خاطرة صلاة التهجد ليلة 21 رمضان 1427هـ
الدوحة – موقع القرضاوي / 14-10-2006
واصل فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في درسه الأول بصلاة التهجد بجامع الشيوخ أمس الأول رحلته في رحاب القرآن الكريم ، وتوقف مع قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
ومضى فضيلته مفسرا الآية قائلا : لقد كان المشركون من أهل مكة إذا سمعوا القرآن يتحدث عن العنكبوت ويتحدث عن النمل ويتحدث عن النحل وعن الذباب أحيانا إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، كلما سمعوا أسماء هذه الحشرات قالوا: محمد يذكر في كتابه النمل والنحل والعنكبوت ويضرب بها المثل، فنزله قول الله عز وجل: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ.
وأضاف فضيلته أن القرآن ذكر أن هذه الحشرات التي يحتقرها الناس إنما هي أمم مثل الأمم البشرية، وقد جاء ذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ، وهناك في عالم هذه الحشرات ما نعلم ومالا نعلم حتى يومنا هذا.
ثم انتقل إلى قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ في أوائل الجزء الحادي والعشرين وهي من سورة العنكبوت ايضا، وفيها يبين الله تعالى أنه كما نزلت الكتب السماوية على الرسل من قبل فقد نزل القرآن على رسولنا ، والكتاب في هذه الآية هو القرآن، وإن كان بعض المتعالمين في عصرنا قالوا إن الكتاب شيء والقرآن شيء آخر والفرقان شيء والذكر شيء آخر، وهذا الكلام ما أنزل الله به من سلطان، فالكتاب هو القرآن، والقرآن يعبر عنه تارة بالكتاب لأنه يكتب وبالذكر لأنه يذكر وبالفرقان لانه يفرق بين الحق والباطل.
وقال فضيلته ان مأساة المسلمين في العصر الحديث هي المتعالمون الذين يتعلمون بعض القشور ثم يقحمون أنفسهم على القرآن، فحظهم ضئيل ضئيل من الثقافة الإسلامية ومن اللغة العربية، ولكن المصيبة أيضا أنهم يعتقدون ان كل علم يحتاج إلى تخصص الا علم الدين والشرع فكل من هب ودب يريد أن يجعل من نفسه شيخ الإسلام، يفسر القرآن كما يشاء ويشرح الدين كما يريد، ولو ترك الأمر على ما هو عليه لأصبح لكل واحد دين يخصه، ولم يعد الأمر جامعاً يشمل أمة لها عقائدها وخصائصها وشريعتها وغايتها ومنطلقاتها.
وأوضح العلامة القرضاوي أن الآية حملت ثناء ومدحاً لأهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن لما نزل، بعد أن اتضح لهم أنه الحق فآمنوا به وأذعنوا للحق ولم يقلدوا تقليداً أعمى فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وأيضا من العرب من قريش وما حولها من يؤمن به ولا يجحد بآيات الله تعالى إلا الكافرون وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ والكفر معناه الستر، أي الذين يغطون ويخفون الحقائق وهي واضحة، يسترونها ولا يريدون لأحد أن يراها فهم يعرفون الحق ويحيدون عنه.
وفي الآية التالية وهي قوله تعالى وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ قال العلامة القرضاوي ان كل شيء يدل على أن الكتاب الذي أنزل على رسولنا هو الحق حيث تضمن العديد من جواهر الحكم وجوامع الكلم، وروائع التشريع وحقائق العلم وثوابت العقائد وقد تضمن ما لا يمكن أن يأتي به أعظم الفلاسفة، وها نحن نرى الان أن تلميذ الابتدائي في وقتنا الحالي قد يعرف ما لم يكن يعرفه الفلاسفة الكبار، وهذه الآية تشير إلى معجزة لنبينا حيث كان أمياً لا يحسن القراءة ولا الكتابة، ولو كان يقرأ أو يكتب لحدثت الريبة والشك في نفوس المبطلين وأثاروا الشكوك حول امكانية اطلاعه على الكتب القديمة والأخذ منها.
وأكد فضيلة العلامة القرضاوي أن ما جاء في القرآن لا يستطيع أن يأتي به واحد من البشر أمياً كان أو قارئاً مهما بلغ من العلم، وهذا القرآن آيات واضحة الدلالة في صدور الذين أوتوا العلم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ وهذه الآيات الواضحة الدلالة على أنه من الله تعالى، هي في صدور الذين أوتوا العلم، الذين يعرفون قيمة هذا الكتاب وما أودع الله فيه من نور وهداية، ومعارف وتشريع وكل ما أودع الله فيه من خير وحق وهدى يعرفه الذين أوتوا العلم.
