ليست مصادفة أننا نتذكر هذا اليوم العام الواحد والثلاثين من ذكرى يوم الأرض، ذلك اليوم الذي سقط فيه ستة شهداء دفاعا عن الأرض بعد إصدار وزير الحرب الصهيوني في 30/3/ 1976 إسحاق رابين قراره بمصادرة حوالي 21 ألف دونم من الأراضي العربية التي تعود لبلدات دير حنا وسخنين وعرابة في منطقة الجليل في فلسطين التي احتلت عام 1948، (وهي القرى التي تدعى اليوم مثلث يوم الأرض) وذلك في نطاق مخطط تهويد الجليل. فقام العرب الفلسطينيين بإعلان إضراب عام وقامت مظاهرات عديدة في القرى والمدن العربية وحدثت صدامات بين الجماهير المتظاهرة وقوى الشرطة والجيش الإسرائيلي فكانت حصيلة الصدامات مقتل 6 أشخاص 4 منهم قتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة. ورغم مطالبة الجماهير العربية إقامة لجنة للتحقيق في قيام جيش وشرطة إسرائيل بقتل مواطنن عُزَّل يحملون الجنسية الإسرائيلية إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التام بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.
يعتبر يوم الأرض حدثا مهما في تاريخ الفلسطينيين ذوي الجنسية الإسرائيلية، فللمرة الأولى منذ النكبة تنتفض هذه الجماهير ضد قرارات السلطة الإسرائيلية المجحفة وتحاول إلغاءها بواسطة النضال الشعبي مستمدين القوة من وحدتهم، وكان له اثر كبير على علاقتهم بالسلطة وتأثير عظيم على وعيهم السياسي. ويقوم الفلسطينيون (أينما كانوا) بإحياء ذكرى يوم الأرض ويعتبرونه رمزا من رموز الصمود الفلسطيني.
وقد شكلت الأرض ولا زالت مركز الصراع ولب قضية وجودنا ومستقبلنا، فبقاؤنا وتطورنا منوط بالحفاظ على أرضنا والتواصل معها. قبل اكثر من ثلاث عقود، في ثلاثين آذار من العام 1976 هبت الجماهير العربية وأعلنتها صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد. وكان يوم الأرض أول هبة جماعية للجماهير العربية، تصرفت فيها جماهيرنا بشكل جماعي ومنظم، حركها إحساسها بالخطر، ووجّهها وعيها لسياسات المصادرة والاقتلاع في الجليل، خصوصا في منطقة مثلث يوم الأرض، عرابة، دير حنا وسخنين، وفي المثلث والنقب ومحاولات اقتلاع أهلنا هناك ومصادرة أراضيهم. في هذا اليوم، الذي يعتبر تحولا هاما في تاريخنا على أرضنا ووطننا، سقط شهداء الأرض.
معركة الأرض لم تنته في الثلاثين من آذار، بل هي مستمرة حتى يومنا هذا، ولا تزال سياسات المصادرة تطاردنا، والمخططات المختلفة تحاول خنقنا والتضييق على تطورنا في المستقبل، لا بل إننا نمر بواقع مرير ومرحلة معقدة، تكثر فيها التوجهات العنصرية التي تسعى إلى نزع شرعيتنا السياسية وشرعية وجودنا، وليس فقط مصادرة أرضنا.
إن من لا سجل له لا تاريخ له. والسجل يكتبه غالباً المنتصرون وأحيانا الشعراء والمتنبئون، أو بلغة اليوم دهاقنة الإعلام وخبراء الكذب السياسي المنظم.
وقد عانى الفلسطينيون الويلات من ذلك. فقد تعرضنا لأكبر عملية منظمة لمصادرة الأراضي مدعومة من الخارج ومستمرة إلى اليوم. ونحن الضحايا رٌسمنا في مخيلة العالم الغربي كالارهابين والمتعصبين والهاربين من المعركة والبائعين لأرضنا وديارنا.
انظروا علامات الإفك السياسي والتضليل المنظم الذي نشرته الصهيونية في الغرب على مدى عقود من السنين: فلسطين ارض بلا شعب، إسرائيل تدافع عن حياتها ضد العدوان العربي الكاسح.. اللاجئون خرجوا بأوامر من العرب، ونحن حاولنا جاهدين اقناعهم بالبقاء ولكنهم أصروا على الخروج.. نحن مددنا لهم يد السلام وقابلونا بطلقات المدافع. هذه كلها، وغيرها كثير، جزء من المعركة الدعائية التي يشنوها ضدنا.
لهذا فان إحياء ذكرى يوم الأرض ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة في حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.
