حمـــاس
أقدمي يا حماسُ فالصبحُ أسفرْ * وصَهيلُ الجيادِ رجَّ المُعسْكر
لا تُراعي إنْ قيصرُ الرومِ أرغى * قيصر الرومِ عن قريبٍ سَيُعقر
في شراييننا المثاني تدوّي * مَنْ يحاربْ ربَّ السماواتِ يُكسر
في يمين الجبار مَنْ كان سيفاً * يَرَ أعتى العُتاهِ أوهى من الذَّر
كبِّري يا حماسُ فالكونُ كبَّر * توَّجتكِ السَّما بتاجٍ من الدُّر
لم تَضِع في الثرى دماؤكِ هَدراً * فدمُ الأولياءِ في الشرق نَوّر
يا ابن ياسين هَنأتكَ المعالي * وبإخوانكَ الصَّناديدِ تَفخَر
نحن غَرسُ القرآنِ من إيلياءٍ * طابَ غرسُ القرآنِ فينا وأثمَر
ويَمدُّ النهرَ الصغير محيطٌ * طبَّقَ الأرضَ موجهُ ليس يُحصَر
ويُولي دَهرٌ ويُقبِلُ دَهرٌ * قاذِفٌ في الجحيمِ كسرى وقيصَر
نحن سلمٌ لسالمٍ .. وشِهابٌ حارقٌ كلَّ مَنْ طغى وَتَجبر
أوَّلُ الغيثِ ذا .. وإنْ شاءَ ربي * بركاتٌ تترى ونصرٌ مؤزَّر
يا حَماسيُّ للإلهِ تواضَع * واحترسْ من مزالق الدَّربِ واحْذر
لا تُصَعَّر يا عبدُ للناسِ خَداً * تلعَنُ الأرض والسَّما مَنْ تكبر
من خَسيسِ الخِصالِ يا عبدُ أقلِع * لا تنامَنْ والسوسُ في العَظمِ يَنخر
تاجُ عِزٍ توَّجتهُ دونَ أهلِ الأرضِ فاسجد لمنْ أعَزَكَ واشْكر
وانطلقْ خلفَ صاحبٍ للحوضِ تغنَم * فإذا ما غَوَيتَ تَخزى وتَخسر
من يبع نفسه لقردٍ خسيسٍ * فهو من قِردِهِ أخس وأحقر
لا تَسلَّنَّ في الورى سيفَ بَغيٍ * رُبّ باغٍ بسيفهِ العَضْبِ يُنحر
كنْ رحيماً تجدْ إلهاً رحيماً * وانصُرَنَ المظلومَ تُنجَدْ وتُنْصر
انشروا العدلَ فهو في الشرق حُلمٌ وتراثٌ على الرفوفِ مُغَبَّر
فخذوها بحقِّها يا رجالاً من رواسي الجبالِ أرسى وأكْبر
احملوها فأهلُها اليومَ أنتمْ * وعليها أنتمْ من الناسِ أقدَر
جَدِّدي يا حماسُ مِن طينِ بَدرٍ * فيلقاً يأسِرُ القلوبَ ويَبهر
ولكمْ مِنْ إلهِكُم جيشُ رُعبٍ * هو أقوى مِنْ كل جيشٍ مُظفر
ضَمدي يا حماس شعباً أبيّاً * باسلاً من دمائهِ التُرابُ أحمر
سرقوه وجدعوهُ وعَرَّوهُ وساموهُ كلَّ فُحشٍ ومُنكر
منذ أن شَدّه أللنبي وَثاقا * وهو في السجن بالحديدِ مُجنزر
نَهشَتهُ الوحوشُ تسعين عاماً * وعليهِ حتى البُغاثُ تَجمهر
لم يَزلْ في العذابِ يحكي بِلالا * وهو يُشوى على الصخورِ ويُصهر
كم أرادوا أن يَقبُرونا ويأبى * مالك الملكِ أنْ نموتَ ونُقبر
كلما أُحْرِقتْ فلسطينُ هَبَّت * من تلالِ الرَّمادِ كالأُسْدِ تزأر
إرْجعوا يا يهودُ من حيث جئتمْ * فلدينا لكمْ .. مقابرُ تُحفر
إرحَلوا قبل أن يَحِلَّ عليكمْ * موعدٌ في كتابِ ربي مُسطر
سَنرُدُّ الديونَ صاعاً بصاعٍ * أو بصاعينِ أو بألفٍ وأكثر
ما لكم طاقةٌ بطوفانِ نوحٍ * إنَّه تحت قشرةِ الأرضِ يَهدِر
صَرعتكمْ صهباءُ من خمرِ ( بالٍ ) * وشرتكمْ عصابةُ الحِقدِ والشّر
كيفَ يُجدي رأسٌ من العقلِ خاوٍ * وفؤادٌ مِنْ قَبلِ دهرٍ تَحَّجر ؟!!
