرا الدين قي انكماش شديد وهوان أشد!
بيد أن رجال الكنيسة سرعان ما أفاقوا من غمرتهم، وواءموا بين مطالبهم والنجاح العلمي الغالب، وأسدوا خدمات جليلة للاستعمار، وأطماع الحكومات المدنية التي تملك أزمة الأمور... فلما كان القرن التاسع عشر الميلادي- الرابع عشر الهجري تقريبا- كان المسلمون في مواقف لا يحسدون عليها، بل كانت أمورهم كلها في إدبار!
عادت الأحوال النفسية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى سقوط بيت المقدس من ألف عام، وإزهاق أرواح الألوف في مذابح جماعية وحشية كان الدم الإسلامي فيها أرخص شيء في الدنيا..
وسيطر الجمود الفكري والحضاري على جماهير الأمة المنكوبة على حين كان غيرها يشق طريقه إلى عصر الفضاء.
و جد في مجال التبشير المسيحي ما يستحق التسجيل، فقد كان هذا التبشير قسمة منظمة بين الكاثوليك والبروتستانت وكان الأرثوذكس متجاهلين لا يكترث بهم، لكنهم أثبتوا جدارتهم بالمشاركة الفعلية، فسمح لهم أولا بحضور المؤتمرات المسيحية الكبرى على هيئة مراقبين، ثم منحوا جزءا من الغنيمة، ومكنوا من التبشير في جنوب السودان ووسط إفريقية، وقد رئي الأسقف " صموئيل "- الذي قتل مع أنور السادات- في أوغندا يؤدي واجبه الديني هناك! ولعل ذلك في الوقت الذي احتدم فيه النزاع بين بعض المسلمين والبعض الآخر حول مشروعية أحفال المولد النبوي...!!
وأطبقت ذراعا كماشة على الأمة الذاهلة ففي غرب العالم الإسلامي طوى الإسلام طيا من جزر البحر الوسيط، وأخذ ينسحب من البلقان انسحابا ذليلا. ومن تعاجيب الأيام أن دولة كألبانيا كثرتها مسلمة ابتلعتها الشيوعية دون أن يقول عربي مسلم كلمة واحدة احتجاجا أو رثاء، وتلك أولى بركات القومية العربية!!
كما دفع الإسلام بعنف ليترك أوربا رسمت خطط دقيقة ليضعف ويتلاشى جنوبي البحر الأبيض، فوق الصحراء الكبرى وتحتها، وهو الآن يقاوم أسباب الفناء ويحاول أن يستديم حياته يوما يوما.!
ذاك في غرب الأمة الإسلامية، أما في وسطها فقد تم تهويد فلسطين ووضعت سياسات ماكرة لجعل ذلك أمرا مرضيا!
فإذا مددت بصرك الى الشرق الأقصى رأيت أربعة أخماس الفلبين قد ضاعت، ويجرى الإجهاز الآن على الخمس الباقي..
ويستميت مسلمو أندونسيا في إنقاذ حاضرهم ومستقبلهم من ألوان الغزو الذي يتهددهم!
وقد وضعت الصليبية العالمية من مدة قريبة خمسين سنة لمحو الإسلام من هذه الجزر...!
والاستعمار الاستيطاني ماض في طريقه لتغيير معالم أقطار شتى في جنوب آسيا! وقد كانت سنغافورة بلدا شبه إسلامي لكثرة المسلمين فيه، وكانوا ظاهرين في الجهاز الحاكم، ثم جرفهم العنصر الصيني المتكاثر الولود! والمسلمون في أقطار أخرى يحددون نسلهم، وتشيع بينهم فتاوى من علماء مرتزقة بأن الشريعة تطلب منهم أن يتناقصوا، أويبقوا كما هم!!
وهذه الهزائم السياسية والعسكرية أثر هزائم عقلية وتربوية أنكى وأقسى.. فالعلوم الدينية التي تدرس لا يزكو بها قلب، ولا يسمو بها فكر، ولا تنمو بها جماعة، وعلوم اللغة يستحيل أن تصنع ناثرا أو شاعرا!
وآفاق الكون في نظر المسلمين لا تضبطها سنن، وخيرات الأرض تحت أقدامهم لا يستغلها عقل مكتشف أوجهد طموح..
أما الأوضاع الاقتصادية والسياسية فإن تعاليم الإسلام في الحكم والمال لا تكاد تعرف..
ومن بضعة قرون وأجهزة الدعوة الإسلامية معطلة، فلا منهج يوضع، ولا متابعة تكشف.