وأضاف أن القرآن وان كان مكتوبا في المصاحف فهو كذلك محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، ولا يجحد به الا الظالمون الذين يعدلون عن الحق إلى الباطل، فبعد أن عرفوا الحقيقة ظلموا أنفسهم وظلموا الناس الذين ضللوهم عن الحق، وأثاروا الشبهات، وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ وهم في قولهم هذا يقولون كما قال المشركون لرسلهم على مر العصور، حيث قالوا: لماذا لا يأتي لنا بآيات حسية؟ ولماذا لم يأت محمد بآيات مثل تلك التي جاء بها موسى مثل العصى ويده، أو الآيات التي جاء بها عيسى؟
وبيَّن أن رسول الله ظهرت على يديه مئات الخوارق الحسية لكنه لم يتحد بها، ولم تكن اجابة على ما طلبه الكفار، وقد قال تعالى لنبيه قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ فالانبياء مهما أوتوا من آيات فإنما هي بإذن الله تعالى، وأن المهمة الأساسية للأنبياء هي البلاغ والتذكير والانذار بآيات الله وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ وفي هذا المقام لم يذكر مقام البشارة وإنما ذكر مقام الإنذار حيث انه يرد على تكذيب بآيات الله واقتراحات متعسفة لا يقصد بها إلا التعنت وهي لا يجدي معها أسلوب التبشير وانما يصلح لها أسلوب الانذار والتهديد.
وقال فضيلته لقد رد الله تعالى على الكفار في طلبهم نزول آية على النبي محمد كما جاء في قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فالقرآن هو المعجزة الكبرى لمحمد ، والآيات الحسية محدودة في مكانها وزمانها، لا يعترف بها إلا من شاهدها، فإحياء الميت على اليد المسيح عليه السلام ما رآه إلا مجموعة قليلة العدد، ولو لم يذكر لنا القرآن هذه الواقعة ما صدقناها، ولا علمنا بها، وغيرها من الآيات.
وأضاف ان معجزة الإسلام هي معجزة أدبية وعقلية وهي عامة وشاملة وخالدة يطلع عليها الناس جميعا في كل قارة من القارات وكل قرن من القرون إلى قيام الساعة، وهي ميزة للقرآن الكريم، حيث إنه معجزة عامة ومعجزة باقية، وهو رحمة وذكرى لقوم يؤمنون، وقد تحدى القرآن مشركي العرب أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا وبسورة فعجزوا وبعشر آيات فعجزوا أيضا وعجزوا عن الاتيان بآية من مثله، وقد حق عليهم قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا.
وقال العلامة القرضاوي اننا وكما تحدى الله ورسوله العرب أن يأتوا بمثله، فإننا نتحدى العالم بما حواه من إعجاز تشريعي واصلاحي للبشرية كلها في كل مجالات الحياة، وفي اصلاح النفوس والأسرة والمجتمع، وفي الاصلاح المالي والسياسي والعلاقات الدولية في تحرير الرقيق وانصاف المرأة.
وأضاف اننا نتحدى العالم بمن فيه من فلاسفة وعلماء ومفكرين، نتحداهم بما ثبت تاريخيا أن محمداً لم يكن يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه وجاءنا بالقرآن المعجز، وقد قال : «ما من نبي قبلي إلا أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أعطيته وحياً أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثر تابعاً يوم القيامة».
وقال العلامة القرضاوي إن الله تعالى وجه نبيه إلى رد حكيم قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا وهذا دليل على أن محمداً مأمور من قبل ربه سبحانه وتعالى، فهو يقول له قُلْ في مواضع عديدة بلغت 333 موضعا في القرآن الكريم، وهي دلالة عظيمة على نبوة سيدنا محمد، وإن كان بعض الجاهلين يقولون بحذف كلمة قل من القرآن بحجة أنها كانت خطابا لمحمد وليست لنا، موضحاً أن الله تعالى طلب من الرسول أن يخبر المشتركين بأن الله شهيد بينه وبينهم، وشهادة الله لمحمد كافية في هذه القضية، فالقرآن آية شاهدة أيضا، بل ان أخلاقه، وشمائله آية شاهدة على صدقه، وقد قال أحد العرب لما رأى رسول الله أنه ليس وجه كذاب، وقد ساقت الآية دليلاً على شهادة الله لنبيه حيث هو سبحانه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ويعلم اتهامات الكفار له ، ومثل هؤلاء المشتركين هم الخاسرون وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وأي خسارة أعظم من خسارة الآخرة.