ليس لدينا أرشيف دولة ولا مكتبات وطنية، فقد سرقوها كلها. لذلك وجب علينا أن نستعيد تاريخنا من إحياء هذه الذكريات، تمهيدا لاستعادة جغرافيتنا المسلوبة. لقد سرقوا تاريخنا وجغرافيتنا ولن يهدأ للفلسطينيين بال، جيلا بعد جيل، إلا بعد يلتئم شمل تاريخهم وجغرافيتهم على ارض الوطن.
حقائق وأرقام
لدينا في فلسطين، أرض الوطن، 774 مدينة وقرية فلسطينية.
وكما تعلمون، هُجّر معظمها وطرُد أهلها، وبقي عدد قليل على ارض الوطن تحت الحكم الصهيوني. كلهم جميعا أصبحوا لاجئين أو مهجرين أو محتلين. كلهم عانوا النكبة وأثارها إلى اليوم. من هذه الـ 774 مدينة وقرية فلسطينية التي وقعت تحت حكم ما يسمى إسرائيل، هٌجّر أهالي 675 إلى خارج خط الهدنة. لا تقولوا الخط الأخضر.
لا تقولوا 400 أو 500 قرية بل هي 675 قرية مسجلة في أطلس فلسطين.
وبقي هناك أهالي 99 مدينة وقرية عانوا من النكبة مثل باقي أهلنا، عددهم اليوم 211 قرية، بزيادة 112 قرية نصفها غير معترف به.
تعرض الفلسطينيون في هذه الكارثة التاريخية إلى 70 مذبحة ومثلها 70 حادثة من الفظائع.
والذين هٌجّروا من ديارهم خارج خط الهدنة وسجلوا في وكالة الغوث، استقروا في 600 منفى، عددهم اليوم 4.400.000 لاجئ مسجل، يضاف إليهم 1.500.000 لاجئ غير مسجل في فلسطين 1948 وبلدان العالم العربي والأجنبي.
ومن حسن الحظ أننا نستطيع اليوم بالتقنية الحديثة تحديد اسم كل واحد من الملايين الأربعة وأفراد عائلته وصلتهم ببعضهم وقريتهم الأصلية في فلسطين ومنفاه اليوم، في أي معسكر أو قرية أو مدينة.
المحاولات الإسرائيلية لتوطين المهجرين الفلسطينيين..
بدأت إسرائيل بعد حرب 1967، في طرح مشاريع التوطين (للاجئين) المهجرين وذلك لعدة أسباب:
1. اعتبار إسرائيل أن عودة (اللاجئين) المهجرين إلى اراضيهم التي اغتصبت سنة 1948 يهدد كينونتها وأمنها واعتبارها لمشاريع التوطين حلاً لمشكلة الأمن الإسرائيلي.
2. إنكار ما قامت به من تهجير السكان قسرياً واعتبار الأنظمة العربية المسؤولة عن مآسي هؤلاء (اللاجئين) المهجرين.
3. وجدت إسرائيل نفسها بعد 1967، مسيطرة على مئات الآلاف من (اللاجئين) المهجرين وهو ما يمثل مشكلة ديمغرافية بالمنظور الاستراتيجي.
4. تصور إسرائيل أن الفرصة سانحة أمامها لفرض حلول لقضية (اللاجئين) المهجرين.
5. أرادت إسرائيل من خلال مشاريع التوطين ضرب العمل الفدائي في فلسطين.
6. جاء على لسان موشية ديان في حزيران 1973 لصحيفة: "جيروساليم بوست"، أن أهم أهداف مشاريع التوطين إفقاد الأطفال إذا خرجوا من المخيم الأمل في العودة إلى يافا وحيفا وربطهم بأرضهم الجديدة.
أهم مشاريع التوطين:
1. اقترح شلومو روزون: من حزب (مبام) إقامة قرى ومبان سكنية واتباع سياسة اقتصادية لزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة مما يؤدي إلى تأهيل (اللاجئين) المهجرين بواسطة تشغيلهم في الزراعة والصناعة والخدمات وبالتالي دمجهم في الحياة العامة .
2. اقترح جدعون هاوزنر: من حزب (الأحرار المستقلين) عام 1968، تفريغ مخيمات (اللاجئين) وإقامة أحياء إنتاجية قرب مدن الضفة الغربية وإقامة قرى زراعية في سيناء وتوفير المياه عن طريق تحلية مياه البحر والإعداد المهني (للاجئين) المهجرين
3. اقترح يجئال ألون: وزير الهجرة والاستيعاب عام 1968، توطين (اللاجئين) لقطاع غزة في الضفة الغربية وتكثيف الزراعة وتنمية الصناعة والخدمات وأن يتم توطين جزء آخر منهم في سيناء وبعد تفريغ القطاع من اللاجئين (المهجرين) يجب ضمه لإسرائيل.