فلما ذهبت طوائف من العمال الذين يلتمسون الرزق، أو الطلاب الذين ينشدون العلم إلى أوربا وأميركا، وجدوا عالما آخر موارا بالسعي والقدرة والذكاء، دونه بمراحل ما خلفوا وراءهم من جماهير خاملة وسلطات تاثهة.. ماذا يقول هؤلاء وأولئك عن الإسلام؟ أو ماذا يعرفه الناس عن الإسلام الحق حين يتأملون أحوالهم وأعمالهم؟
لا طريق لأن يعرف الأجانب الإسلام إلا عن تأمل في تطبيقنا له! أو عن تفهم لحديثنا عنه، فإذا كانت تطبيقاتنا رديئة منفرة، وكانت كلماتنا تتضمن أخطاء شنيعة، فكيف يفهم هذا الدين؟ ولماذا يدخل الناس فيه؟؟
أبرز الصفات التي ينسبها العالم المتحضر لنفسه أنه حر، وسواء كان العالم الحر على مستوى هذا الوصف أم دونه عمليا، فذاك مثله الأعلى، فهل يرتضى الإسلام دينا إذا جاء من يقول له: ألغ نظام الأحزاب، وضع قيودا على الشورى تجعل يد السلطة مطلقة ويد الأمة مغلولة؟
إن إسرائيل طردت رئيس وزراء رأت في تصرف مالي له شائبة إدارية لا تحق النزاهة الخلقية، فماذا نقول نحن عن الحكم الإسلامي الذي يتولاه الصعاليك حينا من الدهر فيخرجون وخزائنهم مثقلة؟ من حوسب منهم؟ ومن جرد من مال الحرام؟
ثم أترك هذا الجانب الذي نلح عليه معذورين، وخذ جوانب أخرى.. هل العظات العابرة السطحية تنشيء أخلاقا مستقرة دائمة؟ هل رسوم العبادات تنشيء يقينا راسخا وتغذيه ليقوى على مواجهة أزمات الحياة ومشكلاتها المعقدة؟ هل وجهات النظر الفقهية راجحة أو مرجوحة يمكن أن تكون الصورة الأولى والأخيرة للإسلام؟ أعني هل تغنى الفروع عن الأصول؟ هل التقاليد التي شاعت بيننا في أفراحنا وأحزاننا أو في ملابسنا وصلاتنا هي التي تصدر إلى الخارج على أنها شعب الإيمان ومعالم الإسلام؟؟
إذا كان اليهود قد حولوا شتاتهم إلى تجمع، والصليبيون قد حولوا انهزامهم الى نصر، فلماذا نكون نحن دون غيرنا، فلا نحسن الاستفادة من الماضي الطويل؟ ولا نحسن الاقتباس من تجارب الآخرين الناجحة..
وثم ملحظ أريد التنبيه إليه عند الحديث عن الفروع الإسلامية، لعله يتضح من هذا الحوار!
سألني رجل: لماذا ترجح مذهب ابن تيمية في رفضر الطلاق البدعي وعدم الاعتراف بآثاره؟ قلت: لأمرين: قوة دليله أولا، ولأنه أرفق بالناس وأرعى للأسرة.
قال: دعني من الأمر الثاني... فقاطعته: كلا! إن المصلحة العامة لها دخل كبير في قبول اجتهاد أو رفضه..! إن الله تبارك اسمه جعل من خصائص الحق الأولى أنه ينفع الناس، فقال: " فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ".
فإذا رأيت اجتهادا لإمام يتسبب في متاعب نفسية أو إجتماعية، فمن حقي رفضه، واستبدال غيره به من الآراء الاسلامية الأخرى!
وقبول الطلاق البدعي سبب مخازى ومآسي كثيرة للأسرة المسلمة فما الذي يرغمني على الارتباط به؟ وهذه النظرة تطرد في عشرات من القضايا الاقتصادية والسياسية.
مع إدراك أنه لا اجتهاد مع النص بداهة أومع إدراك أن الاجتهادات المعتبرة تتجاوز الأئمة الأربعة. على نحو ما سارت فيه موسوعة الفقه الإسلامي بالقاهرة...
وما أكثر العقائد والعبادات والأخلاق المجمع عليها، فلم نهجرها أو نهون من شأنها ونربط الدعوة الإسلامية بفروع قد تبقى وقد تذهب؟
أرى أن المسلمين في الأعصار الأخيرة بحاجة إلى إدامة النظر في ثقافاتهم المختلفة أي إلى الغذاء الفكري الذي يقيهم ماديا ومعنويا، وأذكر الحقائق الآتية إيماء سريعا إلى المقومات الأساسية لدعاة على مستوى الإسلام العظيم..