____________
نقلا عن جريدة الشرق القطرية
جنين القسام منقول
الدوحة – موقع القرضاوي / 14-10-2006
واصل فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في درسه الأول بصلاة التهجد بجامع الشيوخ أمس الأول رحلته في رحاب القرآن الكريم ، وتوقف مع قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
ومضى فضيلته مفسرا الآية قائلا : لقد كان المشركون من أهل مكة إذا سمعوا القرآن يتحدث عن العنكبوت ويتحدث عن النمل ويتحدث عن النحل وعن الذباب أحيانا إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، كلما سمعوا أسماء هذه الحشرات قالوا: محمد يذكر في كتابه النمل والنحل والعنكبوت ويضرب بها المثل، فنزله قول الله عز وجل: إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ.
وأضاف فضيلته أن القرآن ذكر أن هذه الحشرات التي يحتقرها الناس إنما هي أمم مثل الأمم البشرية، وقد جاء ذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ، وهناك في عالم هذه الحشرات ما نعلم ومالا نعلم حتى يومنا هذا.
ثم انتقل إلى قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ في أوائل الجزء الحادي والعشرين وهي من سورة العنكبوت ايضا، وفيها يبين الله تعالى أنه كما نزلت الكتب السماوية على الرسل من قبل فقد نزل القرآن على رسولنا ، والكتاب في هذه الآية هو القرآن، وإن كان بعض المتعالمين في عصرنا قالوا إن الكتاب شيء والقرآن شيء آخر والفرقان شيء والذكر شيء آخر، وهذا الكلام ما أنزل الله به من سلطان، فالكتاب هو القرآن، والقرآن يعبر عنه تارة بالكتاب لأنه يكتب وبالذكر لأنه يذكر وبالفرقان لانه يفرق بين الحق والباطل.
وقال فضيلته ان مأساة المسلمين في العصر الحديث هي المتعالمون الذين يتعلمون بعض القشور ثم يقحمون أنفسهم على القرآن، فحظهم ضئيل ضئيل من الثقافة الإسلامية ومن اللغة العربية، ولكن المصيبة أيضا أنهم يعتقدون ان كل علم يحتاج إلى تخصص الا علم الدين والشرع فكل من هب ودب يريد أن يجعل من نفسه شيخ الإسلام، يفسر القرآن كما يشاء ويشرح الدين كما يريد، ولو ترك الأمر على ما هو عليه لأصبح لكل واحد دين يخصه، ولم يعد الأمر جامعاً يشمل أمة لها عقائدها وخصائصها وشريعتها وغايتها ومنطلقاتها.
وأوضح العلامة القرضاوي أن الآية حملت ثناء ومدحاً لأهل الكتاب الذين آمنوا بالقرآن لما نزل، بعد أن اتضح لهم أنه الحق فآمنوا به وأذعنوا للحق ولم يقلدوا تقليداً أعمى فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وأيضا من العرب من قريش وما حولها من يؤمن به ولا يجحد بآيات الله تعالى إلا الكافرون وَمِنْ هَؤُلاَءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ والكفر معناه الستر، أي الذين يغطون ويخفون الحقائق وهي واضحة، يسترونها ولا يريدون لأحد أن يراها فهم يعرفون الحق ويحيدون عنه.
وفي الآية التالية وهي قوله تعالى وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ قال العلامة القرضاوي ان كل شيء يدل على أن الكتاب الذي أنزل على رسولنا هو الحق حيث تضمن العديد من جواهر الحكم وجوامع الكلم، وروائع التشريع وحقائق العلم وثوابت العقائد وقد تضمن ما لا يمكن أن يأتي به أعظم الفلاسفة، وها نحن نرى الان أن تلميذ الابتدائي في وقتنا الحالي قد يعرف ما لم يكن يعرفه الفلاسفة الكبار، وهذه الآية تشير إلى معجزة لنبينا حيث كان أمياً لا يحسن القراءة ولا الكتابة، ولو كان يقرأ أو يكتب لحدثت الريبة والشك في نفوس المبطلين وأثاروا الشكوك حول امكانية اطلاعه على الكتب القديمة والأخذ منها.
وأكد فضيلة العلامة القرضاوي أن ما جاء في القرآن لا يستطيع أن يأتي به واحد من البشر أمياً كان أو قارئاً مهما بلغ من العلم، وهذا القرآن آيات واضحة الدلالة في صدور الذين أوتوا العلم بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ وهذه الآيات الواضحة الدلالة على أنه من الله تعالى، هي في صدور الذين أوتوا العلم، الذين يعرفون قيمة هذا الكتاب وما أودع الله فيه من نور وهداية، ومعارف وتشريع وكل ما أودع الله فيه من خير وحق وهدى يعرفه الذين أوتوا العلم.
