السعادة الحقَّة أين وكيف ؟!
معترك السعادة
ايفانوف



في الحياة يجد الإنسان ارتباطات كثيرات يتعلق بها فؤاده بل وعقله ويجد فيها سعادة تغمره من أعلاه إلى أخمص قدميه وكأنه نال الدنيا وما فيها .. ولكن ما يلبث أن يعتريه شعور قصور في الرضا ، وتتخلله مشاعر الأرق والاكتئاب .. وهكذا حتى تواتيه ارتباطة تملأ فؤاده بالسعادة المنشودة .

مصير أي سعادة من السعادات العفوية مقتلها أو دفنها بالحياة لصاحبها فهي ما جرت وراءها إلى انتكاسة نفسية كاكتئابه أو إحباطه ستؤدي مصيرياً إلى رقود على سرير الموت البطيء ، وتنتهي حياة الإنسان في مقتبل الشباب . فسر المفسرون أوعية السعادة في أواني متعددة ، ووضعوها في آبار مختلفة لم يجمعوا على صحة واحدة منها ، حيث كلٌ يرى السعادة كيفما يراها شخصياً ، وما كان من مصيرِ حزنٍ أبعدوا أنفسهم عنه إلى منأىً بعيد أوجدوا رغماً عن الواقع سعادة لم يستشعروها حقاً .. حتى أن من الفلاسفة من فسر السعادة في الموت ، حيث استوجد الأحزان والكآبات في حياته ، فوجد الانتحار خير وسيلة للابتعاد عن الأحزان وابتعاده عنه هو السعادة التي ينشدها .. وقصر تفكيره في بحيرة القصور .

لم يعلم العالم تفسيراً خيراً للسعادة مما جاء به رسول السعادة البشرية .. حيث أخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة فضمن الإنسان في مظلة الرسالة الإسلامية سعادتين ، حيث بهما لا تفنى سعادة المرء أو تنتهي ، فالأولى سعادة ما تلبث أن تنتهي حتى تكون السعادة الثانية وهي التي لا فناء لها أو فيها .

أصل الملذات في الدنيا عند الإنسان تكمن في الشعور برضا من هو أعظم منه .. حتى أن الإنسان إن شعر برضا ربه في العمل غمرته سعادة جمة .. فما بالك إن شعر برضا الوزير شخصياً عنه .. ثم ما أنت ظانٌ إن هو استشعر رضا رئيس الدولة عنه ، مؤكد وكأنه امتلك الدنيا وما فيها .. ولكن كل هذه سعادة منتهية فرئيس العمل فانٍ ، والوزير فانٍ ، والرئيس فانٍ .. ولكن أن تستوعب شعور الرضا من ملك الملوك والحي الذي لا يموت فأنت امتلكت السعادة الأزلية ، الدنيوية والآخرية ..

بل وتستعجب حقاً أن أمر المؤمن وإن كان حزناً فهو سعادة ، حيث ما كان لمؤمنٍ أن يكون في أمر إلا وكان لله فإن تم فهو من عند الله ، وإن لم فهو أيضاً من عند الله ، وبذلك فقد استوعب ، وأدرك سر الحقيقة ، ومن أدرك سر الحقائق الصغار هام من السعادة ، وإن كان مدركه لسر الأسرار وحقيقة الحقائق فتكون السعادة المرجوة حقاً .

وما سبق تفسيرٌ منطقي لفرحة آل الشهيد ، وجم سعادتهم . السعادة مستقرها في شريعة السعادة البشرية ، في الشريعة الإسلامية .. وحيث كان الحزن إذاً فالضلال ... وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي )) .. وحيث أننا لن نضل إن تمسكنا بالقرآن والسنة فإننا لن نستشعر الأحزان .. وحيث أن من المهلكة الأحزان .. فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( لقد تركتم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك )) .. وحيث أننا إن لم نزغ لن نهلك ، فإننا إذا لن نحزن .