قام بلتجميع
أ/ادهم صبرى
الاسطورة الحية
لكن القوم استفادوا من هزائمهم، ولم نستفد نحن من انتصاراتنا، ومن هنا لم تمض قرون طويلة حتى تغيرت الأوضاع مرة أخرى ضدنا لا معنا.!
كيف أفادوا من هزائمهم؟ لقد تركوا الساحة التي عز عليهم اجتياحها، وطرقوا أبوابا أخرى كثيرة، وحققوا كشوفا جغرافية، وطفرات علمية رجحت كفتهم إلى مدى بعيد!
على حين بقينا نحن نكررأخطاءنا القديمة، ونتحرك في مواضعنا، ونفتن في إشباع شهواتنا..
اكتشف الأوربيون طريق رأس الرجاء الصالح، واستغنت تجارتهم مع الهند والشرق الأقصى عن المرور ببلادنا فعانينا نوعا من الكساد الاقتصادي، كما أن القراصنة الأوربيين تمكنوا من مهاجمة شرق إفريقية والخليج وأشاعوا الإرهاب في هذه البقاع..!
وأخذت دائرة الكشوف تنداح، واستطاع " كولمبوس " أن يكتشف أميركا، وهو يتلمس طريقا بحرية إلى الهند بعيدة عن سلطان المسلمين!
وقد ذكرنا في مكان آخر من كتبنا أصابع الفاتيكان في هذا التوجيه، والرغبة الصليبية في قرع أبواب الإسلام من الخلف بعد ما صعب اجتيازها من الأمام! واتسع الكشف بعد الوصول إلى العالم الجديد، ودخلت المسيحية أمريكا الجنوبية والشمالية وصبغت بعقائدها وألسنتها كل الدول التي أنشئت هناك، والمسلمون ينظرون مبهورين أو محسورين، كانت قشور من الفكر الإسلامي تسيطر عليهم وما زالت!!
وعرف الأوربيون قارة أخرى هي استراليا، وانتقلت إليه بداهة عقيدة المكتشف ولغته.
بل إن العداوة للإسلام تطفح بها هناك نفوس! والنصارى العرب الذين هاجروا إلى استراليا أسوأ الناس قولا، وأشدهم حملا على الإسلام، وتحريضا على تعطيل شعائره ورفض الحكم به
ولقد تحولت الهزائم العسكرية القديمة إلى انتصارات عزيزة في ميدان الكشوف الجغرافية.. وثم أمر آخر هو في نظري أهم من هذه الكشوف، إن الأوربيين نظروا إلى الحياة الإسلامية التي تفوقت عليهم ونقلوا عنها أعظم خصائصها..
ويبدو ذلك في ميدانين عريضين أولهما ميدان الاصلاح الديني الذي تمخض عن ظهور المذهب " البروتستانتي " وعن انكماش سلطات البابا الروحية والسياسية انكماشا كبيرا.
وأذكر أني قرأت رسالة في هذا الموضوع للشيخ أمين الخولي، وهورجل عقلاني كما يعبر البعض عن منهجه وفكره، أعني أن الحماس للإسلام لا دخل له في تأليف هذه الرسالة.
ولا ينكر العقلاء المحايدون أثر الإسلام في هذه الحركات الإصلاحية التي شملت أوربا كلها.
والميدان الثاني الذي ظهر فيه التأثر بالإسلام هو تيقظ العقل الأوربي بعد رقاد ظل بضعة عشر قرنا، وبدء عصر الإحياء، والمنطق التجريبي وإقصاء الظنون والأوهام وإيثار الحقائق والبديهيات..
وكان رجال الدين يعرفون أثر الإسلام في هذه النهضة، ويخافون أن تكون مهادا للترحيب بالإسلام، والتمهيد لعقائده، من أجل ذلك قاتلوها بشراسة وغضب.
وقتل عدد كبير من رواد عصر الإحياء، ووضعت الكنيسة عقويات صارمة للقضاء عليهم إلا أن الموجة كانت أكبر منها، فانتصر العلم المادي، وعرا الدين قي انكماش شديد وهوان أشد!
بيد أن رجال الكنيسة سرعان ما أفاقوا من غمرتهم، وواءموا بين مطالبهم والنجاح العلمي الغالب، وأسدوا خدمات جليلة للاستعمار، وأطماع الحكومات المدنية التي تملك أزمة الأمور... فلما كان القرن التاسع عشر الميلادي- الرابع عشر الهجري تقريبا- كان المسلمون في مواقف لا يحسدون عليها، بل كانت أمورهم كلها في إدبار!