4. اقترح رعنان فايتس: مدير الاستيعاب في الوكالة اليهودية 1963 – 1984، نقل وتفريغ المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة وترحيل (اللاجئين) إلى الضفة الغربية.
5. اقترح أبا ايبان: وزير خارجية إسرائيل عام 1968، بتوطين (اللاجئين) في أماكن اللجوء التي يعيشون فيها بمساعدة دولية وإقليمية.
6. قدم موشيه ديان: وزير الدفاع الإسرائيلي عام 1973، واقترح فيه تصفية المخيمات لكثافتها السكانية العالية وتوزيع (اللاجئين) في مناطق تسهل السيطرة الأمنية عليها وإعادة تأهيل (اللاجئين) من قبل إسرائيل وتجريدهم من صفة اللجوء.
7. اقترح ارئيل شارون: قائد القوات العسكرية في قطاع غزة سنة 1971، نقل أربعين ألف شخص من مخيمات القطاع إلى مكان آخر لتخفيف الازدحام السكاني وقام بخطوات عملية بهذا الشأن حيث شق الشوارع في المخيمات وهدم آلاف البيوت ونقل أصحابها خارج المخيمات. حيث تم التوطين في مشاريع إسكان أقيمت من أجل ذلك فمثلاً، من مخيم الشاطئ إلى حي الشيخ رضوان ومن خان يونس إلى حي الأمل، ومن مخيم البريج إلى النزلة ومن مخيم رفح إلى حي كندا وهكذا.
8. اقترح يسرائيل جاليلى: وزير في حكومة العمل عام 1973، إعادة تأهيل اللاجئين وتوفير مساكن لهم مجاورة للمخيمات وتحويلها إلى مدن أو دمج المخيمات في المدن المجاورة.
9. اقترحت لجنة بورات: التي شكلتها حكومة بيجن عام 1982، نقل 250 ألف (لاجئ) من مخيماتهم إلى المدن المجاورة .
10. ومنذ قدوم السلطة الفلسطينية وحتى اليوم تتوالى الحلول والصفقات والاقتراحات لارتكاب جريمة سياسية جديدة بحق هؤلاء المهجرين من مدنهم وقراهم ليضيفوا نكبة جديدة إلى سلسلة النكبات والنكسات التي حلت باللاجئين في كافة مناحي الحياة لتكون العنوان الأبرز لهذه المرحلة: "لعنة التوطين تلاحق اللاجئين في كل مكان وزمان" والتي كان أخرها تصريح وزير الخارجية بحكومة الاحتلال الإسرائيلي سيلفان شالوم في بداية شهر نوفمبر 2005، والتي طالب خلالها بنقل تدريجي لصلاحيات وكالة الغوث إلى السلطة الفلسطينية، لتكون بداية الطريق نحو توطين اللاجئين والقضاء على حقهم في العودة .
على الرغم من كل تلك المشاريع إلا أنها لم تنجح في إنهاء قضية المهجرين، فما زالت المخيمات بشوارعها وأزقتها الضيقة تعاني الفقر والمآسي، كذلك فشلت هذه المشاريع في قتل الأمل عند اللاجئين من العودة إلى أرضهم ومدنهم وقراهم الأصلية التي طردوا منها بقوة السلاح بل ما زال أولئك اللاجئون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم في قراهم ومدنهم الأصلية، وشهادات الطابو التي تحفظ لهم حقوقهم في أراضيهم التي يملكونها في تلك المدن.
أمامنا عمل كثير ولكن بهمة الشباب نستطيع توثيق تاريخنا وجغرافيتنا التي حرمنا منها.
إن الفائدة من هذا العمل لا تنصبّ على الماضي فقط، من حيث إحياء الذاكرة الوطنية وتسجيل جرائم الحرب والتعلم من دروس التاريخ. ولكنها بالأساس تنصبّ على المستقبل حيث يحمل الشباب رسالة الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية من جيل الى جيل. إن إحياء ذكرى يوم الأرض ما هو إلا خريطة عمل لتنفيذ حق العودة واسترجاع الحقوق المسلوبة.
علينا إنقاذ ارض فلسطين. فهذا هو إرث شعب فلسطين وهو دين في أعناقنا يجب الوفاء به، لا نفرط فيه أبداً مهما طال الزمن
"عاش يوم الارض الخالد وعاشت ذكراه"
عاش يوم الارض وعاش شهداؤه وعاشت ذكراه
ارضي بدمي برويها ولدي وروحي بفديها
ويلك يا طامع فيها... ويلك يا طامع فيها
قلبنا الارض قلبه بعد قلبه وحبك يا هلارض بعده معلق في قلبي
نرجو من اهلنا في كفر قاسم المشاركة في جميع فعاليات
يوم الارض الخالد
تعليق