هل يجتمع دينان في غزة؟
إسم الكاتب : عبد الرحمن الراشد
--------------------------------------------------------------------------------
في يوم الجمعة الماضية حماس هي التي ضربت المصلين وفرقتهم بالقوة، وفتح هي التي نددت وطالبت بحقهم في أن يؤدوا الصلاة في الساحات العامة. ما هو رأي الدين هذه المرة؟
كالعادة هناك دينان، إسلام الحكومة وإسلام المعارضة. مفتي حكومة حماس اسمه الشيخ مروان ابوراس، رئيس رابطة علماء فلسطين، يقول ان «من يصلي في الساحات آثم، لأن فيه استخدام للصلاة خارج نطاق العبادة» أي من لا يصلي وراء امام الحكومة آثم. أما شيخ المعارضة، تيسير التميمي، قاضي قضاة فلسطين، فقد أكد جواز صلاة الساحات العامة، وأنه يوافق السنة النبوية، واستنكر قيام بوليس حماس بضرب المصلين في غزة، أي انه مع أن يجمع الناس وراء خطيب ينتقد الحكومة.
انقلب المشهد سياسيا لينقلب دينيا. فالذي كان يستخدم الساحات العامة للصلوات المعارضة للحكومة هي حماس على مدى 15 عاما. استخدمت صلاة الجمعة في اغراض سياسية، من خلالها باحت بمعارضتها، ومواقفها، وقدمت شخصياتها، وقادت تحريضها. فتح، عندما كانت في السلطة في غزة، كانت تعتبر صلوات الساحات ومساجد المعارضة استخداما آثما للدين.
دين حماس ودين فتح، ليس بدعة سيئة جديدة، فهو المألوف اليوم. فصلاة الجمعة تهان كل أسبوع في عرض العالم الإسلامي، باستخدامها سياسيا لتقسيم مسلمي البيت الواحد، لا البلدة، والبلد الواحد فقط. كل يتأبط مصحفه ويستشهد منه، ويستنجد بمفتيه وعلمائه، ويبني مساجده. الا يستحق هذا المشهد المفكك للأمة التأمل في ضرورة الاعتراف بأكبر مشكلة موجودة تواجه المسلمين اليوم في انحاء العالم، أي خطر استخدام الدين الثابت في السياسة المتغيرة؟ ان من يرى فتاوى تنظيم «القاعدة» والحركات المماثلة، والأحزاب المعارضة، والحكومات، والمستقلين، يكتشف كيف صار استخدام الدين هو الفاعل الأول في شق الصف، ورفع السلاح، والانقسام الميكروبي للمجتمع على نفسه الى فرق صغيرة، والتدمير الهائل الذي لم يوفر بيتا مقدسا أو دارة عادية.
غزة نموذج آخر مكرر لما يحدث في كل مكان من جاكارتا الى الرباط، كل يستخدم الدين في غاياته، لتوطيد الحكم أو هدمه. وعندما ننصح بتنزيه الدين عن السياسة، بإبعاده، يهجم على هذه العبارة فئتان من الناس، فئة جاهلة بطبيعة المشكلة، وأخرى مستفيدة من استغلال الدين. أكثرية الناس تظن أن الأمور واضحة في السياسة ومحسومة، وهي لم تكن قط كذلك. السياسة دائما متغيرة، ومن يعمل فيها متغير أيضا موقفا وشخصا، أما الدين فثابت. ولو تولى حزب يسرف في استخدام الدين سياسيا، مثل الإخوان المسلمين في مصر، سيفعل ما تفعله حماس اليوم، وتفعله الحكومة المصرية، أيضا. سنرى سيارات شرطة الحكومة، اي الاخوان، تجمع من يخطبون في المساجد ضد سياساتها الخارجية وقراراتها المحلية. والملاحقون سيكونون غالبا ممن هم خارج الحكم، من حزب الوفد والحزب الوطني المحظورين، ومن «الجهاد» الذي سيدعي ان حكومة الاخوان تخلت عن تطبيقات الشريعة.
قد يكون هذا التصوير هزليا لكنكم اليوم ترون مثله في غزة، شرطة حماس تضرب المصلين من المعارضة. هل هذا مشهد هزلي أم دام؟
تعليق