عادت الأحوال النفسية والاجتماعية والسياسية التي أدت إلى سقوط بيت المقدس من ألف عام، وإزهاق أرواح الألوف في مذابح جماعية وحشية كان الدم الإسلامي فيها أرخص شيء في الدنيا..
وسيطر الجمود الفكري والحضاري على جماهير الأمة المنكوبة على حين كان غيرها يشق طريقه إلى عصر الفضاء.
و جد في مجال التبشير المسيحي ما يستحق التسجيل، فقد كان هذا التبشير قسمة منظمة بين الكاثوليك والبروتستانت وكان الأرثوذكس متجاهلين لا يكترث بهم، لكنهم أثبتوا جدارتهم بالمشاركة الفعلية، فسمح لهم أولا بحضور المؤتمرات المسيحية الكبرى على هيئة مراقبين، ثم منحوا جزءا من الغنيمة، ومكنوا من التبشير في جنوب السودان ووسط إفريقية، وقد رئي الأسقف " صموئيل "- الذي قتل مع أنور السادات- في أوغندا يؤدي واجبه الديني هناك! ولعل ذلك في الوقت الذي احتدم فيه النزاع بين بعض المسلمين والبعض الآخر حول مشروعية أحفال المولد النبوي...!!
وأطبقت ذراعا كماشة على الأمة الذاهلة ففي غرب العالم الإسلامي طوى الإسلام طيا من جزر البحر الوسيط، وأخذ ينسحب من البلقان انسحابا ذليلا. ومن تعاجيب الأيام أن دولة كألبانيا كثرتها مسلمة ابتلعتها الشيوعية دون أن يقول عربي مسلم كلمة واحدة احتجاجا أو رثاء، وتلك أولى بركات القومية العربية!!
كما دفع الإسلام بعنف ليترك أوربا رسمت خطط دقيقة ليضعف ويتلاشى جنوبي البحر الأبيض، فوق الصحراء الكبرى وتحتها، وهو الآن يقاوم أسباب الفناء ويحاول أن يستديم حياته يوما يوما.!
ذاك في غرب الأمة الإسلامية، أما في وسطها فقد تم تهويد فلسطين ووضعت سياسات ماكرة لجعل ذلك أمرا مرضيا!
فإذا مددت بصرك الى الشرق الأقصى رأيت أربعة أخماس الفلبين قد ضاعت، ويجرى الإجهاز الآن على الخمس الباقي..
ويستميت مسلمو أندونسيا في إنقاذ حاضرهم ومستقبلهم من ألوان الغزو الذي يتهددهم!
وقد وضعت الصليبية العالمية من مدة قريبة خمسين سنة لمحو الإسلام من هذه الجزر...!
والاستعمار الاستيطاني ماض في طريقه لتغيير معالم أقطار شتى في جنوب آسيا! وقد كانت سنغافورة بلدا شبه إسلامي لكثرة المسلمين فيه، وكانوا ظاهرين في الجهاز الحاكم، ثم جرفهم العنصر الصيني المتكاثر الولود! والمسلمون في أقطار أخرى يحددون نسلهم، وتشيع بينهم فتاوى من علماء مرتزقة بأن الشريعة تطلب منهم أن يتناقصوا، أويبقوا كما هم!!
وهذه الهزائم السياسية والعسكرية أثر هزائم عقلية وتربوية أنكى وأقسى.. فالعلوم الدينية التي تدرس لا يزكو بها قلب، ولا يسمو بها فكر، ولا تنمو بها جماعة، وعلوم اللغة يستحيل أن تصنع ناثرا أو شاعرا!
وآفاق الكون في نظر المسلمين لا تضبطها سنن، وخيرات الأرض تحت أقدامهم لا يستغلها عقل مكتشف أوجهد طموح..
أما الأوضاع الاقتصادية والسياسية فإن تعاليم الإسلام في الحكم والمال لا تكاد تعرف..
ومن بضعة قرون وأجهزة الدعوة الإسلامية معطلة، فلا منهج يوضع، ولا متابعة تكشف.
