الشباب القادة
ايفانوف



لقد منّ الله على أمتنا الإسلامية بأن جعلها خير أمة أخرجت للناس.

فهي الأمة التي عجز التاريخ عن تسطير أمجادها، وهي الأمة التي رعاها ربها وتكفّل بها خالقها، فسادت الدنيا، وصنعت البطولات، وشكّلت الرؤية الحضارية الفاعلة في الحياة، وصاغت الإنسان، وقادت البشرية، وحفرت بصماتها المباركة في مشارق الأرض ومغاربها، وعبرت القارات والقرون، ودانت لها رقاب الجبابرة، وارتجف لعظمتها القياصرة والأكاسرة، وعرف قيمتها وصدق أبنائها الأعداء قبل الأصدقاء.

وما كان لها بإذن الله هذه الريادة إلا على يد الشباب من أبنائها.

الشباب المسلم الذي وجد أمته قد سلّمته الأمانة، وتسلّمها بيد طاهرة شريفة، فعمل وجدّ وطوّر وابتكر.


شباب ذللوا سبل المعالي *** ومارغبوا سوى الإسلام ديناً

ولكن الأمة اليوم سلّمتهم الرسالة منقوصة، وأسلمتهم لها وهي مكسورة.

وتسلّموها وهم في تيه الحياة، وفي الغيبوبات الثلاث التي ما فتئت تدمر الشباب عبر القرون:


غياب الهوية، وغياب المرجعية، وغياب المرحلية.

وضغطت في الوقت نفسه على شباب الأمة ثلاث تيارات، هي:

تيار التغريب، وتيار التخريب، وتيار التفريق.

ولذا نشأت في هذه الأمة ثلاث فئات من الشباب:

فئة أولى : شباب قادوها إلى الخصومة الداخلية والاستعداء الخارجي، بأساليب ذعرية دموية خاطئة، بعفوية تكره التخطيط، وفوضوية تكره النظام، وحماسية تشتعل بسرعة وتنطفئ بسرعة!!

وفئة ثانية : تريد الحياة نجاحاً بلا تضحيات، وورداً بلا أشواك، وأخذاً من غير عطاء.

خطراتُ النسيم تجرح خدّيه *** ولمس الحرير يُدمي بنانه

وفئة ثالثة: أدركوا رسالتهم وصبروا في حياتهم، وجاهدوا أنفسهم، يستفيدون من التجارب، ويتربون في
الميدان، ويستعيذون من رقدة الغافلين، ولا يعيشون معزولين عن العالمين. هؤلاء هم شباب الأمة ولا فخر، منهم طالب علم جاد، ومرب فاضل، وداعية مجدد، ومجاهد شهيد، وتاجر صدوق، وإعلامي بارع، ومفكّر مبدع، وشاعر صاحب رسالة.

حملوا هموم الأمة، وسعوا لتحقيق آمالها، وضربوا أروع الأمثلة الحاضرة لإخوانهم، وكانوا قدوات يُحتذى بهم في ميادين التربية والدعوة وتغيير واقع الأمة والنهضة بها.

هؤلاء هم الشباب الذين يجب العناية بهم، والتخطيط المدروس لاستثمار طاقاتهم، وتفعيلهم في نهضة الأمة.