قادةَ الغربِ لا تجوروا علينا * جَوركُم ألفَ مرةٍ قد تَكرر
الهوى والعمى قرينانِ فيكم * والهوى يَصرَعُ العقولَ ويَسحر
لا تَولَّوا صُهيونُ .. صُهيونَ رِجسٌ * تقشعِرُّ السماءُ منه وتُذعر
نحنُ أولى بنصرِكم من يهودٍ * لو صَحَا ذلك الضميرُ المخدر
ليسَ فوق الغبراءِ أضيَعُ منا * شَعبُنا في الدِّماءِ أرسى وأبحر
أتذلوننا بحفنة يورو ؟؟ * أم نبيع الحمى .. برز وسكر ؟؟
أغلقوا بابكم .. فأبواب ربي * مشرعات لخلقه لا تسكر
رزقُنا في يديهِ .. لا في يديكمْ * عَزّ في مُلكهِ فأغنى وأفقر
قل لقارونَ : يا غبيُ تَغوَّر * لا يبيعُ العرينَ شِبلُ الغَضَنفر
واعلموا أنّ في فلسطين شعباً * من عبودَّيةِ العِبادِ تَحرر
لنْ نَشيْمَ الحُسامَ في الغِمدِ حتى * يَرحَلَ الرِّجسُ عن حِمانا المُطهر
أسرجي يا حماسُ خيلَ المنايا * فالبراكين أوشكتْ أنْ تُفَجر
واصرعي قلب ( مركفا ) واصرعيها * بجحيمٍ .. فالنارُ بالنارِ تُدحر
لغةٌ تمْسَخُ الطغاةَ قُروداً * وطريقٌ للحق والعدلِ أقصر
قد بكينا دماً ودمعاً ولكنْ * سَدَّ أذنيهِ كلُّ عِلجٍ وَأدْبَر
اسْرِجوا خيلكم ففي الشرقِ بَحرٌ * باتَ بالبأسِ والبطولةِ يَزْخر
مَدْرَجُ السالكينَ للخلدِ قانٍ * وعروسُ الفِردوسِ بالدَّمِ تُمهر
نحن بِعنا المليكَ بيعةَ صدقٍ * وبرئنا ممنْ يخونُ وَيْغدِر
يحرس الثغر كلُّ طِرقٍ صموتٍ * فإذا خاض لجة الموت زمجر
اشْرَأبَّتْ حيفا إليكمْ ويافا * وفلسطينُ باسمِكمْ تتعطر
إنْ أتى الآنَ عِتقُها بيديكمْ * ما على الأرضِ مَنْ يَرُدُّ المُقدر
وطبولٌ بِمَرجِ حطينَ دُقّتْ * وسيوفٌ بعينِ جالوتَ تَقطُر
ورياحُ اليرموكِ هزَّت لواءً * لحماسٍ من سُندُسِ الخلدِ أخضر
يا بَنيَّ اعشقوا الشهادةَ تَحيَوا * عاشِقُ الموتِ في الميادينِ يَظفر
صَعِقَ الأرذلونَ حتى رأينا * صاحبَ الهيلمانِ كالبغلِ يُنحر
طفحَ القلبُ بالذي كانَ يُخفي * فهو يَهذي بغيرِ عَقلٍ وَيْزحر
نغّصَت عيشه عليهِ حماسٌ * فهو بين الأحجارِ يجري ويَعثر
وكأنا قِدماً قتلنا أباهُ * فهو يبغي عشرينَ سيفاً ليثأر
وتدور الصهباءُ بين النَّدامى * وأسَروا النجوى بما ليس يُذكر
والندامى من كلِّ جنسٍ ولونٍ * كلهمْ في الخِزامِ عَبدٌ مُسيَّر
وإذا ما سَمعتَهُم قلتَ سُحقاً * غَنَمٌ في مَرابضِ السَّوءِ تبعر
ذاك حِلفُ الدُجى تأبطَ شراً * يمنع الشمسَ أن تضيءَ وتَظهر
يا خفافيشُ حِلفكُمْ تحت نَعْلِي * كلُّ تخطيطِكم بليلٍ تبَخر
أشرقَتْ رغمَ أنفكُم شمسُ ربي * ولحلف الفِجار نارٌ تُسعر
وحماسُ الفرسانِ من جُندِ ربي * مَنْ رماها يَصرَعهُ ربي ويَنحر
تُغمِدُ السيفَ في قلوبِ الأعادي * ولها في العرينِ مليونُ قَسور
ربنا للطغاة لا تتركنا * بك عذنا بما نخاف ونحذر
عالم الغاب دينه القتل لما * أرعد الجو بالصواريخ أمطر
عالم بالسياط أدموه يجري * كقطيع المعزى إلى حيث يجزر
يترضى أصنام إنسٍ غلاظا * كلما خافهم أذلوه أكثر
سرقوا منه لقمة الخبز حتى * بيتوه على الطوى يتضور
لا تكلنا إلى عتل غليظ * أو قريب فظ علينا تنمر
تبحث العين عن ولي حميم * فترى أمة من القبر تنشر
طوقتها الأرباب فابعث عليهم * راجماتٍ في الجو والبحر والبر
يا قديمَ الإحسانِ أحسِن إلينا * نفحةً من رضاكَ نَسعَد ونَظفر
أجلُ منا عقلا وقلباً وعيناً * واحمنا من غوائل الدهر واجبر
هَب لنا من لدنك حُبَّا وقرباً * فازَ عبدٌ في عِليةِ القومِ يُحشر
أين منا سبعونَ ألفَ وليٍٍ * مِنْ بدورِ السماءِ أبهى وأنضر ؟؟
وعلى الحوضِ سيَّدُ الخلقِ يَدعو * خيرَ شَرْبٍ من فوقِ أشرفِ مِنبر
وبكفين من عطاءٍ جزيلٍ * في قصور الفردوس نُحبى ونُحبر
الدكتور عبدالرحمن بارود
جدة .. 6 محرم 1427 .. 5 فبراير 2006