فلما ذهبت طوائف من العمال الذين يلتمسون الرزق، أو الطلاب الذين ينشدون العلم إلى أوربا وأميركا، وجدوا عالما آخر موارا بالسعي والقدرة والذكاء، دونه بمراحل ما خلفوا وراءهم من جماهير خاملة وسلطات تاثهة.. ماذا يقول هؤلاء وأولئك عن الإسلام؟ أو ماذا يعرفه الناس عن الإسلام الحق حين يتأملون أحوالهم وأعمالهم؟
لا طريق لأن يعرف الأجانب الإسلام إلا عن تأمل في تطبيقنا له! أو عن تفهم لحديثنا عنه، فإذا كانت تطبيقاتنا رديئة منفرة، وكانت كلماتنا تتضمن أخطاء شنيعة، فكيف يفهم هذا الدين؟ ولماذا يدخل الناس فيه؟؟
أبرز الصفات التي ينسبها العالم المتحضر لنفسه أنه حر، وسواء كان العالم الحر على مستوى هذا الوصف أم دونه عمليا، فذاك مثله الأعلى، فهل يرتضى الإسلام دينا إذا جاء من يقول له: ألغ نظام الأحزاب، وضع قيودا على الشورى تجعل يد السلطة مطلقة ويد الأمة مغلولة؟
إن إسرائيل طردت رئيس وزراء رأت في تصرف مالي له شائبة إدارية لا تحق النزاهة الخلقية، فماذا نقول نحن عن الحكم الإسلامي الذي يتولاه الصعاليك حينا من الدهر فيخرجون وخزائنهم مثقلة؟ من حوسب منهم؟ ومن جرد من مال الحرام؟
ثم أترك هذا الجانب الذي نلح عليه معذورين، وخذ جوانب أخرى.. هل العظات العابرة السطحية تنشيء أخلاقا مستقرة دائمة؟ هل رسوم العبادات تنشيء يقينا راسخا وتغذيه ليقوى على مواجهة أزمات الحياة ومشكلاتها المعقدة؟ هل وجهات النظر الفقهية راجحة أو مرجوحة يمكن أن تكون الصورة الأولى والأخيرة للإسلام؟ أعني هل تغنى الفروع عن الأصول؟ هل التقاليد التي شاعت بيننا في أفراحنا وأحزاننا أو في ملابسنا وصلاتنا هي التي تصدر إلى الخارج على أنها شعب الإيمان ومعالم الإسلام؟؟
إذا كان اليهود قد حولوا شتاتهم إلى تجمع، والصليبيون قد حولوا انهزامهم الى نصر، فلماذا نكون نحن دون غيرنا، فلا نحسن الاستفادة من الماضي الطويل؟ ولا نحسن الاقتباس من تجارب الآخرين الناجحة..
وثم ملحظ أريد التنبيه إليه عند الحديث عن الفروع الإسلامية، لعله يتضح من هذا الحوار!
سألني رجل: لماذا ترجح مذهب ابن تيمية في رفضر الطلاق البدعي وعدم الاعتراف بآثاره؟ قلت: لأمرين: قوة دليله أولا، ولأنه أرفق بالناس وأرعى للأسرة.
قال: دعني من الأمر الثاني... فقاطعته: كلا! إن المصلحة العامة لها دخل كبير في قبول اجتهاد أو رفضه..! إن الله تبارك اسمه جعل من خصائص الحق الأولى أنه ينفع الناس، فقال: " فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ".
فإذا رأيت اجتهادا لإمام يتسبب في متاعب نفسية أو إجتماعية، فمن حقي رفضه، واستبدال غيره به من الآراء الاسلامية الأخرى!
وقبول الطلاق البدعي سبب مخازى ومآسي كثيرة للأسرة المسلمة فما الذي يرغمني على الارتباط به؟ وهذه النظرة تطرد في عشرات من القضايا الاقتصادية والسياسية.
مع إدراك أنه لا اجتهاد مع النص بداهة أومع إدراك أن الاجتهادات المعتبرة تتجاوز الأئمة الأربعة. على نحو ما سارت فيه موسوعة الفقه الإسلامي بالقاهرة...
وما أكثر العقائد والعبادات والأخلاق المجمع عليها، فلم نهجرها أو نهون من شأنها ونربط الدعوة الإسلامية بفروع قد تبقى وقد تذهب؟
أرى أن المسلمين في الأعصار الأخيرة بحاجة إلى إدامة النظر في ثقافاتهم المختلفة أي إلى الغذاء الفكري الذي يقيهم ماديا ومعنويا، وأذكر الحقائق الآتية إيماء سريعا إلى المقومات الأساسية لدعاة على مستوى الإسلام العظيم..
قام بلتجميع
أ/ادهم صبرى
الاسطورة الحية
تعليق