وأضاف أن القرآن وان كان مكتوبا في المصاحف فهو كذلك محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم، ولا يجحد به الا الظالمون الذين يعدلون عن الحق إلى الباطل، فبعد أن عرفوا الحقيقة ظلموا أنفسهم وظلموا الناس الذين ضللوهم عن الحق، وأثاروا الشبهات، وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ وهم في قولهم هذا يقولون كما قال المشركون لرسلهم على مر العصور، حيث قالوا: لماذا لا يأتي لنا بآيات حسية؟ ولماذا لم يأت محمد بآيات مثل تلك التي جاء بها موسى مثل العصى ويده، أو الآيات التي جاء بها عيسى؟
وبيَّن أن رسول الله ظهرت على يديه مئات الخوارق الحسية لكنه لم يتحد بها، ولم تكن اجابة على ما طلبه الكفار، وقد قال تعالى لنبيه قُلْ إِنَّمَا الآَيَاتُ عِنْدَ اللهِ فالانبياء مهما أوتوا من آيات فإنما هي بإذن الله تعالى، وأن المهمة الأساسية للأنبياء هي البلاغ والتذكير والانذار بآيات الله وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ وفي هذا المقام لم يذكر مقام البشارة وإنما ذكر مقام الإنذار حيث انه يرد على تكذيب بآيات الله واقتراحات متعسفة لا يقصد بها إلا التعنت وهي لا يجدي معها أسلوب التبشير وانما يصلح لها أسلوب الانذار والتهديد.
وقال فضيلته لقد رد الله تعالى على الكفار في طلبهم نزول آية على النبي محمد كما جاء في قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، فالقرآن هو المعجزة الكبرى لمحمد ، والآيات الحسية محدودة في مكانها وزمانها، لا يعترف بها إلا من شاهدها، فإحياء الميت على اليد المسيح عليه السلام ما رآه إلا مجموعة قليلة العدد، ولو لم يذكر لنا القرآن هذه الواقعة ما صدقناها، ولا علمنا بها، وغيرها من الآيات.
وأضاف ان معجزة الإسلام هي معجزة أدبية وعقلية وهي عامة وشاملة وخالدة يطلع عليها الناس جميعا في كل قارة من القارات وكل قرن من القرون إلى قيام الساعة، وهي ميزة للقرآن الكريم، حيث إنه معجزة عامة ومعجزة باقية، وهو رحمة وذكرى لقوم يؤمنون، وقد تحدى القرآن مشركي العرب أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا وبسورة فعجزوا وبعشر آيات فعجزوا أيضا وعجزوا عن الاتيان بآية من مثله، وقد حق عليهم قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا.
وقال العلامة القرضاوي اننا وكما تحدى الله ورسوله العرب أن يأتوا بمثله، فإننا نتحدى العالم بما حواه من إعجاز تشريعي واصلاحي للبشرية كلها في كل مجالات الحياة، وفي اصلاح النفوس والأسرة والمجتمع، وفي الاصلاح المالي والسياسي والعلاقات الدولية في تحرير الرقيق وانصاف المرأة.
وأضاف اننا نتحدى العالم بمن فيه من فلاسفة وعلماء ومفكرين، نتحداهم بما ثبت تاريخيا أن محمداً لم يكن يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه وجاءنا بالقرآن المعجز، وقد قال : «ما من نبي قبلي إلا أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أعطيته وحياً أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثر تابعاً يوم القيامة».
وقال العلامة القرضاوي إن الله تعالى وجه نبيه إلى رد حكيم قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا وهذا دليل على أن محمداً مأمور من قبل ربه سبحانه وتعالى، فهو يقول له قُلْ في مواضع عديدة بلغت 333 موضعا في القرآن الكريم، وهي دلالة عظيمة على نبوة سيدنا محمد، وإن كان بعض الجاهلين يقولون بحذف كلمة قل من القرآن بحجة أنها كانت خطابا لمحمد وليست لنا، موضحاً أن الله تعالى طلب من الرسول أن يخبر المشتركين بأن الله شهيد بينه وبينهم، وشهادة الله لمحمد كافية في هذه القضية، فالقرآن آية شاهدة أيضا، بل ان أخلاقه، وشمائله آية شاهدة على صدقه، وقد قال أحد العرب لما رأى رسول الله أنه ليس وجه كذاب، وقد ساقت الآية دليلاً على شهادة الله لنبيه حيث هو سبحانه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ويعلم اتهامات الكفار له ، ومثل هؤلاء المشتركين هم الخاسرون وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وأي خسارة أعظم من خسارة الآخرة.
____________
نقلا عن جريدة الشرق القطرية
جنين القسام منقول
تعليق